"5 قيود قاسية".. خطة بريطانية جديدة لتقليص أعداد المهاجرين سنوياً

الحكومة تفرض شروطاً تحرم الطلاب والعمال من استقدام عائلاتهم

time reading iconدقائق القراءة - 10
ضباط بريطانيون في ميناء دوفر يساعدون مهاجرين على النزول. 14 أبريل 2022 - AFP
ضباط بريطانيون في ميناء دوفر يساعدون مهاجرين على النزول. 14 أبريل 2022 - AFP
لندن-بهاء جهاد

في إطار حربها على الهجرة والمهاجرين، أعلنت الحكومة البريطانية اتخاذ قيود جديدة بحق المهاجرين، تشمل هذه المرة الأجانب الراغبين في الدراسة أو الباحثين عن عمل في بريطانيا.

لكن هذه الإجراءات الجديدة، والتي تأتي في إطار خطة لتقليص عدد الوافدين الأجانب في بريطانيا، تشكل ترجمة عملية للوعود التي قطعها حزب المحافظين الحاكم عام 2019، وتعهد فيها بـ"الحد من الهجرة" و"ضبط الحدود"، بعد خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي "بريكست".

وأعلن وزير الداخلية البريطاني جيمس كليفرلي أمام مجلس العموم، الثلاثاء، خطته الجديدة لخفض أعداد القادمين إلى بريطانيا بغرض العمل والدراسة. وعلى الرغم من "قسوة" بنودها وفق مراقبين، إلا أنها لم تنل إعجاب وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان، التي اعتبرت أنها جاءت "أقل من التوقعات"، و"لا تلبي طموحات البريطانيين اليوم"، حسب رأيها.

وتتجسد خطة الحكومة لمواجهة الهجرة الشرعية في 5 نقاط، كلها تدور حول محور واحد، وهو زيادة القيود على التأشيرات، ورفع كلفة السفر على الراغبين بالقدوم إلى بريطانيا من أجل العمل أو الدراسة، ولكن برأي المعارضين للخطة، ما تحاول الحكومة فعله سيخلق أزمات للجامعات والشركات البريطانية.

منع استقدام أفراد العائلة

النقطة الأولى في خطة الحكومة هي منع العمال الأجانب من جلب أفراد عائلاتهم إلى المملكة المتحدة، وبرر وزير الداخلية هذا المنع بأن أولاد وأزواج العمال الأجانب يخلقون ضغوطاً على الخدمات المقدمة للمجتمعات المحلية، وهذا بدوره يزيد من أعباء الحكومة في توفير تلك الخدمات للمواطنين دون تأخير أو كلفة إضافية. حتى الأجانب العاملين في القطاع الصحي الذي يعاني نقصاً حاداً في الموظفين، لن يتمكنوا من جلب عائلاتهم. 

وبحسب مارتن جرين، الرئيس التنفيذي لمنظمة "كير إنجلاند" التي تمثل كبار دور الرعاية الصحية في الدولة، فإن الحكومة تصعب على مؤسسات القطاع إنهاء أزمة التوظيف التي خلقها "بريكست" ووباء كورونا.

وقال إنجلاند لصحيفة "الجارديان" البريطانية: "إذا كانت الحكومة تريد الآن الابتعاد عن توظيف الأجانب كحل لإصلاح أزمة القوى العاملة في الرعاية الاجتماعية والصحية، فيجب عليها التصرف بسرعة والاستثمار في تحسين الأجور وظروف العمل، من أجل تشجيع توسيع رقعة الاعتماد على اليد العاملة المحلية".

وتوجه نواب إلى كليفرلي بالسؤال بشأن كيفية إقناع الأجانب بترك عائلاتهم خلفهم، والقدوم إلى المملكة المتحدة للعمل في مؤسساتها الصحية، ولكن يبدو أن وزير الداخلية يهتم للنتيجة فقط، حيث قال إن هذا الإجراء "سيقلص عدد المهاجرين إلى البلاد بنحو 100 ألف شخص سنوياً من قطاع الرعاية الطبية والاجتماعية فقط".

