لم يكن العراق بعيداً عن الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، إذ انقسمت المواقف إزاءها على صعد عدة، ليس أقلها السياسي والشعبي والعسكري، لكن الأخير لم يمثل وجهة نظر رسمية، بل جاء على لسان الفصائل المسلحة في العراق، والتي رهنت موقفها بدخول الولايات المتحدة على خط الصراع، وهو ما أعلنته على نحو رسمي في التاسع من أكتوبر الجاري.
ودخلت فصائل عراقية مسلحة مدعومة من إيران على خط الأزمة في غزة، إذ قامت باستهداف القواعد التي تضم قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة داخل العراق وسوريا، عبر القصف الصاروخي أو الطائرات المسيرة بشكل شبه يومي، الأمر الذي يراه مراقبون خطراً يهدد أمن واستقرار البلاد، ويوسع من دائرة الصراع في المنطقة، وله تبعات سياسية واقتصادية ودولية على حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
ورفضت الحكومة العراقية عبر بيان رسمي، الهجمات التي تستهدف القواعد العسكرية، والتي تضمّ مقرات مستشاري التحالف الدولي المتواجدين في البلاد، بدعوة رسمية من قبل الحكومة، لدعم عمل القوات الأمنية العراقية من حيث التدريب والتأهيل والاستشارة.
وطالبت الحكومة بتعقب وتتبع العناصر المنفذة لتلك الهجمات، وعدم السماح في الإضرار بالأمن والاستقرار.
تظاهرات شعبية
الباحث في الشؤون الاستراتيجية والإقليمية أمير الساعدي قال لـ"الشرق"، إن "من الصعب على رئيس الوزراء أن تكون له القدرة على تحييد دور الفصائل المسلحة في العراق التي أعلنت المقاومة وموقف وحدة الساحة والمصير".
وأكد أن "هناك الكثير من المشتركات العقائدية والإنسانية والتاريخية في تلك الساحات التي تمضي بأفق ديني وروحاني كون الأمور يتعلق بتحرير أرض فلسطين".
وتابع الساعدي: "خطاب رئيس الوزراء العراقي في قمة السلام بمصر كان جريئاً جداً وصلباً في المواقف، ومن ثم هو من أعطى الضوء الأخضر لتلك الفصائل بالتحرك أكثر، كونه ركز على إعلان إسرائيل كدولة صهيونية، ووصفها بالكيان الصهيوني، وأعلن أن هناك حق مشروع للدفاع عن النفس".
ويشير الساعدي إلى أن الفصائل المسلحة في العراق دخلت بالفعل في غرفة العمليات المشتركة لمواجهة إسرائيل، مشيراً إلى أن ذلك بدا واضحاً من خلال قيامها بعمليات استهداف متزامنة للمصالح الأميركية في العراق وهي محاولة لتعزيز جبهة معينة في العراق وسوريا.
على الصعيد الشعبي، شهد العراق العديد من التظاهرات والوقفات التضامنية مع الشعب الفلسطيني ضد القصف الإسرائيلي على قطاع غزة رداً على العملية التي نفذتها حركة "حماس" ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر الجاري.
وأبرز تلك التظاهرات هي التي خرج بها أنصار "التيار الصدري" في ساحة التحرير وسط بغداد لدعم فلسطين تنديداً بالقصف الإسرائيلي، كما دعا زعيم التيار، مقتدى الصدر، الدول العربية والإسلامية إلى تجمع شعبي على حدود فلسطين احتجاجاً على قصف غزة، مبدياً الاستعداد لنقل المساعدات الإغاثية لأهالي القطاع، بالإضافة إلى توجيه أنصاره بالاعتصام عند الحدود العراقية الأردنية.
في المقابل، خرج أنصار "الإطار التنسيقي" والفصائل العراقية بتظاهرة قرب الجسر المعلق أمام المنطقة الخضراء المحصنة التي تضم المؤسسات الحكومية ومقار البعثات الدبلوماسية وسفارة الولايات المتحدة، فيما توجه المئات من الصدريين وأنصار "الإطار التنسيقي" والفصائل العراقية للاعتصام قرب المنفذ الحدودي بين العراق والأردن.
الخطوة القادمة
الكاتب والمحلل السياسي المقرب من "التيار الصدري" مجاشع التميمي قال لـ"الشرق"، إن التيار كان أكثر واقعية، لأنه يدرك أن الوصول لغزة يكاد يكون مستحيلاً، وأن استهداف القواعد الأميركية في العراق سيعقد المشهد أكثر، وربما يؤدي إلى تدهور الأوضاع في الداخل، لذا كان واضحا في إحراج القيادات السياسية في العراق من خلال التظاهر.
وتابع التميمي بأن "التدخل البري لإسرائيل في غزة سيضع إيران وحلفاءها في موقف لا يحسد عليه، وربما سيكون هناك انكسار كبير وتغيير في المنطقة، لا سيما وأن الولايات المتحدة وإسرائيل مصممتان على الاجتياح، والمرحلة المقبلة ربما لا تقل خطورة عما حصل في عام 2003 من احتلال للعراق".
ويشير التميمي إلى أن استهداف القوات الأميركية في العراق لغاية الآن مسيطر عليه وهو حدث إعلامي أكثر من استهداف مسلح، لأن الجانب الأميركي لم يتضرر بشيء وحتى الإصابات كانت طفيفة، وأغلب الجنود الأميركيين المصابين في العراق وسوريا عادوا إلى الخدمة مباشرة.
الموقف الكردي
الجانب الكردي لم يكن بعيداً عن تنوع المواقف في الداخل العراقي، لكنه كان أهدأ بكثير على المستوى الشعبي وحتى الحكومي.
عضو الاتحاد الإسلامي الكردستاني أحمد حاجي رشيد قال لـ"الشرق"، إن "ما يجري في غزة هي عمليات إبادة جماعية وتطهير عرقي بحق الفلسطينيين وهو مخالف لجميع المواثيق والاتفاقيات الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة، والتي تتعلق بحق تقرير المصير".
وأكد أن "هذه قضية لا بد لجميع الشعوب المتحررة أن تدعم الفلسطينيين في هذه الكارثة الإنسانية، وتقدي الدعم المادي والمعنوي لهم"، مبيناً أن" الإخوة في غزة لا يحتاجون إلى دعم بشري، وإنما يحتاجون إلى دعم معنوي ودعم مادي، لذلك فإن التدخل بالشأن الفلسطيني من قبل أجندات سياسية يؤثر في سمعة القضية السياسية والإنسانية".