قبل وقت قصير من تدفق المقاتلين القادمين من غزة إلى إسرائيل فجر السبت الماضي، رصدت الاستخبارات الإسرائيلية زيادة في نشاط مسلحين على بعض الشبكات التي تراقبها في غزة، وبعد أن أدركت أن هناك أمراً غير عادي، أرسلت تحذيراً إلى الجنود الإسرائيليين الذين يحرسون الحدود مع غزة.
ورغم إرسال التحذير، لم تتُخذ أي إجراءات بشأنه؛ إما لأن الجنود لم يتلقوه، أو أنهم لم يقرؤوه، وفق ما أفاد مسؤولون أمنيون إسرائيليون لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
وبعد ذلك بوقت قصير، أرسلت حركة حماس طائرات مُسيرة، لتعطيل بعض محطات الاتصالات الخلوية وأبراج المراقبة الخاصة بالجيش الإسرائيلي على طول الحدود، ما منع الضباط المناوبين من مراقبة المنطقة عن بُعد بكاميرات المراقبة.
ودمرت طائرات مُسيرة أيضاً مدافع آلية تعمل بالتحكم عن بُعد، كانت إسرائيل تضعها على تحصيناتها الحدودية، لتقضي على إحدى الوسائل الرئيسية لمواجهة الهجمات البرية. وسهل ذلك على مقاتلي "حماس" الاقتراب من السياج الحدودي، وتفجير أجزاء منه، وهدمه بالجرافات في عدة أماكن بسهولة مباغتة، ما سمح لآلاف الفلسطينيين بالعبور من خلال الثغرات، بحسب الصحيفة.
"انهيار كالدومينو"
وقال أربعة مسؤولين أمنيين بارزين في إسرائيل، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، إن "هذه الإخفاقات وأوجه القصور العملياتية كانت ضمن مجموعة كبيرة من الأخطاء اللوجيستية والاستخباراتية التي ارتكبتها أجهزة الأمن الإسرائيلية، ومهدت الطريق أمام اجتياح (سكان) غزة لجنوب إسرائيل".
وأوضح المسؤولون أن نجاح الهجوم، بحسب تقييماتهم الأولية، يُعزى إلى "سلسلة إخفاقات أمنية ارتكبتها أجهزة الاستخبارات والجيش الإسرائيلي، تشمل إخفاق ضباط الاستخبارات في مراقبة قنوات الاتصال الرئيسية التي يستخدمها المقاتلون الفلسطينيون، والإفراط في الاعتماد على معدات لمراقبة الحدود يسهل على المهاجمين إيقافها، ما مكنهم من الهجوم على قواعد عسكرية وقتل جنود في أسرتهم".
وتضمنت الإخفاقات، بحسب المسؤولين، أيضاً: "تجمع القادة في قاعدة حدودية واحدة تم اجتياحها في المراحل المبكرة للتوغل، ما تسبب في منع التواصل مع بقية القوات المسلحة، بالإضافة إلى الاستعداد لقبول تأكيدات القادة العسكريين في غزة الواردة على قنوات خاصة، يعرف الفلسطينيون أنها مراقبة من قبل إسرائيل، بأنهم لا يستعدون لخوض معركة".
ونقلت الصحيفة عن يوئيل جوزانسكي، وهو مسؤول كبير سابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، قوله: "ننفق المليارات على جمع المعلومات الاستخباراتية عن حماس. وبعد ذلك، في ثانية واحدة، كل شيء انهار مثل قطع الدومينو".
"افتراضات خاطئة"
اعتبرت "نيويورك تايمز" أن الإخفاق الأول يعود إلى شهور مضت قبل الهجوم، عندما قدم قادة أمنيون إسرائيليون "افتراضات خاطئة" بشأن حجم التهديد الذي تشكله "حماس" على إسرائيل من غزة، لافتة إلى أن الحركة تجنبت خوض معركتين العام الماضي، إذ واجهت حركة "الجهاد" إسرائيل بمفردها.
بالإضافة إلى ذلك، أنهت حماس أعمال الشغب التي استمرت لفترة على طول الحدود بعد اتفاق بوساطة قطرية، ما أعطى انطباعاً بأن "الحركة لا تسعى إلى التصعيد".
في هذا السياق، قال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنجبي، في مقابلة إذاعية قبل ستة أيام من الهجوم إن "حماس مقيدة للغاية، وتدرك جيداً عواقب استمرار المواجهة".
وعندما قدم مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية إحاطة لرؤساء الأجهزة الأمنية الأسبوع الماضي بشأن التهديدات الأشد خطورة التي تواجهها دفاعات البلاد، ركزوا على المخاطر التي يشكلها مقاتلون لبنانيون على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، وبالكاد ذكر المسؤولون التحدي الذي تشكله حركة حماس. وقال المسؤولون إن "حماس" تم ردعها، وفقاً لأحد المسؤولين الأمنيين الأربعة.
"حملة تضليل"
وقال اثنان من المسؤولين الإسرائيليين إن عناصر حماس "كانوا يعطون انطباعاً بأنهم يسعون إلى تجنب حرب أخرى مع إسرائيل، بعد فترة قصيرة من الصراع المدمر الذي استمر أسبوعين في مايو 2021، وذلك خلال المكالمات التي كان يراقبها عملاء الاستخبارات الإسرائيلية".
وأضاف المسؤولان، أن "الاستخبارات الإسرائيلية تنظر الآن فيما إذا كانت تلك المكالمات حقيقية أم تمثيلية".
وأوضح اثنان من المسؤولين أن "نظام مراقبة الحدود الإسرائيلية يعتمد بشكل شبه كامل على الكاميرات، وأجهزة الاستشعار، والمدافع الآلية التي تعمل بالتحكم عن بُعد".
ونقلت الصحيفة عن إسرائيل زيف، وهو لواء متقاعد تولى قيادة القوات البرية في الجنوب لسنوات عديدة، إن الجيش الإسرائيلي، مع وجود هذا النظام، بدأ في تخفيض عدد القوات على الحدود ونقلهم إلى مناطق أخرى مثيرة للقلق، من بينها الضفة الغربية.
وأضاف: "تقليص عدد القوات بدا صائباً؛ لأن بناء السياج والهالة التي أوجدوها حوله، جعله وكأنه لا يُقهر ولا شيء يستطيع تجاوزه".
مع ذلك، كانت هناك نقطة ضعف في نظام التحكم عن بُعد، وهي أنه يُمكن تدميره عن بُعد أيضاً. واستغلت "حماس" نقطة الضعف هذه، وأرسلت طائرات مُسيرة لمهاجمة أبراج الاتصالات الخلوية التي تنقل الإشارات من وإلى نظام المراقبة، وفقاً لمسؤولين ومقاطع فيديو مصورة عن طريق طائرات مسيرة نشرتها "حماس" السبت الماضي.
هجوم مباغت
وشنت حماس هجوماً مباغتاً على إسرائيل، السبت، أودى بحياة 1200 إسرائيلي، وتسبب بإصابة 2700 آخرين واحتجاز عشرات الرهائن، وفق ما أعلن في "حصيلة ليست نهائية".
في المقابل، ردت إسرائيل على الهجوم بقصف مكثف على غزة، ونشرت آلاف القوات حول القطاع الساحلي الضيق وسط توقعات متزايدة بأنها ستشن غزواً برياً لـ"تدمير حماس".
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن عدد الضحايا الذين سقطوا جراء الهجمات، التي تشنها إسرائيل منذ بداية الأسبوع، ارتفع إلى 1078، غالبيتهم العظمى في غزة.