أعادت الحكومة البريطانية، بشكل سري، 10 أطفال من أبناء بريطانيات محتجزات في مخيمات شرق سوريا بسبب انتمائهن لتنظيم "داعش"، ثم عرضتهم للتبني كي يواصلوا حياتهم بين عائلات تعيش في بريطانيا.
وكشفت صحف بريطانية محلية عن هذه الخطوة، في حين لم تصدر الحكومة البريطانية نفياً لهذه التقارير، وظلت تفاصيل الوقت والمكان الخاصة بإعادة هؤلاء الأطفال غير معلنة، لأسباب تتعلق بـ"الأمن" أو لـ"أغراض تتعلق بسياسة الحكومة ذاتها"، وفق هذه التقارير.
وهناك عشرات الأطفال البريطانيين في مخيمي الهول وروج في سوريا يحلمون بمصير مماثل، ومع ذلك، تظل خطط الحكومة غير واضحة بشأن عودتهم. وعندما يتم سؤال المسؤولين، يقولون إن الجهات المعنية تقيم كل حالة على حدة، وتضع الاعتبارات الأمنية الوطنية في صدارة العوامل عند اتخاذ قرار بشأن إعادتهم أو عدم إعادتهم.
وخاطبت مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، الحكومة البريطانية نهاية أبريل الماضي، لتحثها على مساعدة الأطفال الذين يتحملون تبعات قرارات ذويهم بالانضمام إلى تنظيم "داعش"، حتى أن المفوضية أوصت بمساعدة أمهات الأطفال، وعدم اللجوء إلى فصلهم عن أولادهم ما لم يكن ذلك ضرورياً.
خلال الأعوام الماضية، حذرت أصوات محلية عديدة من مغبة الاستمرار في تجاهل مصير البريطانيات والبريطانيين في هذه المخيمات. وبينما يعتقد مختصون أن عودة الأطفال الـ10 تعكس خطة لإنهاء ملف أبناء مقاتلي "داعش"، يبدو أن البالغين والبالغات قد ينتظرون لوقت أطول.
الأطفال المعادون
تقول صحيفة "تليجراف" إن من بين الأطفال الـ10 الذين أعادتهم الحكومة إلى الوطن شقيقين دون سن الثامنة من العمر، تكفلت برعايتهما عائلة تقيم جنوب شرق إنجلترا.
ووالد هذين الشقيقين ليس بريطانياً، فيما والدتها بريطانية، ولقت حتفها خلال معارك التحالف الدولي ضد "داعش" في بلدة الباغوز بمدينة دير الزور شرق سوريا في عام 2019.
في البداية، نقل الطفلان من الباغوز إلى مركز الاحتجاز جنوب منطقة الهول بمدينة الحسكة السورية، ثم وضعا في دار للأيتام.
ونقلت الصحيفة عن ناشطين أن لندن رفضت مقترحاً من جدي الولدين لرعايتهما خارج المملكة المتحدة، وقررت إعادتهما ليعيشا في كنف عائلة لم تتضح تفاصيل كثيرة حولها.
ولم تتكشف بعد ملامح الحياة الجديدة التي يعيشها بقية الأطفال الذين أعيدوا إلى بريطانيا، كما لم يعرف خلفيات عائلاتهم، لكن صحيفة "ديلي ميل" تقول إن 9 أطفال أعيدوا دون أمهاتهم، وواحد فقط سمح له بالعودة مع والدته في أكتوبر الماضي. ونقل اليافعون إلى برامج لمعالجة الفكر المتطرف، وإعادة التأهيل لدمجهم في المجتمع.
وتشير أرقام أممية إلى أن ما بين 30 إلى 60 طفلاً بريطانياً عاشوا في مخيمي الهول وروج بعد سقوط "داعش"، فيما تقول مصادر أخرى إن 38 طفلاً فقط حالياً يحملون هذه الجنسية، إضافة إلى 21 امرأة تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية.
