أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، الثلاثاء، النتائج الأولية لانتخابات مجالس المحافظات، إذ حصلت أحزاب الائتلاف الحاكم في البلاد على أكبر كتلة من الأصوات في بغداد ومعظم المحافظات الجنوبية، حسب ما أوردت وكالة "رويترز".
وأوضح رئيس مجلس المفوضين في المفوضية عمر أحمد، في مؤتمر صحافي أن "إعلان النتائج سيكون للأولية منها وبنسبة 94%"، واعتبر أن "المفوضية أوفت بتنفيذ الاستحقاق الدستوري بإجراء انتخابات مجالس المحافظات".
وقال رئيس الدائرة الانتخابية إن عدد المصوتين الكلي أكثر من 6 ملايين من مجموع المؤهلين للتصويت البالغ عددهم 23 مليوناً، لافتاً إلى أن "المحطات قيد التدقيق تبلغ 231".
وعقب انتهاء عملية التصويت، قال رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على منصة "إكس": "أهنئ القوى السياسية الوطنية والمرشحين الذين خاضوا انتخابات مجالس المحافظات، وعلى وجه الخصوص من فاز ونال ثقة الناخب منهم".
وأضاف السوداني: "هذه الأمانة والمسؤولية التي أتمنى أن تتحول سريعاً إلى واقع خدمي ملموس، وحكومات محلية تتفاعل مع خططنا في التنمية والإعمار وتقديم الخدمات، وتمارس دورها القانوني والدستوري، وستجد منّا كل العون والإسناد، بما يلبي طموحات كل العراقيين".
جدل بسبب نسبة المشاركة
وأثارت طريقة احتساب نسبة المشاركة التي أعلنتها المفوضية العليا للانتخابات جدلاً في الأوساط الانتخابية، حيث أوضح مركز الخبرة الانتخابية للدراسات والتدريب في بيان، أن "المفوضية استندت إلى العدد الكلي للبطاقات البايومترية الموزعة وغير الموزعة (16.158.788) بطاقة، والتي بلغت (40.84%)، وقربتها المفوضية إلى (41%).
إلا أن المركز قال إنه استخرج نسباً أخرى كما يلي: أولاً نسبة المشاركة التي تستند إلى البطاقات الموزعة حصراً (14.619.952) بطاقة، وتبلغ (45.14%). ثانياً: نسبة المشاركة التي تستند إلى العدد الكلي للناخبين المؤهلين للتصويت (23.367.081) ناخباً وتبلغ (28.24%).
وأوضح مركز الخبرة الانتخابية أنه بناءً على ما سبق، فهناك ثلاث نسب كما يلي: (40.48%) (45.14%) (28.24%).
كما انتقد رئيس مركز كلواذا للدراسات وقياس الرأي العام العراقي، باسل حسين، المعيار الذي حددته المفوضية العليا للانتخابات في احتساب نسبة المشاركة، موضحاً في تغريدة على منصة "إكس" أن " المفوضية احتسبت النسبة على أساس البطاقات البايومترية الموزعة وغير الموزعة".
وقال حسين، إن معيار الاحتساب "يخالف البند الرابع من المادة 5 من القانون رقم 12 لسنة 2018".
قراءة في النتائج
وتظهر النتائج الصادرة عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والتي تضمنت الأصوات الأولية فقط، وليس التخصيص النهائي للمقاعد، تقدم ثلاث قوائم انتخابية مدعومة من الإطار التنسيقي في معظم المحافظات.
ويدعم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي إحدى هذه القوائم. وتقود منظمة بدر التابعة لهادي العامري القائمة الثانية. وتضم القائمة الثالثة عمار الحكيم ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
وشهدت محافظة البصرة الغنية بالنفط في جنوب البلاد استثناء ملحوظاً، مع فوز القائمة المدعومة من أسعد العيداني بأغلبية ساحقة بعد حصولها على أكثر من 250 ألف صوت، أي أكثر من كل القوائم المدعومة من الإطار التنسيقي مجتمعة.
ويشكل الإطار التنسيقي بالفعل أكبر كتلة في البرلمان، ويعد الداعم الرئيسي لحكومة محمد شياع السوداني الحالية.
وفي مدينة كركوك الغنية بالنفط في شمال العراق، حصل الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو حزب كردي متحالف مع الإطار التنسيقي، على أكبر عدد من الأصوات.
ترقب شعبي
وبعد إعلان النتائج الأولية، يترقب العراقيون الدور الذي ستؤديه تلك المجالس بعد تشكيلها، والخدمات التي ستقدمها على المستوى المحلي.
وحسب الدستور العراقي، فإن مجلس المحافظة يقوم بالإدارة المحلية للقطاعات الخدمية، وفق مبدأ اللامركزية الإدارية وبما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية في المحافظة، ويمارس الرقابة على المحافظ ونائبيه، وتكون صلاحياتهم كبيرة في تقديم الخدمات للمحافظة، والإشراف على المجالس المحلية والبلدية والأقضية في المحافظة، ومراقبة تنفيذ المشاريع المناطة بالمحافظة وإصدار القرارات المحلية الداخلية.
