يتوجه الناخبون إلى مراكز الاقتراع في الأرجنتين، الأحد، لانتخاب رئيس جديد للبلاد، خلفاً للرئيس المنتهية ولايته ألبرتو فرنانديز، في وقت تشير أحدث الدراسات التي أجرتها اللجنة الاقتصادية لأميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي التابعة للأمم المتحدة إلى أن نسبة الفقر في البلاد تجاوزت 40%، أي نحو 19 مليون شخص، يعجز الكثيرون منهم عن تأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية في واحد من أهم البلدان المصدرة للمنتجات الزراعية في العالم.
وتشير الدراسة أيضاً إلى أن ارتفاع عدد الفقراء والركود الاقتصادي المتواصل منذ عقود، تسببا في موجة من السخط والغضب العميق لدى المواطنين، انعكست في العدول عن تأييد الحكومة الحالية، أو التوجه نحو تأييد خيارات شعبوية متطرفة.
ويفسر المشهد الاجتماعي في الأرجنتين، إلى حد كبير، تفوق المرشح الليبرالي المنتمي لليمين المتطرف وصاحب الخطاب الشعبوي خافيير ميلي، الذي حقق تقدماً مفاجئاً في الانتخابات التمهيدية التي جرت في أغسطس الماضي، إذ حصل على نحو 35% من الأصوات، فيما يعد عقاباً من الناخبين لأكبر حزبين سياسيين بالبلاد.
ويتصدر ميلي، الذي يتزعم حزب "الحرية تتقدم"، استطلاعات الرأي الأخيرة، والتي ترجح فوزه بأعلى نسب تصويت في الجولة الأولى. إلا أنه من غير المتوقع أن يتجاوز نسبة 45% التي تعفيه من خوض الجولة الثانية للوصول إلى سدة الرئاسة، والمقررة في 19 نوفمبر المقبل.
وحصل ميلي على نحو 35% من الأصوات في استطلاعات الرأي، متقدماً على سيرجيو ماسا (يسار الوسط)، ومن المتوقع أن يحصل على نحو 30% من الأصوات، تأتي بعدهما باتريشيا بولريتش (يمين الوسط) بنحو 26%، حسبما ذكرت صحيفة "لا ناسيون" الأرجنتينية.
وتقول إليزا ماديتا، وهي مستشارة في دائرة الانتخابات بمدينة بوينس آيريس، إن "هناك حالة من عدم اليقين فيما يتعلق بمستقبل البلاد، خاصة بعد مضي أشهر من بدء الحملات الانتخابية، ووسط تبادل للاتهامات بين المرشحين في ظل أزمة اقتصادية خانقة".
وأضافت ماديتا أن "كل ما سبق جعل الناخب في حيرة من أمره، فمن جانب لا يريد استمرار الحكومة الحالية والممثلة في المرشح سيرجيو ماسا، ويطمح لإحداث تغيير في الوضع الاقتصادي للبلاد، ومن جهة أخرى هناك تخوف من فوز اليميني المتطرف خافيير ميلي، وتنفيذ وعوده المتعلقة بخصخصة قطاعات الدولة، ورفع الدعم عن شرائح كبيرة من المجتمع".
قوانين الانتخابات
في الأرجنتين، وبحسب دستور البلاد تجرى الانتخابات الرئاسية كل 4 سنوات، وتتزامن مع الانتخابات النيابة والبلدية، كما تجري انتخابات المحافظين بالتوازي أيضاً.
وفي الانتخابات المقررة في 22 أكتوبر الجاري، يحتاج المرشحون الرئاسيون إلى ما لا يقل عن 45% من الأصوات، أو 40% شرط التقدم على ثاني المنافسين بفارق أكثر من 10 نقاط مئوية للفوز في الجولة الأولى، وإذا لم يصل أحد إلى هذه النسبة، فسيكون من الضروري إجراء جولة ثانية، والتي من المقرر إجراؤها في 19 نوفمبر المقبل.
أبرز المرشحين
خافيير ميلي
يمثّل خافيير ميلي أحزاب "اليمين المتطرف"، وهو خبير اقتصادي مدافع عن الليبرالية الجديدة التي تدعم خصخصة جميع قطاعات الدولة و"دولرة الاقتصاد".
وهو أيضاً من مناصري سياسيات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وأحد أصدقاء الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، كما أنه مقرب من حزب "فوكس" اليميني المتطرف في إسبانيا، والسياسي المحافظ للغاية والمرشح الرئاسي التشيلي السابق خوسيه أنطونيو كاست.
