ترقب لعاصفة سياسية بعد حكم استبعاد ترمب من انتخابات كولورادو

time reading iconدقائق القراءة - 13
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يحضر فعالية في ولاية نيفادا. 17 ديسمبر 2023 - Reuters
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يحضر فعالية في ولاية نيفادا. 17 ديسمبر 2023 - Reuters
واشنطن-رشا جدة

ينذر قرار المحكمة العليا في ولاية كولورادو الأميركية بعدم أهلية الرئيس السابق دونالد ترمب لخوض السباق التمهيدي للانتخابات الرئاسية، بعاصفة سياسية وقانونية قد تمتد إلى باقي الولايات، إذ تشهد أكثر من 12 ولاية دعاوى لاستصدار القرار نفسه، استناداً إلى تعديل قانوني يعود إلى فترة الحرب الأهلية.

وفي قرارها الصادر، الثلاثاء الماضي، بأغلبية 4 أصوات مقابل 3، استندت المحكمة إلى المادة الثالثة من التعديل الرابع عشر الذي يعود إلى حقبة الحرب الأهلية عام 1868.

وتُعرف هذه المادة أيضاً بـ"بند التمرد"، لأنها "تحظر تولي مناصب عامة على المتورطين في تمرد ضد الدستور بعد القَسَم على حمايته".

وجادل القضاة الديمقراطيون المعيّنون أن تلك المادة تنطبق على ترمب لأنه "حرّض على العنف من خلال أفعاله التي أدت إلى اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021".

وكتبت المحكمة في قرارها: "ترى أغلبية المحكمة أن ترمب غير مؤهل لتولي منصب الرئيس بموجب المادة 3 من التعديل الرابع عشر".

ورغم مواجهة ترمب لعدد كبير من القضايا المشابهة في ولايات أخرى، فإن قرار المحكمة لا ينطبق خارج ولاية كولورادو، ولن يدخل حيز التنفيذ حتى 4 يناير، أي قبل يوم واحد من التصديق على المرشحين في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في الولاية، والتي تعقد في 5 مارس المقبل.

واعتبر قانونيون وسياسيون تحدثوا لـ"الشرق" أن "الحكم غير المسبوق" يحمل تداعيات سياسية وقانونية متعددة، أهمها أن المحاكم في الولايات الأخرى التي تنظر قضايا مماثلة قد تولي اهتماماً للمنطق القانوني الذي تعاملت به ولاية كولورادو، وهو ما قد يترك بصمته على باقي القضايا. أما سياسياً، فقد يساهم الحكم في التفاف الجمهوريين حول ترمب وبالتالي القضاء على فرص أي مرشح جمهوري آخر في الفوز.

إجراءات قانونية

وقضت محكمة كولورادو بأن ترمب غير مؤهل لخوض انتخابات الحزب الجمهوري التمهيدية للانتخابات الرئاسية بالولاية العام المقبل، لكن الحكم لن يدخل حيز التنفيذ على الفور، وذلك لمنح محاميي ترمب الوقت للاستئناف.

ووجدت المحكمة في كولورادو أن خطاب ترمب الذي حثّ فيه أنصاره على التمرد، لا يدخل ضمن الحقوق التي يكفلها التعديل الأول للدستور الأميركي، والذي يضمن الحق في حرية التعبير.

وقالت: "نخلص إلى أن الأدلة المذكورة أعلاه، والتي لم يكن الجزء الأكبر منها موضع شك في المحاكمة، أثبتت أن الرئيس ترمب متورط في التمرد".

وكانت منظمة "مواطنون من أجل المسؤولية والأخلاق" في واشنطن قد رفعت الدعوى القضائية في كولورادو نيابة عن 4 ناخبين جمهوريين، واثنين من الناخبين المستقلين.

وتطالب الدعوى بضرورة استبعاد ترمب من الاقتراع لدوره في أعمال الشغب التي وقعت في 6 يناير بمبنى الكابيتول، وجعلته غير مؤهل بموجب (المادة 3) لتولي منصب عام مرة أخرى، ورُفعت عشرات الدعاوى في ولايات أخرى.

