"مؤتمر المحافظين".. وعود لاستعادة ثقة البريطانيين استعداداً للانتخابات المقبلة

محللون: الهجوم على حزب العمال لن يغير نوايا الناخبين تجاه دعم المعارضة

time reading iconدقائق القراءة - 10
رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يتحدث خلال المؤتمر السنوي لحزب "المحافظين" في مانشستر. 4 أكتوبر 2023 - REUTERS
رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يتحدث خلال المؤتمر السنوي لحزب "المحافظين" في مانشستر. 4 أكتوبر 2023 - REUTERS
لندن-بهاء جهاد

على مدار أربعة أيام متتالية استمع البريطانيون لكلمات قادة حزب "المحافظين" الحاكم وأعضاء حكومته. بعض الساسة اختاروا التوصيف الدقيق للمشكلات وحلولها، فيما لجأ آخرون للتهويل بغرض إثارة اهتمام فئات من المجتمع البريطاني، أو تسجيل مواقف قد يسألون عنها عند فتح صناديق الاقتراع في الانتخابات العامة المقبلة.

يقول مراقبون إن رئيس الوزراء ريشي سوناك، ووزرائه أطلقوا الحملة الانتخابية للحزب عبر المؤتمر، لكنهم احتفظوا ببعض تفاصيل العنوان العريض والذي بدأوا حشد الرأي العام خلفه تمهيداً للاستحقاق المقبل نهاية ٢٠٢٤، أو مطلع العام الذي يليه. وهذا يدل على أن سوناك لا يريد قفزات كبيرة تأتي بنتائج ضارة، إذا ما سارت الظروف بعكس ما يشتهي.
 
"قرارات طويلة الأجل لحل مشكلات البلاد المزمنة"، هو ما يحاول المحافظون تسويقه لدفع البريطانيين نحو الثقة مجدداً بقدرة الحزب الحاكم على قيادة البلاد. والسؤال، على من يراهن الحزب الأزرق بين فئات الناخبين، وهل في جعبته حلول حقيقية لتلك المشكلات التي ازدادت مخاوف البريطانيين إزاءها خلال السنوات القليلة الماضية؟

أولويات الحكومة ووعودها

أعاد سوناك في خطابه التأكيد على الأولويات الخمس للحكومة والمتمثلة في وقف الهجرة غير الشرعية، وخفض التضخم إلى النصف، وتقليص قوائم الانتظار في الخدمات الصحية، والحد من الدين العام، وتنمية الاقتصاد، لافتاً إلى أن المملكة المتحدة كانت أسرع نمواً من ألمانيا وفرنسا بعد جائحة كورونا، والفضل في ذلك لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست".

وشدد سوناك على أن الخروج من الاتحاد الأوروبي نجح، وتطبيقه بكل جوانبه لا يزال على رأس أجندة حكومة المحافظين، "في حين أن حزب العمال المعارض متقلب المزاج والرؤية تجاه "بريكست". وزعيم "العمال" كير ستارمر يبدل مواقفه باستمرار إزاء جدوى الانفصال عن السوق الأوروبية، ويظهر الرغبة بالعودة لها مجدداً".
 
وأطلق رئيس الوزراء الكثير من الوعود والخطط لتطوير قطاعات مختلفة كالأمن والصحة والتعليم والتجارة وغيرها. فيما ألغى المرحلة الثالثة من مشروع القطار فائق السرعة الذي سيربط مدينتي برمنجهام ومانشستر، إلا أن سوناك تعهد بإنفاق كلفة هذا المشروع على إنشاء شبكة نقل لم تعرفها مناطق شمال إنجلترا من قبل.

وقال سوناك، إن حكومته ستتصرف على نحو مختلف عما جرى في العقود السابقة، إذ أنها لن تبحث عن حلول قصيرة الأجل للمشكلات التي تواجه البلاد، وإنما "ستكون جريئة لاتخاذ قرارات صعبة قد لا تعجب البعض سياسياً اليوم، ولكنها حتماً تصب في صالح البريطانيين، تماماً كما حدث في تعديل خطط البيئة والنقل".

