تسببت الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة الفلسطيني في ارتفاع قياسي بجرائم الكراهية في بريطانيا، إذ سجلت الشرطة بين الأول و18 من أكتوبر الجاري، حالات الاعتداء على المسلمين لأكثر من 100 جريمة، مقارنة بـ42 خلال الفترة ذاتها العام الماضي، فيما زادت جرائم "معاداة السامية" من حالتين فقط إلى 218 خلال الفترة نفسها.
وقال نائب رئيس الوزراء البريطاني أوليفر دودن لراديو "تايمز" إن بريطانيا ستعقد اجتماعاً للجنة الاستجابة للطوارئ التابعة للحكومة البريطانية، الخميس، لبحث استراتيجيتها ونهجها تجاه غزة والصراع بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية.
وسجلت منظمة Tell MAMA المختصة بتوثيق جرائم الكراهية في بريطانيا، نحو 300 بلاغ عن جرائم ضد المسلمين بين 7 و19 من أكتوبر الجاري، مقارنة بـ6 بلاغات فقط خلال الفترة نفسها من العام الماضي، لافتة إلى أن هذه الجرائم موزعة على مناطق مختلفة من إنجلترا.
وأشارت إلى أن ميدان "جرائم الكراهية" في بريطانيا امتد من الشوارع وأماكن العمل ودور العبادة إلى الفضاء الإلكتروني، إذ اعتقلت الشرطة، حتى الآن، أكثر من 20 شخصاً.
إلغاء التأشيرات والجنسيات
ويثير رد الفعل للهجوم الإسرائيلي المتصاعد في غزة، عقب هجمات حركة "حماس" المباغتة في 7 أكتوبر، حفيظة الأشخاص الذين يعلنون رفض سياسات "العقاب الجماعي" في بريطانيا.
وفي حين تؤيد الجالية المسلمة القضية الفلسطينية، يساند عدد كبير من اليهود وغيرهم موقف تل أبيب، ويعتبرون أن ما يقوم به الجيش الإسرائيلي مجرد "دفاع عن النفس".
ويدفع الغضب الناتج عن هذا الاستقطاب أشخاصاً من الجانبين إلى الاعتداء على أفراد أو شركات أو مراكز دينية. كما فجّر التشاحن القائم تدوينات، عبر منصات التواصل الاجتماعي، تؤجج الكراهية في أوساط المجتمع البريطاني الذي يرى وزير الداخلية الأسبق ساجد جافيد أنه "أنجح ديمقراطية متعددة الأعراق في العالم، ويجب ألا يتأثر بأي أحداث خارجية".
وقال جافيد خلال جلسة برلمانية: "جرائم الكراهية تتعارض مع القيم البريطانية، ويتوجب على الدولة عدم التسامح فيها"، داعياً إلى "إلغاء تأشيرة كل أجنبي يُتهَم بتلك الجرائم، وسحب جنسية كل مواطن يثبت ارتكابه لها".
في المقابل رد رئيس الوزراء ريشي سوناك بأن "قوانين الهجرة الحالية تضع أي شخص يرتكب أعمالاً ضد الصالح العام أمام تهديدٍ بخسارة حقه بالعيش والبقاء في البلاد، وجرائم الكراهية تُصنَّف ضمن هذه الأعمال".
حدود صلاحيات الشرطة
وقال مفوض الشرطة البريطانية السير مارك رولي إن قوانين محاربة جرائم الكراهية "ربما تحتاج إلى صياغة جديدة؛ حيث لا تشمل التشريعات الحالية كل ما يمكن تصنيفه كخطاب كراهية، أو التحريض ضد الدينٍ أو العرق.. وقد لا تكون هذه التصنيفات القائمة بالوضوح الكافي الذي يحدد بدقة الجرائم من هذا النوع".
وشدد رولي، في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية، على أن القوانين تحدد صلاحيات الشرطة في التعامل مع مرتكبي هذه الجرائم، وترسم الخطوط التي تلتزم بها قوات الأمن في التعامل مع ذلك.
وجاءت تصريحات رولي بعد سؤال وجهته وزارة الداخلية إلى قوات الشرطة بشأن متظاهر مؤيد لفلسطين دعا إلى "الجهاد"، خلال مسيرة تطالب بوقف الهجوم الإسرائيلي على غزة، من دون أن يتم توقيفه "بحجة أنه لم يخل بالأمن".
في المقابل، اعتبر رئيس الحكومة البريطانية أن الدعوة إلى "الجهاد تشكل تهديداً للمجتمع البريطاني ككل".
بدورها، تؤيد وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان ما ذهب إليه سوناك لكنها تتفهم "تعقيدات المشهد" الذي تعيشه الشرطة وقوات الأمن في التعامل مع التظاهرات المؤيدة لفلسطين، فـ"القوانين لا تمنع تأييد الفلسطينيين، ولا المطالبة بوقف الحرب.. وإنما فقط تحظر دعم حركة حماس برمزٍ أو كلمة أو فعل لأنها مصنفة منظمة إرهابية في البلاد".
حماية الجالية اليهودية
ومع "تفهمها لقانونية تأييد فلسطين"، تحرص حكومة سوناك على حماية التجمعات والشركات والمراكز الدينية اليهودية، إذ أعلن سوناك عن تخصيص 3 ملايين جنيه إسترليني لهذا الغرض.
