اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن الرئيس الأميركي جو بايدن "ورط نفسه" في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لافتة إلى أنه خلال نصف القرن الماضي لم تختبر أي أحداث أخرى العلاقة بين واشنطن وتل أبيب على نحو مكثف، وله تداعيات بالغة الأهمية، مثل حرب غزة.
وأشارت الصحيفة الأميركية، في تقرير، إلى أن بايدن كان يستعد لمغادرة البيت الأبيض للسفر في "رحلة جريئة" إلى إسرائيل لإظهار التضامن بعد الهجوم الذي شنه مقاتلو حركة "حماس" الفلسطينية على إسرائيل في 7 أكتوبر، عندما بدا أن الرحلة تتداعى فجأة حتى قبل أن تبدأ.
وأثناء الاستعداد لزيارة تل أبيب، أفادت تقارير بأن انفجاراً بمستشفى في غزة أسفر عن سقوط وإصابة المئات، وألقى الفلسطينيون باللائمة على إسرائيل، فيما كان يرفض قادة عرب مقابلة بايدن لدى وصوله إلى المنطقة.
وقال التقرير إن "الرئيس الأميركي استدعى مستشاريه إلى غرفة المعاهدات في الطابق الثاني من مقر الأسرة في البيت الأبيض، للإجابة عن السؤال: "هل ما زال ينبغي عليه القيام بالرحلة؟".
واحتد النقاش بين مستشاري الأمن الوطني ومستشارين سياسيين. وحض بعض من كانوا في الغرفة الرئيس على إلغاء الرحلة، إذ لم يكن من الواضح ما يمكن تحقيقه، وربما لا تكون آمنة. وطرحوا تساؤلات من قبيل "ماذا لو أطلقت حماس صواريخ على مطار بن جوريون لدى اقتراب الطائرة الرئاسية Air Force One؟ أين سيهبط الرئيس حينئذ؟".
فيما قال آخرون إن الرئيس عليه القيام بهذه الرحلة على أي حال، لأنه أعلن بالفعل عن الزيارة، وأنهم لا ينبغي أن يتأرجحوا بين قرار وآخر، كما أن معلومات استخباراتية أولية أشارت إلى أن إسرائيل "ليست مسؤولة" عن انفجار المستشفى.
"تدخل بشكل مكثف"
وفي نهاية المطاف، قال الرئيس الأميركي: "يجب أن أذهب. يجب أن أرى هؤلاء الأشخاص وجهاً لوجه".
وهذا القرار، ربما سيسهم أكثر من أي قرار آخر، في "تحديد نهج بايدن إزاء ما بات أكثر أزمات السياسة الخارجية إثارة للجدل خلال رئاسته، إذ تحمّل عملياً مسؤولية الحرب بكل وحشيتها الطاغية، وأدارها بشكل شخصي وتحمل على عاتقه مخاطرة سياسية كبيرة سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها"، بحسب التقرير.
وأضاف التقرير أن قرار القيام بهذه الرحلة الرئاسية الدراماتيكية إلى إسرائيل أفسح المجال أمام "مكالمات هاتفية محبِطة، وتصريحات علنية حادة واجتماعات ماراثونية مُنهكة. وباتت العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل متوترة بشكل متزايد بعد أن تدخل بايدن بشكل مكثف في هذا الصراع أكثر من أي قضية أخرى خلال السنوات الثلاث التي قضاها في البيت الأبيض".
وتدخل الرئيس وفريقه، بحسب التقرير، مرة تلو الأخرى لإبعاد إسرائيل عما اعتبروه "إفراطاً في الانتقام" في الوقت الذي أظهرت إسرائيل تحدياً لهذا التدخل في أحرج اللحظات.
واستند التقرير، الذي يتناول العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل خلال الأسابيع الـ12 الماضية، إلى العديد من الرحلات إلى المنطقة ومقابلات مع مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، تحدثوا إلى الصحيفة بشرط عدم الكشف عن هوياتهم لمشاركة تفاصيل تتعلق بمحادثات ومداولات داخلية.
