يستعد العراق في 18 ديسمبر الجاري لحدث انتخابي غاب عن البلاد 10 سنوات، يتمثل في انتخابات مجالس المحافظات أو ما يعرف بالانتخابات المحلية، والتي تجري للمرة الأولى منذ أبريل 2013.
وشهدت البلاد أول انتخابات لمجالس المحافظات عام 2009، وشملت 15 محافظة من أصل 18، إذ استثنت محافظات إقليم كردستان الذي يتمتع فيه الأكراد بحكم ذاتي.
وكان من المقرر إجراء الانتخابات المحلية في 2018، غير أنها تأجلت على وقع التظاهرات الشعبية في العاصمة بغداد ومناطق وسط وجنوب العراق، تطالب بحل المجالس بعد اتهامات بالفساد على خلفية نفقاتها السنوية التي تجاوزت 200 مليار دينار عراقي (أكثر من 150 مليون دولار).
وفي 28 أكتوبر 2019 صوّت مجلس النواب على إلغاء مجالس المحافظات غير المنتظمة، لكن القرار واجه رفضاً من الغالبية العظمى لأعضاء المجالس، قبل أن تحسم المحكمة الاتحادية الجدل بشأنه في 2 يونيو 2021، حين قضت بعدم دستورية عملها، معتبرةً أن استمرار عمل المجالس يُمثل خرقاً لحق الشعب في التصويت والانتخاب والترشيح وتجاوزاً لإرادة الناخب.
ومع تولي محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة، تعهد بإعادة عمل مجالس المحافظات، وفقاً لورقة الاتفاق بين القوى السياسية التي تشكلت على إثرها الحكومة، وصوّت البرلمان على موعد إجراء انتخابات جديدة.
صلاحيات واسعة
بحسب الدستور العراقي، تتمتع مجالس المحافظات بصلاحيات واسعة إدارية ومالية، وهي لا تخضع لسيطرة أو إشراف أي وزارة أو أي جهة غير مرتبطة بوزارة، وتعد بمثابة السلطة التشريعية والرقابية في كل محافظة، من خلال انتخاب المحافظ ونائبيه، واختيار رئيس لمجلس المحافظة.
والمجالس لها الحق في إقالة المحافظين ورؤساء الدوائر، وإعداد الموازنة الخاصة بالمجلس والمصادقة على مشروع الموازنة الخاصة المحالة من المحافظ، إلى جانب الكثير من الصلاحيات الأخرى، بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، دون أن يتعارض ذلك مع الدستور والقوانين الاتحادية.
جدل وانتقادات
وأثارت عودة مجالس المحافظات جدلاً على المستوى السياسي والشعبي، وقالت عضو مجلس محافظة بغداد السابق فاطمة الحسني والمرشحة في الانتخابات القادمة، لـ"الشرق"، إن أهمية مجالس المحافظات تأتي من "تماسها المباشر مع المواطن، والإحساس بمتطلباته واحتياجاته، ورسم السياسة المحلية، وإقرار المشروعات وبعض القوانين المحلية التي تصب في صالح المواطن".
وأضافت أن مجالس المحافظات هي العمود الأساس في وضع القرارات باعتبارها الحكومة المحلية المسؤولة، لكن تبقى المشكلة في ما يخص العاصمة بغداد، بسبب تقاطع الصلاحيات والسلطات مع الحكومة المركزية، والتي لم تحسم حتى الآن".
وعلقت الحسني، على الانتقادات التي تطال هذه المجالس، بقولها إن الفترات الماضية التي شهدت توقف عمل مجالس المحافظات بشكل كامل هي الكفيلة بالرد على الانتقادات، لأن ذلك أدى إلى فراغ في توفر جهة حكومية يمكن أن يعود إليها المواطنون لحل قضاياهم وشكاواهم.
وتابعت: "كانت المجال الوحيد لرفع المعاناة عن الناس، فضلاً عن الدور الرقابي المهم للحد من الفساد المستشري في بعض المفاصل".
غياب التيار الصدري
وعلى غير المعتاد، تخلو الانتخابات المرتقبة لمجالس المحافظات في العراق من مشاركة التيار الصدري بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر، خاصة بعد إعلانه الانسحاب من الحياة السياسية، ودعا أنصاره إلى مقاطعة الانتخابات.
