شهد مجلس الأمن الدولي إطلاق نداء عاجل من أجل إنقاذ النساء والأطفال في قطاع غزة، الذي يتعرض منذ 7 أكتوبر إلى قصف إسرائيلي جوي ومدفعي مكثف، وتوغل بري، ما أودى بحياة أكثر من 14 ألف فلسطيني، وتسبب بإصابة عشرات الآلاف، إضافة إلى تشريد مئات الآلاف.
وجاءت جلسة مجلس الأمن بشأن أوضاع النساء والأطفال في غزة بطلب من بعثتي الإمارات، ممثلة عن الدول العربية، ومالطة.
وقالت المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة سيما سامي بحوث (أردنية) إن "الوحشية والدمار، الذي يضطر سكان غزة إلى تحملهما تحت أعيننا، قد وصلا إلى حد لم نشهده من قبل"، مذكرة بأن التقديرات تشير إلى أن "67% من أكثر من 14 ألف شخص سقطوا في القطاع هم من النساء والأطفال، وأن كل ساعة تشهد سقوط والدتين، فيما يتم قتل 7 نساء كل ساعتين".
ورحبت بحوث، في إحاطتها أمام مجلس الأمن، باتفاق إسرائيل وحركة "حماس" الذي سيتم بموجبه إطلاق سراح 50 محتجزاً من النساء والأطفال، مقابل إطلاق سراح 150 امرأة وطفلاً فلسطينيين، وهدنة إنسانية "تشتد الحاجة إليها".
ودعت بحوث إلى تمديد الهدنة لتكون وقفاً لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن المتبقين دون قيد أو شرط. وأضافت: "أدعو إلى الإنهاء الفوري للحصار الحالي، بدءاً بضمان الوصول إلى المياه".
"دعاء للسلام أو الموت السريع"
وقالت إن كل يوم يمر يمثل 24 ساعة أخرى "من الخوف وعدم اليقين الذي لا يوصف" بالنسبة للمحتجزين بمن فيهم النساء والفتيات المحتجزات لدى "حماس".
وأضافت بحوث أن "47 يوماً مرت قضى خلالها أكثر من مليوني فلسطيني في غزة كل لحظة في خوف على حياتهم، وفي تأبين موتاهم، ويعيشون في ظل ظروف كفيلة بأن تكسر كل واحد منا".
وأوضحت أن 180 امرأة يلدن أطفالهن كل يوم دون ماء ومسكنات أو تخدير للعمليات القيصرية، وكهرباء للحضانات وإمدادات طبية.
وقالت: "مع ذلك فإنهن يواصلن رعاية أطفالهن والمرضى والمسنين، ويخلطن حليب الأطفال بالمياه الملوثة، ويعشن بدون طعام حتى يتمكن أطفالهن من العيش يوماً آخر، ويتحملن مخاطر متعددة في الملاجئ المكتظة للغاية".
وأضافت: "لقد أخبرتنا النساء في غزة أنهن يصلين من أجل السلام، لكن إذا لم يتحقق السلام، فإن دعاءهن يكون من أجل الموت السريع، أثناء نومهن، وأطفالهن بين أذرعهن".
وتابعت: "يجب أن نخجل جميعاً من أن أي أم، في أي مكان، تُضطر إلى مثل هذا الدعاء".
وعبَّرت المسؤولة الأممية عن القلق إزاء التقارير بشأن العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي، مجددة دعوتها بأن كل عمل من أعمال العنف ضد النساء والفتيات، بما في ذلك العنف الجنسي "مدان بشكل لا لبس فيه، ويجب التحقيق فيه بشكل كامل مع إعطاء الأولوية القصوى لذلك".
وتطرقت بحوث كذلك إلى التصعيد في الضفة الغربية، مشيرة إلى هدم إسرائيل البنية التحتية العامة، وإلغاء تصاريح العمل، وزيادة عنف المستوطنين، والاعتقالات، والتي أثرت بشكل كبير على حياة النساء وسبل عيشهن.
