المحكمة الاتحادية العليا في العراق.. قرارات قضائية أم أدوار سياسية؟

time reading iconدقائق القراءة - 7
جلسة للمحكمة الاتحادية العليا برئاسة جاسم محمد عبودي. بغداد، العراق. 25 يناير 2022. - AFP
جلسة للمحكمة الاتحادية العليا برئاسة جاسم محمد عبودي. بغداد، العراق. 25 يناير 2022. - AFP
دبي-AWP

أحدث قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق الأسبوع الماضي إنهاء عضوية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي في مجلس النواب زلزالاً جديداً في العملية السياسية غير المستقرة منذ 2003، وفتح الباب أمام أسئلة جوهرية بشأن دور المحكمة في بنية النظام السياسي، واتخاذها سلسلة من القرارات المؤثرة، الأمر الذي عرضها لاتهامات بـ"التسييس"، في ظل نفوذ قوى سياسية مسلحة لا تنصاع بالضرورة لقوانين الدولة.

وبحسب مراقبين، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا "قرارات جريئة" في السابق، على الرغم من الضغوط السياسية التي تمارس عليها، لافتين إلى أن القوى الحاكمة في العراق غالباً ما تحاول جرها إلى ساحة الصراع السياسي.

والمحكمة الاتحادية العليا هي أعلى محكمة دستورية في البلاد، تختص في الفصل في النزاعات الدستورية، وتعد قراراتها نهائية وملزمة لكافة السلطات، وهي مستقلة بشكل كامل عن القضاء العادي، وتتخذ من العاصمة بغداد مقراً، وتتكوّن من رئيس و8 أعضاء.

سلطة مطلقة

يقول رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل لوكالة أنباء العالم العربي AWP، إن "المحكمة الاتحادية موجودة في كل دول العالم، وتسمى بالمحكمة الدستورية، وتتولى مراقبة القوانين ودستورية مشاريعها، ويحق لها رفض أي مشروع قانون لا يطابق فقرات الدستور، ولها صلاحيات في حسم أي قضية اقتصادية أو سياسية أو حتى اجتماعية يكون فيها خلاف دستوري".

وأضاف فيصل أن "المحكمة الاتحادية تؤدي دور الراعي لتطبيق الدستور، وحسم أي خلاف دستوري وقانوني بشأن أي قرار حكومي أو ضمن القوانين المشرعة، وتعد قراراتها نهائية وملزمة وغير قابلة للطعن، ولذا تدخلت في حسم قضايا ذات طابع سياسي، وفقاً للصلاحيات الممنوحة لها بالدستور، ونجد أنها لعبت دوراً في الحياة السياسية، وحتى الاقتصادية، وفق الدعاوى المقدمة لها".

ويؤكد رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، أن "المحكمة الاتحادية العليا، لا تتدخل بشكل مباشر في القضايا السياسية، لكنها تنظر بتلك القضايا، إذا ما قدمت لها دعاوى رسمية تتعلق بانتهاك الدستور أو القانون، وهي ملزمة بالنظر في جميع الدعاوى المقدمة لها، والتي تحمل أي جانب سياسي أو اقتصادي". 

ضغوط سياسية

ولم يعرف العراق المحكمة الاتحادية بهذا المسمى قبل 2003، لكنها برزت كجهة عليا لإدارة الأزمات في البلاد منذ إجراء أول انتخابات، وذلك بعد بلوغ الخلافات السياسية ذروتها نتيجة لما أفرزته نتائج الانتخابات من فرق شاسع بين مقاعد الكتل السياسية.

وكانت المحكمة الاتحادية فجرت الأسبوع الماض،ي ما سمي في العراق "قنبلة سياسية" بإنهاء عضوية الحلبوسي رئيس البرلمان بعد اتهامه بالتزوير. 

وفي العام الماضي، أوقفت المحكمة ترشيح هوشيار زيباري لمنصب رئيس الجمهورية عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، كما أقرت في قرار آخر بعدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، ومنعته من تصدير النفط لصالحه دون إذن الحكومة الاتحادية، وذلك بناء على طعن مقدم من وزارة النفط الاتحادية.

ويعتقد الباحث السياسي العراقي مجاشع التميمي، أن المحكمة الاتحادية "لم تتحول إلى أداةٍ سياسية بيد طرف ضد آخر، إلا أن هناك ضغطاً سياسياً يمارسه البعض على المحكمة، رغم أن طبيعتها وتشكيلتها موزعة على مكونات عدة، لا سيما أن الكتل السياسية هي التي تُرشح أعضاءها".

