الانتخابات الأميركية.. صعود نجم نيكي هيلي وترمب يستخدم أوراقه الرابحة

محللون: غياب الرئيس السابق عن مناظرات الجمهوريين "تكتيك استراتيجي" فعال وناجح

time reading iconدقائق القراءة - 16
حاكمة ولاية ساوث كارولينا السابقة نيكي هيلي تتحدث خلال المناظرة الثالثة للمرشحين الجمهوريين لانتخابات الرئاسة الأميركية عام 2024 في ميامي بولاية فلوريدا. 8 نوفمبر 2023 - REUTERS
حاكمة ولاية ساوث كارولينا السابقة نيكي هيلي تتحدث خلال المناظرة الثالثة للمرشحين الجمهوريين لانتخابات الرئاسة الأميركية عام 2024 في ميامي بولاية فلوريدا. 8 نوفمبر 2023 - REUTERS
واشنطن-رشا جدة

لم يؤد غياب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، عن المناظرة الثالثة لمرشحي الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة في 2024، إلى إضعاف قبضته على الحزب الجمهوري، إذ حافظ ترمب على تقدمه الكاسح في استطلاعات الرأي وجمع التبرعات، وذلك وسط صعود نجم المرشحة المحتملة نيكي هيلي.

واعتبر خبراء ومحللون في حديثهم لـ"الشرق"، أن ترمب لا يزال في مقعد السائق في هذه الانتخابات التمهيدية، وأن غيابه "تكتيك استراتيجي" فعّال. أما بين من حضروا المناظرة، فيرى خبراء أن السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، قدمت أقوى أداء ليلة الأربعاء 8 نوفمبر الجاري، وتركت انطباعات قد تؤهلها لتصبح المنافس الرئيسي ضد ترمب.

وقرر الرئيس السابق التخلي عن المناظرة الثالثة أسوة بسابقتيها، زاعماً "عدم جدواها"، في وقت يواصل فيه تصدر المركز الأول في استطلاعات الرأي على منافسيه الجمهوريين، بفارق يصل إلى نحو 40 نقطة. وبدلاً من المناظرة، حضر الرئيس السابق تجمعاً انتخابياً في مدينة هياليه بولاية فلوريدا، على بعد 10 أميال (16 كم) فقط من مقر انعقاد المناظرة في ميامي. 

وأظهر استطلاع رأي بعد المناظرة التمهيدية الثالثة للحزب الجمهوري، أجرته شركة "إبسوس" لأبحاث السوق واستطلاعات الرأي، وصحيفة "واشنطن بوست" وشركة البيانات "538"، أن 34% من متابعي المناظرة، قالوا إن أداء هيلي هو الأفضل، في حين جاء حاكم فلوريدا رون ديسانتيس في المركز الثاني بفارق كبير عنها، إذ صنفه 23% على أنه الأفضل. بينما ترك رجل الأعمال فيفيك راماسوامي أسوأ الانطباعات لدى الناخبين، إذ قال 29% من متابعي المناظرة إن أداءه كان "الأسوأ".

أما بالنسبة لترمب، فلم يشهد الرئيس السابق أي تراجع بين الناخبين الجمهوريين الأساسيين، وتصدر خيارات المشاركين في الاستطلاع، الذي أُجري على مرحلتين من 30 أكتوبر حتى 9 نوفمبر، إذ قال 63% من الناخبين، إنهم سيدعمونه قبل المناظرة وبعدها.

وشملت المرحلة الأولى قبل المناظرة عينة عشوائية قوامها 5339 ناخباً جمهورياً محتملاً، وانخفضت بعد المناظرة إلى 2682، وأفاد نحو 731 ناخباً جمهورياً محتملاً منهم بأنهم شاهدوا بعضاً أو كل المناظرة، في حين اعتبر الجزء الأكبر منهم أن المناظرات الرئاسية للحزب الجمهوري "غير مهمة"، لا سيما "المناظرة الثالثة".

ترمب.. "الفائز الأكبر"

واعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة "ويدنر" جي ويسلي ليكرون، أنه كما في المناظرتين السابقتين لم يقدم أي مرشح جمهوري حجة مقنعة حقاً، بشأن سبب حصوله على ترشيح الحزب الجمهوري بدلاً من دونالد ترمب.

وفي حديثه مع "الشرق" قال ليكرون، إن الفائز الأكبر في المناظرة هو ترمب، موضحاً أن المتنافسين حاولوا تمييز أنفسهم من خلال مواقفهم السياسية، "لكن الأمر تحول إلى سباق حول من يكون البديل الرئيسي لترمب، وليس المرشح الرئاسي المفترض".