ووصفت الصحيفة تقريرها عن هذه العلاقة بأنه "قصة معقدة" ذكر خلالها مسؤولون من الجانبين "افتراضات عامة لا تتطابق في جميع الأحوال مع الواقع".
"معارضة وخلافات داخلية"
وذكر التقرير أن بايدن واجه "معارضة داخلية متزايدة" لمساندته إسرائيل، شملت العديد من برقيات المعارضة من دبلوماسيين في وزارة الخارجية الأميركية.
وفي نوفمبر، أرسل أكثر من 500 من المسؤولين السياسيين والموظفين الذين يمثلون نحو 40 وكالة حكومية خطابات إلى بايدن احتجاجاً على تدخله في الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة.
وكذلك ضغط أعضاء ديمقراطيون في الكونجرس على الرئيس الأميركي لوقف الهجوم الإسرائيلي، ووجدت الولايات المتحدة نفسها على خلاف مع دول أخرى في الأمم المتحدة.
وبلغ الخلاف ذروته مع قدوم العام الجديد، إذ أدرك بايدن وفريقه أن التحدي الذي يواجهونه لا يتمثل فقط في رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد أن أيد الإسرائيليون من جميع الأطياف العملية العسكرية، التي أسفرت وفقاً لبيانات وزارة الصحة الفلسطينية في غزة عن سقوط نحو 22 ألف فلسطيني.
ومع ذلك "لا توجد مناقشات جادة" داخل أروقة الإدارة الأميركية بشأن إجراء تغيير حقيقي في سياستها تجاه دعم إسرائيل في حربها على غزة، من قبيل "قطع إمدادات السلاح عن تل أبيب"، بحسب التقرير.
ضغوط على نتنياهو
وفي ثنايا محادثات متوترة منذ أسبوع، ضغط بايدن على نتنياهو لتقليص الحرب إلى "عملية دقيقة تعتمد على استهداف القوات الخاصة الإسرائيلية قادة حركة حماس وأنفاقها، أكثر مما تعتمد على القصف واسع النطاق".
وأرسل رئيس الوزراء الإسرائيلي أكبر مستشاريه رون ديرمر إلى واشنطن لحضور اجتماع في البيت الأبيض امتد نحو 4 ساعات في اليوم التالي للكريسماس، طمأن خلاله وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان بأن إسرائيل "ستتحول قريباً إلى مرحلة الاستهداف التي يلح بايدن في طلبها".
وأكد ديرمر أن المؤشرات الأولى لهذا التحوّل يمكن رصدها بسهولة في غضون الأسابيع المقبلة، عندما تنهي القوات الإسرائيلية عملياتها في شمال غزة، وتشرع في سحب عدد كبير من جنودها من هذه المنطقة.
ولكن مبعوث رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يقدم جدولاً زمنياً محدداً، رغم ضغوط الأميركيين لبدء هذا التحول عاجلاً وليس آجلاً.
ووفقاً للتقرير، يخطط وزير الخارجية الأميركي للعودة إلى إسرائيل في أوائل يناير ليعرف من المسؤولين الإسرائيليين قرارهم على وجه التحديد بشأن الخطوات التالية.
صفقة جديدة لتبادل الأسرى
في الوقت نفسه، يعمل فريق بايدن بهدوء للتفاوض بشأن عقد اتفاقية جديدة لتبادل الأسرى، حيث التقى مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA ويليام بيرنز مع نظيره الإسرائيلي ديفيد بارنياع، ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني في العاصمة البولندية وارسو في ديسمبر الماضي قدماً في مقترح لوقف القتال لمدة 7 أيام مقابل إطلاق سراح 35 إلى 40 محتجزاً إسرائيلياً؛ بينهم نساء ورجال مصابون بجروح بالغة، ورجال تجاوزت أعمارهم 60 عاماً.
ويبذل فريق بايدن أيضاً جهوداً أكثر هدوءاً للتفاوض عبر وسطاء من أجل التوصل إلى اتفاق مع "حزب الله" اللبناني للانسحاب من المنطقة القريبة من الحدود اللبنانية مع إسرائيل، لنزع فتيل حرب أوسع نطاقاً في المنطقة، والسماح لعشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين فروا من بيوتهم بالعودة.
