شهدت المناظرة الثانية بين المتنافسين على الفوز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية، المقررة في 2024، أول هجوم علني حاد من حاكم فلوريدا رون ديسانتيس على الرئيس السابق دونالد ترمب، المرشح الأوفر حظاً لانتزاع بطاقة الترشح عن الحزب.
واحتلت السياسات الاقتصادية للرئيس جو بايدن والتضخم والإغلاق الحكومي المنتظر صدارة الجدل في المناظرة الجمهورية الثانية التي جرت في مدينة سيمي فالي بولاية كاليفورنيا الأميركية، والتي شهدت هجوم المرشحين على ترمب وبايدن معاً.
وشارك في المناظرة 7 مرشحين، هم: حاكم فلوريدا رون ديسانتيس (44 عاماً)، ورجل الأعمال فيفيك راماسوامي (38 عاماً)، والسيناتور تيم سكوت (57 عاماً)، ونائب الرئيس السابق مايك بنس (64 عاماً)، والسفيرة السابقة في الأمم المتحدة نيكي هايلي (51 عاماً)، وحاكم نيوجيرسي السابق كريس كريستي (60 عاماً)، وحاكم نورث داكوتا دوج بورجوم (67 عاماً).
ولم يتأهل حاكم أركنساس السابق أسا هاتشينسون (72 عاماً) لهذه المناظرة، بعد أن شارك في المناظرة الأولى، فيما غاب ترمب عن المناظرة للمرة الثانية. وبدلاً عن حضور المناظرة، قرر المشاركة في فعالية مع عمال صناعة السيارات المضربين عن العمل في ديترويت حيث هاجم بايدن وسياسات الديمقراطيين.
وشهدت المناظرة خرقاً لقواعد الحديث، إذ قاطع المرشحون بعضهم في محاولة للبروز وكسر حالة التعادل بين بعضهم في استطلاعات الرأي الأخيرة، خاصة نيكي هايلي وراماسوامي.
ترمب الغائب "بطوط"
واختار حاكم فلوريدا رون ديسانتيس توجيه سهامه إلى بايدن وترمب على حد سواء، وقال: "أين بايدن؟ إنه غائب عن القيادة، هل تعرفون من الغائب أيضاً؟ إنه دونالد ترمب، لقد أضاف 7.8 تريليون دولار إلى الدين العام، وساهم في التضخم الذي نواجهه اليوم، وهو غائب عن المناظرة وغائب عن المساءلة عن سجل أفعاله".
وألقى حاكم نيوجيرسي السابق كريس كريستي هو الآخر باللوم على ترمب في أزمة الدين الحكومي، الذي قال إنه ساهم في أزمة الموازنة الحالية، التي تهدد بإغلاق الحكومة الفيدرالية بحلول الأول من أكتوبر إذا لم يتوصل الكونجرس إلى مشروع قانون لتمديد تمويلها.
وسعى كريستي إلى تسليط الأضواء خلال المناظرة على الدعاوى القضائية التي يواجهها ترمب، فقال: "أريد أن أنظر إلى الكاميرا الآن لأقول لك يا دونالد (ترمب)، أعلم أنك تشاهد، فلا يمكنك المقاومة. أعلم أنك تشاهد، حسناً".
وأضاف: "أنت لست هنا الليلة، ليس بسبب استطلاعات الرأي، وليس بسبب لوائح اتهامك، أنت لست هنا الليلة لأنك تخشى الوقوف على المنصة والدفاع عن سجلك. أنت تتهرب من هذه الأمور. ودعني أخبرك بما سيحدث، إذا واصلت فعل ذلك، فلن يناديك أحد هنا باسم دونالد ترمب بعد الآن، وإنما سوف نسميك دونالد داك"، في إشارة ساخرة إلى الشخصية الكرتونية الأميركية الشهيرة من شركة والت ديزني "دونالد داك" أو "البطة دونالد" التي تشتهر في العالم العربي باسم "بطوط".
كما انتقدت نيكي هيلي، التي خدمت كسفيرة لدى الأمم المتحدة في عهد ترمب، رئيسها السابق بسبب تعامله مع الصين، قائلة: "لقد ركز على التجارة مع الصين، ولم يركز على حقيقة أنهم كانوا يشترون أراضينا الزراعية، ولم يركز على حقيقة أنهم كانوا يقتلون الأميركيين".
بايدن والاقتصاد والعمال
وشهدت مداخلات الجمهوريين هجوماً حاداً على سياسات بايدن الاقتصادية، فيما هاجم ديسانتيس ترمب لغيابه عن المناظرة، وألقي عليه باللوم في ارتفاع الدين الحالي وأزمة التضخم قائلاً إنه "أضاف 7.8 تريليون دولار إلى الدين العام".
وانتقد السيناتور تيم سكوت الرئيس جو بايدن، وقال إنه "لا يجب أن يكون مع المضربين في ديترويت، وإنما على الحدود الجنوبية، التي هي غير آمنة وتشهد تهريب مخدر الفنتانيل الذي يقتل الأميركيين في كل الولايات". وأضاف أن "الشيء الوحيد الذي يجب أن يفعله هو استكمال بناء الجدار الحدودي".