على الجهة الأخرى، عقد ترمب منتداه الخاص، وحصل على تغطية صحافية، ولم يتعرض لأي ضرر من المرشحين في المناظرة، وفي رأي ليكرون، لم تفعل المناظرة شيئاً يضر بمكانته باعتباره المرشح الأوفر حظاً لترشيح الحزب الجمهوري، "ولذلك، كان هو الفائز".

تتفق أستاذة الشؤون الحكومية والمديرة الأكاديمية لمعهد إدارة الحملات بالجامعة الأميركية بواشنطن، كانديس نيلسون، مع ليكرون، في أن المناظرة الثالثة لم تبرز أي فائزين أو خاسرين. 

وفي حديثها لـ"الشرق" قالت نيلسون، إنه لا يستطيع أي من المرشحين الجمهوريين منافسة ترمب، "ولا يزال ترمب هو المرشح المفترض. فهو متقدم بفارق كبير في استطلاعات الرأي وجمع التبرعات، لذلك ليس لديه ما يكسبه من المشاركة في المناظرات".

نيكي هيلي "أفضل أداء"

تركت هيلي انطباعاً إيجابياً لدى 34% من متابعي المناظرة الثالثة، وهو ما يمثل تحسناً كبيراً، مقارنة بالمناظرة الثانية التي قال 18% فقط إنها قدمت الأفضل. وقفزت هيلي ثماني نقاط مئوية إلى 53% في نسبة المشاهدين، الذين قالوا إنهم يفكرون في التصويت لها، بينما لم يحصد منافسها الأبرز رون ديسانتيس سوى نقطتين إضافيتين على المناظرة الثانية بنسبة تصل إلى 56%.

ويعتقد المستشار السياسي ورئيس شركة "نورث ستار أوبينين ريسيرش" لاستطلاعات الرأي العام والشؤون العامة وايت أيريس، أن أداء نيكي هيلي في المناظرة الثالثة يرقى إلى أن تكون المنافس الرئيسي لدونالد ترمب.

وفي حديثه مع "الشرق"، قال أيريس إن هيلي قدمت أداءً أفضل بكثير عن باقي المرشحين وكانت متمكنة للغاية. ومع ذلك، أعرب عن اعتقاده بأنها لا يمكنها أن تتغلب على ترمب، مضيفاً: "نحن لا نعرف ذلك، حتى الآن". ووصف هيلي بأنها كانت رائدة بين مختلف المنافسين الآخرين، قائلاً: "لا يزال ترمب هو المرشح الأوفر حظاً للفوز بترشيح الحزب، لكن نيكي هيلي سياسية كبيرة يمكنها أن تشكل تحدياً قوياً للغاية لترمب".

ويتفق المحرر السياسي في نشرة "Sabato’s Crystal Ball" الصادرة عن مركز السياسة بجامعة فيرجينيا، التي تعنى بالحملات الأميركية والانتخابات، ومنسق العلاقات الإعلامية بالمركز، جي مايلز كولمان مع أيريس، مشيرة إلى أن هيلي حققت أداء قوياً في المناظرة، بالمقارنة مع ديسانتيس أقرب منافس لها. 

وأضاف كولمان: "يبدو أنها تبدو أكثر أصالة وتحديداً في إجابتها عن الإجهاض، إذ أطرت القضية من الناحية الشخصية، كانت مثالاً رائعاً على ذلك".

من جانبه، يعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة "ويبستر" ويليام هال، أن من قدموا أفضل أداء في المناظرة الأخيرة بالترتيب: نيكي هيلي، رون دي سانتيس، وكريس كريستي. وفي حديثه مع "الشرق"، قال هال إن كلاً منهم تصرف بشكل ممتاز، وكل شخص منهم أبدى الثقة والاستعداد والرد المناسب على مجموعة متنوعة من الأسئلة الموجهة لهم، "أعتقد خاصةً أن هيلي كانت حادة بشكل خاص، مفكرة، ودقيقة في استعراضاتها". 

ويوضح ليكرون بأن المناظرات الجمهورية تدور في الواقع حول غربلة المجموعة الكبيرة من مرشحي الحزب الجمهوري لمنصب الرئيس، والوصول إلى مرشح أو مُرشحيّن يمكن أن يكونا بديلين لترمب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، معرباً عن اعتقاده بأن هيلي، وديسانتيس، وكريستي قد أظهروا جميعاً بعض الأسباب المقنعة التي تدفعهم إلى البقاء في السباق.

