قبيل مؤتمره السنوي، فاز حزب العمال البريطاني بمقعد إضافي في برلمان اسكتلندا، وهو ما اعتبره زعيم الحزب كير ستارمر تمهيداً لعودة "العمال" إلى السلطة خلال الانتخابات العامة المرتقبة في نهاية 2024 أو مطلع 2025، لكن محللين وباحثين يعتقدون أن هذا الحلم "لا يزال بحاجة إلى الكثير من العمل".
بين 8 و11 أكتوبر الجاري، يعقد حزب العمال مؤتمره في مدينة ليفربول شمالي غرب إنجلترا، وتتضمن أجندته الكثير من خطابات القادة، وجلسات النقاش بشأن القضايا ذات الأهمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبرى، وكما هو المعتاد، سيكون الختام مع كلمة زعيم الحزب الأحمر لتوضيح محددات وتجليات العمل في المرحلة المقبلة.
ومنذ نحو عامين وحتى الآن، تتوقع استطلاعات رأي فوز الحزب بالسلطة خلال الانتخابات المقبلة، لكن الحزب القائد للمعارضة يُنتظر منه الإجابة على عدة أسئلة قبل ذلك، أولها بشأن موقفه الحقيقي من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، ثم خططه للتعامل مع قضايا كالهجرة، والضرائب، والتضخم، والتحول الجنسي، ومستقبل القطاع العام في كافة المجالات.
استغلال أخطاء الخصوم
الوزير والنائب السابق في حزب العمال توم هاريس، قال إن جزءاً أساسياً من التقدم الحالي للحزب على حزب المحافظين في استطلاعات الرأي، يعود إلى "الأخطاء التي وقع فيها الحزب الحاكم خلال العامين الماضيين. أي أن الناقمين على الحزب الأزرق اختاروا التوجه إلى خصمه، كنوع من العقاب على إخفاقاته المتكررة، إن جاز التعبير".
ولفت هاريس في مقال نشرته صحيفة "تليجراف"، إلى أن زعيم حزب العمال كير ستارمر، أحسنَ استغلال أخطاء المحافظين لاستعادة ثقة الشارع في حزبه، دون أن يضطر إلى تبنّي مواقف واضحة إزاء العديد من القضايا التي تهم البريطانيين، لكن "الضبابية ليست سياسة ناجحة إذا أرادت المعارضة الفوز في الانتخابات المقبلة".
وتوقع أن يصوت البريطانيون لحزب العمال بناء على برنامجه الانتخابي، وسياساته الداخلية والخارجية المتوقعة إذا وصل إلى السلطة.
وأضاف: "لعل المؤتمر السنوي للعام الجاري، هو أفضل مكان وزمان لفعل ذلك. وهذا ما ينتظره أعضاء الحزب قبل غيرهم، خاصة بعد كل ما أعلنه المحافظون في مؤتمرهم الأخير".
يُعتبر "العمال" من أكبر الأحزاب السياسية الأوروبية بما يزيد على 407 آلاف عضو، وعلى الرغم من أن الرقم يقل بأكثر من 120 ألفاً مقارنة بما قبل الانتخابات العامة الأخيرة في عام 2019، إلا أن الإحصائيات تُؤكد ارتفاع قيمة التبرعات للحزب خلال 2022 إلى أكثر من 47 مليون جنيه إسترليني (حوالي 57.5 مليون دولار)، وهو رقم قياسي في سنة لا تشهد انتخابات.
توجهات "ليست غامضة"
عضو حزب العمال جراهام شيرز، يرى أن توجهات ستارمر "ليست غامضة" بالدرجة التي يسوقها الوزير والنائب السابق هاريس، إذ يعتقد أن الإفصاح عن السياسات والخطط المستقبلية جزء من لعبة الانتخابات، ويحتاج إلى "تدرج ذكي ومواعيد دقيقة"، معتبراً أن ما فعله زعيم "العمال" حتى الآن يُشير إلى "الحنكة وحسن تقدير المواقف".
وأعرب شيرز عن تفاؤله بخطاب ناري وتاريخي لزعيم "العمال" في ختام المؤتمر الذي قد يكون الأخير قبيل الانتخابات العامة المقبلة، متوقعاً أيضاً كلمة مميزة لنائبته أنجيلا راينر، التي قالت وسائل إعلام محلية، إنها ستتعهد لكل بريطاني بوظيفة جيدة، ومنزل آمن، ومجتمع قوي في حال وصول الحزب إلى المنزل رقم 10، أي مقر رئاسة الوزراء في داوننج ستريت بالعاصمة لندن.
وقال شيرز، إن ستارمر تمكّن من إصلاح الوضع الداخلي لحزب العمال خلال أقل من عام، كما حافظ الحزب في عهده على تقدم يتراوح بين 15 إلى 20 نقطة في استطلاعات الرأي التي ترصد فرص فوز كل من الحزبين الرئيسيين في الانتخابات العامة القادمة، وهذا لم يتغير حتى بعد عام من وصول ريشي سوناك للسلطة.
استراتيجية ستارمر
الكاتب في صحيفة "فاينانشيال تايمز" روبرت شريمسلي، وصف المؤتمر المنتظر، بأنه أهم لقاءات الأحزاب هذا العام، إذ من المنتظر أن تُعلن خلاله المرحلة الثالثة من "استراتيجية ستارمر"، التي تُجيب عن السؤال الأهم حالياً، وهو لماذا يتوجب على البريطانيين التصويت لصالح الحزب المعارض في الانتخابات البرلمانية؟
واعتبر شريمسلي أن ستارمر بحاجة إلى إقناع البريطانيين بأن حزب العمال يُمثل ما يصبون إليه في الاستحقاق القادم. كما ينبغي عليه أن يُطمئن الناس بشأن السياسات التي يعتزم تنفيذها إذا وصل إلى السلطة، إلى جانب ضرورة حسم موقفه إزاء "بريكست"، وتبرير مواقفه المتغيرة بشأن مستقبل علاقة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي.