وقال سكوت إن "العمال المضربين يريدون منافع وامتيازات أكبر مقابل ساعات عدد أقل"، رافضاً التعامل مع قيادات الاتحادات العمالية، وأضاف أن "سياسات بايدن تعد بأكثر مما يمكنها الوفاء به للعمال".
وكان سكوت يشير هنا إلى زيارة بايدن إلى العمال المضربين في ديترويت بولاية ميشيجان التي اختار ترمب أن يلقي كلمة فيها، الأربعاء، تزامناً مع المناظرة.
واتفق رجل الأعمال فيفيك راماسوامي مع سكوت، وقال: "لا صبر لدي للتعامل مع قيادات الاتحادات العمالية، لكنني أتعاطف مع عمال السيارات، فوالدي كان يعمل في جنرال موتورز وتم تسريحه، واضطرت والدتي للعمل بسبب ذلك، لذا أتفهم الصعوبات وأدرك أنها ليست خياراً، لكن لعب دور الضحية اختيار، وأقول للمضربين إن عليهم أن يحتجوا، ليس في المصانع وإنما أمام البيت الأبيض".
ودعا راماسوامي إلى "زيادة العمل في مجال الطاقة والوقود الأحفوري، والتخلي عن القيود التي تعيق الاقتصاد.. علينا أن نتخذ النمو الاقتصادي كنهج، والرأسمالية لا تزال صالحة".
"بايدن ينتمي للعاطلين"
أما نائب الرئيس السابق مايك بنس فقال: "اختلف مع سكوت، لا مكان لبايدن مع المضربين، وإنما مع العاطلين عن العمل"، في إشارة إلى ضرورة خروجه من البيت الأبيض.
وانتقد بنس سياسات بايدن قائلاً إنها "جيدة لبكين (الصين) وسيئة لديترويت (معقل صناعة السيارات الأميركية)"، واعتبر أن تركيز بايدن على السيارات الكهربائية وسياسات الطاقة النظيفة تضر بالولايات المتحدة وتعزز الاقتصاد الصيني.
وألقت السفيرة السابقة بالأمم المتحدة نيكي هايلي باللوم على الإنفاق الحكومي الضخم لإدارة بايدن في ارتفاع التضخم والإضرار بالعمال، ودعت للتخلي عن فرض الضرائب على الديزل والبترول.
بدوره، اعتبر دوج بوجروم أن تدخل بايدن في السوق الحرة، التي يجب أن تعتمد الرأسمالية، هو أحد أسباب الأزمة، وقال إن "دعمه للسيارات الكهربائية التي تصنع بطارياتها في الصين يضر باقتصادنا".
الحدود والهجرة
وفي ملف الهجرة، قال كريس كريستي إن "ما يجب أن نفعله هو إنفاذ القانون، منتقداً إدارة بايدن في عدم تنفيذ ذلك".
وأضاف: "يجب أن يكون لدينا رئيس يفعل مثلما فعلت أنا كحاكم، وهو تنفيذ القانون أولاً وأخيراً، إضافة إلى إرسال الحرس الوطني لبناء الجدار على الحدود، وأن تدفع المكسيك ثمنه".
وتابع: "يجب تعزيز القوات على الحدود بالجنود والدوريات، وإرسال رسالة بأن هناك 6 ملايين وظيفة شاغرة في البلاد، لكن لا يمكن الحصول عليها عبر الهجرة غير الشرعية، وإنما عن طريق القانون".
واتهم كريستي الرئيس السابق ترمب بأنه "فشل أيضاً في ملف الهجرة عندما قال إنه سيبني جداراً بطول 52 ميلاً على نفقة المكسيك ولم يفعل ذلك".
بدورها، اعتبرت نيكي هايلي أن "بايدن جزء كبير من المشكلة، عندما قال للجميع (المهاجرين) تعالوا إلى هنا، لهذا شاهدنا عدداً كبيراً من المهاجرين".
وطالبت بتأمين الحدود عبر زيادة عدد حرس الحدود وتوفير الموازنة اللازمة لذلك، وقالت: "وهذا ما لا يفعله جون بايدن".
وقال راماسوامي: "اتفق مع كل الجمهوريين بضرورة إرسال قوات إلى كل الحدود الجنوبية"، متعهداً بأنه في حالة فوزه برئاسة أميركا "سيتخذ خطوات أكثر جرأة عبر فرض قانون يمنع منح حق الحصول على الجنسية بالولادة لأولاد المهاجرين".
في المقابل، انتقد السيناتور تيم سكوت رجل الأعمال راماسوامي قائلاً: "إنه متناقض، لقد وصفنا قبل ذلك جميعاً بأننا سيئون، والآن يقول إننا جيدون، فكيف نقتنع بذلك؟ خاصة من شخص التقى مسؤولين في الحزب الشيوعي الصيني".