غزة أخطر مكان في العالم للأطفال
من جانبها، وصفت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) كاثرين راسل آثار العنف المرتكب ضد الأطفال في غزة بأنها "كارثية وعشوائية وغير متناسبة".
وشددت راسل على أن الهدن الإنسانية ليست كافية، داعية إلى وقف إنساني عاجل لإطلاق النار، من أجل وضع حد فوري لعمليات القتل والدمار.
وتحدَّثت مسؤولة اليونيسف عن التقارير التي تفيد بسقوط أكثر من 5 آلاف و300 طفل فلسطيني، خلال 46 يوماً فقط، أي أكثر من 115 طفلاً يومياً على مدى أسابيع، مشيرة إلى أن الأطفال يشكلون 40% من الوفيات في غزة.
وقالت إن ذلك الأمر "غير مسبوق، مما يجعل القطاع أخطر مكان في العالم بالنسبة للأطفال".
وتابعت بقولها: "أكثر من نصف الأطفال في غزة بحاجة إلى رعاية صحية نفسية، وأكثر من 1.7 مليون شخص في القطاع، نصفهم من الأطفال، أصبحوا نازحين".
وقالت: "بالإضافة إلى القنابل والصواريخ وإطلاق النار، أطفال غزة يتعرضون لظروف معيشية كارثية".
وأشارت إلى التقارير التي تفيد بأن أكثر من 1200 طفل لا يزالون تحت أنقاض المباني التي تم قصفها، أو أنهم في عداد المفقودين.
وقالت إن عدد الضحايا في الأزمة الحالية تجاوز بكثير إجمالي عدد من سقطوا خلال فترات التصعيد السابقة، مشيرة إلى التحقق من سقوط 1653 طفلاً خلال 17 عاماً من الرصد والإبلاغ عن الانتهاكات الجسيمة في الفترة بين عامي 2005 و2022.
ولفتت إلى أن في الضفة الغربية سقط 56 طفلاً فلسطينياً، خلال الأسابيع الستة الماضية، بينما تم تهجير العشرات من منازلهم. وتشير تقديرات اليونيسف إلى أن 450 ألف طفل في الضفة يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.
وقالت راسل إنها عادت لتوها من زيارة إلى جنوب قطاع غزة، حيث تمكنت من مقابلة أطفال وأسرهم وموظفي اليونيسف على الأرض، وقالت: "لقد صدمني ما رأيت وسمعت".
وخلال زيارتها إلى مستشفى ناصر في خان يونس، قالت راسل إنها تحدثت مع فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً أصيبت بجروح بليغة خلال قصف طال منزل أسرتها، وأخبرها الأطباء أنها لن تتمكن من المشي مرة أخرى.
وأردفت قائلة: "في جناح الأطفال حديثي الولادة بالمستشفى، رأيت أطفالاً صغاراً يتشبثون بالحياة في الحضَّانات، في ظل قلق الأطباء إزاء إمكانية تشغيل الأجهزة بدون وقود".
أكبر قصف عشوائي في التاريخ الحديث
وفي كلمتها، قالت مندوبة الإمارات لدى الأمم المتحدة السفيرة لانا زكي نسيبة إن غزة تشهد أكبر قصف جوي عشوائي شهدناه في تاريخ الحرب الحديث، ما أودى بحياة نحو 14 ألفاً من سكان القطاع، مضيفة: "في الأيام الـ47 الماضية أصبح الأطفال أيتاماً، والأمهات بلا أطفال، وتم محو أسر بأكملها. ولا يمكن أن يكون مفاجئاً لأي شخص أن أكثر من ثلثي القتلى الفلسطينيين هم من النساء والأطفال".
