استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار في الكرملين، حيث سلط الضوء على مساعي روسيا لتعزيز تعاونها الاقتصادي مع الهند.
ومنذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، اتخذت الهند موقفاً محايداً، وحافظت على علاقاتها طويلة الأمد مع روسيا، رغم جهود دول غربية لإيقاف هذا التعاون، وسط العقوبات التي فرضتها على موسكو بعد غزو أوكرانيا.
وقال وزير الخارجية الهندي جايشانكار بعد لقاء نظيره الروسي سيرجي لافروف، إن محادثاته في موسكو تشمل "بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب".
وأضاف جايشانكار: "سوف نركز على التعاون الثنائي في مختلف المجالات، ونعمل على تكييفه وفق الظروف والمتطلبات المتغيرة". وتابع: "سنناقش الوضع الاستراتيجي الدولي والصراعات والتوترات حيثما كانت".
من جهته، قال لافروف إن علاقة بلاده مع الهند "تتجاوز العلاقات الثنائية". وأضاف في تصريحات متلفزة قبل الاجتماع إن البلدين مهتمان بـ"بناء نظام سياسي واقتصادي دولي يكون منفتحاً وعادلاً للجميع".
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها إدارة بايدن للتضييق على أي دعم لروسيا، إلا أن المسؤولين الأميركيين تجنبوا الانتقاد الصريح للهند وفق صحيفة "نيويورك تايمز". وبدلاً من ذلك، رحبوا برئيس الوزراء ناريندرا مودي في عشاء رسمي خلال الصيف في البيت الأبيض.
التعاون الاقتصادي بين روسيا والهند
ازداد التعاون الاقتصادي بين موسكو ونيودلهي خلال العام الحالي، إذ أعلنت الجمارك الهندية أن التبادل التجاري مع روسيا تضاعف خلال الأشهر العشرة الأولى حيث وصل إلى 54.7 مليار دولار، لتحتل بذلك روسيا المرتبة الرابعة بين أكبر شركاء الهند التجاريين، بينما حافظت الولايات المتحدة على الصدارة من خلال تبادل تجاري بقيمة 99.9 مليار دولار، والصين ثانياً بـ 95.8 مليار دولار.
وفي حديث لـ"الشرق"، قالت أبراجيتا باندي، أستاذة الدراسات الاستراتيجية بجامعة أميتي في نيودلهي، إن روسيا "تُمثل مصدراً رائعاً للهند بالنسبة للنفط الخام، فهو رخيص الثمن، وهي دولة يعول عليها، وبالتالي عندما نمضي قدماً في المستقبل نتعاون معها في سلاسل التوريد".
ومع فرض العقوبات الغربية، وسعت الهند مشترياتها من النفط الروسي، لتصبح واحدة من المشترين الرئيسيين للنفط الروسي بأسعار مخفضة.
وقال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، الأربعاء، إن معظم صادرات النفط الروسية هذا العام تم شحنها إلى الصين والهند، بعد أن وجهت موسكو إمداداتها بعيداً عن أوروبا رداً على العقوبات الاقتصادية.
وأضافت أبراجيتا باندي لـ"الشرق"، أن "الهند تلعب دوراً مهماً في صادرات النفط الروسية وإعادة تصديرها إلى أوروبا، فالعالم حالياً لم يتحول إلى الطاقة المتجددة بشكل كامل، ولا زلنا نعتمد على الوقود الأحفوري في المنظومة الاقتصادية".
وأشارت باندي إلى أن الشراكة بين الهند وروسيا والصين ستزداد مستقبلاً، مستبعدة أن يؤثر ذلك على علاقات الهند مع الدول الأخرى.
التعاون في المجال النووي
وفي وقت سابق، الثلاثاء، أعلنت نيودلهي أنها وقعت اتفاقات مع موسكو لبناء وحدات في المستقبل ضمن مشروع "كودانكولام" للطاقة النووية في ولاية تاميل نادو جنوبي البلاد.