من ناحيته، قال مايك بنس: "تفاوضت مع الحكومة المكسيكية، وجلبناها إلى طاولة التفاوض عبر ملف الطاقة، وبنينا جداراً طويلاً وقلّلنا الهجرة غير الشرعية بـ20%، وكرئيس للبلاد سأقوم بإصلاح منظومة الهجرة الفاشلة، ويجب أن نؤمن أولاً الحدود الجنوبية، وأعلم جيداً كيف سأفعل ذلك، وسأبني قوة عسكرية خاصة بذلك".
ودعا مايك بنس، نائب الرئيس السابق، إلى إصلاح "نظام الهجرة المعطل" وتأمين الحدود الجنوبية، وأشاد بسياسة الهجرة في عهد إدارة ترمب.
أما ديسانتيس فتعهد بأن يعلن حالة طوارئ وطنية على الحدود، ويعيد سياسة "البقاء في المكسيك".
عقدة الصين
وألقى ديسانتيس باللوم على واشنطن في نجاح الصين بجذب المكسيك وكوبا إليها، وقال: "السبب في الفوضى التي نواجهها هو أن النخب في العاصمة اختارت الاستسلام بدلاً من القوة.. نحتاج إلى سياسة جديدة مع بكين وسط تصاعد التحديات في المحيطين الهندي والهادئ، يجب أن يكون لدينا استقلالية اقتصادية بعيداً عن الصين".
وشدد حاكم فلوريدا على ضرورة الابتعاد عن الثقافة الصينية، مؤكداً أنه يمنع الصينيين من شراء الأراضي في فلوريدا، وقال: "لا يجب أن يكونوا موجودين في جامعاتنا"، متعهداً بأنه إذا تم انتخابه سيوسع القوة الأميركية الحقيقية في منطقة آسيا الباسيفيك لمواجهة بكين.
وانتقد ديسانتيس شركات التكنولوجيا العملاقة والنفوذ الكبير الذي تملكه، وقال إنها تملك قوة كبيرة وتمارس الاحتكار.
وعما إذا كانت مواجهة شركات مثل جوجل ومايكروسوفت تمنح أفضلية للصين، قال ديسانتيس: "منحنا الكثير من قوتنا للحزب الشيوعي، يجب أن نفصل صناعاتنا المهمة عن الصين، ويجب أن نتفوق عليهم في الاقتصاد".
وعند لفت انتباه راماسوامي إلى أنه يستخدم تطبيق "تيك توك" الصيني الذي تحظره الولايات المتحدة على الأجهزة الفيدرالية، قال: "عندي قضية واحدة، وهي أنه يجب أن نفوز بالانتخابات والوصول إلى الأجيال الجديدة على تيك توك"، وأشار إلى اقتراحه مجدداً بمنع استخدام من هم دون 16 عاماً لمواقع التواصل الاجتماعي.
وأثار رد راماسوامي رداً غاضباً من نيكي هايلي التي قالت له: "أصبح أكثر غباءً كلما استمعت إليك"، وأضافت: "تيك توك أحد أخطر وسائل التواصل الاجتماعي، هناك 150 مليون شخص على تيك توك يمكن للمنصة الحصول على كل بياناتهم المالية والشخصية".
وتابعت: "لا يمكننا الوثوق بك وأنت تمارس الأعمال مع الصين، ولا يمكن أن نترك تيك توك يتحكم في أولادنا".
أوكرانيا
ولم تحتل أوكرانيا موقعاً بارزاً في هذه المناظرة، لكنها شهدت تكراراً للمواقف في المناظرة السابقة. وقال ديسانتيس إن "من مصلحتنا أن ننهي حرب أوكرانيا، ولن نمنح أحد شيكاً على بياض، ولن نرسل أي جنود إلى أوكرانيا".
وتابع: "أرسلنا أموالاً لكييف لدفع رواتب بيروقراطيين ودعم المشروعات الصغيرة، بينما بلدنا يتعرض للغزو"، وأضاف: "الناس في واشنطن لا يهتمون بشعبنا، ولا يهتمون بالفنتانيل ولا بعصابات المخدرات".
ودافع تيم سكوت عن إرسال المساعدات قائلاً: "90% مما نرسله إلى أوكرانيا هي قروض، وفي نهاية الأمر سيدفعها حلفاؤنا في حلف الناتو، ومصلحتنا القومية تكمن في تقليص قوة الجيش الروسي".
أما راماسوامي فقال: "كون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ديكتاتوراً شريراً لا يعني أن أوكرانيا هي الطرف الطيب، الصين هي العدو الحقيقي.. ونحن ندفع موسكو إلى أحضانها".
رعاية صحية مكلفة
وانتقدت نيكي هايلي الكلفة المرتفعة للرعاية الصحية في الولايات المتحدة، وتعهدت بـ"كسر دائرة التأمين الصحي والمستشفيات وشركات المستحضرات الطبية" في حال فوزها برئاسة أميركا.
وتساءلت: "لماذا لدينا أكثر نظام صحي كلفة على المريض في العالم؟".