واجه مجلس الأمن الدولي صعوبات في تبنّي قرار يدعم زيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، في ظل وجود خلافات بشأن الصيغة النهائية للقرار، حيث تتشبّث الولايات المتحدة، التي تتمتع بحق النقض "الفيتو"، بإجراء عدّة تعديلات على مسودة القرار، حتّى يتسنّى لها دعمه، فيما يظل مطلب "وقف إطلاق النار"، الذي تدعمه الدول العربية، أحد أبرز النقاط الخلافية التي أعاقت التوصل إلى اتفاق إلى جانب وضع آلية أممية لتسريع المساعدات.
وأرجأ مجلس الأمن الدولي، لليوم الرابع على التوالي، الخميس، التصويت على مشروع قرار بشأن غزة يتعلق بآلية إيصال المساعدات، وإدانة الأعمال العدائية والهجمات ضد المدنيين، وذلك بسبب معارضة الولايات المتحدة لمضامين القرار، الذي صاغته الإمارات، فيما تعقد جلسة الجمعة لبحث إمكانية التوافق على مسودة القرار.
وجاء هذا التأجيل الجديد بعد أن أعلنت الولايات المتّحدة، استعدادها لتأييد النسخة الأخيرة من مشروع القرار، والتي تدعو إلى اتّخاذ "إجراءات عاجلة" لتحسين وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، لكن دون المطالبة بـ"وقف فوري لإطلاق النار".
وبعد أكثر من أسبوع من المفاوضات وعدة أيام من تأخير التصويت، قال دبلوماسيون إن الولايات المتحدة غير راضية عن أن مشروع القرار يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، إنشاء آلية تابعة للأمم المتحدة في غزة لـ"المراقبة الحصرية لجميع شحنات الإغاثة الإنسانية المقدمة إلى غزة براً وبحراً وجواً لتلك الدول التي ليست أطرافاً في الصراع".
وقال دبلوماسيون، إن "واشنطن قلقة أيضاً من الإشارة إلى وقف الأعمال العدائية (الهجمات ضد المدنيين)، ومطالبة إسرائيل وحركة "حماس" بالسماح وتسهيل "استخدام جميع الطرق البرية والبحرية والجوية المؤدية إلى قطاع غزة وفي جميع أنحائه" لإيصال المساعدات الإنسانية.
وخفّف مشروع القرار الآن من الصيغة التي تجعل المجلس يدعو إلى "خطوات عاجلة للسماح على الفور بوصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق، وكذلك لتهيئة الظروف لوقف مستدام للأعمال العدائية".
تعديلات على مشروع القرار
ولعل أبرز النقاط الخلافية التي تعيق التوصل إلى اتفاق بشأن قرار مجلس الأمن، وضع آلية أممية لتسريع المساعدات ووقف الأعمال العدائية، فيما قالت مصادر لـ"الشرق"، الخميس، بأن هناك تعديلات على الفقرات الرابعة والخامسة والسادسة من مشروع القرار في مجلس الأمن بشأن غزة، مشيرة إلى أن "النقاش لا يزال مستمراً حول الفقرة الثانية".
وكان خلاف كبير بين الولايات المتحدة وبعض الدول الأعضاء، بشأن تغيير صيغة الفقرة التاسعة من مشروع القرار التي كانت تنص على إدانة جميع انتهاكات القانون الإنساني، والهجمات العشوائية ضد المدنيين، إذ شهد التغيير اعتراضاً واضحاً من جانب روسيا، وبعض مندوبي البلدان الأوروبية، الذين طالبوا بالعودة إلى عواصمهم للتشاور.
وتنص الفقرة التاسعة على "يُدين مشروع القرار بشدة جميع انتهاكات القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك جميع الهجمات العشوائية ضد المدنيين والأهداف المدنية، وجميع أعمال العنف والأعمال العدائية ضد المدنيين، وجميع أعمال (الإرهاب)"، وفق تعبير المسودة.
وتعارض الولايات المتحدة وإسرائيل، وقف إطلاق النار، لاعتقادهما أنه سيفيد حركة "حماس"، وتدعم واشنطن بدلاً من ذلك وقفاً مؤقتاً للعمليات العدائية لحماية المدنيين والسماح بإطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم "حماس"، وفق "رويترز".
واشتد الخلاف أيضاً بشأن تغيير صيغة الفقرة الثانية من مشروع القرار التي كانت تنص على "تعليق كافة الأعمال العدائية"، وتغييرها إلى "تهيئة الظروف لوقف مستدام للأعمال العدائية"، ما يعني ضمنياً عدم تطبيق وقف إطلاق النار.