زيادة الحد الأدنى للأجور

إضافة إلى منع استقدام العائلات، قررت الحكومة البريطانية رفع الحد الأدنى لأجور الأجانب الذين ترغب المؤسسات والشركات المحلية باستقدامهم، بنسبة 50% إلى 38 ألفاً و700 جنيه إسترليني سنوياً، مقارنة بـ 26 ألفاً و200 جنيه في الوقت الراهن، أما البديل فهو الاستعانة ببريطاني قد لا يقبل بهذا الرقم، إن وجد في الأساس.

واعتبر المحلل الاقتصادي أسلم بوسلان، أن "رفع الحد الأدنى لأجور الأجانب إلى هذا المستوى سوف يجعل من الصعب على قطاع الأعمال سد نقص العمالة لديه"، مشيراً إلى أن "زيادة الأجور تعني زيادة الكلفة على الشركات والمؤسسات. وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، وعلى رأسها ارتفاع معدلات التضخم، يصبح الأمر شبه مستحيل".

وأشار بوسلان في حديثه لـ"الشرق" إلى أن "البحث عن بدائل في السوق البريطانية، يكلف الشركات والمؤسسات أكثر من استقدام العمالة الأجنبية، ناهيك عن أن البدائل المحلية شحيحة في العديد من القطاعات، وخاصة تلك الأعمال الموسمية كالزراعة وجني المحاصيل، إضافة لمهن في مجالات مثل الضيافة والفنادق والمطاعم". 

وتوقعت الحكومة أن يساهم رفع الحد الأدنى لأجور الأجانب في غير القطاع الصحي، بتخفيض عدد المهاجرين بنحو 50 ألفاً سنوياً، كما تأمل بأن يشكل القرار دافعاً للشركات والمؤسسات المحلية لتوسيع اعتمادها على العمالة المحلية، خاصة وأن الحكومة تدعم كثيراً من مشاريع تأهيل البريطانيين في مجالات عدة، وفقاً لكليفرلي.

مراجعة الوظائف المطلوبة

وتتمثل النقطة الثالثة من الخطة الحكومية الجديدة لخفض عدد المهاجرين إلى بريطانيا، بتقليص قائمة المهن التي تسهل الحكومة استقدام العمالة الأجنبية فيها. كما قررت أيضاً وقف العمل باستثناء بعض القطاعات التي تعاني نقصاً حاداً في الموظفين، من شروط الحد الأدنى لأجور الأجانب.

في المقابل، تتجه لندن، وفق كليفرلي، إلى زيادة برامج تأهيل الكوادر المحلية للعمل في مهن مختلفة، لكن وزيرة الداخلية في حكومة الظل العمالية إيفيت كوبر، اعتبرت أن الخطة الجديدة "اعتراف بسنوات طويلة من فشل حزب المحافظين في معالجة نقاط الخلل في نظام الهجرة من أجل تلبية احتياجات الاقتصاد الوطني".

ولفتت كوبر في تصريحات أمام البرلمان، إلى "فشل المحافظين في إدخال الإصلاحات الجوهرية التي تربط الهجرة بالتدريب ومتطلبات الأجور العادلة في بريطانيا، الأمر الذي يعني أن العديد من القطاعات ستستمر في استقطاب أعداد متزايدة من تأشيرات العمل على مضض وخسارة، بسبب نقص المهارات المحلية".

وتشير الإحصائيات الرسمية الحديثة إلى أن صافي الهجرة إلى المملكة المتحدة، وصل نهاية العام الجاري إلى 672 ألف مهاجر، مقارنة بـ745 ألفاً نهاية 2022. ورغم ذلك، لا تبدو الحكومة راضية عن هذه الأرقام، وهي تتطلع إلى تقليص أعداد المهاجرين الشرعيين عبر الخطة الجديدة، بنحو 300 ألف مهاجر سنوياً.

تأشيرات الطلبة الأجانب

وطالت الخطة الجديدة لتقييد الهجرة الشرعية إلى المملكة المتحدة، الطلبة الأجانب وعائلاتهم، إذ أعلن وزير الداخلية أنه اعتباراً من يناير 2024، لن يعود بمقدور الوافدين من الخارج بغرض الدراسة في جامعات بريطانيا، جلب أفراد عائلاتهم أو الأشخاص الذين يعيلونهم إلى المملكة المتحدة.

