في قرار وصف بالتاريخي وغير المسبوق، قضت المحكمة العليا في ولاية كولورادو الأميركية، الثلاثاء، بعدم أهلية الرئيس السابق دونالد ترمب لخوض انتخابات الحزب الجمهوري التمهيدية للانتخابات الرئاسية في هذه الولاية، بسبب ما فعله خلال اقتحام حشد من أنصاره مقرّ الكونجرس في 2021.
وأحدث القرار الصادر بأغلبية أربعة أصوات مقابل ثلاثة، زلزالاً سياسياً وقانونياً، إذ حمّل ترمب مسؤولية أحداث اقتحام مقر "الكابيتول" من أجل قلب نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، وهو ما يوفر عقوبة سياسية لسلوكه "المناهض للديمقراطية"، حسب شبكة CNN.
وهدد الحزب الجمهوري في كولورادو بالانسحاب من الانتخابات التمهيدية بالولاية، واللجوء إلى نظام المؤتمر الحزبي، حال عدم التراجع عن قرار استبعاد ترمب.
ويجعل هذا الحكم ترمب أول مرشح رئاسي في تاريخ الولايات المتحدة يصبح غير مؤهل لدخول البيت الأبيض بموجب بند نادر الاستخدام في الدستور الأميركي، يمنع المسؤولين الذين شاركوا في "تمرد" من تولي المنصب، وفق وكالة رويترز.
ورفع الدعوى عدد من الناخبين في كولورادو الذي طالب باستبعاد ترمب، لتحريضه أنصاره على مهاجمة مبنى الكونجرس.
ما مبررات المحكمة؟
وفي تبريرهم لقرار استبعاد ترمب من الاقتراع التمهيدي، أكد القضاة أن خطاب ترمب الذي ألقاه في 6 يناير 2020، حرّض على العنف عندما طلب من أنصاره "التوجه إلى مبنى الكابيتول" و"القتال بلا هوادة" من أجل "استعادة بلادنا".
ووجدت المحكمة أن خطاب ترمب الذي حثّ فيه أنصاره على التمرد، لا يدخل ضمن الحقوق التي يكفلها التعديل الأول للدستور الأميركي، والذي يضمن الحق في حرية التعبير.
وكتب القضاة في رأي الأغلبية المكون من 134 صفحة: "الرئيس ترمب حرّض وشجّع على استخدام العنف والعمل الخارج عن القانون لعرقلة التداول السلمي للسلطة".
وقالت الأغلبية في المحكمة، إن جميع القضايا القانونية الرئيسية كانت ضد ترمب. وأضافوا، في رأي غير مُوقّع، أن "محصلة هذه الأجزاء هي أن الرئيس ترمب ليس مؤهلاً لتولي منصب الرئيس، بموجب المادة الثالثة من التعديل الرابع عشر لدستور الولايات المتّحدة".
ماذا يقول التعديل الـ14 للدستور؟
قبل صدور قرار المحكمة العليا، كانت محكمة محلية في ولاية كولورادو رفضت طلباً قدمه مجموعة من الناخبين بمنع ترمب من الترشح للرئاسة بموجب التعديل الرابع عشر، بسب أن البند لا يشير إلى منصب الرئاسة.
وينص البند الثالث من التعديل الـ14 للدستور على أن موظفي الدولة الذين "شاركوا في تمرد أو عصيان ضد الولايات المتحدة، أو قدّموا مساعدة لأعدائها" غير مؤهلين لاختيارهم "ناخبين"، وهو حظر يعود إلى حقبة ما بعد الحرب الأهلية الأميركية.
هذا الغموض في النص القانوني أثار جدلاً واسعاً وسط المحكمة، وأصدر أحد قضاة كولورادو المشاركين في المحاكمة حكماً بأن ترمب شارك في تمرد، لكنه قَبلَ حجّته بأن البند الثالث لا ينطبق عليه، معللاً ذلك بأن ترمب لم يؤد هذا النوع من القسم، وأن البند لا ينطبق على منصب الرئيس.
