في تصريحات لافتة، قال رئيس أركان الجيش البريطاني الجنرال باتريك ساندرز، إن بلاده قد تلجأ إلى "النفير العام"، إذا خاضت حرباً كبيرة في السنوات المقبلة، مضيفاً أن حجم الجيش ليس كافياً، لخوض مواجهة مع دول مثل روسيا، والصين، كما أن استدعاء قوات الاحتياط لن يشكل فارقاً ملحوظاً، لحسم المعارك على جبهة البر، التي لا تقل أهمية عن جبهات البحر، والجو، حسب رأيه.
التصريحات المثيرة للجدل لرئيس الأركان البريطاني، جاءت بعد أيام من تصريحات جنرالات أميركيين قالوا إن الحجم الصغير للجيش البريطاني لا يُمكّنه من خوض حروب كبيرة، فيما رأى آخرون أن تزويد القوات البريطانية بأحدث الأسلحة، أكثر أهمية من زيادة عددها، خاصة أن المملكة المتحدة جزء من تحالف عسكري يضم أكثر من 30 دولة، بمجموع قوات يفوق 3.5 مليون جندي.
وزير الدفاع البريطاني جرانت شابس، بدوره أكد أن حكومة بلاده، تضع تعزيز قدرات الجيش على رأس أولوياتها، وقد زادت ميزانية الدفاع إلى أكثر من 50 مليار جنيه إسترليني لأول مرة.
وعلى صعيد القوات البرية، تعهد متحدث باسم الحكومة بأن يتوقف تقليص تعداد أفرادها، من دون أي خطط لفرض "التجنيد الإجباري" في المملكة المتحدة.
تهديدات أمام المملكة المتحدة
يرى وزير الدفاع البريطاني، أن المملكة المتحدة يجب أن تبدأ "الاستعداد للحرب، فالمخاطر تزداد بسرعة على وقع ارتفاع مستويات التوتر في منطقة الشرق الأوسط، والعالم اليوم يقف على أعتاب حرب يتوجب على كل دول الغرب الاستعداد لها، وقائمة الخصوم تضم كلاً من: الصين، وإيران، وروسيا، وكوريا الشمالية بالدرجة الأولى".
تصريحات الوزير البريطاني، دفعت خبير الشؤون الاستراتيجية في معهد "تشاتام هاوس" البروفسور أندرو دورمان، إلى التساؤل عما إذا كان ما يحذر منه "شابس" هو "الحرب العالمية الثالثة".
وقال دورمان في مقال له على موقع المعهد، إن التكلفة المرتفعة لهذه الحرب، لا تزال الرادع الأساسي أمام جميع الأطراف المعنية فيها، ولكن لا أحد يعرف إلى متى تضبط "العقلانية" الموقف.
ولفت الخبير الاستراتيجي إلى أن بريطانيا تمتلك قدرات عسكرية، لا تتوافر إلا في قلة من دول العالم، ورغم ذلك لا يبدو أنها مستعدة بالقدر الكافي لخوض التحدي، منوهاً إلى أن أزمة الملاحة التي تسبب بها الحوثيون في البحر الأحمر مؤخراً، أثبتت أن التعامل مع التهديدات الدولية التي قد تتفجر بسرعة، يحتاج إلى استعدادات أكبر، وأكثر.
وأوضح دورمان أن البحرية البريطانية تنتظر سفناً جديدة، ولكن لن تتسلم أياً منها قريباً، كما نوه بأن القوات البرية والجوية في المملكة المتحدة ليست بأفضل حال، فسياسة التقشف، وتقليص الميزانيات، وتخفيض أعداد الجنود التي مارسها المحافظون منذ عام 2010، تكشفت آثارها السلبية التي حذر منها مختصون كثر سابقاً.
جيش من المدنيين البريطانيين
وشدد رئيس الأركان الجنرال باتريك ساندرز، على ضرورة تدريب "جيش من المدنيين البريطانيين"، لتعويض نقص تعداد القوات المسلحة النظامية، لافتاً إلى خطوات تقوم بها دول أوروبية لإعداد شعوبها، من أجل مواجهة قد يفرضها الروس على سكان القارة كلها، ليس فقط من أجل الاستيلاء على الأراضي، وإنما "لهدم نظام وأسلوب حياة الأوروبيين".
وفي فعالية عسكرية قبل أيام، أوضح ساندرز أن تعداد القوات البرية كان أكثر من 100 ألف مقاتل عام 2010، ثم تراجع 28% إلى 73 ألفاً، وبالمقارنة مع 30 عاماً ماضية، نجد أن هذه القوات قد تقلصت للنصف، ورغم ذلك يستمر الحديث عن تخفيض العدد في أروقة السياسة، ومن قبل أشخاص لم يدركوا حتى الآن حجم التهديدات.
ولطالما كان ساندرز من منتقدي سياسة تقليص القوات البرية، وهو يطالب الآن بإعداد "جيش من المدنيين" قوامه 120 ألف مقاتل، مشدداً على ضرورة عدم وقوع المملكة المتحدة بذات الخطأ، الذي ارتكبته عندما فشلت بإدراك حجم التهديد، الذي فجر الحرب العالمية الأولى عام 1914.
ورداً على رئيس الأركان، قال متحدث باسم رئاسة الوزراء، إن "وضع سيناريوهات افتراضية لحرب قد تحدث في المستقبل لم يكن مفيداً"، مستبعداً أن تلجأ بلاده الآن لأي نوع من أنواع "التجنيد الإجباري"، مؤكداً أن حجم القوات البرية لن يتقلص أكثر في ظل حكومة حزب المحافظين، التي ستواصل تطوير الجيش.