التطبيق هو المقياس

الباحث في الشأن البريطاني جوناثان ليز، يرى أن رئيس الوزراء أجاد بإطلاق الوعود الكبيرة في خطابه. وتمكن من إثارة اهتمام البريطانيين فيما يعتزم القيام به على جميع المستويات. ولكن السؤال الأبرز هنا هو، هل يمكن لسوناك تنفيذ كل ما وعد به، وتطبيق جميع الخطط التي أعلن عنها في قطاعات التعليم والصحة وغيرها؟

وأوضح ليز في حديث مع "الشرق"، أن البريطانيين لم يعودوا يثقوا كثيراً بوعود المحافظين. وبالتالي يحتاج رئيس الوزراء وحكومته إلى أكثر من فن الخطابة، لدفع الشارع إلى تصديقهم من جديد. خاصة وأن الحزب لم يفِ بتعهداته السابقة كما يجب، باستثناء "بريكست"، الذي لا يزال يواجه تحديات عدة، تحول دون إتمامه بشكل كامل.

ولفت ليز إلى أن الوقت قصير نوعاً ما أمام المحافظين لتطبيق ما يعدون به. والهجوم على حزب العمال من قبل سوناك ووزرائه في المؤتمر، لن يدفع الناس نحو تغيير نواياهم تجاه دعم المعارضة في الانتخابات المقبلة. والأخطاء التي وقعت منذ تولى المحافظين الحكم في ٢٠١٠ وحتى اليوم، لن تختفي عبر إطلاق وعود جديدة.

في المقابل، قال عضو حزب المحافظين ألبي أمانوكا، إن إنجازات الحكومة في التعهدات الخمس التي أطلقها رئيس الوزراء عند توليه المنصب، تثبت صواب خطط المحافظين الجديدة. وأشار في حديث مع "الشرق" إلى أن سوناك لن يتراجع عن أي من تعهداته، لأنه ببساطة لن يغامر بأي فرصة للفوز في الانتخابات العامة المقبلة.

ولفت أمانوكا، إلى أن التناغم بين سوناك وأفراد حكومته بدا واضحاً خلال المؤتمر. والحفاوة التي حظي بها خطاب رئيس الوزراء تبشر بوقوف الحزب خلف زعيمه لخوض الانتخابات المقبلة، لكن يجب الانتظار لرؤية حجم الخلافات التي قد تظهر بين المحافظين خلال الأسابيع المقبلة، بشأن القرارات والخطط الجديدة للحكومة.

دائرة الضرائب المغلقة

ولأن كلفة المعيشة هي الهاجس الأبرز، اختار وزير الخزانة جيريمي هانت مكاشفة البريطانيين بما هو ممكن وغير ممكن خلال الفترة المقبلة. فتخفيض الضرائب غير وارد إلى أن يعود معدل التضخم إلى مستوياته الطبيعية. ولكن كسر الدائرة المغلقة التي تعيشها المملكة المتحدة منذ عقود في التحصيل الضريبي، خيار بيد الحكومة.

وتعهد هانت بوقف إنفاق الضرائب على "العاطلين غير الراغبين بالعمل". والبداية ستكون بفرض عقوبات على كل من يتقاعس عن إيجاد وظيفة، ويفضل العيش على حساب دافعي الضرائب. وبعدها كما يتوقع الباحث في الشأن البريطاني رياض مطر، سيكون هناك إعادة نظر في حجم الدعم الذي يتلقاه العاطلون عن العمل، وطرق احتسابه.

وأوضح مطر في حديث مع "الشرق"، أن وزير الخزانة يمارس حذراً شديداً في تصريحاته منذ توليه للمنصب في آخر أيام رئيسة الوزراء السابقة ليز ترس. وهذا الحذر خلق ثقة محلية ودولية في خطوات معالجته لأزمة التضخم، واحتواء كلفة رفع أجور القطاع العام بعد موجة الإضرابات التي تفجرت نهاية ٢٠٢٢.

وأشار مطر إلى أن رفع وزير الخزانة للحد الأدنى للأجور في الساعة إلى ١١ جنيهاً إسترلينياً اعتباراً من أبريل المقبل، يوضح أن الحكومة اختارت مبدأ الخطوات الصغيرة، لاستقطاب ثقة الناس من جديد، خاصة وأن المؤشرات تشي بنية رئيس الحكومة ومستشاره خفض الضرائب قبيل الانتخابات المقبلة بعد تحجيم التضخم، وهي خطوة بغاية الأهمية.