وقال مايكل موكاسي، المدعي العام السابق في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، في مقال رأي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" في سبتمبر الماضي، إن البند الثالث يقتصر على الأشخاص الذين أقسموا اليمين لدعم الدستور "كأعضاء في الكونجرس، أو موظفين في الولايات المتحدة، أو أعضاء في أي هيئة تشريعية في الولايات، أو موظفين تنفيذيين أو قضائيين في أي ولاية".
ويرى موكاسي أن الفئة الوحيدة التي يُمكن القول إنها تنطبق على ترمب هي "موظف في الولايات المتحدة"، وأن هذه العبارة "تشير فقط إلى المسؤولين المعينين، وليس المنتخبين".
ويرى باحثون آخرون أن البند الثالث لا ينطبق على ترمب، وقالوا إن هناك أدلة قوية على أن الرئيس لا يندرج تحت فئة الموظف في الولايات المتحدة التي يغطيها البند. لكن المحكمة العليا في كولورادو قضت بأن البند يشمل منصب الرئيس، حسب ما نقلته "نيويورك تايمز".
كما خلص أحد القضاة إلى أنه لا ينبغي استبعاد المرشح بموجب التعديل الرابع عشر إذا لم تتم إدانته بالتمرد، وهي جريمة فيدرالية. ويواجه ترمب اتهامات جنائية، ليس من بينها التمرد، في قضيته المتعلقة بتخريب الانتخابات الفيدرالية، حسبما نقلت CNN.
وأثار قاض آخر مخاوف تتعلق بالإجراءات القانونية الواجبة، وقال إن الكونجرس وحده هو الذي يملك سلطة فرض الحظر. وقد أثار ترمب في السابق بعض هذه الحجج في القضية.
ما تعليق ترمب على القرار؟
واتهم دونالد ترمب في تدوينة على منصته "تروث"، الرئيس جو بايدن بالوقوف وراء هذا القرار، واعتبر أنه يهدف إلى تلطيخ سمعته و"إدخاله السجن"؛ لمنعه من خوض الانتخابات المقبلة ومواجهة بايدن.
كما ندّد المتحدّث باسم ترمب بالقرار "المناهض للديمقراطية" الذي أصدرته المحكمة العليا في كولورادو، متعهّداً بالطعن عليه أمام المحكمة العليا.
وقال ستيفن تشونج المتحدث باسم حملة ترمب في بيان إن المحكمة العليا في كولورادو أصدرت "قراراً معيباً تماماً، وسنلجأ بسرعة إلى المحكمة العليا للولايات المتحدة لطلب تعليق هذا القرار المناهض للديمقراطية بصورة تامّة".
ماذا بعد صدور القرار؟
من المرجح أن تُحال القضية إلى المحكمة العليا للولايات المتحدة، إذ تعهدت حملة ترمب بالاستئناف على الحكم، كما أصدر قضاة محكمة كولورادو قراراً بإيقاف تنفيذ الحكم حتى 4 يناير المقبل، للسماح للقضاء الفيدرالي بالفصل في الأمر.
وفي وقت سابق الثلاثاء، قدَّم عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية نورث كارولاينا توم تيليس، مشروع قانون يهدف إلى معاقبة الولايات التي تصدر أحكاماً مماثلة.
ما موقف الجمهوريين؟
قال الحزب الجمهوري في ولاية كولورادو الأميركية إنه سينسحب من الانتخابات التمهيدية في الولاية كحزب، ويلجأ إلى نظام المؤتمر الحزبي، في حال عدم التراجع عن قرار استبعاد ترمب من الظهور على بطائق الاقتراع.
وأوضح الحزب في تدوينة على "إكس" الأربعاء، أنه سيغيّر طريقة الاقتراع في الانتخابات التمهيدية في الولاية إلى نظام المؤتمر الحزبي (Caucus) بدل النظام المعمول به.