وأبطلت المحكمة العليا في كولورادو حكماً سابقاً أصدره قاضي المحكمة الجزئية، الذي وجد أن تصرفات ترمب في 6 يناير ترقى إلى مستوى التحريض على التمرد، لكنه قال إنه لا يمكن منعه من الترشح للاقتراع، لأنه لم يكن من الواضح أن البند كان يهدف إلى تغطية "الرئاسة" أو "منصب الرئيس".

وقال الخبير الدستوري وأستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة لويولا في لوس أنجلوس جوستين ليفيت إن المحكمة العليا في كولورادو وافقت على مراجعة حكم المحكمة الجزئية، التي عقدت مرافعاتها قبل أسابيع، وبحث القضاة ما إذا كان من الممكن اعتبار أحداث 6 يناير "تمرداً"، وما إذا كان ترمب قد شارك فيه، مع الأخذ في الاعتبار ما إذا كان الرئيس السابق يُعد "موظفاً في الولايات المتحدة" بموجب (المادة 3) من الدستور، "ولم توافق المحكمة العليا على الحكم السابق وأبطلته".

وأشار ليفيت في حديثه مع "الشرق" إلى الإجراءات القانونية المتبعة بعد صدور حكم كولورادو، قائلاً إنه من المؤكد على مدى الأسبوعين المقبلين، أن محاميي ترمب سيقدمون طلباً لمراجعة الحكم في المحكمة العليا للولايات المتحدة، مضيفاً: "وعندما يفعلون ذلك، وفقاً لشروط قرار كولورادو، سيُوقَف قرارها مؤقتاً، ويبقى الرئيس السابق على بطاقة الاقتراع التمهيدي أثناء استمرار القضية".

ونوه ليفيت بأن "هذه القضية القانونية بالذات تتعلق بالانتخابات التمهيدية، وبمجرد أن يكون ترمب في الاقتراع الأولي، فهذا يعني على الأرجح أن القضية ستُحدد على أنها موضع نقاش، وأن الأوان قد فات لمنح انتصاف فعال، وإما أن تُرفع قضية جديدة أو سيتم تعديل الحالية للحصول على فرصة للانتخابات العامة، وبالتالي سيتم الإجابة عن الأسئلة نفسها، وتجهيزها لمراجعة المحكمة العليا الأميركية في غضون بضعة أشهر".

من جهته، قال الباحث السياسي ومنسق العلاقات الإعلامية في مركز السياسة بجامعة فيرجينيا جي مايلز كولمان إنه في حال ظل الحكم قائماً، فسوف يتطلب الأمر من سكرتير عام ولاية كولورادو، وهو المسؤول الذي يشرف على إدارة الانتخابات في الولاية، شطب اسم ترمب من الاقتراع التمهيدي للحزب الجمهوري.

وأوضح كولمان في تصريحات لـ"الشرق" أنه في حال تأكيد الحكم بعد الاستئناف، وحتى إذا فاز ترمب بترشيح الحزب الجمهوري، فلن يظهر اسمه على بطاقة الاقتراع العامة أيضاً، لكنه استبعد أن تؤيد المحكمة العليا حكم محكمة كولورادو.

وتابع بقوله: "بالمقارنة مع محكمة كولورادو، التي تتكون من قضاة يعيّنهم حكام ديمقراطيون، فإن عدد القضاة المعيّنين من قِبَل الجمهوريين يفوق عدد نظرائهم الديمقراطيين بنسبة 6 إلى 3 في المحكمة العليا الأميركية".

وأشار إلى أنه "لذلك من المحتمل أن تصدر المحكمة العليا حكماً أكثر ملاءمة لصالح ترمب. ومع ذلك، إذا لم تتدخل هذه المحكمة، فمن المرجح أن يظل حكم كولورادو قائماً".

