بعدما طلبت جنوب إفريقيا، من محكمة العدل الدولية إصدار أمر عاجل تُعلن فيه أن إسرائيل تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية منع "الإبادة الجماعية" في حربها المستمرة على قطاع غزة، تردد اسم المحكمة التي تعد الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة مجدداً، خاصة فيما يتعلق بآليات عملها ومهامها وقراراتها.
وتتولى المحكمة الفصل، طبقاً لأحكام القانون الدولي، في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
واكتسبت المحكمة على مدار سنوات وزناً على الصعيد الدولي، وأُعطى لقراراتها، التي قد لا تملك بالضرورة السلطة التنفيذية لتطبيقها، ثقلاً سياسياً ودبلوماسياً قد يضع الدول المخالفة في "حرج".
متى تأسست محكمة العدل الدولية؟
تأسست المحكمة بموجب ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، وباشرت مهامها في عام 1946، وتُعد الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، وتؤدي وظائفها وفقاً لأحكام النظام الأساسي للمنظمة.
ما اختصاصات محكمة العدل الدولية؟
تتعامل المحكمة بشكل كبير مع المنازعات على الأراضي والحدود، ويتصل جزء كبير منها بالمنازعات البحرية وبمسائل تتعلق بقانون البحار، وتتصل مجموعة أخرى من القضايا بموضوع ولاية الدولة والقانون الدبلوماسي والقنصلي.
وتناولت بعض القضايا ادعاءات بالاستخدام غير المشروع للقوة، كما يُطلب من المحكمة النظر في مطالب ذات طابع تجاري أو ذات صلة بمصالح خاصة تدافع عنها دولة ضد أخرى.
كم عدد القضاة؟
تتألف هيئة المحكمة من 15 قاضياً "مستقلاً"، ولا تشمل أكثر من قاض من الجنسية نفسها.
كيف يتم اختيار القضاة؟
يتم انتخاب قضاة محكمة العدل الدولية من جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، لولاية مدتها 9 أعوام. وتجري الانتخابات كل 3 سنوات لثلث المقاعد، ويجوز إعادة انتخاب الأعضاء المنتهية مدتهم.
وحال حصول أكثر من قاض من دولة واحدة على الأغلبية المطلقة لأصوات الجمعية العامة ومجلس الأمن، يُعتبر أكبرهم سناً فقط منتخباً. ولا يجوز لأي عضو في المحكمة ممارسة أي وظيفة سياسية أو إدارية، أو الانخراط في أي مهنة أخرى ذات طبيعة مهنية.
هل يجوز عزل أحد القضاة؟
لا يجوز عزل أي عضو من أعضاء هيئة المحكمة ما لم يكن بإجماع آراء الأعضاء الآخرين، أو أنه توقف عن الوفاء بالشروط المطلوبة.
أين يقع مقر محكمة العدل الدولية؟
تتخذ محكمة العدل الدولية من مدينة لاهاي في هولندا مقراً لها، ومع ذلك، فإن هذا لا يمنعها من الانعقاد وممارسة وظائفها في مكان آخر متى رأت ذلك ضرورياً.
وتظل المحكمة منعقدة بصفة دائمة، عدا أيام الإجازات القضائية التي تُحدد مواعيدها ومدتها من قِبَل المحكمة.
كيف تعمل المحكمة؟
تملك الدول بشكل حصري الحق في أن تكون طرفاً في الدعاوى، أي أنه لا يمكن للأفراد أو الشركات الاستعانة بخدماتها. ويمكن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة التقاضي في المحكمة، كما يمكن للدول من خارج المنظمة فعل ذلك عبر "إجراء خاص"، على أن تتحمل قدراً من نفقات المحاكمة.
وتشمل ولاية المحكمة جميع القضايا التي تُعرض عليها، إلى جانب جميع المسائل المنصوص عليها بصفة خاصة في ميثاق الأمم المتحدة أو المعاهدات والاتفاقات المعمول بها.