"إعصار المهاجرين"

وكما تولى هانت وضع النقاط على الحروف في الملف المالي، فعل بقية وزراء الحكومة. ولكن وزيرين استدعت خطاباتهما كثيراً من التحليلات والقراءات. أولاً وزيرة الداخلية سويلا برافرمان التي حذّرت من "إعصار للمهاجرين" سيضرب البلاد، إن لم تغلق المملكة المتحدة حدودها، وتوقف "هجرة القوارب" من سواحل فرنسا.
 
برافرمان وضعت البريطانيين أمام إعادة انتخاب حزب المحافظين "الذي سيضرب بيد من حديد في أزمة الهجرة غير الشرعية"، أو التصويت لـ"العمال" لتغرق البلاد في طوفان المهاجرين، منوهة إلى أن خطط وزارتها في هذا الصدد لن تقف، حتى لو اصطدمت بمبادئ حقوق الإنسان المنصوص عليها في القوانين الأممية.

وتفاخرت برافرمان بتقليص عدد "مهاجري القوارب" خلال العام الجاري بنسبة ٢٠٪ مقارنة بذات الفترة العام الماضي. كما أكدت الوزيرة أن توجيه اتهامات شخصية لها بـ"العنصرية"، لن يثنيها عن مساعي ترحيل اللاجئين. كما أنها لا تشعر بالذنب حيال تجريم الوافدين بشكل غير قانوني كما نص تشريع الهجرة الجديد.
 
وقال عضو حزب العمال إيفان جاش، إن اتهام برافرمان للمعارضة بـ"التراخي والتساهل" في أزمة الهجرة غير الشرعية لن يصدقه البريطانيون. فالحزب الحاكم فشل منذ توليه السلطة عام ٢٠١٠، في تنفيذ كل تعهداته في هذا الإطار. كما أن خطط ترحيل المهاجرين إلى رواندا لم تتعثر بسبب "العمال"، أو نتيجة لسبب سياسي.

في المقابل، أشار جاش في حديث مع "الشرق" إلى أن خطاب وزيرة الداخلية قد يجذب اليمين في بريطانيا، فتصريحاتها عن صد وصول المهاجرين غير الشرعيين بأي طريقة كانت، حتى لو تعارض ذلك مع مبادئ حقوق الإنسان الأممية، يدغدغ مشاعر هذا التيار، وخاصة الجماعات المتطرفة التي تعادي المهاجرين جهراً.

التفرقة بين الجنسين

ويبدو أن التركيز على تيارات اليمين في الانتخابات المقبلة لا يتوقف عند مسألة المهاجرين. فقد أعلن وزير الصحة ستيف باركلي في خطابه أمام مؤتمر المحافظين، أن التفرقة بين الذكور والإناث في خدمات الصحة الوطنية لن تتأثر بالتحول الجنسي، ولن يسمح للمتحولين باستخدام المرافق الخاصة بالنساء في المراكز الصحية.

وقال باركلي إن المحافظين ما زالوا يفرقون بين الجنسين. وفهم الحزب الحاكم لهذه المسألة سينعكس في الإشارات الواضحة لكل من الذكور والإناث في مرافق الخدمات الصحية، ولن تتقاسم النساء أو الذكور الحجرات الصحية إلا مع الذين ينتمون إلى ذات جنسهم البيولوجي. كما أن التعليمات الطبية ستراعي الجنسيين بشكل دقيق.

ويعتقد البعض أن تصريحات وزير الصحة تصب في خانة حشد تيارات اليمين في الانتخابات المقبلة. وتقول إيمان أبو عطا، مديرة منظمة "تل ماما" لمكافحة جرائم الكراهية في المملكة المتحدة، إن اليمين المتطرف يضع المهاجرين والمتبدلين جنسياً على قائمة خصومه، وهو يتأثر بتوجهات الحزب الحاكم إزاء هذين الملفين عموماً.

ولفتت أبو عطا في حديث مع "الشرق" إلى أن عدد مؤيدي جماعات اليمين المتطرف زاد كثيراً خلال السنوات الماضية. كما تعددت أدوات الترويج لأفكار هذه الجماعات، وتعززت حججها بسبب عوامل عدة، مثل صعود الهجرة غير الشرعية إلى المملكة المتحدة، وانتشار أفكار ودعوات التحوّل الجنسي، والمثلية بشكل كبير.

تصنيفات

قصص قد تهمك