وأضاف التميمي: "المحكمة الاتحادية أصدرت قرارات جريئة جداً في موضوع نفط إقليم كردستان وتشكيل الحكومة وإقالة محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب وغيرها"، مؤكداً على "ضرورة رفع أي ضغط سياسي عن القضاء، وتركه يمارس مهامه بحرية دون أي حرج".

ولا ينكر التميمي وجود تأثير سياسي على القضاء "في كل مكان وزمان"، لكنه قال إن المهمة في العراق تبدو أكثر تعقيداً.

وتابع قائلاً: "المحكمة الاتحادية تمارس مهامها في ظل حكم قوى سياسية أغلبها مسلح، ولا تخضع لإمرة القائد العام للقوات المسلحة، وهذا ما أعلنه عدد من قيادات العملية السياسية، ورغم ذلك فلا يمكن القول إنها استخدمت أداة سياسية لهذا الطرف أو ذاك، لأنها الساتر الأخير لحماية النظام والدستور".

وخلص الباحث السياسي العراقي إلى أن "كل طرف ينظر إلى قرارات المحكمة الاتحادية من منظوره ومن مصلحته، ومدى استفادته منها لدعم سياسته ومحاولة السيطرة، لكن المحكمة عموما مُشكّلة من ترشيحات لكتل سياسية، ومن كل المكونات العراقية، وهي بالنتيجة لا تستطيع أن تصدر قراراً خارج الدستور أو القوانين السائدة في العراق، لأنها في النهاية تلتزم بالدستور والقوانين".

قرارات معرضة للتأويل

وفي عام 2010، أصدرت المحكمة الاتحادية قراراً شهيراً، بعد أشهر من أزمة سياسية خانقة، بسبب حصول كتلة إياد علاوي على 91 مقعداً في البرلمان مقابل 89 لكتلة نوري المالكي، بأن الكتلة الأكبر ليست الفائزة بالانتخابات، بل إنها التي تتشكل داخل مجلس النواب في أول جلسة، وبناء على ذلك ذهبت الحكومة لصالح المالكي الذي شكل الكتلة الأكبر بعد تحالفه مع خصومه من الكتل الشيعية الأخرى، ومن ضمنها التيار الصدري.

وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في 2021، لجأ "الإطار التنسيقي"، الذي يضم قوى شيعية ليس من بينها "التيار الصدري"، إلى المحكمة الاتحادية، إذ قدم طعناً في العملية الانتخابية، وطالب بإلغاء نتائجها، لكن المحكمة ردت الطعن، ومن ثم توالت القضايا والطعون والاستفسارات، ومنها الطعن في جلسة انتخاب هيئة رئاسة البرلمان التي ردت أيضاً، فيما قبلت الطعن بتقديم الكتلة الأكبر، ونقضت قراراً صدر عن المحكمة الاتحادية عام 2010، وقررت تقديم الكتلة الأكبر لرئيس الجمهورية، بعد أن نص قرارها على تقديم الكتلة الأكبر في الجلسة الأولى للبرلمان.

وقال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري لـAWP، إن "القرارات القضائية التي تتقاطع مع توجهات بعض الكتل والأحزاب، تكون محل هجوم وانتقاد من قبل القوى السياسية التي تريد غالباً سحب القضاء إلى ساحة الصراع والجدل السياسي، رغم محاولته النأي عن الخلافات والقضايا السياسية، وهذا ما جرى من خلال القرارات الأخيرة".

وأضاف الشمري: "السلطة القضائية والمحكمة الاتحادية الحالية على وجه الخصوص تريد أن تؤسس لمنهج وأداء مختلف كثيراً عن المحكمة الاتحادية السابقة، وهذا ما جعلها في حالة مع الصدام مع القوى السياسية، لا سيما التي تتضرر من قراراتها"، لافتاً إلى أن التشكيك في القضاء "يجب ألا يؤثر به، ولا ينجر للخلاف السياسي، ولا يكون مع طرف ضد آخر".

وتابع قائلاً: "هناك أطراف سياسية غالباً ما تلوح بسلاح القضاء لحسم بعض القضايا والخلافات، وهي تريد بذلك جر القضاء إلى الساحة وجعله جزءاً من الأزمات، وهذا الأمر غير صحيح، فقرارات القضاء دائماً ما تكون بعيدة عن أي تأثير سياسي، لكن تعارض هذه القرارات مع مصالح بعض الكتل والأحزاب يؤدي إلى شن هجوم على القضاء واعتباره مسيساً".

تصنيفات

قصص قد تهمك