ورأت الأكاديمية الهندية أبراجيتا باندي أنه "لا يوجد ما يمنع التعاون بين الهند وروسيا في الجانب النووي الذي يُمثّل مصدراً جيداً للطاقة، ولا يُلوث البيئة كالنفط الخام".
وأضافت أن "الهند لديها القدرة على استغلال الطاقة النووية والاستفادة من المعرفة الروسية في هذا المجال، فضلاً عن الترسانة الكبيرة من الأسلحة النووية التي تنتجها روسيا والهند بشكل مشترك".
وكان وزير الخارجية الهندي جايشانكار قال خلال اجتماع مع الجالية الهندية في موسكو: "وقعنا اليوم بحضور نائب رئيس الوزراء الروسي دينيس مانتوروف، بعض الاتفاقات المهمة تتعلق ببناء وحدات في المستقبل، في مشروع كودانكولام النووي".
وقالت أبراجيتا: "نحن دولة نامية نسير نحو النمو الاقتصادي، ولإنجاز ذلك لا بد أن نحصل على مصادر للطاقة رخيصة الثمن".
"نهج مسؤول" للهند
وبعد لقائه جايشانكار لأكثر من ساعة، أشاد لافروف بـ"النهج المسؤول" الذي تتبعه الهند تجاه القضايا العالمية، والذي اعتبر أنه يمتد إلى موقفها بشأن أوكرانيا.
وأضاف الوزيران خلال المؤتمر الصحافي المشترك، أنهما بحثا الحرب في أوكرانيا، لكنهما لم يذكرا أي تفاصيل عن ذلك، فيما أشار لافروف إلى أنها كانت "واحدة من عدة قضايا"، بما في ذلك "إنتاج الأسلحة والتعاون في مجال الطاقة النووية".
وتعتمد نيودلهي بشكل كبير على روسيا في الجزء الأكبر من وارداتها من الأسلحة، وقد ساعدت موسكو الهند على بناء قدرات نووية وفضائية.
ووصف جايشانكار العلاقة الوثيقة بين البلدين بأنها واحدة من "الثوابت القليلة في عالم سريع التغير".
ويُنظر إلى كتاب وزير الخارجية الهندي جايشانكار "مسار الهند"، الذي يتحدث عن كيفية رسم نيودلهي لمسارها الدبلوماسي متعدد الأطراف، على أنه نظرة نهائية للسياسة الخارجية للبلاد في عهد مودي.
وبشأن الضغوط الغربية على الهند لاتخاذ مواقف أكثر حزماً تجاه صراعات على غرار الحرب في أوكرانيا، قالت أبراجيتا لـ"الشرق" إن نيودلهي "دائماً ما تحافظ على سياسة عدم الانحياز، أي تنظر إلى مصالحها الوطنية، ونعتبرها الهدف الأهم، ولذلك تتعامل بشكل متوازن مع الشرق والغرب، وفي الوقت نفسه لا تحاول خلق عداوات مع أي دولة".
بدوره، يرى قسطنطين بلوخين، الخبير في مركز الدراسات الأمنية بأكاديمية العلوم الروسية، أنه في ظل الهامش المحدود للمناورة بالنسبة لروسيا، كان الانفتاح بشكل أكبر على التعاون مع الاقتصادات النامية كالهند والصين "مخرجاً من العقوبات والضغوط الغربية"، وبالتالي "زيادة صادراتها من النفط والغاز".
وقال في تصريح لـ"الشرق"، إن "لدى روسيا والهند علاقات صداقة وتفاهم قديمة، سواء خلال فترة الاتحاد السوفيتي أو المراحل اللاحقة، وكذلك في إطار الصناعات العسكرية ومجموعة بريكس، حيث لا مفر من هذا التعاون بين البلدين".
أما في ما يتعلق بمساعي واشنطن فرض تحالفات على الهند، اعتبر بلوخين أن "الهند دولة ذات سيادة، ولا يمكن أن تصبح أداة للسياسة الخارجية الأميركية، وهي وحدها من يحدد توجهاتها وتحالفاتها الاقتصادية والدفاعية".