"خاسرون" بعد المناظرة

واعتبر العديد من مشاهدي المناظرة، أن الشجار الذي دار بين هيلي وراماسوامي "لحظة لا تُنسى". وكانت هيلي قد وصفت رجل الأعمال فيفيك راماسوامي بـ"الحثالة"، بعد أن سخر من استخدام ابنتها منصة التواصل "تيك توك"، وتعهدها بحظره.

وأزعج رجل الأعمال فيفيك راماسوامي العديد من الناخبين بطريقة أدائه، مما ساهم في تراجع تقييمه بين مراقبي المناظرة، إذ قال ناخب واحد فقط من كل ثلاثة ناخبين 33% إن أداءه كان جيداً، وهو انخفاض عن المناظرة الأولى، التي حصل فيها على المركز الثاني، بنسبة 55%، وكذلك المناظرة الثانية 40%. وحصد كل من السيناتور عن ولاية ساوث كارولينا تيم سكوت، وكريس كريستي أداءً متوسطاً بنسب 28% و26% على التوالي.

واعتبر أستاذ العلوم السياسية وعضو الأكاديمية الفخرية في "جامعة أوهايو" بول بيك، أن راماسوامي ترك "انطباعاً سلبياً" في المناظرة الثالثة. وفي حديثه لـ"الشرق"، قال بيك إن راماسوامي لم يتمكن طوال مدة المناظرة من تبرير لماذا يجب على أي شخص التصويت له.

ووصف أيريس أداء راماسوامي بأنه كان "بغيضاً ومزعجاً" لمعظم المشاهدين، لافتاً إلى أنه لم يكن جدياً في سباقه، للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، "بدا وكأنه يتسابق ليكون مذيع قناة إخبارية".

من جانبه، رأى ليكرون أن راماسوامي وسكوت كانا "الخاسرين" في تلك المناظرة. وقال إن راماسوامي لم يفعل الكثير لتمييز نفسه عن ترمب، وأظهر القليل من الكفاءة، ليكون قادراً على التعامل مع وظيفة جادة مثل الرئاسة. 

ولفت ليكرون إلى أن تيم سكوت نال إعجاب المحافظين المثقفين، لكنه لم يفعل الكثير لتقديم حجة مقنعة حول السبب الذي يجعله أكثر تأهيلاً، ليكون البديل لترمب. ويقول ليكرون إنه بعد هذه المناظرة، يبدو حقاً أن هيلي وديسانتيس وكريستي هم المرشحون الشرعيون، الذين يتنافسون على المركز الثاني خلف ترمب.

في الوقت نفسه، يعتقد هال أن كلاً من فيفيك راماسوامي والسيناتور تيم سكوت، على الرغم من تقديمهما "أداء جيداً متواضعاً"، إلّا أنهما ما زالا، أقل من المستوى قليلاً في كل من ردودهما الفردية، وكذلك أدائهما الإجمالي، خاصة بالمقارنة مع المشاركين الثلاثة الآخرين في المناظرة. 

ولفت هال إلى أن راماسوامي، على وجه الخصوص، استمر في إثبات كل من تعليقاته "غير المحترمة" وكذلك سلوكه، بما في ذلك الافتقار إلى جودة أدائه، بشكل عام، في المناظرات، "أنه ليس جاداً أو مرشحاً مؤهلاً بشكل جيد. ومن ناحية أخرى، كان أداء السيناتور تيم سكوت، في أحسن الأحوال، متوسطاً وغير ملهم".

ويتفق كولمان مع هال في أن راماسوامي لم يفعل الكثير لمساعدة نفسه. وفي حين أنه يتخذ "أسلوباً قتالياً" بلا ريب، فإن استحضار ابنة هيلي، بدا وكأنه "ضربة منخفضة" على حد قوله.

لا أحد يتفوّق على ترمب

في الوقت الذي يقول فيه 63% من الناخبين الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية، إنهم يفكرون في التصويت لصالح الرئيس السابق، يليه ديسانتيس 48% وهيلي 38%، لم يحصل أي مرشح آخر على أكثر من 20% من الناخبين الأساسيين المحتملين يفكرون في التصويت له.

وهي نسب يقرأها كولمان لصالح ترمب، ويقول إن الرئيس السابق لا يزال في مقعد السائق في هذه الانتخابات التمهيدية. وعلى الرغم من تسجيل ديسانتيس وهيلي الأفضل في استطلاعات الرأي، وتقدم ترمب عنهما في ولايتي أيوا وكارولينا الجنوبية، فإنه يراهن على أداء ديسانتيس وهيلي في تلك الولايتين، قائلاً: "استثمر ديسانتيس بكثافة في ولاية أيوا، في حين قد يكون لدى هيلي بعض التأثير في ولايتها كارولينا الجنوبية. سوف يلفت انتباهي أن أياً من هاتين الولايتين تتمتعان بأداء قوي".