كان الأسبوع الأول الذي تلى هجوم 7 أكتوبر هو "الأكثر اضطراباً وخطورة"، بحسب مستشارين للرئيس الأميركي، قالوا إن تخوّف بايدن الأساسي كان من اندلاع "حرب موسعة تستطيع إيران من خلالها تمكين وكلائها إلى جانب حماس من مهاجمة إسرائيل، أو أن تشن إسرائيل حرباً استباقية ضد هذه القوى".
وبمجرد علمه بهجوم 7 أكتوبر، أجرى بايدن 3 اجتماعات عبر الهاتف و3 اجتماعات مباشرة مع فريق الأمن القومي، كما ألقى بياناً لوسائل الإعلام، إضافة إلى إجراء مكالمات هاتفية منفصلة مع مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان، ونائب مستشار الأمن القومي جون فاينر، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وملك الأردن عبد الله الثاني، ونائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، ووزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، وعضوين ديمقراطيين بالكونجرس كانا في إسرائيل في ذلك الوقت، وهما السيناتور كوري بوكر من نيوجيرسي والنائب دان جولدمان من نيويورك.
كما دأب الرئيس الأميركي على إيفاد مسؤوليه إلى المنطقة، حيث أجرى وزير خارجيته أنتوني بلينكن 3 رحلات إلى المنطقة، توقف خلالها 5 مرات في إسرائيل، وحضر في إحداها اجتماعاً لمجلس وزراء الحرب الإسرائيلي.
وشملت قائمة المسؤولين الأميركيين الذين قاموا برحلات إلى المنطقة كلا من هاريس وأوستن وبيرنز وسوليفان ومنسق الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكجورك، ومدير الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز، ورئيس القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا، والجنرال جيمس جلين الذي قاد القوات الخاصة ضد تنظيم "داعش".
وتحدّث بايدن حتى الآن "14 مرة بشكل مباشر" مع نتنياهو، كما أجرى اتصالات هاتفية بقادة كل من السعودية ومصر وقطر والإمارات وعمان، إضافة إلى بابا الفاتيكان البابا فرنسيس، وفقاً لـ"نيويورك تايمز".
وأعقب كل مكالمة رئاسية مع نتنياهو "اجتماع تمهيدي" مع مستشاري الرئيس الأميركي لاستخلاص المعلومات، إلى جانب مكالمة هاتفية من ديرمر مع سوليفان لإجراء مناقشات لمدة ساعة أخرى.
تجنب حرب "أوسع نطاقاً"
وفي 11 أكتوبر، أجرى بايدن مكالمة عاجلة مع نتنياهو، وكان الإسرائيليون قد حصلوا على معلومات استخباراتية غامضة مفادها أن "حزب الله" اللبناني على "وشك شن ضربة كبيرة ضد إسرائيل، ومن ثم راح الإسرائيليون تحت ضغط وزير الدفاع يوآف جالانت يعدون لتوجيه ضربة أولاً. وعلم الأميركيون بالموقف، لكنهم اعتقدوا أن المعلومات الاستخباراتية لم تكن واضحة تماماً".
وتحدّث الرئيس الأميركي، الذي انضم إليه بلينكن وسوليفان، مع نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين للضغط عليهم لعدم تنفيذ الهجوم، الذي سيؤدي إلى حدوث ما يعتقد الأميركيون أنهم قادرون على منعه وردعه، ووافق الإسرائيليون على التراجع.
وأرسل بايدن، الذي نشر بالفعل مجموعة هجومية لحاملات طائرات في شرق البحر المتوسط لردع "حزب الله" عن الانضمام إلى المعركة، مجموعة حاملات طائرات أخرى.
وفي 13 أكتوبر، شدد وزير الدفاع الأميركي سراً لنظيره الإسرائيلي على ضرورة قيام الإسرائيليين بإنشاء ممرات إنسانية، وصياغة مجموعة محددة من القواعد لحماية المدن الفلسطينية، مشيراً إلى خبرات أميركية في حرب المدن بالعراق.