ويستثني القرار الطلبة الذين يدرسون تخصصات بحثية محددة، لكن هذا الاستثناء لن يلغي حقيقة أن جلب الطلبة لأفراد عائلاتهم سوف يصبح أكثر كلفة بكثير، بعدما رفعت الحكومة قيمة تأمين الأجانب للاستفادة من خدمات النظام الصحي بنسبة 66% لتزيد عن ألف جنيه سنوياً عن الفرد الواحد، مقابل 624 جنيهاً حالياً.

ورأى أستاذ القانون المقارن في جامعة "ميدل إيست" نهاد خنفر، أن "التضييق على الطلبة الأجانب في جلب عائلاتهم سيدفعهم للبحث نحو خيارات بديلة للدراسة في الغرب، وخاصة بالنسبة لهؤلاء الذين يدرسون على نفقتهم الخاصة، ويتمتعون بالقدرة المالية الكافية للعيش في دول أوروبية أو كندا أو أستراليا أو أميركا".

وأوضح خنفر في حديثه لـ"الشرق" أن "الطلبة الأجانب مصدر دخل رئيسي بالنسبة للجامعات البريطانية، وأن تعقيد إجراءات وصولهم وعيشهم في المملكة المتحدة، سيؤدي إلى تراجع موارد الجامعات، وبالتالي تقلص إنفاقها على الأدوات والمناهج والأبحاث التي لطالما عرفت بها هذه المؤسسات، واكتسبت عبرها شهرتها العالمية".

وتوقعت الحكومة أن يخفض منع الطلبة الأجانب من جلب عائلاتهم، أرقام المهاجرين بواقع عشرات الآلاف سنوياً، إذ تقول الأرقام إن عدد التأشيرات التي صدرت للطلبة الأجانب خلال 2023 تجاوزت 486 ألف تأشيرة، كما أصدرت حتى سبتمبر من العام ذاته نحو 153 ألف تأشيرة لأبناء وأفراد من عائلات هؤلاء الطلبة.

الزواج من جنسية أخرى

النقطة الخامسة في خطة الحكومة تتعلق بتأشيرات الأجانب المتزوجين لبريطانيين أو بريطانيات، أو المتزوجين لأشخاص حصلوا على حق اللجوء في المملكة المتحدة، وباتوا يعاملون معاملة المواطنين البريطانيين في المسائل العائلية القانونية، وقد قدرت أعداد هؤلاء بـ70 ألفاً خلال العام الممتد بين يونيو 2022 ونظيره في 2023.

وقررت الحكومة رفع الحد الأدنى للدخل لمن يريد استقدام زوج أو زوجة إلى بريطانيا إلى 38 ألفاً و700 جنيه استرليني، بدلاً من الحد المطبق منذ عام 2012، وهو 18 ألفاً و600 جنيه إسترليني، أي بواقع زيادة تفوق الـ20 ألف جنيه، وتشكّل بحد ذاتها راتباً سنوياً يتقاضاه مواطنون أو لاجئون يعملون اليوم في بريطانيا.

وفيما تعول حكومة ريشي سوناك على الخطة لضبط الهجرة الشرعية إلى البلاد، قالت وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان "إن حزمة الإجراءات الجديدة جاءت متأخرة، وكان يمكن للحكومة فرض مزيد من القيود والتدابير التي من شأنها دعم رقعة الاعتماد على سوق العمالة المحلية على حساب المهارات والعمالة الأجنبية".

وفي حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC، قالت برافرمان إنها قدمت مقترحات كهذه الإجراءات "6 مرات" عندما كانت وزيرة للداخلية، لكن "سوناك ماطل في إقرارها حتى فقدت مفعولها".

لكن متحدثاً باسم الحكومة أوضح لـBBC، أن "القرارات الجديدة تشكل أكبر حملة لتنظيم الهجرة الشرعية مع ضمان النمو الاقتصادي".

وتلفت إحصائيات الهجرة الحديثة إلى أن المملكة المتحدة استقبلت نحو مليون مهاجر شرعي من خارج الاتحاد الأوروبي خلال عام واحد، وضمت قائمة أكبر 5 دول مصدرة لهؤلاء كل من الهند بواقع 253 ألف مهاجر، ثم نيجيريا 141 ألفاً، وبعدها تأتي الصين 89 ألفاً، ورابعاً باكستان بنحو 55 ألفاً، ثم أوكرانيا بـ35 ألفاً.

تصنيفات

قصص قد تهمك