في زقاق تناثرت فيه الأنقاض بالقرب من مخيم جباليا للاجئين شمال غزة، يقول الجنود الإسرائيليون إنهم وجدوا أنفسهم يُستدرجون إلى "فخ مميت أقرب للخيال".
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان، الأسبوع الماضي: "حاول الكمين استخدام دمى على شكل أطفال وحقائب أطفال وتشغيل أصوات بكاء عبر مكبرات الصوت. تم وضع ذلك عمداً بالقرب من فتحة نفق متصل بشبكة أنفاق كبيرة".
ونشر الجيش الإسرائيلي صوراً لدميتين مفخختين على شكل طفلين ملفوفتين بملابس أطفال، وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست".
وفي الأيام الماضية، أفاد الجيش الإسرائيلي بأن جنوده كانوا يسمعون تسجيلات للبكاء وأشخاص يتحدثون العبرية، في محاولات، كما يعتقد القادة، لخداع الجنود الإسرائيليين للبحث عن رهائن في مكان قريب. ولم ينشر الجيش الإسرائيلي هذه التسجيلات.
ويزعم بعض المحللين إلى أن الحذر من مثل هذه الفخاخ ربما كان عاملاً في قتل الجيش الإسرائيلي عن طريق الخطأ لثلاث رهائن إسرائيليين في غزة الأسبوع الماضي، وأن القوات كانت خائفة وسريعة جداً في إطلاق النار.
ومع احتدام الصراع، تشن القوات الإسرائيلية ومقاتلو "حماس" على الأرض حرباً في ساحة معركة تزداد تعقيداً.. ساحة تنشر فيها إسرائيل طائرات مسيرة وروبوتات من القرن الـ21، بينما تعتمد "حماس" على بعض أقدم التكتيكات وهي "الخداع والمفاجأة والكمائن".
ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يقاتل فوق الأرض وتحتها في حربه بغزة، مشيراً إلى أن مقاتلي "حماس" يتنقلون من مبنى إلى مبنى بملابس مدنية، ويحاولون استدراج الجنود الإسرائيليين إلى الكمائن والشراك الخداعية.
ويقول محللون إسرائيليون إن الجيش الإسرائيلي يكافح من أجل تحقيق هدفين متعارضين هما العثور على مقاتلي "حماس" وقتلهم، بينما يحاول أيضاً إنقاذ رهائن إسرائيليين وأجانب.
ولم يكن بوسع الرهائن الإسرائيليين الثلاثة أن يفعلوا أكثر مما قاموا به للإشارة إلى أنهم لا يشكلون تهديداً، فكانوا بلا قمصان، وحملوا راية بيضاء. وفي الجوار كانت هناك لافتة بدائية كُتب عليها SOS، وهي إشارة الاستغاثة المعترف بها دولياً، وفي الأسفل، كتبوا باللغة العبرية: "نطلب المساعدة! 3 رهائن".
ويشير تحقيق أولي للجيش الإسرائيلي، إلى أن الرسالة كتبها الرهائن. ولم يشرح المسؤولون الإسرائيليون سبب تجاهلها.
ويقول نشطاء حقوقيون، إن مقتل الرهائن يظهر أن بعض جنود الجيش الإسرائيلي على الأقل يتسرعون في إطلاق النار. حتى أن والد أحد الأسرى القتلى تساءل بحزن لماذا لم يجرح الجنود ابنه في ساقه.
وقال الجيش الإسرائيلي، إن الجنود خالفوا قواعد الاشتباك. واعتذر كبار القادة العسكريين. وظهرت أدلة هذا الأسبوع على أن جندياً إسرائيلياً يحمل كاميرا "جوبرو" عالية الوضوح قد سجل أصوات الأسرى الثلاثة. ولا يزال التحقيق مستمراً.
ويقول المنتقدون إن الحادث لم يكن ليتم التحقيق فيه، أو حتى نشره لو كان الثلاثة فلسطينيين.
خدع وتكتيكات
وقال كوبي مايكل، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، إن الخداع "يهدف إلى إغراء الجيش بدخول المناطق التي أعدتها حماس مسبقاً كمناطق قتل"، ويهدف أيضاً إلى "خلق الارتباك والفوضى والغضب والإحباط".
وقال إن تسجيلات "حماس" لأشخاص يتحدثون العبرية قد تصبح أقل فعالية بمرور الوقت، لكنها تظل تحدياً أو استفزازاً. وأضاف: "يبدو الأمر كما لو أنهم يقولون.. أنظر، أنتم قوة جبارة، لكننا نواصل السخرية منكم".
وأوضح أن الجنود الإسرائيليين الذين يواجهون قتالاً مكثفاً وقريباً ربما يكونون "مرهقين وخائفين بالفعل، وتجعلهم خلفية جميع عمليات الخداع من قبل (حماس) أكثر عرضة للوقوع على حين غرة".
وقال الجيش الإسرائيلي، الأربعاء، إنه اكتشف حوالي 1500 فتحة أنفاق وطريق أنفاق في غزة منذ أن شنت إسرائيل غزوها البري في أواخر أكتوبر.