وأشارت إلى إن 12 ألف موقع في غزة تعرض للقصف، بما فيها مواقع محمية بموجب قوانين الحرب، مثل المدارس والمستشفيات ومخيمات اللاجئين، وفق بيانات الحكومة الإسرائيلية، لافتة إلى أن القطاع ذو كثافة سكانية عالية، وأن أكبر مدنه هي مدينة غزة التي تعتبر أكثر كثافة سكانية من نيويورك الأميركية.
وقالت: "كان العديد من الضحايا معلمين أو صحافيين أو أطباء، أو أطفالاً كانوا يطمحون إلى أن يصبحوا مثل هؤلاء في يوم من الأيام، ومما نعرفه عن حياتهم وأحلامهم وتطلعاتهم التي تم توثيقها خلال الأشهر الماضية من قِبَل صحافيين بواسل وأشخاص عاديين".
ورحبت نسيبة بالإعلان عن اتفاق الهدنة القصيرة بين حماس وإسرائيل، معبرة عن أملها بتمديد الهدنة للسماح بدخول مزيد من مساعدات الإغاثة.
وقالت: "إن العدد الكبير جداً من النساء والأطفال، الذين قُتلوا بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل، هو مؤشر قوي على انتهاك القانون الإنساني الدولي، وعدم احترام مبادئه الأساسية المتمثلة في التمييز والتناسب".
وأضافت: "لا يمكن أن يكون هناك أي مبرر للهجمات التي تعرض مجموعات كبيرة من المدنيين للخطر، خاصة النساء والأطفال. إن قوانين الحرب، خاصة فيما يتعلق بحماية المدنيين، ليست اختيارية أو متبادلة، بل تنطبق على الجميع".
وأشارت نسيبة إلى أن إسرائيل تفرض المزيد من القيود على حرية تنقل الفلسطينيين في الضفة الغربية. وشددت على الرفض الكامل لربط المساعدات الإنسانية بمفاوضات إطلاق سراح المحتجزين.
مسألة حياة أو موت
من جهتها، قالت المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان ناتاليا كانيم إن الوضع الذي تواجهه النساء والفتيات العالقات في الصراع "يتجاوز الكارثة".
وفي ظل الظروف المروعة التي تواجه ما يقرب من 180 امرأة تلد يومياً، قالت إن "اللحظة التي تبدأ فيها حياة جديدة، والتي ينبغي أن تكون لحظة فرح، يطغى عليها الموت والدمار والرعب والخوف".
وروت كانيم قصة سيدة تُدعى ريهام، وهي حامل في الشهر الثاني وتعاني نزيفاً، واقتبست منها قائلة: "هناك علاج يجب أن أتناوله، لكنني لا أستطيع الحصول عليه. يجب على النساء الحوامل مثلي أن يشربن الحليب ويأكلن البيض. لقد تم قصف جميع المخابز. لا يوجد خبز ولا ماء".
وقالت إن نقص الغذاء والماء ومستلزمات النظافة في جميع أنحاء غزة يخلق عوامل خطر للنساء والفتيات، فيما تُعرّض الضربات والعمليات العسكرية بالقرب من المستشفيات حياتهن للخطر.
وأشارت كانيم إلى أن صندوق الأمم المتحدة للسكان تمكّن حتى الآن من توصيل 5 شاحنات محملة بمستلزمات الصحة الإنجابية إلى غزة، لكنها شددت على أن هذا "ليس قريباً بما يكفي لتلبية الاحتياجات الهائلة للنساء والفتيات".
وأضافت: "في الواقع، هناك حاجة ماسة إلى مزيد من المساعدات في غزة لإنقاذ الأرواح، ووقف سيل المعاناة الإنسانية. إن الوصول دون عوائق للعاملين في المجال الإنساني والإمدادات، بما في ذلك خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، هو مسألة حياة أو موت بالنسبة للنساء والفتيات".