من جانبه، أمضى وزير الخارجية الأميركي أسبوعاً تنقّل خلاله في جميع أنحاء المنطقة، وحرص على رفع إحاطة إلى الرئيس بايدن بشكل يومي عبر خط آمن.
وفي يوم واحد فقط أجرى بلينكن محادثات استمرت 9 ساعات مع مسؤولين إسرائيليين، قبل أن يضطر إلى الإخلاء بسبب هجوم صاروخي، حيث ذهب إلى ملجأ يقع على مسافة 6 طوابق تحت الأرض.
وقال مستشارو بايدن وحلفاؤه إن تدخل الرئيس الأميركي بشكل شخصي حال دون نشوب "حرب أوسع نطاقاً"، وأثّر في نهج إسرائيل، حتى لو بدرجة أقل مما كان يأمل.
وبينما شعر مسؤولون إسرائيليون بالغضب من القيود التي حاول بايدن فرضها عليهم، لكنهم كانوا يدركون أنه حليفهم "الأكثر أهمية" وسط انتقادات عالمية متزايدة، وكانوا يتفهمون أنه الوحيد الذي يحول دون فرض الأمم المتحدة عقوبات على إسرائيل.
في هذا السياق، قال السفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل هيرتسوج: "إننا نقدر للغاية دعم إدارة الرئيس بايدن لإسرائيل في هذه الحرب، وفي تلك الأيام العصيبة". كما أشاد بـ"الحوار المثمر والوثيق بين حكومتينا فيما يتعلق بهذه الحرب"، حسبما أوردت "نيويورك تايمز".
"المرحلة المقبلة"
ورغم أن الخطة الإسرائيلية الأصلية للغزو البري لغزة لم تحظ بإعجاب الأميركيين الذين سعوا حثيثاً إلى تعديلها والتخفيف من حدتها، أطلق الإسرائيليون العنان في نهاية المطاف لقصف غزة بدرجة لم يتوقعها فريق بايدن، ما أدى إلى "نتائج كارثية". ولم تغضب صور الضحايا الفلسطينيين الكثيرين داخل حزب بايدن فحسب، وإنما أيضاً داخل إدارته، وحتى داخل البيت الأبيض.
وانهالت المكالمات الهاتفية من الرئيس الأميركي على رئيس الوزراء الإسرائيلي بشكل متزايد لدفعه إلى الحد من الخسائر في صفوف المدنيين. وأخبرت قطر التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع كل من الولايات المتحدة وحركة "حماس"، وزير الخارجية الأميركي سراً، لدى زيارته في 13 أكتوبر بأن الحركة مستعدة لإطلاق سراح رهائن إسرائيليين مقابل "شكل ما من وقف إطلاق النار".
وكلف بايدن دائرة مصغرة من المسؤولين للتفاوض سراً بشأن ما أصبح توقفاً للقتال لمدة أسبوع مقابل إطلاق سراح أكثر من 100 أسير.
وعندما انتهى أسبوع وقف إطلاق النار، وانهالت القنابل الإسرائيلية على غزة مجدداً، حض الأميركيون الإسرائيليين مرة أخرى على ضبط النفس، لكن مستشاري بايدن كانوا متعاطفين مع الإسرائيليين الذين اكتشفوا أن شبكة الأنفاق التي بنتها "حماس" أكثر كثافة مما كان مُتَصوراً، وتتألف من مباني متعددة الطوابق على عمق مئات الأقدام تحت الأرض، ما يتطلب قصفاً مكثفاً لإصابتها أو تدميرها. وأشار الإسرائيليون إلى سراديب الأنفاق باسم "المملكة".
وتركز الخلاف الأكثر حدة بين الولايات المتحدة وإسرائيل على قضية "المرحلة المقبلة"، أو كيف ستسير الأمور في غزة خلال حقبة ما بعد الحرب. ورفض نتنياهو اقتراح الرئيس الأميركي باضطلاع السلطة الفلسطينية "المُعاد تنشيطها"، ومقرها الضفة الغربية، بإدارة غزة في حقبة ما بعد "حماس"، على أن يتبع ذلك في نهاية المطاف إقامة دولة فلسطينية.
