جددت مصر، الأحد، "رفضها الكامل" لأي عملية عسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، محذرة من "عواقب وخيمة"، وسط مخاوف من تأثير أي تحرك إسرائيلي في المنطقة الحدودية على مستقبل العلاقات بين القاهرة وتل أبيب.
وأشارت وزارة الخارجية المصرية في بيان صحافي، إلى "التصريحات الصادرة عن مسؤولين رفيعي المستوى بالحكومة الإسرائيلية، بشأن اعتزام القوات الإسرائيلية شن عملية عسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة"، لافتة إلى "ما يكتنف ذلك من مخاطر تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة".
وطالبت مصر بضرورة تكاتف جميع الجهود الدولية والإقليمية للحيلولة دون استهداف مدينة رفح الفلسطينية التي باتت تأوي ما يقرب من 1.4 مليون فلسطيني نزحوا إليها لكونها آخر المناطق الآمنة بالقطاع.
واعتبرت أن استهداف رفح، واستمرار انتهاج إسرائيل لسياسة عرقلة نفاذ المساعدات الإنسانية، بمثابة إسهام فعلى في تنفيذ سياسة تهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته، "في انتهاك واضح لأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة".
وأكدت مصر أنها "ستواصل اتصالاتها وتحركاتها مع مختلف الأطراف، من أجل التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإنفاذ التهدئة وتبادل الأسرى والمحتجزين".
ودعت وزارة الخارجية القوى الدولية المؤثرة إلى تكثيف الضغوط على إسرائيل للتجاوب مع تلك الجهود، وتجنب اتخاذ إجراءات "تزيد من تعقيد الموقف، وتتسبب في الإضرار بمصالح الجميع دون استثناء".
تعليق "معاهدة السلام"
وفي وقت سابق الأحد، قال مسؤولان مصريان ودبلوماسي غربي، لوكالة الأنباء الأميركية "أسوشيتد برس"، إن مصر هددت بتعليق معاهدة السلام مع إسرائيل حال إرسال قوات إسرائيلية إلى مدينة رفح الحدودية المكتظة بالسكان.
وأشارت الوكالة إلى أن التهديد بتعليق اتفاقية السلام التي تمثل أحد الركائز الأساسية للاستقرار في المنطقة منذ ما يقرب من نصف قرن، جاء بعد تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن إرسال قوات إلى رفح ضروري لتحقيق النصر في الحرب.
وأدت الحرب الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، إلى فرار أكثر من نصف سكان غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، إلى رفح، هرباً من القتال في مناطق أخرى، ويتكدسون في مخيمات مترامية الأطراف وملاجئ تديرها الأمم المتحدة بالقرب من الحدود.
وتخشى مصر حدوث تدفق جماعي لمئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين قد لا يسمح لهم بالعودة أبداً، بحسب الوكالة.
وأكد المسؤولون الثلاثة، الذين تحدثوا إلى الوكالة الأميركية بشرط عدم الكشف عن هويتهم، التهديدات المصرية.
اتفاقيات ملزمة
ولفت خبراء أمنيون مصريون لـ"الشرق"، إلى حالة من "عدم الثقة" بين الجانبين المصري والإسرائيلي، في ظل تخوف من اتباع تل أبيب سياسة "الأمر الواقع".
وقال رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري (الغرفة الأولي للتشريع) اللواء أركان حرب أحمد العوضي لـ"الشرق"، إن أي تحرك إسرائيلي في محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، أو مدينة رفح الفلسطينية، سيهدد العلاقات المصرية الإسرائيلية.
ولفت إلى أن المنطقة الحدودية بين البلدين تحكمها "اتفاقيات، وبروتوكولات أمنية، من بينها بنود الملحق الأمني والعسكري التابع لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وباقي الملاحق التابعة لها".
وأوضح العوضي أن هذه الاتفاقيات تجعل محور فيلادلفيا منطقة عازلة بين غزة ومصر، ولا يمكن التحرك به عسكرياً إلا بموافقة القاهرة، مضيفاً أن "إسرائيل لا تستطيع تعديل أي تواجد لها في تلك المنطقة من دون موافقة كاملة وصريحة من مصر، وفق الملحق الأمني الخاص في معاهدة السلام بين الدولتين، الموقعة عام 1979، والذي يبيّن كيفية انتشار القوات المسلحة للدولتين".
في المقابل، استبعد رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق بالقوات المسلحة المصرية اللواء نصر سالم لـ"الشرق"، نشر تل أبيب دبابات وأسلحة مخالفة لاتفاقية السلام داخل المنطقة D في قطاع غزة.
وأضاف أن تنفيذ عملية عسكرية إسرائيلية في محافظة رفح الفلسطينية "لا يتعارض مع اتفاقية السلام، طالما أن إسرائيل لم تضع دباباتها وأسلحتها الثقيلة في المنطقة D".
تخوف من "الأمر الواقع"
وقال الخبير الأمني المصري محمود محي الدين لـ"الشرق"، إن العلاقات بين القاهرة وتل أبيب تشهد حالة من "عدم الثقة" حالياً، مضيفاً أن الجانب المصري يتخوف من سياسة فرض الأمر الواقع التي يتبعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وأضاف أن دخول الجيش الإسرائيلي إلى رفح سيُحدث "حالة من التدهور في العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل".
وتابع: "مصر تتابع حالة الضغط الإسرائيلي على الحدود، وعلى سكان غزة، ولديها خطط أمنية واستيعابية لهذا الملف، تمت دراستها على مدار سنوات طويلة، ويتم تحديثها وتجديدها والتدريب عليها بشكل متواصل".
3 مناطق حدودية
وبدأت عملية تقسيم وترسيم الحدود بين قطاع غزة ومصر، بعد "معاهدة السلام" التي وقعتها مصر مع إسرائيل عام 1979.
وقسّمت الاتفاقية حينها شبه جزيرة سيناء إلى 3 مناطق، كل منطقة يُسمح فيها بدرجة محددة من التسليح، والمنطقة الأولى أو A تحاذي خليج السويس غرب سيناء، والمنطقة الثانية B تقع وسط سيناء، والمنطقة الثالثة والأخيرة هي C، وتقع شرق سيناء بمحاذاة الشريط الحدودي مع غزة، ويقتصر التواجد الأمني المصري فيها على قوة من الشرطة المدنية.
وسمح اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، بوجود قوة إسرائيلية "محدودة" لمراقبة الحدود في المنطقة D، والتي تقع داخل قطاع غزة، وسيطرت حينها على معبر رفح البري من الجهة الفلسطينية حتى عام 2005، حين انسحبت إسرائيل من القطاع، ووقعت على "اتفاق فيلادلفيا" مع مصر، والذي حدد مهام كل طرف وأسلحته المسموح بها في المنطقة والتزاماته.
وبحسب الاتفاقية، يسمح للقوات الإسرائيلية في المنطقة D الواقعة على الجانب الفلسطيني، بالتواجد بـ "قوة محدودة من 4 كتائب مشاة ومنشآتها العسكرية"، ومنعت بشكل واضح وجود أي "دبابات أو مدفعية أو صواريخ فيما عدا صواريخ فردية أرض/جو".
وتمنع الاتفاقية ذاتها مصر من نشر قوات تابعة للجيش في المنطقة C، وهي المنطقة الحدودية مع قطاع غزة، على أن تكتفي القاهرة بقوات من الشرطة المدنية.