ودعت إلى حماية المدنيين والبنية التحتية التي يعتمدون عليها، بما في ذلك المستشفيات والملاجئ والمدارس، والعاملين في المجال الإنساني في غزة الذين يخاطرون بحياتهم لخدمة الآخرين.
واختتمت كلمتها بالقول: "يجب أن ينتهي العنف. إن مصير البشرية لا يقع في أيدي أولئك الذين يحملون الأسلحة. فالأمر يقع على عاتق النساء والشباب والحلفاء الذين يقفون معاً من أجل تحقيق السلام. وفي هذا الاختبار العاجل للإنسانية، تحتاج النساء والفتيات بشدة إلى أن يسود السلام. وأنا أدعو مجلس الأمن إلى بذل كل ما في وسعه لتحقيق هذا السلام".
لا حل عسكرياً للنزاع
ودعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة السفير رياض منصور إلى استغلال استغلال اتفاق الهدنة القصيرة بين إسرائيل و"حماس" للحيلولة دون "استئناف العدوان على غزة، ووضع حد نهائي للحرب".
وقال منصور إن "مئات الأطفال الفلسطينيين لن يُقتلوا بفضل هذه الهدنة. ونحن مدينون لهم ولجميع المدنيين في قطاع غزة بوضع حد نهائي لهذا الهجوم الإجرامي على الشعب الفلسطيني".
وشكر منصور قطر ومصر، ودعا كل من ساهم في هذا الاتفاق "لضمان طريق للمضي قدماً يحول دون استئناف هذا العدوان".
وتابع بقوله: "لا يمكن أن تكون هذه مجرد وقفة قبل استئناف المذبحة"، مندداً في الوقت نفسه بـ"الاحتلال الإسرائيلي والتمييز العنصري ضد الفلسطينيين"، والذي وصفه بـ"الفصل العنصري".
وأضاف: "في غضون أيام قليلة، ستتمكن العائلات من الاحتضان والحداد والبدء في تضميد الجراح التي يمكن علاجها، من بينها العائلات التي سيتم جمع شملها مع أحبائهم الذين كانوا محتجزين".
وأكد أنه "لا يوجد حل عسكري لهذا النزاع"، داعياً إلى احترام "حقوق الفلسطينيين غير القابلة للتصرف".
وأبدى منصور رفضه للهجمات ضد جميع المدنيين، وقال: "نحن لا نبرر قتل أي مدني إسرائيلي. ولا ينبغي لأحد أن يتغاضى عن الفظائع بناء على هوية مرتكبها".
وشدد منصور على أنه "لا ينبغي لنا أن نتعامى عن جراح بعضنا البعض، أو الصدمات، أو التاريخ، ولا ينبغي لنا أن نتجاهلها، لكن هذا الاحترام يجب أن يبنى على رؤية مشتركة للمستقبل، حيث يستطيع الجميع العيش في حرية وكرامة".
توبيخ صيني لإسرائيل
من جهته، قال سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد أردان: "لا تخطئوا، بمجرد انتهاء فترة التوقف، سنواصل جهودنا لتحقيق أهدافنا بكل قوتنا".
وأوضح أردان: "لن نتوقف حتى نقضي على قدرات حماس الإرهابية، ونتأكد من أنها لم تعد قادرة على حكم غزة وتهديد حياة المدنيين الإسرائيليين، وكذلك النساء والأطفال في غزة".
وانتقد أردان هيئة الأمم المتحدة للمرأة، قائلاً: "العالم ما زال ينتظر إدانة علنية من الهيئة الأممية ضد حماس، بشأن ما وصفها بجرائم الحركة الجنسية. يا له من عار على الهيئة".
وفي أثناء كلمة أردان، قاطعه سفير الصين الدائم لدى الأمم المتحدة تشانج جون، والذي ترأس بلاده مجلس الأمن خلال نوفمبر الجاري، مطالباً إياه بضرورة إبداء الاحترام الواجب لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، مضيفاً: "هذه قاعدة يجب أن نحترمها جميعاً".