احتجاجات المزارعين في أوروبا.. "حراك اجتماعي" يواجه محاولات "استغلال سياسي"

time reading iconدقائق القراءة - 8
مزارعون يقطعون طريقاً رئيسياً خلال احتدجاجات في نيم، جنوب شرق فرنسا. 25 يناير 2024 - AFP
مزارعون يقطعون طريقاً رئيسياً خلال احتدجاجات في نيم، جنوب شرق فرنسا. 25 يناير 2024 - AFP
دبي -الشرق

تشهد عدد من العواصم الأوروبية خلال الفترة الأخيرة تصاعداً في الاحتجاجات الاجتماعية، يقودها مزارعون غاضبون من حكوماتهم وسياسات الاتحاد الأوروبي، وهو ما أثار مخاوف من أن تتحول هذه الحركة الاجتماعية غير المنظمة و"العفوية" إلى حركة سياسية منظمة، خصوصاً مع انخراط اليمين المتطرّف فيها.

وفي فرنسا، التي تشهد تنامي حركة المزارعين، اضطر رئيس الحكومة الجديد جابرييل أتال، إلى عقد لقاءات مع المزارعين الغاضبين في مزرعة جنوب البلاد، إذ تعهّد بوضع حد لارتفاع تكلفة وقود الديزل المستخدم في الآلات الزراعية، والذي جاء نتيجة للإعفاءات الضريبية على الوقود الذي يجري التخلص منه تدريجياً، وفق "لوموند".

كما تعهد أتال، بإنشاء صندوق طوارئ لمساعدة مربي الماشية على مكافحة الأمراض بين المواشي، وهو ما خفّف وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية في فرنسا، لكن دون أن يحدّ منها بشكل نهائي، إذ يخطط المزارعون الغاضبون للخروج مرة أخرى إلى شوارع العاصمة باريس احتجاجاً على الحكومة.

وأعلن الاتحاد الوطني لنقابات المزارعين FNSEA، وهو أكبر تجمع للمزارعين في فرنسا، الجمعة، أن الاحتجاجات ستستمر هذا الأسبوع، حتى تستجيب الحكومة لجميع المطالب.

ولا يبدو المشهد مختلفاً في ألمانيا، إذ تتواصل احتجاجات المزارعين لأسابيع بعد قرار الحكومة خفض دعم وقود الديزل، حيث منع المزارعون حركة المرور بالجرارات وغيرها من المعدات الزراعية في ضواحي برلين وميونخ.

ووافقت الحكومة على تخفيف الإجراء من خلال الإلغاء التدريجي لدعم وقود الديزل على مدار ثلاث سنوات، بدلاً من الإلغاء الفوري.

ويتعرض ائتلاف المستشار أولاف شولتز لضغوط لزيادة عائدات الضرائب أو خفض الإنفاق لسد فجوة كبيرة في الميزانية. وأثارت احتجاجات المزارعين في جميع أنحاء البلاد نقاشاً حول مدى استغلال المزارعين لصالح أحزاب اليمين المتطرف، خصوصاً "البديل من أجل ألمانيا".

متى ظهرت حركة المزارعين؟

يواجه المزارعون الأوروبيون، خسائر اقتصادية بسبب أزمة المناخ، ويتحدثون علناً ضد السياسات الخضراء، التي أقرها الاتحاد الأوروبي، إذ يعتبرونها متناقضة وغير عادلة، وتثير قلقهم بشأن المستقبل.

اندلعت احتجاجات المزارعين لأول مرة في هولندا في فبراير 2023؛ بسبب مطالبة الحكومة بخفض الإنتاج الحيواني إلى النصف، من أجل تقليل انبعاثات الميثان.

واحتج أكثر من 10 آلاف مزارع هولندي في لاهاي، على خطط الحكومة للحد من انبعاثات النيتروجين، وهي سياسة يقولون إنها ستؤدي إلى خروج الكثير من المزارع من الخدمة والتأثير في إنتاج الغذاء.

وفي مارس 2023، احتجّ آلاف المزارعين في مدينة بوردو الفرنسية ضد الحكومة التي فرضت الحظر على المبيدات الحشرية والأحواض الضخمة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها الفلاحون الغاضبون، وهم يلقون بالسماد والإطارات المستعملة أمام مقار حكومية.

وسرعان ما توسعت رقعة المتظاهرين مع مشاركة الاتحاد الوطني لنقابات المزارعين FUSE، وهي النقابة التي تمثل أغلبية المزارعين والمتحالفة مع المزارعين الشباب.

وانتشرت الاحتجاجات أيضاً في معظم أنحاء ألمانيا، إذ يشعر المزارعون بالغضب من الإلغاء التدريجي للإعفاءات الضريبية على الديزل الزراعي، وهو ما يقولون إنه سيؤدي بهم إلى الإفلاس.

لماذا يحتج المزارعون؟

يقول المزارعون في فرنسا وألمانيا وإيطاليا ورومانيا إنهم يرفضون التشريعات التي أقرها الاتحاد الأوروبي لتنظيم الزراعة في ما يعرف بـ"الصفقة الخضراء"، إذ من المتوقع أن يصبح الديزل الزراعي أكثر تكلفة بعد إلغاء الدعم.

ويتعين على المزارعين دفع مبلغ إضافي قدره 47 مليون يورو سنوياً لاستهلاك المياه، ويقولون إن تعقيد اللوائح لا يسمح لهم بمعرفة ما يمكنهم وما لا يمكنهم فعله.

