بين مصير أفغانستان و"الأرض المحروقة".. "مستقبل غزة" معضلة أمام إسرائيل حال الاجتياح

في ظل "تردد" وتأجيل.. حكم القطاع أزمة تؤرق تل أبيب

time reading iconدقائق القراءة - 9
متطوعون وفرق إنقاذ يحاولون البحث عن مصابين وانتشال الضحايا جراء غارة إسرائيلية على منازل في خان يونس بقطاع غزة. 26 أكتوبر 2023 - AFP
متطوعون وفرق إنقاذ يحاولون البحث عن مصابين وانتشال الضحايا جراء غارة إسرائيلية على منازل في خان يونس بقطاع غزة. 26 أكتوبر 2023 - AFP
دبي -الشرق

تعهدت إسرائيل على لسان وزير دفاعها يوآف جالانت بتدمير حركة "حماس"، وسط استعدادات إسرائيلية لشن اجتياح بري لقطاع غزة، ما أثار تساؤلات بشأن مستقبل القطاع ومن سيحكمه، إذا صدقت تل أبيب في وعدها، وفق ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

وعلى الرغم من تعهد جالانت، وبعد مرور أكثر من أسبوعين على هجوم "حماس"، إلا أنه لا يوجد تاريخ محدد ستشن فيه إسرائيل غزوها البري على القطاع، خاصة أن حكومة تل أبيب بدت "مُترددة" في دخول غزة، لذلك رجحت الصحيفة الأميركية أن ثمة أسباباً وراء هذا التأخر.

وتوقعت "نيويورك تايمز"، أن ما ينتظر إسرائيل هو نوع من "حرب الشوارع الطويلة"، التي لم تواجهها القوات العسكرية في البلاد منذ قرابة عقد، في إطار مساعيها لتحقيق "نهاية سياسية لا تزال غير واضحة" باستثناء هزيمة "حماس"، التي تسيطر على غزة، حتى لا تتمكن من تهديد  الإسرائيليين مجدداً.

وأشارت الصحيفة إلى ما وصفته بأنه "لغز سياسي متعلق بما سيحدث لغزة بعد انتهاء الحرب.. وبمجرد الدخول، كيف تخرج إسرائيل؟ وبمجرد أن تفكك حماس، إذا كان بإمكانها ذلك، لمن ستسلم المفاتيح؟ إذا لم تعد حماس تحكم غزة، فمن سيحكمها؟".

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين، قولهم، إن هذه التساؤلات لا تشكل مصدر قلقهم المباشر في الوقت الراهن. ولكنها ستكون حتمية، حتى لو أصبحت غزة تحت مسؤولية حكومة إسرائيلية جديدة.

وأوردت "نيويورك تايمز" مقتطفات من تحليل موجز، كتبه توم بيكيت، وهو فريق متقاعد في الجيش البريطاني، والمدير التنفيذي لشؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، قال فيه: "حقيقة.. لا توجد خيارات جيدة لهجوم بري إسرائيلي في غزة".

وأضاف بيكيت: "بغض النظر عن مدى نجاح العملية (هزيمة حماس) كمنظمة عسكرية، سيستمر الدافع السياسي للحركة ودعم السكان للمقاومة"، موضحاً أن خيار إسرائيل إما أن تعيد احتلال غزة للسيطرة عليها، أو أن تتنازل عن الأرض لأشخاص تكون المقاومة مرادفاً لوجودهم".

مصير أفغانستان والعراق

واعتبرت الصحيفة، أن هذا يعد "أحد نقاط الضعف في الاستراتيجية (العسكرية) الإسرائيلية، لأن حماس تمثل فكرة سياسية لا يمكن تفكيكها، وهي منظمة ازدهرت بين الفلسطينيين لاحتضانها الكفاح المسلح ضد إسرائيل".