وشدد الكاتب على أن ستارمر بات قضية مركزية، وهو مُطالب بانتزاع السلطة من خلال إقناع الشارع البريطاني بأنه قائد المرحلة المقبلة، لافتاً إلى أن زعيم المحافظين اتّخذ المبادرة، وطرح نفسه كخيار التغيير في البلاد، ولذلك لا بد من أن يُثبت ستارمر خلال المؤتمر السنوي، أن التحول المنشود لن يأتي إلا عبر "العمال".
إعادة تجربة بلير
"بلومبرغ" أشارت إلى تشابه واضح بين رغبة البريطانيين في التغيير، وحالة مشابهة سادت خلال التسعينيات، ومهّدت لوصول الزعيم العمالي توني بلير إلى السلطة عام 1997، مشيرةً إلى أن الحالة المتشابهة خلقت مقارنة بين بلير وستارمر، على الرغم من اختلاف الظروف التي شهدتها البلاد في عهد الزعيمين قبل الانتخابات العامة.
وتعيش المملكة المتحدة اليوم تحت ضغط معدلات تضخم مرتفعة، وتكلفة متصاعدة للعيش والإنتاج. كما أن الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست" ومن بعده جائحة فيروس كورونا، تركا آثاراً سيئة على الاقتصاد الوطني لم يتعافَ منها حتى الآن، إضافة إلى تحولات كبرى في المشهد الدولي خلقها الغزو الروسي لأوكرانيا من جهة، وتوتر العلاقة مع الصين من جهة أخرى.
وبحسب المحلل السياسي أندرو روانسلي، تأخذ المقارنة بين ستارمر وبلير، أوجه سلبية عندما تتردد بين العمال أنفسهم، لافتاً إلى وجود تباينات شخصية واضحة بين الزعيمين، واختلافات في ظروف قيادتهما للحزب، موضحاً أن كل هذه الفروق "تظهر جلية لهؤلاء الذين يعرفون تاريخ حزب العمال بشكل عام، والزعيمين على نحو خاص".
وأوضح راونسلي في مقال نشرته صحيفة "الجارديان"، أن ستارمر وفق مطلعين وخبراء أشدُّ قسوة من بلير في التعامل مع القضايا الداخلية للحزب، إذ يُريد أن يكون رئيساً للحكومة، وليس زعيماً للمعارضة، معتبراً أن "تبدل مواقف ستارمر أو براجماتية قراراته إن جاز التعبير، إنما يعكس هذه الرغبة، التي قد لا تكفي وحدها للفوز في الانتخابات المقبلة.
ولفت إلى أن شخصية ستارمر أفرزت اليوم عناوين من قبيل: هل سيكشف زعيم العمال عن نفسه في المؤتمر السنوي للحزب؟.
وأضاف: "هذا ليس ما تنتظره القاعدة الشعبية فحسب، إنما أيضاً قادة المعارضة الذين يصعب عليهم حتى الآن تصنيف زعيمهم في خانة محددة، إذ يقولون "هو فقط يكره القوالب الأيديولوجية التقليدية".
بدائل المعارضة
والدا ستارمر أسمياه تيمناً بمؤسس حزب العمال كير هاردي، والانتخابات المقبلة تضعه على مفترق طرق ليكون إما مثل نيل كينوك، الذي نهض بالحزب بعد تضعضع داخلي بين عامي 1983 و1992، لكن ذلك لم يوصله للسلطة، وزاد من خساراته السياسية، أو يكون مثل بلير الذي أعاد الحكم للعمال بعد نحو عقدين من قيادة حزب المحافظين.
وقال الكاتب في صحيفة "أخبار إدنبرة"، توماس ماكي، إن ستارمر وأعضاء حكومة الظل، مطالبين خلال المؤتمر السنوي للحزب هذا العام، بتوضيح بدائلهم لجميع الخطط التي طرحها زعيم المحافظين أخيراً، مشيراً إلى أن استمرار "العمال" بنقد سياسات الحزب الحاكم دون توضيح خططهم لن يكون مجدياً على المدى الطويل.
ورأى ماكي أن البريطانيين لن يقدموا لحزب العمال "شيكاً على بياض"، ولن تقودهم الرغبة في تغيير المحافظين إلى منح المعارضة السلطة لـ5 سنوات دون شرط أو قيد، معتبراً أن قرارات ريشي سوناك الأخيرة صعّبت على كير ستارمر إيجاد حلول مختلفة أو ثائرة لمشكلات الناس، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وتوقع ماكي أن يتجنّب "العمال" إعلان أي خطط اقتصادية خلال مؤتمرهم، خشية العجز عن تحقيقها، مشدداً على أن ستارمر لن "يثور" ضد أي مشروع أعلنه سوناك قبل أن يحصل على الضوء الأخضر من وزيرة الخزانة في حكومة الظل ريتشيل ريفز، فهي من سيقرر ما الذي يمكن تنفيذه من وعود، وكيف يمكن فعل ذلك.
وقال عضو مجلس اللوردات عن حزب العمال، ديفيد بلونكت، إن ستارمر يجب أن يتعلم من الدروس السابقة، ولا يعتمد على استطلاعات الرأي كضمان للفوز في الانتخابات.