ويعتقد ليكرون، أنه لا يمكن لأحد أن يتفوق على ترمب سوى ترمب، "فالرئيس السابق يترشح كرئيس حالي، وأغلبية الجمهوريين يقفون خلفه".

ورجح ليكرون أنه لكي يفوز مرشح ما، عليه أن يظهر بأنه بديل لترمب موثوق به، "يتعلق جزء من ذلك بالاستفادة من القضايا التي يحملها ترمب، وإظهار الخبرة والوضوح لمواصلة إرثه من دون الأعباء التي تأتي مع فترة رئاسية ثانية له". واستناداً على وجهة نظره، يعتقد ليكرون في الوقت الراهن، أن لدى هيلي أفضل فرصة في الوقت الحالي للظهور، كهذا، المرشح.

 يجد طرح ليكرون، صدى لدى هال، الذي يعتقد استناداً إلى أداء المناظرة، على الأقل حتى الآن، أن نيكي هيلي في هذه المرحلة، قد تبدو في المقدمة، "خاصة بسبب أدائها المثير للإعجاب بشكل متزايد خلال هذه المناظرات".
 
ويجادل هال، بأن خبرة هيلي القوية في السياسة الخارجية أتاحت لها أن تكون على دراية وفعالية في النقاش مثيرة للإعجاب بشكل خاص، "وهي صفات من شأنها أن تخدمها أيضاً بشكل جيد، إذا نجحت في حملتها لترشيح الحزب الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة. بالطبع، يجب على المرء أيضاً أن يضع في اعتباره أن الأداء في المناظرات، على الرغم من أهميته، ليس سوى أحد المعايير المهمة العديدة التي سيجري تقييمها، ويجب أن يأخذها الناخبون في الاعتبار في نهاية المطاف".

الغياب "تكتيك استراتيجي"

وعلى الرغم من أن ترمب غاب عن المناظرات الثلاث للحزب الجمهوري، إلا أنه حافظ على صدارته للمرشحين الجمهوريين المحتملين للرئاسة. وهو ما يراه خبراء "تكتيكاً استراتيجياً" فعالاً وناجحاً للرئيس السابق.
 
ويصف أستاذ العلوم السياسية هال، قرار ترمب بالامتناع عن المشاركة في المناظرات، بأنه قرار استراتيجي محسوب، لتحقيق هدفين: أولهما، عدم المخاطرة بتقديم أداء ضعيف في المناظرة، وثانيهما: تكريس الجزء الأكبر من وقته وطاقته للتحدي الرئيسي الذي يواجهه الآن، وهو الدفاع عن نفسه في العديد من الدعاوى القانونية والمعارك القضائية الأكثر خطورة وتعقيداً.

مع ذلك، يجد هال أن تجاهل ترمب المتكرر للمناظرات، مؤشر على عدم احترامه المستمر لناخبيه الأساسيين والناخبين الأميركيين بشكل عام.

من جانبه، يعتقد أستاذ العلوم السياسية ليكرون أنه لا يوجد سبب لظهور ترمب في المناظرات، لأنه بالفعل يتسابق بشكل أساسي كما لو أنه حصل على ترشيح الحزب الجمهوري بالفعل. 

ولفت ليكرون إلى أن ترمب يحظى بالقدر نفسه من الاهتمام الصحافي بعقد فعالياته الخاصة بالقرب من موقع المناظرة، ولا يخاطر بالسماح لخصومه الجمهوريين بمهاجمته والتسبب في خطأ غير مقصود قد يضر بترشيحه. 

واعتبر ليكرون أن غياب الرئيس السابق عن المناظرة جعل المرشحين على المسرح يبدون كأنهم يتنافسون على المركز الثاني، إذ "تحدث المرشحون عن الأسباب التي تجعلهم بديلاً لترمب، لكن لم يقدم أي منهم حجة مقنعة بما يكفي لإحداث تغيير جذري في السباق وتحدي ترمب بجدية".

يتفق أستاذ العلوم السياسية بول بيك مع سابقيه، في أن ترمب لا يحتاج إلى المشاركة في المناظرات لدعم موقفه، "فلا يبدو أن عدم تواجده على المسرح قد أضر به. بل زاد دعمه بعد عدم مشاركته، وهو ما يؤكد أنه تكتيك جيد كان على حق في اتخاذه".

تصنيفات

قصص قد تهمك