وتُطبق المحكمة، التي تتمثل مهمتها في الفصل في النزاعات المعروضة عليها: "الاتفاقيات الدولية العامة والخاصة، التي تحدد القواعد المعترف بها من الدول المتنازعة، والأعراف الدولية، كدليل على ممارسة عامة مقبولة كقانون، والمبادئ العامة للقانون المعترف به من قِبَل الدول المتحضرة، مع مراعاة أحكام المادة 59 والقرارات القضائية ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام من مختلف الدول، وتشكل هذه المبادئ وسائل فرعية لتقرير أحكام القانون".
ويتفق الطرفان المتنازعان قبل بداية المحاكمة على واحدة من اللغتين الرسميتين للمحكمة، الفرنسية أو الإنجليزية، ويصدر الحكم باللغة نفسها. وفي حال عدم حدوث توافق، يجوز للطرفين استعمال أي من هاتين اللغتين، ويصدر الحكم بكلتيهما، وتحدد المحكمة عند الحكم النهائي، أي النَّصين هو النص الرسمي.
وتنقسم الإجراءات خلال جلسات المحاكمة إلى قسم شفوي وآخر كتابي، وتشمل الإجراءات الكتابية ما يُقدم للمحكمة والمتقاضين من مذكرات وإجابات وردود والأوراق والمستندات التي تؤيدها، وتُقدم عبر المسجل، الذي يسلم الطرف الآخر نسخة عنها مُصدق عليها بمطابقتها الأصل.
وتشمل الإجراءات الشفوية استماع المحكمة للشهود ولأقوال الخبراء والمستشارين والمحامين. وتكون جميع الجلسات علنية، ما لم تقرر المحكمة خلاف ذلك، أو طلب المتقاضون عدم حضور جمهور فيها.
كيف تصدر المحكمة أحكامها؟
لمساعدتها على الخروج بالقرار، يمكن للمحكمة أن تطلب من فرد أو جماعة أو مكتب أو لجنة أو أي هيئة أخرى تختارها، إجراء تحقيق في مسألة ما، أو إبداء رأيهم بصفتهم خبراء أو فنيين.
وفيما يخص الأدلة، يتم تقديمها مع احترام الترتيبات التي تضعها المحكمة، وبعد تلقيها في المواعيد التي حددتها، لها أن ترفض ما قد يريد أحد الأطراف تقديمه، إلا إذا قَبِل ذلك الطرف الآخر في القضية.
ويُتخذ قرار المحكمة برأي الأغلبية من القضاة الحاضرين، وفي حالة تساوي الأصوات، يرجح جانب الرئيس أو القاضي الذي يقوم مقامه. ويشترط في نص الحكم أن يوضح الأسباب التي بُني عليها، وأن يتضمن أسماء القضاة الذين شاركوا فيه.
هل يمكن الاستئناف على قرارات محكمة العدل الدولية؟
تُعتبر أحكام محكمة العدل الدولية، نهائية وغير قابلة للاستئناف، وفي حال لم يصدر الحكم كله أو بعضه بإجماع القضاة، يحق لكل قاض أن يصدر بياناً مستقلاً برأيه الخاص.
وبموجب المادة 94 من الفصل 14 من ميثاق الأمم المتحدة، يتعهد أعضاء المنظمة بتنزيل أحكام محكمة العدل في أي قضية يكون طرفاً فيها.
وحال امتناع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم أصدرته المحكمة، يحق للطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، الذي يمكن أن يقدم توصياته أو أن يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ الحكم.
ما أول قضية تعاملت معها محكمة العدل الدولية؟
كانت أول قضية تعاملت معها المحكمة تتعلق بالأضرار التي تسببت فيها الألغام في قناة "كورفو" عام 1946، للسفن الحربية البريطانية أثناء عبورها المياه الإقليمية الألبانية، وكان الموضوع مرتبطاً بقانون البحار ومسؤولية الدول.
