على غير العادة، انطلق مؤتمر قيادة الحزب الجمهوري في جزيرة "ماكيناك" بولاية ميشيجان الأميركية، مساء الجمعة، وسط غياب مرشحي الحزب للانتخابات الرئاسية، باستثناء رجل الأعمال فيفيك راماسوامي، الذي ألقى خطاباً وجه خلاله انتقاداً مبطناً للرئيس السابق دونالد ترمب رغم وصفه له بأنه "أعظم رئيس في القرن الحادي والعشرين".
المؤتمر الذي ينعقد كل عامين، منذ أربعينيات القرن الماضي، اعتاد جمع أبرز قيادات الحزب، وكان يعتبر محطة أساسية للجمهوريين الطامحين للرئاسة حين يتصادف مع الانتخابات التمهيدية للحزب مرة كل أربعة سنوات.
وعلى الرغم من أن قائمة المرشحين الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية لعام 2024 تضم 12 مرشحاً، إلا أن فيفيك راماسوامي هو المرشح الوحيد الذي شارك في المؤتمر.
الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي يتصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير عن باقي المرشحين الجمهوريين، سبق أن رفض دعوتين للمشاركة في المؤتمر، الأولى في عام 2015 حين كان مرشحاً للرئاسة، والثانية في 2017 حين كان يشغل منصب الرئيس.
راماسوامي قدّم خطاباً حذراً أمام المشاركين في المؤتمر، كال فيه المديح للرئيس السابق دونالد ترمب، غير أنه وجه انتقاداً مبطناً له، في محاولة لإبراز نفسه كمرشح أفضل للجمهوريين في الانتخابات الرئاسية.
وقال: "أنا أحترم ترمب، لقد كان أعظم رئيس في القرن الحادي والعشرين. أنا أحترمه على إنجازاته. لأنني محافظ يؤمن بسياسة أميركا أولاً. لكنني لست مجرد محافظ يؤمن بسياسة ترمب أولاً. فأجندة أميركا أولاً لا تتعلق برجل واحد. إنها لا تنتمي إلى ترمب. إنها ملك للشعب".
وفي انتقاد مبطن لترمب، قال "إنني لست مرشحاً يقوده الانتقام والتظلم. بل يرشدني الامتنان لهذا البلد"، في إشارة إلى الانتقادات الموجهة ضد الرئيس السابق بأنه مرشح يسعى للعودة إلى السلطة بهدف الانتقام، بعدما خسر في الانتخابات الرئيسية التي يزعم أنها مزورة. وشدد على ضرورة أن يحسن الناخبون الاختيار بين مرشحي الحزب الجمهوري.
راماسوامي انتقد كذلك ما سماه بـ"اليسار الجديد"، الذي قال إنه يحاول تغيير حياة الأميركيين وقتل "الحلم الأميركي" عبر الدفع بأجندة تغير المناخ بالرغم من تداعيات ذلك على الاقتصاد، وتشجيع "المظلومية" من خلال الدفع بخطاباته المتعلقة بالتمييز والهوية والكراهية على أساس الجنس والعرق والدين.
الفرع الرابع للحكومة
وتعهد المرشح الجمهوري بتفكيك "الفرع الرابع للحكومة"، وهو مصطلح غير رسمي يشير إلى جماعات ومؤسسات نافذة تؤثر على السلطات الثلاث للحكومة الفيدرالية الأمريكية، التشريعية والتنفيذية والقضائية، قائلاً إن أصحاب النفوذ المالي في "وول ستريت" وشركات التكنولوجيا في "سيليكون فالي" منخرطة مع اليسار في أجندتهم.
وقال "سأغلق الفرع الرابع غير الدستوري. سأخفض عدد الموظفين بنسبة 75% في الجهاز الإداري للدولة بواشنطن. هناك وكالات حكومية لا ينبغي أن تكون موجودة، من مكتب التحقيقات الفيدرالي، إلى مصلحة الضرائب الأميركية، إلى مراكز السيطرة على الأمراض CDC، إلى اللجنة التنظيمية النووية إلى وزارة التعليم الأميركية. سوف نغلقها كلها".
وتعهد بإحياء الاقتصاد الأميركي عبر تحريره من قيود ما أسماه بـ "طائفة تغير المناخ"، قائلاً "سوف نستخرج الوقود الأحفوري، سوف نحرق الفحم، وسنعتمد على الطاقة النووية مرة أخرى دون اعتذار".
وحذر من أن قيود تغير المناخ ستسرع من لحاق الصين بالولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم، وشدد على ضرورة "الاستقلال عن الصين" في كل المجالات التي تعتمد فيها واشنطن على بكين.
مؤتمر "الطامحين للرئاسة"
منذ انطلاقه في عام 1955، شكَّل مؤتمر قيادة الحزب الجمهوري في "ماكيناك" منصة لبروز الجدد الطامحين لنيل ترشيح الحزب للانتخابات الرئاسية. كما تحول المؤتمر فيما بعد إلى محطة تقليدية لإظهار وحدة الحزب والتداول بشأن خطاب الحزب على الصعيد الفيدرالي، قبل كل موعد للانتخابات الرئاسية.
وظل المؤتمر يحافظ على هذا التقليد ويستقطب كبار مسؤولي الحزب المنتخبين والقادة الصاعدين، قبل أن يشهد هذا العام، تراجع اهتمام القيادات الجمهورية بالمشاركة.
في عام 2015، التي صادفت الانتخابات التمهيدية، شارك عدد من المرشحين الجمهوريين للرئاسة ضمنهم حاكم فلوريدا جيب بوش والسيناتور تيد ركوز وحاكم أوهايو آنذاك جون كاسيش، فضلاً عن السيناتور راند بول وسيدة الأعمال كارلي فيورينا. وكان دونالد ترمب من أبرز الغائبين.
