بريطانيا.. إفلاس البلديات يهدد الخدمات العامة وزيادة الضرائب على الطاولة

time reading iconدقائق القراءة - 10
مواطنون بريطانيون ينتظرون دورهم لشراء الفواكه والخضراوات في أحد أسواق وسط لندن، بريطانيا. 19 أغسطس 2022 - Reuters
مواطنون بريطانيون ينتظرون دورهم لشراء الفواكه والخضراوات في أحد أسواق وسط لندن، بريطانيا. 19 أغسطس 2022 - Reuters
لندن-بهاء جهاد

تشير تقديرات رسمية بريطانية حديثة إلى أن واحدة من كل 5 بلديات كبرى في إنجلترا باتت عرضة للإفلاس في العام 2024، في حين تتوقع مصادر رسمية أخرى أن تعلن بلدية من كل 10 بلديات بريطانية عجزها المالي التام، كما حدث لمدينتي برمنجهام ونوتنجهام في سبتمبر ونوفمبر، على الترتيب.  

ودفعت المشكلة، التي قد تهدد الخدمات العامة، الحكومة البريطانية إلى زيادة مخصصات بلديات إنجلترا في العام 2024 بنسبة 6.5٪ بإجمالي 64 مليار جنيه إسترليني، وقالت وزارة المجتمعات المحلية "إنها مخصصة للمجالس المحلية في المدن والمناطق الكبرى من أجل ترميم عجزها".  

وتختلف الأسباب التي تدفع البلديات إلى إعلان العجز المالي، لكن مختصين حذروا من التداعيات الكبيرة للعجز. وأثاروا أسئلة عديدة بشأن من يتحمل المسؤولية. فهل هي حكومة حزب المحافظين التي تمارس سياسة التقشف منذ سنوات طويلة؟ أم أنه سوء إدارة لميزانية المجلس المحلي من قبل أعضائه المنتخبين؟  

وبغض النظر عن الأسباب، حملت لندن أعضاء المجالس المحلية المنتخبين مسؤولية التعثر المالي للبلديات، وفيما ترفض حكومة المحافظين تحمل عبء إنقاذ المجالس المحلية بشكل كامل، إلا أن داونينج ستريت ووزارة المجتمعات المحلية، لا يستطيعان تجاهل الالتزامات الدستورية تجاه كل بلدية تعلن إفلاسها عبر البند 114.  

نقل المسؤولية للحكومة المركزية

تقول مكتبة مجلس العموم البريطاني إن البلديات والمجالس المحلية لا تفلس مثل الشركات، وإنما تعاني عجزاً عن الوفاء بمدفوعاتها عندما تزيد على إيراداتها ومخصصاتها من الحكومة المركزية في لندن. وهي تصرح بهذا العجز عبر الإعلان عن المادة 114 من القانون المالي للحكومات المحلية الصادر في العام 1988. 

وتوضح وثيقة برلمانية أن مخصصات الحكومة المركزية للبلديات والمجالس المحلية شهدت تراجعاً مستمراً منذ 2010، أي بعد تولي حزب المحافظين للسلطة مع وصول ديفيد كاميرون إلى المنزل رقم 10، والشروع بسياسة تقشف شملت كل مجالات الإنفاق الحكومي، مما أدى إلى تقلص القوة المالية للقطاع العام مع الوقت.  

ويقول مكتب التدقيق الحكومي إن القدرة الشرائية للمجالس المحلية تراجعت بنسبة 31% بين العام المالي 2009- 2010 والعام 2021– 2022.

وعندما يضاف إلى التقشف ارتفاع تكلفة المعيشة، وزيادات أجور القطاع العام، ونمو الطلب على الخدمات العامة بفعل الزيادة السكانية، تصبح أعباء البلديات كبيرة جداً.  