وإلى جانب وقف الأعمال العدائية، كان مشروع القرار الأولي يطالب إسرائيل و"حماس" بالسماح وتسهيل "استخدام جميع الطرق البرية والبحرية والجوية المؤدية إلى قطاع غزة وفي جميع أنحائه" لتوصيل المساعدات. وتم تعديل ذلك إلى "جميع الطرق المتاحة". وقال بعض الدبلوماسيين إن هذا يسمح لإسرائيل بمراقبة مرور المساعدات، وفق "رويترز".
أما النقطة الأخيرة تشير إلى الخلاف بشأن سبل إيصال المساعدات، فمشروع القرار نَص على استخدام جميع الطرق براً وبحراً وجواً، لإدخال المساعدات لقطاع غزة، ووجدت تلك النقطة اعتراضاً من قبل إسرائيل، لتتحول صياغتها إلى "استخدام الطرق المتاحة لتوصيل المساعدات".
وقالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، الخميس في نيويورك: "لقد عملنا بجد واجتهاد على مدار الأسبوع الماضي مع الإماراتيين ومع آخرين ومع مصر للتوصل إلى قرار يمكننا دعمه".. “ولدينا هذا القرار الآن. نحن مستعدون للتصويت عليه".
ولم تقدم جرينفيلد سوى القليل من التفاصيل حول الاقتراح، لكنها قالت إنه "سيقدم المساعدة الإنسانية إلى المحتاجين"، وأضافت أن الولايات المتحدة يمكن أن تدعمه "إذا طُرِح القرار كما هو".
ورداً على سؤال من أحد الصحافيين، قالت إن مشروع القرار "قوي جداً، وتؤيده المجموعة العربية بالكامل، فهو يمنحها ما تراه ضرورياً لإدخال المساعدات الإنسانية على الأرض".
وبشأن بدء تدفق المساعدات الإنسانية بشكل أكبر على الفور، قالت جرينفيلد: "لقد كنا نتوقع ذلك، ونواصل العمل على ذلك كل يوم، وهذا القرار سيساهم في ذلك التأكيد.
آلية لتسريع المساعدات
ونصت المادة السادسة لمشروع القرار على "توفير الدعم الكافي للمنسق الأممي المعين من الموظفين والمعدات، تحت سلطة الأمم المتحدة، وعلى النحو الذي يحدده مجلس الأمن. كما يجب أن يقدم المنسق الأممي تقريراً إلى مجلس الأمن بشأن عمله ومهامه، مع تقرير أولي خلال 20 يوماً وبعد ذلك عند الضرورة".
ونقلت NBC NEWS عن جرينفيلد، قولها، إن مشروع القرار "يدعم الأولوية التي حددتها مصر، وهي ضمان وضع آلية على الأرض لتوفير المساعدات الإنسانية، ونحن مستعدون للمضي قدماً".
آلية مراقبة أممية
وكانت إحدى نقاط الخلاف الرئيسية بالنسبة للولايات المتحدة هي اقتراح للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بإنشاء آلية مراقبة في غزة لـ""المراقبة الحصرية لجميع شحنات الإغاثة الإنسانية إلى غزة المقدمة عبر الطرق البرية والبحرية والجوية" من الدول التي ليست طرفا في الحرب.
وبدلاً من ذلك، يطلب مشروع القرار المعدل من جوتيريش تعيين منسق كبير للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار لإنشاء آلية تابعة للأمم المتحدة لتسريع المساعدات لغزة من خلال دول ليست طرفا في الصراع.
وسيتولى المنسق أيضاً، مسؤولية "التسهيل والتنسيق والمراقبة والتحقق في غزة، عند الاقتضاء، من الطبيعة الإنسانية" لجميع المساعدات.
والخميس، وصف المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، آلية المراقبة الحالية لمساعدات غزة بأنها "معقدة"، وفق "رويترز".
وقال للصحافيين: "علينا أن نتعامل مع أطراف مختلفة. نحاول إدخال المساعدات الإنسانية إلى منطقة الصراع الدائر. من الناحية المثالية، إذا كانت الأعباء أقل، ولم يكن هناك قتال، فمن الممكن إدخال المزيد من المساعدات".
وطالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة وعدد أعضائها 193 دولة في وقت سابق من الشهر الجاري، بوقف إنساني لإطلاق النار، وصوتت 153 دولة
لصالح التحرك الذي وأدته الولايات المتحدة باستخدام حق النقض في مجلس الأمن قبل أيام.