ورشح ميلي، المحامية فيكتوريا فيلارويل لتشغل منصب نائب الرئيس في حال فاز في الانتخابات، وبالإضافة إلى كونها ابنة ضابط في الجيش متهم بارتكاب جرائم ضد حقوق الإنسان، فهي تعمل كمدافعة قانونية عن مرتكبي الإبادة الجماعية، وهم جنود مسجونون مدى الحياة لاعتبارهم مسؤولين عن أكثر من 30 ألف حالة وفاة واختفاء قسري خلال "حقبة الديكتاتورية العسكرية الأخيرة بين 1976 و1983".
ويتبنى كلاً من ميلي، وفيلارويل أفكاراً مثل عدم الاعتراف بالحقبة الديكتاتورية السابقة في البلاد، وإنكار الاستعمار، والتخلي عن المطالبة بجزر فوكلاند المتنازع عليها مع بريطانيا، بالإضافة إلى إهانة رموز أرجنتينية مثل البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وحتى أسطورة كرة القدم دييجو مارادونا.
سيرجيو ماسا
يُعد وزير الاقتصاد الحالي سيرجيو ماسا، من حزب "بور لا باتريا"، من أتباع الفكر البيروني (أتباع الجنرال خوان دومينجو بيرون، الذي حكم البلاد في مرحلتين آخرها كان عام 1975)، ويصنف على أنه من أحزاب "يسار الوسط".
واختار ماسا، المحامي والرئيس السابق لمجلس النواب أوجستين روسي ليكون نائباً له في حال فوزه في الانتخابات.
ويسعى ماسا للحفاظ على سياسات الحكومة الخاصة بالإنفاق على المشاريع الاجتماعية الداعمة لكثير من طبقات المجتمع، ويتعهد أيضاً بتطبيق حلول من شأنها تخفيف الأزمة الاقتصادية، وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين.
باتريشيا بولريتش
اختارت وزيرة الأمن الداخلي السابقة بين 2015 و2019، المحامي والسياسي لويس بيتري لمنصب نائب الرئيس في حال فوزها.
وُتعد بولريتش من أتباع أحزاب "يمين الوسط"، ومن بين المقترحات الرئيسية لحملتها الانتخابية، وعدت ناخبيها بـ"القبضة القوية" ضد الجريمة، والفساد، وتعزيز القوات المسلحة الأرجنتينية.
وفيما يتعلق بخطتها الاقتصادية، تقول بولريتش إنها تعتزم خفض الإنفاق الحكومي، وإزالة الضوابط على العملة، وإجراء مراجعة للقوانين الضريبية والمالية في الأرجنتين، لتبسيط الهيكل المالي. كما أنها تدعم نظاماً يتم فيه استخدام البيزو الأرجنتيني والدولار معاً في الاقتصاد.
مجموعة "بريكس"
قد ترسم هذه النسخة من الانتخابات شكلاً جديداً للعلاقات الخارجية للبلاد، وخاصة في حال فوز المرشح اليميني المتطرف خافيير ميلي، الذي أعلن عزمه تغيير السياسات الخارجية للبلاد، والتي تأخذ شكل التقارب في العلاقات الثنائية مع كل من الصين والبرازيل (أكبر شريكين اقتصاديين للأرجنتين).
وقال ميلي: "لن أعقد اتفاقاً مع الشيوعيين"، إذ يميل إلى التقرب من الولايات المتحدة والدول الأوروبية على حساب الدول التي يعتبرها اشتراكية.
وبشأن انضمام الأرجنتين إلى مجموعة "بريكس"، أعلن ميلي رفضه لهذه الخطوة، وقال إنه في حال تم انتخابه سيحرص على عدم الانضمام.
وعلى النقيض من ذلك، يسعى المرشح ماسا إلى التقرب أكثر من الصين والبرازيل، بالإضافة إلى دعمه لفكرة انضمام البلاد إلى مجموعة "بريكس"، ويرى أن هذه الخطوة قد تشكل مخرجاً من الأزمة الاقتصادية للأرجنتين.
فبحسب مؤسسة "Telma" الأرجنتينية للدراسات المالية، فإن إجمالي الدين الخارجي للأرجنتين تجاوز 275 مليار دولار في نهاية الربع الأول من العام الجاري، أي نحو 31% من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن التضخم بلغ 120% مع نقص حاد في احتياطي البلاد من العملات الأجنبية.
ويسعى المرشح ماسا في حال فوزه إلى الاقتراض من بنك التنمية التابع لمجموعة "بريكس" لسداد جزء من ديون البنك الدولي، بالإضافة إلى حصوله على قروض طويلة الأمد من الصين والبرازيل، بهدف إعادة اقتصاد البلاد إلى المسار الصحيح.