وفي حكمها في هذه القضية، أعلنت المحكمة أن الألغام لا يمكن أن تكون قد وضعت دون علم ألبانيا، وأن تيرانا مسؤولة عن الأمر، وبالتالي يجب عليها دفع التعويضات.
ماذا فعلت المحكمة في قضية جدار العزل العنصري بالضفة الغربية؟
في 9 يوليو 2004، تلقى الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي عنان رأي محكمة العدل الاستشاري في موضوع التبعات القانونية لبناء إسرائيل الجدار الفاصل عن الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقررت المحكمة حينها، بأغلبية 14 صوتاً، مقابل صوت معارض للقاضي الأميركي توماس بورجنتال أن "الجدار مخالف للقانون الدولي"، وطالبت تل أبيب بإزالته من كل الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية وضواحيها، مع تعويض المتضررين من بناء الجدار.
كما طالبت المحكمة دول العالم بـ"عدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناجم عن بناء الجدار"، ودعت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي إلى "النظر في أي إجراءات أخرى لإنهاء الوضع غير القانوني للجدار".
ماذا قررت المحكمة بشأن اتهام صربيا بالإبادة الجماعية في البوسنة؟
في 26 فبراير 2007، برأت محكمة العدل الدولية صربيا من تهمة الإبادة الجماعية في البوسنة والهرسك أثناء حرب البلقان (1992-1995)، إلّا أن المحكمة قالت إن بلجراد مذنبة بأنها فشلت في منع الإبادة الجماعية في سربرينتشا التي راح ضحيتها أكثر من 7 آلاف بوسني.
ورفضت المحكمة طلب البوسنة بدفع صربيا تعويضات بمليارات الدولارات. وطالب الحكم صربيا بتسليم راتكو ميلاديتش وغيره من المتهمين بارتكاب جرائم إبادة جماعية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة.
وقالت المحكمة في بيان إن "المذابح التي تعرض لها مسلمو البوسنة في مدينة سربرينتشا، تُمثل إبادة جماعية، إلا أنها لا تستطيع التأكيد على مسؤولية صربيا عنها"، وأودت الحرب التي اندلعت بعد تفكك يوغوسلافيا، بحياة أكثر من 100 ألف شخص.
هل تعاملت المحكمة في قضايا تخص إيران وأميركا؟
في 3 أكتوبر 2018، قضت محكمة العدل بالإجماع بأن تزيل الولايات المتحدة، بالسبل التي تختارها، أي عوائق أمام التصدير الحر للاحتياجات الإنسانية إلى إيران نتيجة لانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.
وكانت إيران قد رفعت دعوى قضائية في أواخر أغسطس 2018، زعمت فيها أن واشنطن انتهكت "معاهدة الصداقة والعلاقات الاقتصادية والحقوق القنصلية" لعام 1955 بين البلدين، بسبب العقوبات التي فرضتها عليها.
ووجدت المحكمة أن بعض التدابير التي اشتكت منها إيران قد تتعلق بالمصالح الأمنية الأساسية للولايات المتحدة، وبالتالي قد تؤثر على الأقل على بعض الحقوق التي استشهدت بها طهران بموجب معاهدة 1955، لكن المحكمة ذكرت أن ذلك لم يشمل التدابير المتعلقة باستيراد وشراء السلع الضرورية للاحتياجات الإنسانية وسلامة الطيران المدني.
وذكر نص الحكم: "على الولايات المتحدة الأميركية، وفقاً لالتزاماتها بموجب معاهدة الصداقة والعلاقات الاقتصادية والحقوق القنصلية لعام 1955، أن تزيل، بوسائل تختارها، أي عوائق تنشأ عن التدابير المعلنة في 8 مايو 2018، بشأن التصدير الحر إلى أراضي إيران من الأدوية والأجهزة الطبية، والمواد الغذائية والسلع الزراعية، وقطع الغيار والمعدات والخدمات المرتبطة بها، بما في ذلك الضمان والصيانة وخدمات الإصلاح والتفتيش اللازمة لسلامة الطيران المدني".