وضغط ارتفاع معدل التضخم على البلديات خلال العامين الماضيين، حتى أن تقديرات رسمية تتوقع أن يؤدي التضخم من خلال الأجور وأسعار الطاقة، إلى زيادة ميزانية المجالس المحلية بقيمة 2.4 مليار جنيه إسترليني خلال العام المالي 2023– 2024. وهو ما دفع بالحكومة إلى ضخ مزيد من الأموال لدعم البلديات. 

قائمة البلديات المفلسة 

وفي نوفمبر الماضي، أعلنت بلدية نوتنجهام المادة 114 من القانون المالي، لتصبح بذلك تاسع مجلس محلي يفلس منذ عام 2018، والثالث في العام 2024 وحده. حيث سبقتها مدينة برمنجهام، ثاني أكبر مدن بريطانيا، في شهر سبتمبر الماضي. ومدينة ووكينج الواقعة جنوب شرق إنجلترا، في شهر يونيو الذي سبقه.  

وأثار إعلان مدينة برمنجهام للإفلاس ضجة كبيرة في الأوساط الاقتصادية، إذ تقدم المدينة خدمات لأكثر من مليون شخص. وتوقع مجلسها المحلي عجزاً بـ 87 مليون جنيه إسترليني في ميزانية العام الحالي، بعد دفع نحو 760 مليون جنيه لتعويض المتضررين جراء عدم مساواة الأجور بين موظفي القطاع العام.  

وفي نهاية سنة 2022 أعلنت بلدية ثيروك إفلاسها بعد تراكم خسائر بعض الاستثمارات التي قامت بها، وقد سبق ثيربوك مجلسا كرويدن وسلاو المحليين، وكان أول مجلس بلدي يعلن إفلاسه في عموم بريطانيا هو (نورثهام شاير) في عام 2018، بعدما غرق في ديون تقدر بنحو مليار جنيه إسترليني في ذلك الوقت.

 وتقول "جمعية المجالس المحلية" إن بلدية من بين كل 10 بلديات في بريطانيا تعاني صعوبات مالية، ومن المتوقع أن تعلن إفلاسها رسمياً في عام 2024 أو الذي يليه. فيما نقلت صحيفة "فاينانيشال تايمز" عن الجمعية ذاتها، أن نصف المجالس المحلية في إنجلترا، والبالغ عددها 317 مجلساً، لا تملك ما يكفي لضبط ميزانياتها.  

ولا يعني لجوء البلديات إلى المادة 114، توقفها عن العمل وتقديم الخدمات الأساسية للسكان، كما لا يؤدي إلى امتناعها عن جمع الضرائب والرسوم التي تشكل مصدراً أساسياً من مصادر تمويل المجالس المحلية، ولكن إعلان الإفلاس ينقل المسؤولية المالية للبلدية من طاقم إدارتها المنتخب إلى الحكومة المركزية في لندن.  

وفي حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية، قال نائب رئيس "شبكة المجالس المحلية" باري لويس، إن البلديات التي أعلنت إفلاسها، أو تعاني أوضاعاً مالية ضيقة، يتوجب عليها تقليص استثماراتها والتفكير بزيادة الضرائب على بعض الخدمات، وهما أمران قد يؤثران سلباً على السكان، دون أن يوفرا حلاً للمشكلة المالية.  

ولفت لويس إلى أنه يتوجب على الحكومة مساعدة المجالس المحلية بسرعة، ليس بتقديم الدعم المالي المباشر فقط، وإنما أيضاً عبر مشاركتها في التخطيط لمراحل متوسطة وطويلة الأجل، تجنباً للتدهور كلما تعرض الاقتصاد الوطني لمتغيرات دولية أو محلية، منوهاً بأن مشاكل البلديات ستؤثر حتماً على خدمات مختلفة.  

وأشار نائب رئيس شبكة المجالس المحلية، إلى أن القائمين على أمر "البلديات المتعثرة" لا بد أن يواجهوا أنفسهم بأسئلة صعبة حول إنفاق الميزانية، وهذا واجب عليهم أمام الناخبين الذين اختاروهم لهذا الدور، ولكن ذلك لا يعني أن تتحمل البلديات مسؤولية التعثر لوحدها، حيث يقع جزء منه على عاتق الحكومة المركزية.  