وقال المرشح عن دولة القانون لمجالس المحافظات سعد المطلبي لـ"الشرق"، إن أهمية وجود مجالس المحافظات تنبع من أن العراق دولة اتحادية تدار باللامركزية، وليست دولة ذات نظام رئاسي يتحكم بأطراف البلد من خلال المركز، مشيراً إلى أن مجالس المحافظات تمثل "الأذرع" للحكومة الاتحادية والحكومات المحلية.
وأوضح "المطلبي" أن "لمجالس المحافظات تأثير على القرارات المحلية، باعتبار أعضاء تلك المجالس من أبناء المحافظات الذين يعلمون جيداً المشكلات في محافظاتهم ومكامن التقصير والخلل، ومن خلال التعاون مع الأهالي يمكنهم وضع تصور أو رؤية مناسبة لإيجاد الحلول للمشكلات المحلية".
وأشار إلى أن مجالس المحافظات لا تعنى بالسياسة، وعملها مقتصر على تقديم الخدمات لمواطنيها، مؤكداً أن الاعتراض على وجود هذه المجالس له طابع سياسي، فأصحاب الكتل السياسية التي ينتمي إليها بعض المحافظين تمتعوا بفساد كبير جداً خلال فترة غياب مجالس المحافظات، وانتفعت الأحزاب من هؤلاء المحافظين، حسب تعبيره.
آمال النازحين
وعلى الرغم من عزوف الكثيرين عن المشاركة في الانتخابات، ووصفها من قبل البعض بالمشاركة الخجولة، إلا أن البعض الآخر يجد أن المشاركة لا بأس بها.
وتخطى عدد المصوتين 6 ملايين بقليل، من مجموع المؤهلين للتصويت البالغ 23 مليوناً.
وحقق الاقتراع الخاص بالنازحين نسباً غير مسبوقة من حيث المشاركة، إذ يأمل النازحون أن تسهم مجالس المحافظات في إعادتهم لمحافظاتهم وتحقيق الاستقرار فيها، إذ تراوحت هذه النسب في مراكز الاقتراع المخصصة لهم في المحافظات الكردية بين 67% و89%.
من جهته، يرى المحلل السياسي عز الدين المحمدي في حديثه لـ"الشرق"، أنه رغم العزوف الذي حصل في الانتخابات السابقة، إلا أن عدداً أكبر شارك في الانتخابات الحالية، على اعتبار أن هذه المجالس هي حكومات محلية لتقديم الخدمات لأبناء المحافظات.
ولفت إلى أن جميع الكتل السياسية الحالية لها مصلحة في التواجد في مجالس المحافظات، لأن منها يُنتخب المحافظ، وهذا يؤسس لمرحلة سياسية قادمة، وهو ما يعني تعبئة للجماهير، بالرغم من وجود بعض الجهات المقاطعة للانتخابات.
أما رئيس جمعية المواطنة لحقوق الإنسان محمد السلامي، فقال لـ"الشرق"، إن المجالس المحلية القادمة ستوفر إمكانية كبيرة لمراقبة أداء الحكومة المحلية والمحافظ، وهذا الدور ستؤديه العناصر النزيهة والفعالة، وهو ما يشكل نقلة كبيرة في هذه الانتخابات.
وأضاف السلامي، أن هذه المجالس ستكون فاعلة دستورياً خلال السنوات الأربع القادمة، من أجل بناء جديد يسهم في خدمة المواطن والعمل على تشريع الأمور الخدمية الخاصة بالمحافظات.
غياب "الصدريين"
رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري قال لـ"الشرق"، إن غياب التيار الصدري عن الحياة السياسية والعملية الانتخابية، أتاح فرصة كبيرة للقوى التقليدية، وتحديداً المتمركزة في الإطار التنسيقي، للهيمنة على الانتخابات، خاصة في مناطق الوسط الجنوبي ذات الغالبية الشيعية، مشيراً إلى أن الجمهور الصدري ذو طابع خاص.
وأضاف الشمري، أنه من المرجح أن تشكل تحالفات جديدة بين القوى السياسية التقليدية، بناء على نتائج انتخابات مجالس المحافظات، كما أن البوصلة السياسية ستتغير نتيجة قوة هذه الأحزاب في الانتخابات المحلية، فضلاً عن إعطاء ثقل للانتخابات البرلمانية المقبلة، سواء كانت مبكرة أو وفق مواعيدها الدستورية.
وشهدت المناطق ذات الأغلبية الصدرية في بغداد والمحافظات عزوفاً واضحاً عن المشاركة في الاقتراع العام، فضلاً عن بعض الخروقات الأمنية التي استهدفت بعض المراكز الانتخابية في النجف جنوب العراق، محل إقامة الصدر، بقنابل صوتية إلا أنها لم تؤثر على سير العملية الانتخابية.
ويشير المراقبون إلى أن تدني نسب المشاركة العامة في الانتخابات كان من أهم أسبابها عدم مشاركة "الصدريين"، إذا ما أخذ بعين الاعتبار تصدرهم النتائج في الانتخابات النيابية الماضية، قبل انسحابهم من البرلمان بعد حصولهم على 73 مقعداً من أصل 329 مقعداً.
وبحسب مختصين، فإن تراجع نسب المشاركة قد تتيح للصدر فرصة النزول إلى الشارع مرة أخرى، والحديث عن عدم شرعية الانتخابات، أو ربما محاولة عرقلة عمل المجالس الجديدة التي من المفترض أن تتشكل بعد مصادقة المحكمة الاتحادية العليا عليها.