على نحو مماثل، قالت لينا الخطيب، مديرة معهد الشرق الأوسط بجامعة "سواس" SOAS في لندن: "حتى لو هُزمت حماس عسكرياً، فلا يمكن تحييدها. ارتباط وجود الحركة أو شرعيتها بنجاحها العسكري أمر خاطئ.. فمن الممكن هزيمتها عسكرياً، ورغم ذلك تحافظ على وجودها سياسياً. يمكنها تقديم أي دفاع على أنه عمل بطولي من أجل تحرير الشعب الفلسطيني".

لورانس فريدمان، أستاذ دراسات الحرب في كلية "كينجز كوليدج لندن" King's College London، اعتبر أن التحدي الذي تواجهه إسرائيل، يتمثل في "مواءمة وسائلها العسكرية مع غاياتها السياسية". وأضاف أنه "مهما كانت كفاءة الجيش، فإن الهدف السياسي الطموح للغاية سيؤدي إلى الإحباط أو الفشل".

ولفتت إلى أن الأمثلة كثيرة، بما في ذلك الانتصارات العسكرية الأميركية في العراق وأفغانستان باسم "أهداف سياسية واسعة وطموحة"، مثل التحول الديمقراطي والمساواة بين الجنسين، التي أسفرت عن الفشل. 

وحذر فريدمان من أن الإسرائيليين "يخاطرون بمصير مماثل"، قائلاً: "لقد وضعوا لأنفسهم طموحاً يصعب تحقيقه للغاية، لأنه حتى لو وجهوا ضربة قوية لحماس، فلن يتمكنوا من وقف تجديدها".

وأشار إلى إن "إسرائيل لا تستطيع احتلال غزة إلى أجل غير محدد، ولا تريد ذلك"، مضيفاً: "ولا يمكنها تهجير السكان إلى مصر". وشدد على أنه بدون استراتيجية سياسية واضحة "من الصعب معرفة ما سيترتب عليه الأمر".

"خيارات سرية"

وبحسب الصحيفة، فإنه بعد صراع كبير بين إسرائيل و"حماس" في أغسطس 2014، طُرحت أفكار بشأن ما يتوجب القيام به مع غزة، في ورقة "خيارات سرية" حصلت عليها "نيويورك تايمز"، حذّرت من أن "العودة إلى الوضع السابق ستنتج حرباً جديدة"، وأن السلطة الفلسطينية "ضعيفة للغاية ومنقسمة بحيث لا تستطيع الحكم".

وأشارت تلك الورقة إلى أن أفضل حل هو السماح لقوات الأمم المتحدة بالسيطرة على حدود غزة، بينما يجري حل الجماعات المسلحة الفلسطينية، ونزع سلاحها ورفع الحصار عن غزة تدريجياً. وفي عام 2014، افترضت الورقة أن "حماس" ستظل تسيطر على غزة، لكنها قد توافق على تغيير مواقفها في المقابل.

ولفتت الورقة أيضاً إلى أن هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة، التي تأسست في عام 1948، تحتفظ بتفويض قانوني للقيام بدوريات في غزة، على الرغم من أنها غادرت في عام 1996 بعد اتفاقات أوسلو. وبموجب ولاية يعاد تشكيلها، يمكن لهيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة القيام بدوريات على حدود غزة والمساعدة في نزع سلاح الجماعات المسلحة، في حين ستقوم لجنة دولية أخرى قائمة بتنسيق مساعدات المانحين.

وبعد تسع سنوات، ربما تكون الورقة بمثابة نقطة انطلاق. وإذا تم تدمير حماس والجماعات المماثلة في غزة، حسبما تتعهد إسرائيل، "فربما يمكن لهيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة أن تساعد في الحفاظ على السلام داخل غزة أيضا كنوع من قوة الشرطة التكميلية، بينما يجري إحياء وضع ومصداقية السلطة الفلسطينية بطريقة ما هناك".