"ترمب لا يحتاج كولورادو"

وسبق أن خسر ترمب ولاية كولورادو، ذات الميول الديمقراطية في انتخابات 2020. وربما لا يحتاج إليها للفوز في انتخابات 2024، لكن الخطر الحقيقي يتعلق بالقضايا المماثلة في الولايات الأخرى، إذ رُفِعت عشرات الدعاوى القضائية لاستبعاد ترمب بموجب (المادة 3) من التعديل الرابع عشر في الدستور.

وجاء قرار كولورادو في وقت رُفِضت فيه العديد من الدعاوى القضائية السابقة، وتم تعليق التقاضي في 13 ولاية أخرى مع استئناف الطعون في ولايتين متأرجحتين حاسمتين هما ميشيجان، وأريزونا.

من جانبه، أرجع مدير مركز المسح التابع للأمم المتحدة وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمم المتحدة أندرو سميث، القرار برمته وما يترتب عليه إلى ما تقرره المحكمة العليا الأميركية، بدءاً من النظر في القضية من عدمه، وما إذا كانت ستحكم على أسس إجرائية خاصة ومحددة، أو تفصل على أساس دستوري فيما إذا كان من الممكن استبعاد ترمب من الاقتراع بموجب التعديل الرابع عشر، أم أنه لا ينطبق عليه.

وأشار سميث في تصريحات لـ"الشرق" إلى أنه "تاريخياً، لم تتدخل المحكمة العليا كثيراً في قانون انتخابات الولاية، ولكن نظراً لأن هذا يتعلق بتفسير للدستور، فمن المحتمل أن يتم الاستماع إليه بسرعة. ويبدو لي أنهم سيلغون قرار كولورادو، ويصدرون قراراً يعتبر أن هذه قضية سياسية يجب على الناخبين أن يقرروها. وسيكون للقرار تأثير ضئيل على انتخابات ولاية أيوا والانتخابات التمهيدية في نيو هامبشاير".

ورغم الحكم النادر الذي أثار ضجة على مستوى الولايات، فإن الباحثة السياسية ومستطلعة الآراء الانتخابية مادلين كونواي، اعتبرت تأثيره على الرئيس السابق داخل ولاية كولورادو محدوداً.

ولفتت كونواي إلى أن كولورادو لا تُعد ولاية تنافسية، ولا يحتاج ترمب إلى الفوز فيها. وأضافت في حديثها مع "الشرق" أن "هذه ولاية ديمقراطية زرقاء منذ عشرات السنين، وكانت محسومة لصالح بايدن في انتخابات 2020، وصوتت لشخص جمهوري آخر مرة في عام 2004، ولن تؤثر مع ترمب في شيء".

وقالت: "لكن الحكم يشير إلى المزيد من الفوضى المحيطة بترمب وانتخابات عام 2024، كما أنه يبرز المزيد من الانقسامات، إذ يلتف الجمهوريون حوله، بينما يقول الديمقراطيون إن هذا قرار مبرر".

ورجّحت كونواي أن ينتهي الحكم في المحكمة العليا الأميركية، مبينة أن "التوقعات تشير إلى أن الحكم سيُلغى أو يؤجل، لكن مجرد وصوله إلى أعلى محكمة في البلاد له تداعيات. مرة أخرى يتسبب ترمب في إحداث لغط بين القانون والسياسة، ويشحن الجمهوريين، ويشكك في النظام القضائي، وهذا أمر خطير".

ولفت الباحث السياسي مايلز كولمان إلى رفع دعاوى قضائية مماثلة ضد ترمب في 16 ولاية أخرى، قائلاً إن "الإجراء الذي ستتخذه المحكمة العليا الأميركية، خلال الشهر القادم، سيكون أمراً فارقاً هنا".

