اعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن، السبت، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحركة "حماس" الفلسطينية يقاتلان لمحو "ديمقراطيتين مجاورتين" في إشارة إلى أوكرانيا وإسرائيل، على حد وصفه، مشدداً على أن الولايات المتحدة "لن تتراجع عن مواجهتهما".
وقال بايدن في مقال رأي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إن "العالم يواجه اليوم نقطة انعطاف، حيث ستحدد الاختيارات التي نتخذها، بما في ذلك تلك التي نتخذها في الأزمات الحالية في أوروبا والشرق الأوسط، تجاه مستقبلنا على مدى أجيال قادمة".
ووصف الرئيس الأميركي، هجوم "حماس" على إسرائيل، في 7 أكتوبر الماضي بأنه "أسوأ مذبحة ارتكبت ضد اليهود منذ المحرقة (محرقة اليهود على يد النازيين)"، مشدداً على أنه "يقف بثبات إلى جانب الشعب الإسرائيلي، الذي يدافع عن نفسه".
وأكد بايدن، أن "الشعب الفلسطيني يستحق دولة خاصة به ومستقبلاً لا يتضمن حماس"، معرباً عن "حزنه الشديد إزاء الصور التي ترد من قطاع غزة وقتل عدة آلاف من المدنيين، بما في ذلك الأطفال".
وشدد على أنه "لا ينبغي أن يكون هدفنا ببساطة هو وقف الحرب اليوم، بل يجب أن يكون إنهاؤها إلى الأبد، وكسر دائرة العنف المتواصل، وبناء شيء أقوى في غزة وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، حتى لا يستمر التاريخ في إعادة نفسه".
وتطرق بايدن إلى لقائه في نيويورك برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال سبتمبر الماضي، وقال إن "الموضوع الرئيسي للمباحثات هو مجموعة من الالتزامات الأساسية التي ستساعد الإسرائيليين والفلسطينيين على الاندماج بشكل أفضل في الشرق الأوسط الأوسع".
وأضاف: "هذه هي الفكرة وراء الممر الاقتصادي الذي سيربط الهند بأوروبا عبر الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، والذي أعلنت عنه مع شركائي في قمة مجموعة العشرين في الهند في أوائل سبتمبر الماضي".
حل الدولتين
ووصف بايدن، حل الدولتين، بأنه "السبيل الوحيد لضمان الأمن طويل الأمد للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني"، معتبراً أن "هذه الأزمة جعلته أكثر حتمية من أي وقت مضى".
ولفت إلى أن "حل الدولتين، الذي يتمثل في وجود شعبين يعيشان جنباً إلى جنب وبقدر متساوٍ من الحرية والفرص والكرامة، هو المكان الذي يجب أن يؤدي إليه الطريق إلى السلام"، لكنه شدد على أن "تحقيق ذلك سيتطلب التزامات من الإسرائيليين والفلسطينيين، وكذلك من الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا"، مؤكداً على ضرورة "بدء العمل الآن".
كما أشار إلى أن بلاده "اقترحت مبادئ أساسية لكيفية المضي قدماً للخروج من هذه الأزمة، لإعطاء العالم الأساس الذي يمكن البناء عليه"، موضحاً أنه يشتمل على وجوب "ألا يستخدم قطاع غزة مجدداً منصة للإرهاب، وألا يكون هناك تهجير قسري للفلسطينيين من القطاع، ولا إعادة احتلال، ولا حصار، ولا تقليص في الأراضي".
وأردف: "بعد انتهاء الحرب، يجب أن تكون أصوات الشعب الفلسطيني وتطلعاته في قلب الحكم الذي سيكون موجوداً بعد الأزمة الحالية في غزة".
وشدد بايدن خلال المقال على ضرورة "إعادة توحيد غزة والضفة الغربية تحت هيكل حكم واحد، وفي نهاية المطاف تحت قيادة سلطة فلسطينية متجددة، بينما نعمل جميعاً باتجاه حل الدولتين".