وتقول وزيرة الداخلية إن الحكومة "ستفعل كل ما يجب لمنع وقوع أي جرائم موجهة ضد اليهود أو تصنف معاداة للسامية".
وتفيد إحصاءات الشرطة البريطانية بأن "جرائم معاداة السامية" زادت بنسبة 1353% خلال أول أسبوعين من حرب إسرائيل على قطاع غزة.
وقد تعرض المدانون بتلك الجرائم إما للتوقيف أو للغرامات المالية، وهي العقوبات نفسها التي واجهها الذين أدينوا في جرائم ضد المسلمين، والتي صعدت بدورها، وفق الإحصائيات الرسمية، بنسبة 140%، مقارنة بفترة مماثلة من العام الماضي.
ومن بين الحالات التي رصدتها الشرطة البريطانية ضد الجالية اليهودية، منذ 7 أكتوبر الجاري، كانت عملية تشويه صور ليهود مفقودين في منطقة كامدن، واعتداء على رجل يهودي شرق لندن، إضافة إلى تحطيم نوافذ مطعم يهودي.
وبشكلٍ عام، توضح بيانات مكتب الإحصاء الوطني أنه خلال عام ممتد بين مارس 2022 و2023، سُجِّلَ في إنجلترا وويلز وحدهما 1510 جرائم تصنف بالمعادية للسامية، بنسبة زيادة 17% مقارنة بالعام الذي سبقه.
أما الجرائم الموجهة ضد المسلمين وفق المقارنة ذاتها، فقد صعدت بنسبة تقارب 40% إلى 3452 جريمة.
جرائم موجهة ضد المسلمين
في ما يتعلق بالجرائم المرتكبة بحق المسلمين، تقول منظمة Tell MAMA إن المسلمين تعرضوا إلى 291 اعتداءً بين 7 و19 أكتوبر الجاري، وهو ما يعادل 6 أضعاف ما سُجل من جرائم مشابهة في الفترة نفسها العام الماضي.
ولفتت المنظمة إلى أن الجرائم الموجهة ضد المسلمين خلال الفترة المذكورة، انقسمت بين 132 اعتداءً مادياً أو فعلياً على الجالية المسلمة في مدن مختلفة على امتداد إنجلترا، و159 جريمة بالفضاء الإلكتروني تضمنت مصطلحات واستعارات معادية للمسلمين وتربط معتقداتهم ومجتمعاتهم بالإرهاب.
وتتوزع الجرائم الفعلية ضد المسلمين، كما سجلتها المنظمة خلال أسبوعين، إلى 88 جريمة شهدتها العاصمة لندن، و15 جريمة في مدينة مانشستر شمال إنجلترا، و5 في لانكشير، و3 في جنوب يوركشير، و6 في غربها، و5 في شرق ميدلاندس، و7 في غربها، وواحدة في الجنوب، واثنتين في شمال شرقي البلاد.
وبينما تنقسم هذه الجرائم بين اعتداءات مباشرة وتهديد وتخريب وسلوك مسيء، تقول مديرة Tell MAMA إيمان أبو عطا إن المنظمة دعت الجالية المسلمة في البلاد إلى اليقظة عند الخروج من المنازل والتجول في الشوارع والأماكن العامة.
وأوضحت، في حديث مع "الشرق"، أن المنظمة قدمت نصائح لأبناء الجالية بهذا الخصوص، بالعربية والإنجليزية، كما تقوم بتحديث إحصاءاتها بشأن هذه الجرائم باستمرار.
تداعيات الحرب على النواب
ومع اصطفاف الجاليتين اليهودية والمسلمة على ضفتين متقابلتين إزاء الصراع المتصاعد في الشرق الأوسط، يجد النواب البريطانيون أنفسهم أمام مشكلة في مناطق تمثيلهم، حيث باتوا مطالبين بتأييد إسرائيل بشكل واضح ومباشر في أماكن التجمعات اليهودية، ومطالبين كذلك بالدعوة إلى وقف الحرب ونصرة الفلسطينيين في البلدات والمدن التي يشكل المسلمون أكثرية فيها.
وقال زعيم المعارضة العمالية كير ستارمر، أمام مجلس العموم، إن التصاعد الكبير في جرائم الكراهية ضد المسلمين أو اليهود على السواء "مثير للاشمئزاز، ويتوجب على كل نائب في دائرته الانتخابية أن يقول لا للكراهية".
أما سوناك فقد قال "إن البرلمان يجب أن يؤدي دوره في مواجهة الكراهية بين البريطانيين".
ونقلت صحيفة "بوليتيكو" عن النائبة الاسكتلندية عن منطقة جلاسكو، أليسون ثيوليس، قولها إنها تلقت أكثر من 800 رسالة بشأن الحرب في الشرق الأوسط خلال أسبوعين. وأشارت إلى أن اليهود في مناطقهم يشعرون بقلق شديد إزاء ما يحدث هناك، بينما يندد المسلمون بتأييد الحكومة والساسة في بريطانيا لهجوم إسرائيل على قطاع غزة.
وقالت الصحيفة إن الخشية من تداعيات الحرب على المشهد السياسي البريطاني دفعت سوناك وزعيم المعارضة إلى تقديم مذكرة موحدة إلى البرلمان، أدانا فيها هجوم حماس على إسرائيل، وطالبا الأخيرة باحترام القانون الدولي في حربها على الحركة، وسط تساؤلات حول ما إذا كان هذا التحرك كافياً لاحتواء تداعيات الصراع تحت سماء المملكة المتحدة.