يعد تعمد استهداف المدنيين بصفتهم والمنشآت المدنية، أو تلك المستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب، ورغم اشتراك المصطلحين في تعريف نفس الجريمة إلا أن السياق والنية وظروف الفعل تحدد ما إذا كان هذا الفعل جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية، أم إبادة جماعية.
وتميز بين هذه المصطلحات تعريفات قانونية صاغتها اتفاقيات ومعاهدات دولية، ورسختها محاكمات عسكرية دولية أبرزها محاكمات نورمبرج لأبرز قادة ألمانيا النازية بعد الحرب العالمية الثانية، والقانون الدولي الإنساني ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وصيغت تلك المصطلحات بشكل قانوني منضبط بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية في معاهدات جنيف وإعلانات لاهاي وتحسيناتهما اللاحقة.
جرائم الحرب
رغم أن جرائم الحرب كسلوك يمكن تتبعها لقرون مضت، إلا أن المصطلح لم يظهر إلا في نهايات القرن الـ19 وبدايات القرن العشرين، حين تم صك القانون الإنساني الدولي، والذي يعرف أيضاً بقانون النزاعات المسلحة، وفقاً للأمم المتحدة.
وركزت اتفاقيات لاهاي في 1899 و1907 على منع الأطراف المتحاربة من استخدام أساليب وطرق معينة كأساليب للحرب. أما اتفاقيات جنيف لعام 1864 والاتفاقيات اللاحقة وخاصة في 1949 و1977، تبنت بروتوكولات إضافية ركزت على حماية الأشخاص غير المنخرطين في القتال، أو الذين لم يعودوا منخرطين فيه، وكذلك انتهاكات الحرب.
تشمل جرائم الحرب انتهاكات القانون الدولي الإنساني، ويجب أن تحدث تلك الجرائم في مكان وسياق نزاع مسلح، سواءً كان هذا النزاع دولياً أم محلياً، ضد مدنيين أو عسكريين، وتؤدي إلى تحميل مرتكبيها مسؤولية جنائية فردية.
هذا التعريف أُدرج في المادة الثامنة من "نظام روما"، المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية التي اُعتمدت في يونيو 1998.
ويعد قانون جرائم الحرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، هو الوثيقة الجامعة التي تعكس الإجماع الدولي على تعريف جرائم الإنسانية وجرائم الحرب، وهو المعاهدة الأكثر تفصيلاً بشأن ماهية الأفعال التي تؤسس جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية.
وتحدد المادة 8 من نظام روما الأساسي جرائم الحرب على أنها كما يلي:
الانتهاكات الجسيمة الأخرى لقوانين الحرب وأعرافها المطبقة في النزاعات المسلحة الدولية (استناداً بصفة أساسية إلى إعلان لاهاي لعام 1899 ولائحة عام 1907 المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية الملحقة باتفاقية لاهاي الرابعة، وبروتوكول جنيف لعام 1925، واتفاقية لاهاي عام 1954 وبروتوكوليها، واتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، واتفاقية عام 1994 بشأن سلامة موظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة.
وكذلك، الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب وأعرافها المطبقة في النزاعات المسلحة غير الدولية (استناداً في المقام الأول إلى المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977، والبروتوكول الاختياري لعام 1999 الملحق باتفاقية لاهاي لعام 1954، واتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، واتفاقية عام 1994 المتعلقة بسلامة موظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها، والنظام الأساسي للمحكمتين الجنائيتين الدوليتين لرواندا ويوغوسلافيا السابقة، والنظام الأساسي للمحكمة الخاصة لسيراليون).
الجرائم ضد الإنسانية
تطور مفهوم الجرائم ضد الإنسانية في القرن الثامن عشر، وكان يشير حينها إلى العبيد وتجارة العبيد، ووصف الفظائع المرتبطة بالاستعمار الأوروبي في إفريقيا والفظائع التي ارتكبها ملك بلجيكا ليوبولد الثاني في الكونغو.
ولكن باحثين آخرين أشاروا إلى إعلان الحلفاء (إنجلترا وفرنسا وروسيا) في 1915، والذي دان مذبحة الأرمن في الدولة العثمانية، على أنه أول استخدام لهذا المصطلح.
والجرائم ضد الإنسانية، هي جرائم ارتكبت كجزء من هجوم واسع ومنهجي ضد أي مدنيين أو مجموعة من السكان، مع معرفة مسبقة بهدف الهجوم.
العنصر الأساسي الذي يحدد الجرائم ضد الإنسانية هو الانخراط في عنف واسع موجه ضد عدد من الضحايا أو امتداده لمنطقة جغرافية واسعة، أو أي نوع من العنف المنهجي.
ويستثنى من هذا، الأفعال المنعزلة أو العرضية، ووفقاً لنظام روما الأساسي، فإن أي جرائم ضد الإنسانية يجب أن ترتكب لتعزيز سياسة دولة أو منظمة.