وفي عام 2019، الذي سبق الانتخابات الرئاسية، شارك مايك بنس، بصفته نائب الرئيس، بالإضافة إلى وزيرة التعليم في إدارة ترمب آنذاك بيتسي ديفوس وزعيم الأغلبية بمجلس النواب كيفن مكارثي.
جيل جديد
قائدة الحزب الجمهوري في ميشيجان، كرستينا كارامو، كتبت، في بيان، إن نسخة 2023 من المؤتمر تسعى إلى إحياء التقليد الجمهوري بجعل المؤتمر مرة أخرى منصة لإبراز جيل جديد من قادة الحزب، وللتواصل بين الجمهوريين لمناقشة سياسة الحزب، وبناء الوحدة بهدف الفوز في الانتخابات. غير أن مساعيها تعثرت قبل انطلاق المؤتمر، إذ فشلت في إقناع قيادات الحزب الفيدرالية البارزة والمرشحين للانتخابات في التواجد، فضلاً عن اعتذار 16 مشرعاً منتخباً بالحزب في مجلس نواب ولاية ميشيجان من أصل 18 عن عدم المشاركة في المؤتمر بذرائع مختلفة، وفق ما أفادت تقارير محلية.
جيف تيمر، وهو مستشار سياسي في ميشيجان، اعتبر أنه "من التهريج أن يتم التظاهر بأن النسخة الحالية من المؤتمر تشبه تلك التي وقعت في الماضي، حين كان المؤتمر تقليداً مهماً للجمهوريين". وأضاف أنه لا يمكن مقارنة ما يحدث الآن "بنسخة 2008 مثلاً، حين حضر 7 من أبرز المرشحين في الانتخابات التمهيدية، جون ماكين وميت رومني، رون بول، فريد تومسون، دانكن هانتر، رودي جولياني، وأداروا مناقشات جادة بشأن خطاب الحزب السياسي، بحسب ما نقلت عنه صحيفة "ديترويت نيوز".
ما سبب تراجع الاهتمام؟
أرجعت وسائل إعلام محلية عدم اهتمام المرشحين الجمهورين بالمشاركة في مؤتمر "ماكيناك" هذا العام إلى المؤشرات الأولية التي أظهرت تراجعاً كبيراً في عدد المسجلين لحضور الحدث.
في عام 2015، بلغ عدد الحاضرين رقماً قياسياً بتسجيل نحو 2400 شخص، في وقت كان الحزب يشهد زخماً في الولاية، بسيطرته على مجلس النواب والشيوخ بالولاية. ولم يعلن المنظمون عدد المشاركين المسجلين هذا العام، غير أن عدداً كبيراً من المتبرعين التقليديين أعلنوا عدم مشاركتهم بسبب إصرار قيادة الحزب المحلية على دعم مزاعم ترمب بتزوير انتخابات عام 2020 الرئاسية.
وقالت صحيفة "ديترويت نيوز"، إن احتمال عدم حضور جمهور كبير هذا العام قد يكون ضمن الأسباب التي ساهمت في غياب باقي المرشحين الجمهوريين للانتخابات الرئاسية، وضمنهم رون ديسانتين ومايك بنس ونيكي هايلي.
كما رجحت تقارير محلية أن يكون قرار تغيير طريقة التصويت في الولاية خلال الانتخابات التمهيدية للجمهوريين، ساهمت في غياب المرشحين أيضاً. في يونيو الماضي، وافق الحزب الجمهوري في ميشيجان على مقترح باعتماد نظام "المؤتمر الحزبي" في التصويت بالانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية، وهو أمر يصب في صالح ترمب.
وميشيجان، ولاية متأرجحة، كانت ضمن 21 ولاية أميركية تعتمد ما يسمى بـ "انتخابات تمهيدية مفتوحة"، حيث يُسمح لأي ناخب مسجل الإدلاء بصوته، بغض النظر عن انتمائه الحزبي. أما في نظام المؤتمر الحزبي، يتم اختيار ممثلي الولاية في الانتخابات التمهيدية عبر اجتماعات حزبية مغلقة، ما يصب في مصلحة ترمب، نظراً لشعبيته وسط مسؤولي الحزب المحليين، بحسب "رويترز".
وفي يوليو الماضي، أصدر ترمب بياناً أكد فيه حصوله على تأييد جميع أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس النواب بولاية ميشيجان، خلال الانتخابات التمهيدية.
ولاية متأرجحة
وكانت ولاية ميشيجان واحدة من 3 ولايات أعطى انقلاب تصويتها في الانتخابات الرئاسية عام 2016 من الديمقراطيين إلى الجمهوريين مؤشراً مبكراً على فوز ترمب بالمعركة الرئاسية، ودخول البيت الأبيض على حساب مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون.
غير أن ميشيجان تحولت إلى ولاية متأرجحة، بعدما خسر فيها ترمب خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة في 2020 ضد المرشح الديمقراطي جو بايدن.
ورفض ترمب الاعتراف بهزيمته في انتخابات في الولاية بسبب مزاعم تزوير، ودعا أعضاء الكونجرس في ميشيجان إلى إلغاء نتائج الانتخابات في الولاية، غير أن محاولاتهم باءت بالفشل.
وبحسب وكالة "رويترز" فإن دعم القيادة الجمهورية في ميشيجان لمزاعم ترمب بشأن تزوير الانتخابات دفعت عدداً كبيراً من المتبرعين التقليديين في الولاية للحزب الجمهوري إلى التوقف عن تقديم الأموال، ما قد يؤثر على حملات مرشحي الحزب في الانتخابات المقبلة، في ولاية متأرجحة قد تحسم نتائج السباق الرئاسي أو السيطرة على مجلس الشيوخ في انتخابات 2024.