الدعم الحكومي للبلديات 

وقبل أيام فقط، أعلن وزير المجتمعات المحلية مايكل جوف، عن حزمة دعم بقيمة 64 مليار جنيه إسترليني لرفع ميزانية البلديات في بريطانيا بنسبة 6.5٪ خلال 2024. ولكن يبدو أن الحزمة المعلنة ليست كافية، ولا توفر الاستقرار المالي لهذه الهيئات، على حد وصف البيانات الصادرة عن جمعية المجالس المحلية. 

وقال متحدث باسم وزارة المجتمعات المحلية لصحيفة "الجارديان" إن الحكومة المركزية ليست مسؤولة عن إدارة ميزانية البلديات في نهاية المطاف. كما يجب على المجالس المحلية الابتعاد عن الاستثمارات الخطرة التي يمكن أن تؤدي إلى خسارة أموال دافعي الضرائب، وإغراق البلديات لاحقاً بديون يصعب سدادها.  

ولفت المتحدث باسم الوزارة إلى أن الحكومة المركزية في لندن أنشأت مكاتب خاصة لتوسيع مساءلة المجالس المحلية حول إدارة ميزانياتها، وأوجه إنفاق مواردها. ولكن ذلك لا يمنع من أن حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك منفتحة على الحوار وإيجاد الحلول لكل بلدية تستشعر اقترابها من أزمة مالية لأي سبب، وفق تعبيره.  

ولا يقتصر دور "مكاتب المساءلة الحكومية" على ممارسة الضغوط من أجل تشجيع البلديات المتعثرة على ترشيد إنفاقها. وإنما قد يشمل أيضاً دفع تلك الهيئات نحو بيع أصول محلية من أجل الحصول على موارد إضافية لسداد العجز، وتسوية المدفوعات المتأخرة للشركات والأفراد العاملين في مرافقها وخدماتها العامة.  

 زيادة موارد البلديات  

من وجهة نظر المحلل الاقتصادي أسلم بوسلان، يمكن للبلديات زيادة مواردها عبر رفع قيمة بعض الضرائب المفروضة على السكان لقاء الخدمات العامة. وفي مقدمتها الضريبة التي يدفعها البريطانيون شهرياً عن عقاراتهم. إضافة إلى رسوم بعض عمليات البيع أو الشراء أو التأجير لعقارات أو آليات أو محال تجارية.  

ويوضح بوسلان أن زيادة الدخل عبر رفع الضرائب تحمل جانبين اقتصاديين سلبيين، الأول، هو نفور الأفراد والشركات من الأعمال أو الخدمات التي تطالها زيادة الرسوم البلدية. والثاني هو احتمال تعثر أفراد وشركات في دفع الضرائب الجديدة، وبالتالي اتساع رقعة المشكلات والأزمات المالية التي تعاني منها البلديات. 

وتعتزم بلدية برمنجهام زيادة "ضريبة المجلس" على سكان المدينة بنسبة 10% العام المقبل. وقد أعلن رئيس البلدية جون كوتن أنه بصدد مخاطبة الحكومة المركزية في لندن من أجل الموافقة على زيادة الضريبة المشار إليها بأكثر من 4.99٪ دون اللجوء لاستفتاء شعبي، كما تنص القوانين المعنية في مثل هذه الحالات.

وفي تصريح لصحيفة "الإندبندنت"، قال كبير مفوضي الحكومة للشؤون المحلية ماكس كولر، إن لندن سوف تسمح لمعظم البلديات المتعثرة في بريطانيا بزيادة "ضريبة المجلس" بنسبة 10% إذا ما تقدمت بطلب رسمي في هذا الصدد. منوهاً بأن هذه الزيادة سوف تضيف عشرات ملايين الجنيهات سنوياً إلى خزائن البلديات.

تصنيفات

قصص قد تهمك