قائمة الجرائم
يحدد نظام روما الأساسي الأفعال التي تؤسس لجرائم ضد الإنسانية أو لجرائم الحرب، وهي تتضمن:
القتل العمد، والتعذيب والمعاملة اللإنسانية، وإجراء تجارب بيولوجية، أو إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها، دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة.
إرغام أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولية معادية، تعمد حرمان أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية، والإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع.
وكذلك، تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية، أو تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية، أي المواقع التي لا تشكل أهدافاً عسكرية.
تعمد شن هجمات ضد موظفين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام عملاً بميثاق الأمم المتحدة ما داموا يستحقون الحماية التي توفر للمدنيين أو للمواقع المدنية بموجب قانون النزاعات المسلحة.
وكذلك، مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافاً عسكرية، بأية وسيلة كانت، وقيام دولة الاحتلال، على نحو مباشر أو غير مباشر، بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها، أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها.
ما الذي يميز جرائم الحرب عن الجرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية؟
رغم أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية هي نفسها تحت نظام روما الأساسي، إلا أن جرائم الحرب يجب أن تحدث في مكان وسياق نزاع مسلح سواءً كان نزاعاً دولياً أو محلياً.
وبعكس الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، ترتكب جرائم الحرب ضد مجموعة مختلفة من الضحايا، سواءً كانوا مقاتلين أو مدنيين، بحسب نوع الجريمة.
وفي النزاعات الدولية، يشمل ضحايا تلك الجرائم جرحى ومرضى النزاعات المسلحة في البر والبحر، وأسرى الحرب والمدنيين.
وفي النزاعات المحلية المسلحة، فإن الحماية التي يوفرها القانون تشمل الأشخاص غير المشتركين في الأعمال القتالية، بما في ذلك أعضاء القوات المسلحة الذين ألقوا بأسلحتهم، أو الذين باتوا غير قادرين على القتال؛ بسبب المرض أو الإصابة أو الاحتجاز، أو لأي سبب آخر.
وفي كلا الحالتين، فإن القانون يحمي مقدمي الرعاية الطبية ورجال الدين، وعمال الإغاثة والدفاع المدني.
العقاب الجماعي
تحظر معاهدات جنيف العقاب الجماعي، في عدة بروتوكولات، وتعتبر المعاهدة فرض عقوبات جماعية جريمة حرب، ولا يشير المصطلح هنا إلى العقاب الجنائي، ولكن إلى أنواع أخرى من العقوبات أيضاً.
واستخدم العقاب الجماعي تاريخياً من قبل القوى المحتلة كوسيلة ردع لمنع هجمات المقاومة ضدها.
ودخل العقاب الجماعي ذلك التصنيف في تقرير بشأن الحرب العالمية الأولى، وطبقت القاعدة في الحرب العالمية الثانية، وتم تأكيدها في المحكمة العسكرية في روما في 1997.
وتحظر الاتفاقيات الدولية العقاب الجماعي على قاعدة أن المسؤولية الجنائية يمكن تحميلها لأفراد فقط. ويمكن ضمان احترام هذا المبدأ فقط عبر وضع ضمانات لحماية الإجراءات القضائية.
ويمنع القانون الإنساني الدولي العقاب الجماعي لأسرى الحرب أو أي أشخاص تحت حماية القانون خلال النزاعات المسلحة.
الإبادة الجماعية
أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة تجريم الإبادة الجماعية وتعريفها، في 9 ديسمبر 1948، ودخل القانون حيز التنفيذ في 12 يناير 1951، وفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر.
وحددت المادة الثانية الإبادة الجماعية على أنها:
أفعال تؤسس لجريمة الإبادة الجماعية
تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:
(أ) قتل أعضاء من الجماعة.
(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
(ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.
(د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
(هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.
وتعاقب المادة الثالثة من القانون على جريمة الإبادة الجماعية، أو التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية، أو التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية، أو محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية، أو الاشتراك في الإبادة الجماعية.
الملاحقة
يقول موقع "الإنتربول" إن جرائم الإبادة الجماعية والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب هي أخطر أنواع الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي، فهي "تترك أثراً يدوم ويلحق الضرر بسلامة وأمن المجتمعات والمناطق والبلدان بعد عقود من ارتكابها".
ويتبوأ الإنتربول مكانة تمكنه من قيادة وتعزيز الجهود المبذولة لمساعدة سلطات إنفاذ القانون والمحاكم الجنائية الدولية ومكاتب الادعاء العام الوطنية على مكافحة جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.
ويتعاون الإنتربول منذ عام 1994 مع المحاكم الدولية التي أنشأتها الأمم المتحدة ومع المحكمة الجنائية الدولية، والشبكات المعنية بالإبادات الجماعية، ومنها مثلاُ شبكة جهات الاتصال للاتحاد الأوروبي.
ويقدم الإنتربول الدعم الميداني، وفي التحقيقات في جرائم الحرب، وفي قضايا الفارّين من العدالة في البلدان الأعضاء لدى المنظمة.