توصيات دولية
تحث "هيومن رايتس ووتش" الحكومة البريطانية على جعل إعادة الأطفال البريطانيين العالقين في مخيمات الهول وروج، "أولوية عاجلة". كما توصي بإعادة أمهات الأطفال أيضاً، وعدم الفصل بين الأمهات والأبناء إلا في حال "ثبت بالأدلة القاطعة أن هذا الخيار هو في صالح الأولاد"، وليس لمجرد التحقيق أو المراقبة الأمنية.
من وجهة نظر المنظمة الدولية، يجب على لندن أن توفر الدعم النفسي والاجتماعي والطبي للعائدين من مخيمات سوريا، ولا بد لها أيضاً من تسجيل الأطفال في المدارس وفق أعمارهم، بعد منحهم الأوراق والوثائق الرسمية التي يحتاجونها، كذلك يجب عليها المساعدة بكل شيء من أجل إعادة تأهيلهم ودمجهم بسرعة في المجتمع.
وتلفت "هيومن رايتس" إلى أن العائلات التي تأخذ على عاتقها رعاية وتبني الأطفال العائدين من سوريا، تحتاج إلى أخصائيين اجتماعيين وغيرهم من المدربين المتخصصين في مجالات مساعدة الأطفال الذين عاشوا حروباً. كما يجب الحرص على عدم تعرض هؤلاء الأطفال لأي شكل من أشكال التعذيب أو التمييز في المعاملة.
وتتمنى المنظمة الحقوقية من لندن إعادة النظر بقرار سحب الجنسية من شميمة بيجوم التي تعرف بـ "عروس داعش"، تلك الفتاة البريطانية التي انضمت إلى "داعش" مع صديقتيها، وهي في سن الخامسة عشرة، بعدما سرقت ذهب والدتها لدفع تكاليف الرحلة التي استخدمت فيها جواز سفر أختها للانتقال من بريطانيا إلى تركيا ثم سوريا.
الجريمة والعقاب
"عروس داعش" هي الأشهر بين البريطانيات اللواتي التحقن بالتنظيم، ولكنها ليست الوحيدة. فالتقديرات تشير إلى 145 امرأة تحمل جنسية المملكة المتحدة قمن بذات الرحلة. بعضهن قضى في الحرب على التنظيم، وأخريات وقعن في الأسر، في حين تمكن عدد قليل جداً من العودة إلى لمتابعة حياتهن.
حتى الآن، فشلت جميع محاولات بيجوم للطعن في قرار سحب جنسيتها ومنعها من العودة إلى بريطانيا. ولكن بعيداً عن المحاكم ينقسم البريطانيون بين من يرفض محاكمة المراهقين بهذه الصرامة، وآخرون يجدون عقوبة بيجوم منطقية، لأنها سافرت طوعاً، ولا أحد يعرف ماذا فعلت هناك.
تقول الخبيرة في شؤون الإرهاب صوفيا كولر، إن "نساء داعش أدين دوراً في التعذيب الذي مارسه التنظيم. وبشكل عام، لا يجب اعتبار أدوارهن هامشية"، ودعت إلى "عدم إعفائهن من جريمة الانضمام إلى جماعة متطرفة مسلحة".
وتلفت كولر في حديث مع صحيفة "إندبندنت" إلى أن شميمة بيجوم فقدت ثلاثة أطفال في غارات للتحالف الدولي على تنظيم "داعش"، وبالتالي قد يكون الانتقام هو دافعها الحقيقي للعودة إلى المملكة المتحدة. أما متحدث باسم الحكومة، فقال للصحيفة ذاتها إن "بيجوم سافرت إلى داعش بملء إرادتها وعليها أن تتحمل نتائج ذلك".
مخاوف مستقبلية
في حديث مع صحيفة "صنداي تايمز"، يقول المدير السابق لمكافحة الإرهاب في المخابرات الخارجية ريتشارد باريت، إن رفض الحكومة البريطانية لعودة النساء والأطفال من "داعش"، قد يكون "خطيراً" على المدى الطويل. منوهاً إلى أن الاعتقاد بعدم تهديد هؤلاء لأمن البلاد طالما أنهم في الخارج "لا يعتبر نظرية صحيحة".