وتتباهى "حماس" باستخدامها للأنفاق والكمائن. ويشدد المقاتلون على أنهم القوة الأصغر التي تقاتل من أجل وطنها ضد احتلال أحد أفضل الجيوش تجهيزاً على وجه الأرض.
وتعلن كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، يومياً، عبر إيجازات صحفية على قناتها على تطبيق تليجرام، عن استهداف القوات الإسرائيلية في مختلف أنحاء قطاع غزة، وتفخر باستخدامها للصواريخ المضادة للدبابات والقذائف الصاروخية، خاصة تلك التي تستهدف الدبابات الإسرائيلية، ولكنها غالباً ما تستهدف الجنود أيضاً، وتنشر أيضاً مقاطع فيديو للهجمات.
وجاء في أحد بيانات "القسام"، أن مقاتليها "تمكنوا من تفخيخ عين نفق شرق مدينة خانيونس، وما إن تقدمت قوة من جيش الاحتلال إلى عين النفق، حتى تم تفجيره بالجنود، وقتل وجرح عناصر القوة".
ولا تكشف بيانات "القسام" عن الخدع المستخدمة. ولا تشير إلى الدمى المفخخة أو التسجيلات باللغة العبرية. ورفض قياديون في "حماس" مشاركة التفاصيل مع صحيفة "واشنطن بوست" قائلين "هذه معلومات عسكرية لا يمكن للقسام الكشف عنها".
وقال ضابط برتبة مقدم في وحدة استطلاع تابعة للجيش الإسرائيلي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بموجب القواعد التي وضعها الجيش الإسرائيلي، إن وحدته أرسلت مؤخراً للتحقيق في مبنى في وسط غزة حيث قال إن بعض الجنود سمعوا "تسجيلات للبكاء" لكنهم لم يتمكنوا من العثور على المصدر.
ودمر الجيش الإسرائيلي المبنى. وقال الضابط إنه "في هذه البيئة كل شيء وكل شخص مشبوه".
وذكر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، للصحافيين هذا الأسبوع في تل أبيب، أن الأحياء القريبة من غزة والكثافة السكانية تجعل "من الصعب جداً القيام بأي عملية عسكرية".
فشل أخلاقي
وأضاف أوستن في مؤتمر صحافي مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت "علاوة على ذلك، تستخدم حماس) المدنيين بشكل روتيني كدروع. وبجانب ذلك، يضعون مقراتهم ومواقعهم اللوجستية بالقرب من المواقع المحمية والمستشفيات والمساجد والكنائس، سمها ما شئت. وهكذا، فإن هذا يضيف إلى التعقيد".
وأوضح أوستن، أن هذه الظروف تتطلب "قوة محترفة للغاية، ويجب أن تتعلم هذه القوة كل خطوة على الطريق".
وأعرب رون بن يشاي، كبير معلقي الأمن القومي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، عن اعتقاده بأن إطلاق النار على الرهائن الثلاثة لم يكن نتيجة استدراج "حماس"، "بل فشل أخلاقي من قبل الجيش الإسرائيلي".
وأضاف أن "إطلاق النار على الرهائن الثلاثة تم على عجل. ولا علاقة له بتكتيكات حماس".
وقال: "لقد تخلوا ببساطة عن قيم الجيش الإسرائيلي. في رأيي، ليس المقاتلين كلهم يتصرفون بهذه الطريقة. بل على العكس تماماً. معظمهم حذرون للغاية".
وعندما دخل بن يشاي غزة مؤخراً مع الجيش الإسرائيلي، على حد قوله، "رأى داخل غرفة الأطفال في أحد المنازل، بين البطانيات، عبوة ناسفة كبيرة".
وقال: "كانت القنابل معلقة في أكياس رمل على الجدران لتنفجر على مستوى رؤوس الجنود".
وأضاف: "مع أصوات بكاء الأطفال وكل هذه الحيل، الهدف هو استدراج قوات الجيش الإسرائيلي إلى الفخاخ. يضعون الطعم لجلب القوات إلى المنطقة حيث يتم وضع المتفجرات في دائرة وتوصيلها ببعضها البعض. وقد حدث ذلك. لقد تمكنوا من ضرب الجنود بهذه الطريقة".
وقال نتانئيل فلامر، الباحث البارز في دراسات الشرق الأوسط في جامعة بار إيلان، والذي سينشر قريباً كتاباً عن الأساليب القتالية لحركة "حماس"، إن "استخدام حماس لتكتيكات الخداع والاستدراج ليس جديداً".
وذكر أن "حماس" تستغل تعقيد القتال في المدن "بهدف إلحاق الأذى بالمدنيين الأبرياء، مما يؤدي إلى تآكل الشرعية الدولية لإسرائيل وتجريم الذات، أو الإضرار بالمجتمع الإسرائيلي من خلال خلق انقسام داخلي والتشكيك في مبررات العملية العسكرية".