وكانت مناقشة عام 2014 حقيقية، حسبما قال روبرت سيري، وهو دبلوماسي هولندي شغل منصب منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، قال: "كنا نأمل أن تتم إعادة السلطة الفلسطينية".

ويقول سيري، إنه "في حين أن هذا الأمر ربما يكون غير واقعي الآن كما كان في ذلك الوقت"، "فإننا في كل مرة سمحنا للوضع بالعودة إلى الوضع الراهن، مع وقف هش لإطلاق النار مع الحد الأدنى من الترتيبات لإبقاء غزة واقفة على قدميها".

وأضاف: "آمل أن تتعلم إسرائيل درساً. إذا استمرت في تجاهل القضية الفلسطينية، فسوف تنفجر من وقت لآخر، إنها مجرد مسألة وقت".

 "الأرض المحروقة"

ووفقاً للصحيفة، في الصراع الحالي، ستحتاج إسرائيل إلى السيطرة على ما تبقى من غزة وتحصين القوات الإسرائيلية هناك، حتى يسمح لها حل سياسي من نوع ما بالخروج، الأمر الذي سيرهق الجيش، خاصة إذا فتح "حزب الله" اللبناني جبهة ثانية، من جنوب لبنان، أو إذا تصاعد العنف في الضفة الغربية المحتلة بين المستوطنين الإسرائيليين، والفلسطينيين.

وبطبيعة الحال، إذا دُمرت المراكز الحضرية في غزة، وأدت العمليات البرية إلى تشريد أجزاء كبيرة من السكان، "فسيكون من الأسهل على الجيش الإسرائيلي السيطرة على غزة دون احتلالها بالكامل"، وهو ما وصفته لينا الخطيب، بأنه "تكتيك حرب تستخدمه أنظمة أخرى في الشرق الأوسط"، يعرف بتكتيك "الأرض المحروقة".

"نيويورك تايمز" توقعت أيضاً أن يفرض سقوط ضحايا ومصابين في صفوف المدنيين، حال اجتياح البري لغزة، كما كان عليه الحال دائماً، في نهاية المطاف ضغوطاً كبيرة على إسرائيل، للتفاوض على وقف إطلاق النار، وربما يصبح الضغط، خاصة من واشنطن، أكبر من أن يُحتمل قبل أن تحقق إسرائيل هدفها العسكري المعلن.

وتحاول إسرائيل بالفعل تهيئة أنصارها في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في الولايات المتحدة، لمقاومة هذا النوع من الضغوط لحملها على وقف عملياتها قبل تفكيك "حماس"، بحسب الصحيفة.

وفي هذا الإطار، حض المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، جوناثان كونريكوس، مؤخراً لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، وهي مجموعة ضغط مؤيدة لإسرائيل ومقرها واشنطن، على "الالتصاق بإسرائيل" بغض النظر عن الانتقادات.

وأشار إلى "ما كان يحدث في الماضي"، مضيفاً أنه بعد "ضمان نافذة صغيرة من الشرعية الدولية والدعم، سرعان ما يتحول الرأي العام، وتُجبر إسرائيل من جانب الدول القوية حول العالم على الحد من تحركها. لقد رأينا ذلك وهذا ما رأينا للأسف في الماضي. لكن هذا الوقت يجب أن يكون مختلفاً".

وبدأت إسرائيل "حصارها الشامل" على غزة بعد الهجوم الذي نفذته حركة "حماس" على بلدات إسرائيلية في منطقة غلاف غزة في السابع من أكتوبر، ما أسفر عن قتل 1400 إسرائيلي، في هجوم أحدث صدمة في إسرائيل.

وأودت الغارات الجوية الإسرائيلية المتواصلة على غزة، منذ 7 أكتوبر الجاري، بحياة 7 آلاف و28 ضحية، بينهم 2913 طفلاً، حتى، صباح الجمعة، فيما تظل الحصيلة مرشحة للتصاعد، مع استمرار القصف. 

تصنيفات

قصص قد تهمك