وأشار إلى أنه "أكد لقادة إسرائيل على أن عنف المتطرفين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية يجب أن يتوقف، وأن مرتكبيه يجب أن يحاسبوا"، معرباً عن استعداد الولايات المتحدة لـ"اتخاذ خطواتنا الخاصة، والتي تشمل إصدار حظر للتأشيرات على المتطرفين الذين يهاجمون المدنيين في الضفة الغربية".
وشدد بايدن على ضرورة أن "يخصص المجتمع الدولي الموارد لدعم سكان قطاع غزة وذلك في عقب الأزمة مباشرة، والتي تشمل التدابير الأمنية المؤقتة، وإنشاء آلية لإعادة الإعمار وتلبية احتياجات غزة على المدى الطويل بصورة مستدامة".
لكنه أضاف: "من الضروري ألا تصدر أي تهديدات إرهابية مرة أخرى من غزة أو الضفة الغربية"، وذكر أنه "في حال تمكنا من الاتفاق على هذه الخطوات الأولى، وقمنا بها معاً، فيمكننا أن نبدأ في تصور مستقبل مختلف".
منع تصاعد الصراع
وأوضح الرئيس الأميركي، أن بلاده "ستضاعف في الأشهر المقبلة، جهودها لإقامة شرق أوسط أكثر سلماً وتكاملاً وازدهاراً"، لافتاً إلى أنه "سيواصل العمل لمنع هذا الصراع من الانتشار والتصعيد".
وتابع: "أمرت مجموعتين من حاملات الطائرات الأميركية بالذهاب إلى المنطقة لتعزيز الردع، ونعمل على ملاحقة حماس، وأولئك الذين يمولون ويسهلون إرهابها، ونفرض جولات متعددة من العقوبات لإضعاف الهيكل المالي للحركة، ومنعها من الحصول على التمويل الخارجي، ومن الوصول إلى أي قنوات تمويل جديدة، بما في ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
وأوضح أن الولايات المتحدة "ستفعل كل ما هو ضروري للدفاع عن القوات والأفراد الأميركيين المتمركزين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وقد استجبنا مرات عديدة بالفعل للضربات الموجهة ضدنا".
وعن سفره إلى إسرائيل عقب بدء حرب غزة، اعتبر بايدن نفسه أنه "أول رئيس أميركي يفعل ذلك في وقت الحرب، لإظهار التضامن مع الشعب الإسرائيلي والتأكيد للعالم على أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل".
وأكد الرئيس الأميركي على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنه قال: "أثناء وجودي في تل أبيب، نصحت الإسرائيليين أيضاً بعدم السماح لألمهم وغضبهم بتضليلهم ودفعهم إلى ارتكاب الأخطاء التي ارتكبناها بأنفسنا في الماضي".
وأشار بايدن إلى أن إدارته دعت منذ بداية الحرب إلى "احترام القانون الإنساني الدولي، وتقليل الخسائر في الأرواح البريئة إلى الحد الأدنى، وإعطاء الأولوية لحماية المدنيين".
وفي أعقاب هجوم "حماس" على إسرائيل، ذكر بايدن أنه "عمل بشكل وثيق مع القادة هناك (في المنطقة) وفي مصر للتوصل إلى اتفاق لاستئناف تسليم المساعدات الإنسانية الأساسية لسكان القطاع، وفي غضون أيام، بدأت الشاحنات المحملة بالإمدادات في عبور الحدود مرة أخرى".
وبشأن الهدن الإنسانية المؤقتة، قال بايدن إن "إسرائيل اتخذت خطوة إضافية تتمثل في إنشاء ممرين إنسانيين وتنفيذ وقف يومي للقتال لمدة 4 ساعات في شمال غزة للسماح للمدنيين الفلسطينيين بالنزوح إلى مناطق أكثر أماناً في الجنوب".
واتهم بايدن "حماس" بـ"الاختباء بين المدنيين الفلسطينيين، واستخدام الأطفال والأبرياء كدروع بشرية، وحفر الأنفاق الإرهابية تحت المستشفيات والمدارس والمساجد والمباني السكنية، ما يزيد عدد الضحايا، ويفاقم معاناة الأبرياء".