وجاء ذلك رداً على تدوينة أخرى للمرشح الجمهوري فيفيك راماسوامي، تعهد فيها بالانسحاب من الانتخابات المحلية في ولاية كولورادو، في حال استمر منع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
ودعا راماسوامي، الذي يؤيد إلى حد كبير ترمب، المرشحين الآخرين رون ديسانتيس وكريس كريستي ونيكي هايلي إلى الانضمام إليه، معتبراً عدم فعل ذلك، بمثابة تأييد لهذه "المناورة غير القانونية" التي ستكون لها "عواقب وخيمة على بلادنا".
وهناك نوعان من الاقتراع في الانتخابات التمهيدية، الأول عبر انتخابات تمهيدية يدلي فيها الناخبون بأصواتهم لاختيار المرشح المفضل لنيل ترشح الحزب للرئاسة.
أما النوع الثاني، فهو نظام المؤتمرات الحزبية "كوكس"، الذي يقتصر على حضور عدد من الناخبين الجمهوريين للتصويت على مرشحهم المفضل عن طريق إحصاء الأصوات أو برفع الأيادي.
ما تعليق المرشح الجمهوري للرئاسة راماسوامي؟
وانتقد المرشح الجمهوري للرئاسة فيفيك راماسوامي قرار المحكمة العليا، وهدد بالانسحاب من الاقتراع التمهيدي للحزب إذا لم يُسمح لترمب أيضاً بالتواجد في بطاقة الاقتراع بالولاية.
وقال راماسوامي، في بيان عبر منصة "إكس"، إن "قرار المحكمة هو تجلٍ لهجوم حقيقي على الديمقراطية"، معتبراً أن "عصابة من القضاة الديمقراطيين قررت منع ترمب من الترشح للانتخابات في كولورادو". وشدد على أنه "قرار غير أميركي، وغير دستوري، وغير مسبوق".
وطالب راماسوامي، المرشحين الجمهوريين الآخرين رون ديسانتيس، وكريس كريستي، ونيكي هالي بـ"التعهد بذلك أيضاً على الفور، وإلا فإنهم يؤيدون ضمنياً هذه المناورة غير القانونية".
من وصف القضاة بأنهم "عملاء ديمقراطيون"؟
انتقدت رئيسة المؤتمر الجمهوري بمجلس النواب إليز ستيفانيك، أغلبية قضاة محكمة كولورادو العليا، ووصفتهم في بيان بأنهم "4 عملاء ديمقراطيين حزبيين".
وتوقعت ستيفانيك أن الحكم "سيأتي بنتائج عكسية، ويعزز حملة الرئيس ترمب الناجحة".
ما رد فعل المرشح الجمهوري كريستي؟
قال المرشح الجمهوري كريس كريستي خلال تجمع انتخابي بولاية أيوا، إنه "لا يجب أن يُمنع ترمب من أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة من قِبَل أي محكمة".
وأضاف كريستي، وهو من المرشحين الجمهوريين الأشد انتقاداً لترمب، أن "الرئيس السابق يجب أن يُمنع من أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة من قِبَل الناخبين وحدهم".
وتابع بقوله: "أعتقد أن إبعاد ترمب من قِبَل المحكمة سيكون أمراً سيئاً للولايات المتحدة"، موضحاً: "إبعاده (ترمب) يجب أن يكون بعد إثبات تحريضه على التمرد، وانخراطه في التمرد، لكن لم تُجر أي محاكمة له في هذا الشأن".
ماذا قال الديمقراطيون؟
على الجانب الآخر، أشاد العديد من الديمقراطيين بحكم المحكمة العليا في كولورادو.
وقال عضو لجنة الرقابة بمجلس النواب الديمقراطي جيمي راسكين، إن الحكم ضد ترمب له "أسس قوية بحكم القانون والواقع"، لكنه أقر بإمكانية وقوع أعمال عنف سياسي رداً على قرار المحكمة.
فيما قال النائب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا تيد ليو: "كان من الواضح للغاية بالنسبة لي أن الأدلة أظهرت أن ترمب دعا الحشود، وحرضهم في 6 يناير".