ووفقاً لأرقام حديثة نشرتها شركة "إستاسيتكا"، ضم الجيش البريطاني عام 2023، أكثر من 142 ألف جندي موزعين بين 77 ألفاً في القوات البرية، و32 ألفاً في سلاح الجو، و26 ألفاً للبحرية الملكية، ونحو 7 آلاف في مشاة البحرية، وبالمقارنة مع 2012، تراجع تعداد أفراد الجيش بأكثر من 37 ألف جندي خلال 10 سنوات.
موقف حكومة ريشي سوناك
الجدل حول حجم القوات البرية ليس جديداً في المملكة المتحدة، فهو يدور منذ عشر سنوات على الأقل، ورغم التحذيرات الداخلية والخارجية اليوم من قلة تعداد هذه القوات، إلا أن حكومة ريشي سوناك، لم تقطع وعوداً بزيادة عدد الجنود، وإنما بتعزيز قدرات الجيش وتطوير أسلحته، ليس في البر فقط، وإنما أيضاً في البحر، والجو، على حد السواء.
وثمة مشاريع عدة أطلقتها لندن خلال الأعوام الماضية، لتعزيز أدوات القوات البحرية، والجوية، والبرية، ويرى الباحث في شؤون الأمن والدفاع، بينجامين تالز، أن التركيز على الصناعة العسكرية، وتقنيات الدفاع، والهجوم، بمختلف أغراضها، يعد أمراً صائباً بالنسبة لجزيرة مثل المملكة المتحدة، والتي تنتمي إلى أكبر تحالف عسكري في العالم.
وأوضح تالز في حديث مع "الشرق"، أن الغزو الروسي لأوكرانيا، جعل الصناعات العسكرية أولوية بالنسبة لدول أوروبا، كما أن توتر الشرق الأوسط يظهر حاجة ملحة إلى الأسلحة بمختلف أنواعها، ناهيك عن بؤر مقلقة أخرى حول العالم، بعيدة عن الحدود، ولكنها تمس الأمن القومي، وتستدعي إنتاج مزيد من العتاد العسكري.
وأضاف تالز أن بريطانيا بحاجة إلى القوات البرية في مواجهة أخطار داخلية، وخارجية، ولكن حلف الناتو يساعد عندما تفوق المواجهة قدرات أي دولة عضو بمفردها، وبتعبير آخر، تأمين الجنود لدول الناتو، سواء عبر الحلف، أو من خلال استدعاء الاحتياط، وتدريب المدنيين، يمكن أن يكون أسهل، وأسرع من تأمين الأسلحة اللازمة للقتال.
الإنفاق العسكري في بريطانيا
وأعلنت المملكة المتحدة مؤخراً أنها سترسل نحو 20 ألف جندي، للمشاركة في مناورة كبيرة للناتو في أوروبا، بمناسبة مرور 70 عاماً على تأسيس الحلف الدفاعي، وتستمر المناورة لأشهر خلال النصف الأول من العام الجاري، وستشمل نشر 16 ألف جندي بريطاني شرق أوروبا، من فبراير إلى يونيو المقبلين، إضافة لقوات جوية، وبحرية.
وفي مجال التسليح، أعلنت بريطانيا هذا الشهر عن سلاح ليزر جديد، "يعزز من قدرات الجيش، ويقلل من إنفاقه على القذائف والصواريخ". ولم تؤكد الحكومة حتى الآن، إن كانت ستستخدمه لمواجهة مسيرات، وصواريخ الحوثيين في البحر الأحمر، ولكنها قالت إنها ستنفق أكثر من 400 مليون جنيه إسترليني في تحديث نظام صاروخي لسفن البحرية الملكية، المشاركة في مهمة "حارس الازدهار" المستمرة هناك منذ شهر تقريبا.
كما أكد وزير الدفاع البريطاني جرانت شابس، أن بريطانيا رفعت ميزانية الدفاع لأكثر من 50 مليار جنيه إسترليني، وقررت المضي نحو إنفاق 2.5% من ناتجها الإجمالي على تعزيز القوات المسلحة في أقرب وقت، ولكن هذا التوجه لا يبدو كافياً بالنسبة لوزراء في الحكومة، حيث انتقدت وزيرة شؤون الوزراء بيني موردنت، واقع القوات البحرية الملكية، أمام تهديدات الملاحة الدولية.
وقال تقرير لصحيفة "تليجراف" إن القوات البحرية تواجه مشكلات في استقطاب مزيد من القوات لتشغيل سفنها، لأسباب تتعلق بصعوبة تعلم التقنيات الحديثة في المجال، وتحديات أخرى تتعلق بضعف العائد المادي، وازدياد تعرض المتطوعات للتحرش، ولكن هذه مشكلات تعاني منها جميع فرق الجيش، وفقاً للصحيفة.
ونشرت صحيفة " إندبندنت" تقريراً قالت فيه إن الجيش البريطاني يحتل المركز السادس في تصنيف القوات العسكرية عالمياً، لافتة إلى أن المملكة المتحدة تأتي بعد الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، والهند، وكوريا الشمالية، على الترتيب، كما أوضحت أن هذا التصنيف يأخذ بالاعتبار عدة معايير بشرية، وصناعية، وطبيعية، وجغرافية.