"أسابيع وليس أشهراً"
وخلال الاجتماعات التي عُقدت بالقدس في 30 نوفمبر، أخبر وزير الخارجية الأميركي مجلس وزراء الحرب الإسرائيلي سراً بأن لديه "أسابيع وليس أشهراً" لإنهاء العمليات القتالية بمستواها الحالي شديد الكثافة، وهو التعليق الذي تسرب في وقت لاحق إلى وسائل إعلام إسرائيلية، وتأكد في الأيام الأخيرة من قِبَل مسؤولين أميركيين.
ولكن نتنياهو أكد بعد مغادرة بلينكن أن قواته ستواصل الحرب "حتى نحقق جميع أهدافها". وحذّر وزير الدفاع الأميركي في اليوم نفسه بخطاب ألقاه في كاليفورنيا من أن إسرائيل يمكن أن "تحول انتصارها التكتيكي إلى هزيمة استراتيجية" إذا دفعت بالمدنيين الفلسطينيين إلى أحضان "حماس".
في هذه الأثناء ظل الرئيس الأميركي على التزامه تجاه إسرائيل. وعندما طلب مسؤولون إسرائيليون مزيداً من ذخيرة الدبابات بشكل عاجل، وافقت إدارة بايدن على الفور، وسرّعت إجراءات حكومية تستغرق في العادة عدة أشهر، حيث أخطرت وزارة الخارجية الأميركية الكونجرس في تمام الساعة 11:00 من مساء 8 ديسمبر بأنها ستتجاوز إجراءات الكونجرس لإرسال 13 ألف قذيفة دبابات إلى إسرائيل، ما أثار غضب مشرعين ديمقراطيين.
وحتى منتصف ديسمبر شحنت الولايات المتحدة أيضاً نحو 20 ألف طلقة "جو - أرض" إلى إسرائيل، وفقاً لتقارير داخلية للحكومة الأميركية.
ولكن شعور الرئيس الأميركي بالإحباط تفاقم أيضاً. ففي 12 ديسمبر، وخلال حملة لجمع التبرعات، حذّر بايدن من أن إسرائيل تخاطر بخسارة الدعم الدولي بسبب "القصف العشوائي الذي تمارسه الآن"، وهو تصريح لم يكن مكتوباً، ما صعّب على مساعديه مهمة تفسيره، لكنه في الوقت نفسه كان مُرضياً لبعض مسؤولي الإدارة الذين كانوا يعتقدون أن بايدن "تردد أكثر من اللازم" قبل أن يوجه انتقاداً إلى إسرائيل.
وبناء على توجيه من الرئيس الأميركي، عكف مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز على مهمة للتوسط من أجل إطلاق سراح المزيد من الأسرى، بينهم مجموعة من الأميركيين الذين كانوا لا يزالون محتجزين.
وجاء الاجتماع، الذي عقده المسؤول الأمني الأميركي البارز في وارسو في 18 ديسمبر في طريق عودته من رحلة من أوكرانيا، نتاجاً لأسابيع من مكالمات مكثفة مع مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية ديفيد بارنياع ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
ولكن الاقتراح، الذي قدمه بيرنز وبارنياع للقطريين في وارسو، لم يؤد إلى التوصل لاتفاق، إذ ترى "حماس" أن المقابل المطلوب منها باهظ للغاية، فيما يعتقد مسؤولون أميركيون أن "حماس" لا تريد إطلاق سراح مزيد من المحتجزين مقابل وقف مؤقت للقتال، وإنما تتمسك بوقف دائم لإطلاق النار.
"أمل كاذب"
وحملت المحادثات الأخيرة بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي مزيداً من التوتر. وقال مسؤولون لـ"نيويورك تايمز" إن جميع المكالمات بين الطرفين كانت "متوترة وحادة في بعض الأحيان، لكنها كانت أمراً واقعاً".