وفي رده على سؤال من أنصاره بشأن المشاركة في الانتخابات، قال الصدر: "إن من أهم ما يميز القاعدة الصدرية هو وحدة صفها وطاعتها وإخلاصها".
وأضاف: "مشاركة الفاسدين تحزنني كثيراً ومقاطعة الانتخابات أمر يفرحني، ويُغيظ الأعداء، ويقلل من شرعية الانتخابات دولياً وداخلياً، ويقلص من هيمنة الفاسدين والتبعيين على عراقنا".
وألقى موقف الصدر بظلاله على الشارع العراقي، ما دفع الكثير من أتباعه إلى إقناع الناس بعدم المشاركة، متبعين أحياناً مع البعض أساليب لإجبارهم على مقاطعة الانتخابات، ما أسفر عن عرقلة الدعاية في بعض المحافظات.
استعدادات لوجستية وأمنية
وتمتد الدورة الانتخابية لمجالس المحافظات العراقية إلى 4 سنوات من تاريخ أولى جلساتها، ويتكون مجلس كل محافظة من 10 أعضاء، يضاف إليه مقعد واحد لكل 200 ألف نسمة، للمناطق التي يزيد سكانها عن مليون نسمة، وفقاً لآخر إحصائية سكانية أعدت سجل الناخبين على أساسها، على ألا يزيد إجمالي الأعضاء على 35، كما أن هناك فروعاً أخرى تُسمى مجالس الأقضية التابعة لكل محافظة، إذ تُجرى انتخابات مجالس الأقضية في مرحلة ثانية خلال 6 أشهر من تاريخ إجراء انتخابات مجالس المحافظات.
وأكدت المفوضية المستقلة للانتخابات في العراق، اكتمال جميع الاستعدادات الفنية واللوجستية لإجراء الانتخابات، الاثنين، لافتةً إلى أن 5900 مرشح يتنافسون على 275 مقعداً في 15 محافظة، إضافة إلى 10 مقاعد من المكونات (حصة مخصصة للمسيحيين والإيزيديين والشبك).
وقال رئيس الفريق الإعلامي في المفوضية عماد جميل، لـ"الشرق"، إن المفوضية أنهت جميع الاستعدادات اللازمة للانتخابات، بدعم ومساعدة ومشورة فريق من الأمم المتحدة، لا سيما من ناحية تهيئة الكوادر والأجهزة الخاصة بمراكز الاقتراع والكاميرات التي ستراقب العملية الانتخابية البالغ عددها 110 آلاف كاميرا، إضافة إلى عدد كبير من المراقبين من منظمات المجتمع المدني، يُقدر عددهم بـ 100 ألف مراقب، إلى جانب 130 ألف مراقب من وكلاء الكيانات السياسية المشاركة في الانتخابات، وكذلك 500 مراقب دولي.
وأوضح جميل، أن المجموع الكلي للناخبين المدعوين للتصويت يبلغ 16 مليوناً و158 ألفاً و688 ناخباً، مشيراً إلى أن الانتخابات تجرى في 7 آلاف و766 مركز اقتراع، مؤكداً أن الصمت الانتخابي يبدأ الساعة 6 صباح الجمعة (3 صباحاً بتوقيت جرينتش).
وأعلنت أجهزة الأمن جاهزيتها لتأمين الانتخابات، وقال اللواء يحيى رسول الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، خلال مؤتمر صحافي، إن "القائد العام (رئيس الوزراء) محمد شياع السوداني وجه بتوفير الأجواء الآمنة لإجراء الانتخابات".
وأعلن الناطق باسم وزارة الداخلية، العميد مقداد ميري، أن "خطة تأمين الانتخابات تتضمن 3 مراحل، هي عمليات استباقية، وإجراء الممارسات على الأرض، إضافة إلى مرحلة التنفيذ المباشر"، مشيراً إلى أن الإجراءات تشمل منع التجمعات والتظاهرات دون موافقة، وحظر حركة الدراجات النارية، ومنع استخدام المسيرات إلا بموافقة قيادة العمليات المشتركة"، داعياً الناخبين إلى "عدم اصطحاب أجهزة الهاتف المحمول أو حمل الأسلحة في مراكز الاقتراع".