وأردف بقوله: "إذا لم تتخذ المحكمة العليا الأميركية أي إجراء، أو انحازت بشكل غير محتمل ضد ترمب، سيزيد ذلك من التحديات التي يواجهها ترمب في الولايات الأخرى. وفي هذه الأثناء، سيصور نفسه كشهيد يتحرك نيابة عن الشخص العادي. ببساطة، إنه يحاول أن يقول انظروا إلى الديمقراطيين! إنهم يلاحقونني لأنهم يخافون مني، وهذا من شأنه أن يعزز فرصه القوية بالفعل في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري".

تداعيات سياسية وتأثيرات انتخابية

وفور صدور حكم كولورادو، اتهم ترمب عبر منصته "سوشال تروث"، الرئيس الأميركي جو بايدن بالوقوف وراء هذا القرار، معتبراً أنه "يهدف إلى تلطيخ سمعته وإدخاله السجن، لمنعه من خوض الانتخابات المقبلة".

ووصف المتحدث باسم حملته ستيفن تشيونج، القرار بأنه "معيب تماماً". وقال في بيان إن الحملة ستستأنفه أمام المحكمة العليا الأميركية.

ويتصدر ترمب، الذي يواجه 91 تهمة جنائية في 4 لوائح اتهام، قائمة المرشحين الذين يتنافسون على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة في استطلاعات الرأي المختلفة.

ومع ذلك، أدان المنافسون الجمهوريون حكم محكمة كولورادو، واحتشدوا مع الجمهوريين خلفه، وذهب حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، الذي يليه في استطلاعات الرأي بفارق كبير يصل إلى أكثر من 40 نقطة، إلى اتهام قضاة كولورادو بـ"إساءة استخدام السلطة القضائية".

كما حث رجل الأعمال من أصول هندية فيفيك راماسوامي، الذي يتذيل قائمة المرشحين الجمهوريين، المنافسين الثلاثة الآخرين على الانسحاب من الاقتراع التمهيدي في ولاية كولورادو، كنوع من الدعم للرئيس السابق. 

وقال سميث إن "الحكم قد يغذي رواية ترمب بأن الدولة العميقة تحاول منعه من الترشح لمنصب الرئاسة، وبالتالي منعه من تمثيل أنصاره".

وأضاف سميث أن "التداعيات السياسية المترتبة على ترشيح الحزب الجمهوري تتمثل في زيادة استقطاب الناخبين الجمهوريين بين مؤيدي ترمب ومعارضيه"، لافتاً إلى أنه لا يعتقد "أن قرار كولورادو في حد ذاته سيكون له تأثير كبير على الانتخابات العامة، إذ كان من المرجح أن يخسر ترمب الولاية على أية حال. ولكن مرة أخرى، كل هذا يتوقف على قرار المحكمة العليا الأميركية".

واتفق كولمان مع سميث في أن الحكم في حد ذاته لن يُحدث تأثيراً في كولورادو "فقد خسرها ترمب بفارق 5 نقاط في عام 2016، ونحو 15 نقطة في عام 2020، وليس لدي أدنى شك في أنه سيخسر هناك مرة أخرى في عام 2024".

ولفت كولمان إلى أنه "إذا بدأت الولايات التنافسية في استبعاده بطريقة مماثلة، مثل أريزونا وميشيجان ونيفادا، وجميعها لديها دعاوى قضائية مماثلة في المحاكم، فسوف يواجه ترمب بعض العقبات الخطيرة في المجمع الانتخابي. ولأن الانتخابات في أميركا تُدار من قِبَل الولايات الفردية، وليس الحكومة الفيدرالية،  فإن حكم محكمة كولورادو في حد ذاته، لا يمنع ترمب من الترشح في ولايات أخرى".

فيما رأت كونواي أن التأثير الفوري للحكم يتمثل في جعل الجمهوريين أكثر عرضة للالتفاف حول ترمب إذا رأوا أنه يتعرض للهجوم "مما يجعل الأمر أكثر صعوبة على منافسة مثل نيكي هيلي لإحراز تقدم في محاولة التفوق على ترمب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، ويزيد فرصه في الفوز بترشيح الحزب في نهاية المطاف".

تصنيفات

قصص قد تهمك