وتابع: "كلما ظلت حماس متمسكة بأيديولوجية التدمير تلك، فإن وقف إطلاق النار لن يعد سلاماً، فبالنسبة لأعضاء الحركة، فإن كل وقف لإطلاق النار يمثل وقتاً يستغلونه لإعادة بناء مخزونها من الصواريخ، وإعادة تمركز المقاتلين، وبدء عمليات القتل من خلال مهاجمة الأبرياء مرة أخرى".
واعتبر أن "أي نتيجة تسمح لحماس بالسيطرة على غزة مرة أخرى ستؤدي إلى استمرار نشر كراهيتها وحرمان المدنيين الفلسطينيين من الفرصة في بناء شيء أفضل لأنفسهم".
حماس وبوتين
وأشار بايدن إلى أن الرئيس الروسي بوتين وحماس "يقاتلان من أجل محو (الدولة) الديمقراطية المجاورة من على الخريطة، ويأملان انهيار الاستقرار والتكامل الإقليميين والاستفادة من الفوضى التي تترتب على ذلك".
لكنه لفت إلى أن بلاده "لا يمكنها أن تسمح بحدوث ذلك، ولن تسمح بذلك من أجل مصالح أمننا القومي والعالم أجمع"، موضحاً أن الولايات المتحدة دولة جوهرية، فهي تحشد الحلفاء والشركاء للوقوف في وجه المعتدين وإحراز التقدم نحو مستقبل أكثر إشراقاً وسلاماً، فالعالم يتطلع إلينا لحل مشاكل عصرنا، وهذا هو واجب القيادة".
وحذر بايدن من أن تخلي بلاده عن القيادة قد يزيد من "خطر انتشار الصراع، وسترتفع بذلك تكاليف التصدي له، ونحن لن نسمح بحدوث ذلك".
وأضاف: "نحن نعلم الآن من خلال الحربين العالميتين اللتين شهدهما القرن الماضي، أنه عندما يستمر العدوان في أوروبا دون رد، فإن الأزمة لا تقف عند حدود القارة، ولكنها تؤدي إلى جر أميركا بشكل مباشر، ولهذا السبب فإن التزامنا تجاه أوكرانيا اليوم هو استثمار في أمننا، لأن ذلك يمنع نشوب صراع أوسع نطاقاً غداً".
واعتبر أن "بقاء القوات الأميركية خارج هذه الحرب يأتي من خلال دعم الأوكرانيين الشجعان الذين يدافعون عن حريتهم ووطنهم"، مشيراً إلى أن واشنطن تقدم لهم الأسلحة والمساعدات الاقتصادية لوقف حملة بوتين لغزو كييف، قبل أن ينتشر الصراع إلى ما هو أبعد من ذلك.
"إثارة الكراهية"
ودعا بايدن إلى العمل بشكل أكبر على التمسك بالقيم الأميركية القائمة على الحريات الدينية وحرية التعبير في لحظات الخوف والشك والغضب، مشيراً إلى أن لدى الجميع الحق في النقاش والاختلاف والاحتجاج السلمي، لكن دون خوف من استهداف المدارس أو أماكن العمل أو أي مكان آخر في مجتمعاتنا.
وأردف: "تمت إثارة الكثير من الكراهية في السنوات الأخيرة، ما أدى إلى تأجيج العنصرية مع ارتفاع مثير للقلق في معدل معاداة السامية في أميركا، وقد تكثف ذلك في أعقاب هجمات 7 أكتوبر، حيث تشعر العائلات اليهودية بالقلق من استهدافها في المدارس، أو بسبب ارتدائها رموز عقيدتها في الشوارع أو أثناء ممارسة حياتها اليومية."
وتابع: "وفي الوقت نفسه، يشعر عدد كبير جداً من الأميركيين المسلمين والعرب والفلسطينيين بالغضب والألم، خوفاً من عودة الإسلاموفوبيا وانعدام الثقة التي شهدناها في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001".
وقال بايدن إن إدارته لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي عندما تطل الكراهية برأسها في المجتمع "بل يجب علينا أن ندين معاداة السامية، والإسلاموفوبيا، وغيرها من أشكال الكراهية والتحيز بشكل لا لَبس فيه، ويجب علينا أن ننبذ العنف والانتقاد اللاذع وألا ننظر إلى بعضنا البعض كأعداء، بل كمواطنين أميركيين."