ووفق الصحيفة، يدرك الأميركيون أن الإسرائيليين "ما زالوا تحت تأثير الصدمة منذ هجوم 7 أكتوبر، الذي حطم صورة الدولة التي لا تُقهر بعد ترسيخها على مدى نصف قرن منذ حرب 1973، ويريد القادة الإسرائيليون إعادة ترسيخها من جديد".
وبالنسبة إلى فريق الرئيس الأميركي، يتعلق النقاش الحقيقي باللغة المستخدمة، لكن لا أحد داخل الإدارة يضغط حقاً من أجل إحداث تحوّل جذري على مستوى السياسات مثل تجميد إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل، وفقاً للصحيفة الأميركية.
وتتألف رسالة الإدارة الأميركية من 4 أجزاء، وهي أن إسرائيل تملك حق الدفاع عن نفسها، وضرورة القضاء على "حماس" باعتبارها تشكل خطراً على إسرائيل، وضرورة زيادة حجم المساعدات الإنسانية، وتقليل حجم الخسائر في صفوف المدنيين.
وفي 23 ديسمبر، تواصل الرئيس الأميركي عبر الهاتف مع نتنياهو لحضّه على التحول عن العمل العسكري المكثف نحو نهج "أكثر استهدافاً" ضد مواقع بعينها، لكن نتنياهو والقادة الإسرائيليين استمروا في رفض ذلك علناً.
وبعد يومين نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي مقال رأي في صحيفة "وول ستريت جورنال" نفى خلاله فكرة قدرة السلطة الفلسطينية على نزع السلاح من غزة، ووصفا بأنها "أمل كاذب".
ورغم ذلك، قالت "نيويورك تايمز" إن نتنياهو قد يقبل في نهاية المطاف باضطلاع "السلطة الفلسطينية المعدلة" بدور في غزة.
ورغم كل الخلافات، لا يوجد نقاش جاد داخل الإدارة الأميركية بشأن قطع المساعدات الأمنية عن إسرائيل، أو فرض شروط عليها.
وبعد 3 أيام من الاجتماع الذي حضره ديرمر في البيت الأبيض، وافقت وزارة الخارجية الأميركية على إرسال قذائف مدفعية عيار 155 ملم ومعدات ذات صلة بقيمة 147.5 مليون دولار، استناداً إلى قوانين الطوارئ لتجاوز مراجعة الكونجرس للمرة الثانية، ما أثار غضب المشرعين الديمقراطيين مجدداً.
"سياسة أدائية"
وبقدر ما تمثّل مقاومة نتنياهو للمناشدات الأميركية "سياسة أدائية" أمام الجماهير في الداخل، إلا أنها تبقى "محدودة بحدود زمنية"، وفقاً لما قاله مارتن إنديك السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل لولايتين.
وأضاف إنديك أن على "نتنياهو أن يجد طريقة ليشرح لشركائه في الائتلاف أنه بينما يبدو وكأنه يستسلم لبايدن، إلا أنه لا يفعل ذلك في حقيقة الأمر".
وفي السياق، أشار السفير الإسرائيلي السابق لدى واشنطن مايكل أورين إلى أنه رغم التوتر، لم يستخدم بايدن "الأداتين الأكثر وضوحاً المتاحتين له للضغط على إسرائيل"، وهما تدفق الأسلحة الأميركية على إسرائيل وحق النقض "الفيتو" الأميركي في مجلس الأمن الدولي الذي يحمي إسرائيل من العقوبات الدولية، على الأقل حتى الآن.
وأضاف أورين أنه في ضوء ذلك، تقدر إسرائيل دعم بايدن، وتسعى للمحافظة عليه، مشيراً إلى أن هجوم 7 أكتوبر قوض شعار إسرائيل الراسخ بأنها "تستطيع الدفاع عن نفسها بنفسها".
وتابع: "يعني هذا، سواء أحببنا ذلك، أم لم نحب، أننا نعتمد على الولايات المتحدة، كما يعني أيضاً أن الأميركيين يملكون القول الفصل".