وتهدف الصفقة الخضراء، التي أطلقها الاتحاد الأوروبي في عام 2019، إلى إلزام الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالتحول البيئي، وتحديد أهداف للحد من استخدام المبيدات الحشرية، وتطوير الزراعة العضوية وحماية التنوع البيولوجي.

ويعارض الفلاحون الأوروبيون حظر المبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب التي فرضتها الصفقة الخضراء، بالإضافة إلى معاهدة الاتحاد الأوروبي الجديدة التي يمكن أن تسمح باستيراد المزيد من لحوم البقر البرازيلية والأرجنتينية. ويقول المزارعون إنه من الصعب للغاية التنافس مع هذه الدول؛ لأنها لا تخضع لمعايير صارمة لرعاية الحيوان، وفق "يورو نيوز".

ويتقاسم المزارعون الألمان والهولنديون نفس المخاوف بشأن ما يعتبرونه قرارات غير عادلة وغير متوقعة من قبل الحكومات، بشأن الإصلاح الزراعي.

وامتد السخط أيضا إلى شرق الاتحاد الأوروبي، مع حدوث مظاهرات في بولندا ورومانيا وسلوفاكيا والمجر وبلغاريا، حيث يشكو المزارعون من المنافسة غير العادلة من الحبوب ذات الأسعار المخفضة القادمة من أوكرانيا.

وفي رومانيا وبلغاريا، كانت المعابر الحدودية مغلقة بالجرارات والشاحنات. وشهدت بولندا استقالة وزير الزراعة في أبريل الماضي؛ بسبب صراع طويل مع المزارعين، على الرغم من أن الإعانات الجديدة أدت إلى تهدئة الوضع إلى حد ما.

هل يستغل اليمين غضب المزارعين؟

وتُثار في دول أوروبية عدة، اتهامات للأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل حزب التجمع الوطني الفرنسي وحزب البديل من أجل ألمانيا، بمحاولة استغلال غضب المزارعين، وذلك مع اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية، وفقاً لمجلة "بوليتيكو".

ومع انطلاق الحملة الانتخابية للانتخابات الأوروبية في يونيو، تشير استطلاعات الرأي إلى أن التحالف بين المزارعين والشعبويين يساعد في زيادة جاذبية الأحزاب اليمينية المتطرفة بين ما يقرب من 9 ملايين مزارع في الاتحاد الأوروبي.

وأظهر استطلاع أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن الأحزاب اليمينية المتطرفة احتلت المرتبة الأولى في تسع دول في الاتحاد الأوروبي، وزادت بشكل كبير عدد مقاعدها في البرلمان الأوروبي. ويتوافق ذلك مع استطلاع أجرته "بوليتيكو"، والذي يظهر حصول "مجموعة الهوية والديمقراطية اليمينية" على مقاعد لتصبح ثالث أكبر مجموعة سياسية في البرلمان الأوروبي.

في النمسا، حيث سيصوت المواطنون في الانتخابات الوطنية في الخريف، نظم حزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف مظاهرة للمزارعين الأسبوع الماضي. رداً على ذلك، قالت رابطة المزارعين التابعة لحزب ÖVP المحافظ بأن الحزب "يستغل المزارعين لأغراض حزبية خاصة به"، ونأى بنفسه عن "ألعاب الحملة الانتخابية على حساب المزارعين".

وفي فرنسا، يبدو أن الغضب المتزايد بين المزارعين الفرنسيين يشكل التحدي الرئيسي الأول لحكومة الرئيس المعينة حديثاً. وأشاد رئيس الوزراء جابرييل أتال بقطاع الزراعة في البلاد في نهاية الأسبوع الماضي، استجابةً للاستياء المتزايد بين عمال المزارع. 

وقال عضو البرلمان الأوروبي جوردان بارديلا، الذي سيقود حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في انتخابات يونيو، إن هناك غضباً متزايداً ضد "الاتحاد الأوروبي وأوروبا ماكرون".

وفي الأشهر الأخيرة، انتشر "السخط" أيضاً إلى بولندا ورومانيا وسلوفاكيا والمجر وبلغاريا، حيث يدين المنتجون "المنافسة غير العادلة" من أوكرانيا، المتهمة بخفض أسعار الحبوب لديها.

وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، أدى تصدير المنتجات الزراعية الأوكرانية عبر ما يسمى ممرات التضامن إلى حدوث اضطرابات في الأسواق الداخلية لتلك البلدان.

وفي رومانيا، بدأت احتجاجات المزارعين والناقلين في السابع من يناير. وعرقل مئات الجرارات والشاحنات حركة المرور عبر الحدود، الأمر الذي جعل من الصعب على شاحنات الحبوب القادمة من أوكرانيا دخول البلاد. ويطالب المزارعون بالتعويض عن الخسائر الناجمة عن الاضطراب الكبير في سوق الحبوب بعد استيراد الحبوب الرخيصة من أوكرانيا، والتي، كما يزعمون، لا تمتثل لمعايير الاتحاد الأوروبي.

وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الحوار الاستراتيجي حول الزراعة، يجمع المزارعين والمنظمات البيئية والصناعية لتطوير حلول لمشاكل الزراعة في أوروبا.

تصنيفات

قصص قد تهمك