كلف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، وزير التعليم جابرييل أتال (34 عاماً) بتشكيل الحكومة، حسبما أعلن الإليزيه في بيان، ليكون أصغر رئيس حكومة في تاريخ الجمهورية الفرنسية.
ويتولى أتال، ذو الأصول التونسية، رئاسة الحكومة خلفاً لإليزابيث بورن، التي استقالت، الاثنين، بعدما شغلت المنصب لثلاث سنوات.
وقال ماكرون في منشور عبر منصة "إكس"، مخاطباً رئيس الحكومة الجديد: "أعلم أنني أستطيع الاعتماد على طاقتكم والتزامكم بتنفيذ مشروع إعادة التسلح والتجديد الذي أعلنته. وفاءً لروح عام 2017: التفوق والجرأة. في خدمة الأمة والفرنسيين".
وسيخلف أتال، بورن، ليصير في سن 34 عاماً أصغر رئيس وزراء للجمهورية الخامسة، محطماً الرقم القياسي للاشتراكي، لوران فابيوس، الذي عيّن رئيساً للوزراء في سن 37 عاماً عام 1984.
من التعليم إلى الرئاسة
وأتال، هو ابن إيف أتال، المحامي والمنتج السينمائي من أصل يهودي تونسي، توفي عام 2015.
تلقى أتال، تعليمه الأولي في مدرسة الألزاسيين، وبعد حصوله على البكالوريا، درس في جامعة "ساينس بو" المرموقة، وحصل على درجة الماجستير في الشؤون العامة.
ووفقا لأصدقائه، فقد نشأ طموحه السياسي عندما حضر مظاهرة ضد جان ماري لوبان، عندما تم التصويت للزعيم اليميني المتطرف في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ضد جاك شيراك في عام 2002. وانضم إلى الحزب الاشتراكي في عام 2006، ودعم الحزب الاشتراكي في عام 2006. كما دعم مرشحته الرئاسية، سيجولين رويال، في انتخابات عام 2007.
وفي عام 2012، عمل في وزارة الصحة في سن 23 عاماً. وفي عام 2016، ترك الحزب الاشتراكي لينضم إلى حزب ماكرون "الجمهورية إلى الأمام" REM.
وفي سن التاسعة والعشرين، تم تعيينه وزيراً للدولة في وزارة التعليم، ليصبح أصغر عضو في الحكومة في عهد الجمهورية الخامسة.
وقد شغل العديد من المناصب السياسية رفيعة المستوى بما في ذلك رئيس حزب الجمهورية إلى الأمام، والمتحدث باسم الحكومة، ووزير الحسابات العامة، وكذلك وزير التعليم.
ويهدف التعديل الوزاري إلى إعطاء دفع للولاية الثانية لإيمانويل ماكرون، الذي لا يحظى بغالبية مطلقة في الجمعية الوطنية (البرلمان) والغارق في المشكلات السياسية، ولا سيما مع تقدم اليمين المتطرف.
وقال أحد المسؤولين التنفيذيين في حكومة ماكرون، في تصريح لصحيفة "لوكيتيديان"، إن أتال "يجسد الزخم والديناميكية والجرأة التي نحتاجها بالتأكيد".
استقالة حكومة بورن
وكانت إليزابيث بورن قدمت استقالة حكومتها إلى ماكرون وقالت: "بينما يجب أن أقدم استقالة حكومتي، أردت أن أخبركم كم كنت متحمسة لهذه المهمة، مسترشدة بالاهتمام المستمر الذي نتقاسمه، لتحقيق نتائج سريعة وملموسة لمواطنينا".
واعتبرت رئيسة الحكومة المستقيلة، والتي قضت حوالي عشرين شهراً في رئاسة الوزراء أنه "من الضروري أكثر من أي وقت مضى مواصلة الإصلاحات".