ويلفت المسؤول الأمني السابق، إلى أن بقاء النساء والأطفال البريطانيين في مراكز احتجاز "داعش" بسوريا، يعني "استمرار تأثير رفاقهم السابقين على تفكيرهم. أي بقائهم معرضين دائماً لاستغلال التنظيمات المختلفة من أجل استهداف أمن المملكة المتحدة وأبنائها، عندما تحين الفرصة، وفي أي مكان حول العالم".
من جهتها، لفتت كاثرين كورنت، مديرة فريق الاحتجاز غير القانوني في منظمة "ريبريف" الحقوقية، إلى أن الأطفال البريطانيين في مخيمي الهول وروج شرق سوريا، مهددون بنقلهم إلى السجون عندما يبلغون سن المراهقة. وهناك سيصبحون معرضين بشكل كبير لأفكار التطرف ومفاهيم الإرهاب، على حد قولها.
وأوضحت كورنت في حديث مع صحيفة "جارديان"، أن الحكومة البريطانية "يجب أن تشعر بالخجل من التخلي عن أطفال المملكة المتحدة لينشئوا بين الدواعش"، مشيرة إلى أن "الظروف التي يعيشها هؤلاء الأطفال دون ذنب في مخيمي الهول وروج شرق سوريا، تصدم كل من يعرفها، وتحذر من تحولهم لإرهابيين في المستقبل".
الحلول الفردية
السماح بعودة البريطانيات المنتمين لـ"داعش" يرتبط إلى حد كبير بأطفالهن. ومن بين العائدات تارينا شاكيل التي قضت أعواماً بالسجن بعد عودتها مع طفلها من مناطق سيطرة "داعش"، ثم خرجت في عام 2019 لتعمل كمؤثرة على وسائل التواصل في مجال الأزياء. كما تمكنت من السفر إلى دول عدة مثل إسبانيا إيطاليا ومالطا منذ ذلك الوقت.
بعيداً عن الأطفال، لا يختلف حال "نساء داعش" البريطانيات عن حال الرجال البريطانيين المنتمين للتنظيم، فهؤلاء جميعاً مصيرهم مجهول حتى الآن، وتصر حكومات حزب المحافظين منذ عام 2018 على عدم تبني خطوات واضحة للتعامل معهم، رغم المطالبات الداخلية والخارجية بإجراءات تحتوي خطرهم على البلاد في المستقبل.
وقال الباحث في الشؤون البريطانية رياض مطر، إن الحكومة تفضل إطالة أمد بقاء حملة جنسية المملكة المتحدة في الحجز في سوريا، لافتاً إلى أن دعم قوات سوريا الديمقراطية التي تدير تلك المخيمات يبدو الحل الأفضل للحكومة، حتى لا تضطر إلى تبني حلول جماعية حيال كل المحتجزين دفعة واحدة.
ولفت مطر في حديث مع "الشرق" إلى أن الجهات المختصة في لندن، تصر على التعامل مع قضايا المنتمين لـ"داعش"، البريطانيين والبريطانيات، بشكل فردي.
ولطالما ردت الحكومة بهذا القرار على مطالب دول ومنظمات حقوقية بإعادة المحتجزين في مخيمي الهول وروج إلى المملكة المتحدة، وتقديمهم للقضاء المحلي من أجل محاسبتهم.
وتعتقد أميركا أن إعادة الدول للمنتمين إلى "داعش" من حملة جنسياتها إلى بلادهم، والتعامل معهم داخلياً، ينطوي على مخاطرة أقل بكثير من التخلي عنهم، وتركهم لمصير مجهول هناك، خاصة وأن الأوضاع في شمال شرق سوريا ليست مستقرة، ولا يوجد ضمانات باستمرار السيطرة الكاملة لقوات سوريا الديمقراطية على مخيمي الهول وروج.