ووجّه ماكرون، الذي يسعى لإعطاء زخم جديد لولايته الثانية قبل انتخابات البرلمان الأوروبي ودورة الألعاب الأولمبية في باريس هذا الصيف، الشكر لبورن على "عملها المثالي في خدمة الأمة"، وفق تعبيره.
وقال ماكرون في منشور عبر منصة "إكس": "لقد وضعت مشروعنا موضع التنفيذ بشجاعة ومشاركة وتصميم سيدات دولة".
ومع ذلك، أوضحت بورن، أن قرار الرحيل لم يكن قرارها، وأنها أحيطت علماً برغبة الرئيس في تعيين رئيس وزراء جديد.
وبموجب النظام الفرنسي، يعين الرئيس رئيس الوزراء، ولكن لا يمكنه إقالته من منصبه. وبدلاً من ذلك، يجب عليهم أن يطلبوا استقالتهم.
وتعد بورن، ثاني امرأة تتولى رئاسة الحكومة في تاريخ الجمهورية الفرنسية. وتخطت بكثير فترة ولاية إديت كريسون (10 أشهر و18 يوماً) التي عينها فرنسوا ميتران قبل أكثر من ثلاثين عاماً، في مايو 1991.
وتميزت الأشهر العشرين التي قضتها على رأس الحكومة باعتماد إصلاح نظام التقاعد الذي لا يحظى بشعبية كبيرة في الأوساط الفرنسية، وقانون الهجرة المثير للجدل، والذي مازال معروضاً أمام المجلس الدستوري.
واضطرت بورن في أكثر من مناسبة إلى اللجوء إلى المادة الدستورية 49.3 (أكثر من 23 مرة)، والتي تعطيها الحق في تمرير قانون واحد كل عام دون المرور بالتصويت البرلماني، وهو ما حصل فعلاً مع قانون التقاعد، والذي تم رفعه إلى 64 عاماً، مقابل السن الذي كان معمولاً به من قبل عند 62 سنة، وسط موجة رفض واسعة خلفها داخل الجمعية الوطنية.
قانون الهجرة
وخلف قانون الهجرة تكهنات بشأن مصير بورن على رأس الحكومة، خصوصاً بعد تصويت اليمين المتطرف على القانون المثير داخل الجمعية العامة، وهو اعتبره الكثيرون بمثابة خسارة سياسية للأغلبية، ويتطلب تعديلاً وزارياً شاملاً.
وقال وزير في حكومة بورن، إن "رئيسة الحكومة لم تكن شخصية معارضة لأحد، لا لليمين ولا للأغلبية، مضيفاً أنه منذ التصويت على قانون الهجرة، شعرنا جميعاً أنها "أُحرقت". وستتولى بورن مع فريقها تسيير الأعمال حتى تعيين الحكومة الجديدة.
ويأتي التعديل الوزاري، قبل خمسة أشهر من انتخابات البرلمان الأوروبي، حيث من المتوقع أن يحقق المتشككون في الاتحاد الأوروبي مكاسب قياسية في وقت ينتشر فيه الاستياء العام على نطاق واسع؛ بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وفشل الحكومات الأوروبية في الحد من الهجرة، وفق صحيفة "الجارديان" البريطانية.
وتظهر استطلاعات الرأي، أن حزب ماكرون يتخلف عن حزب زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، بفارق عشر نقاط قبل انتخابات البرلمان الأوروبي المقررة في يونيو، وفق ما نقلته صحيفة "لي زيكو" الفرنسية.
ويظهر استطلاع الرأي أجرته مؤسسة "إيلاب" بشراكة مع صحيفة "لي زيكو"، أن الفرنسيين ممتعضين من "التردد" الذي أبداه ماكرون، خلال خطابه بمناسبة السنة الجديدة، إذ أعطى انطباعاً بعدم معرفة التوجه المقبل لسياسات حكومته فيما يخص العديد من الإصلاحات من بينها المعاشات التقاعدية والبطالة وكذلك ملف الهجرة الشائك.