
وضع مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي، تشاد البلد الواقع في قلب منطقة الساحل الإفريقي، في مركز الاهتمام، وهنا نستعرض أبرز التساؤلات المتعلقة بهذا الحادث.
في حين كان الجميع يترقب خطاب الانتصار للرئيس التشادي إدريس ديبي إيتنو بعد ساعات من فوزه بولاية رئاسية سادسة، أعلن الجيش التشادي، الثلاثاء، وفاة ديبي، الذي يحكم البلاد منذ 30 عاماً، متأثراً بجروح أصيب بها على خط المواجهة في معارك ضد المتمردين شمال البلاد خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وقال المتحدث باسم الجيش التشادي الجنرال عزم برماندوا أغونا، في بيان بثه التلفزيون الرسمي، إن "رئيس الجمهورية إدريس ديبي إيتنو لفظ أنفاسه الأخيرة مدافعاً عن وحدة وسلامة الأراضي في ساحة المعركة".
لماذا كان الرئيس على الجبهة؟
قالت الصحافية التشادية تماضر حسين في تصريحات لـ"الشرق"، إن "هناك تكتماً شديداً بخصوص مقتل ديبي، وحتى الآن لا يوجد غير البيان العسكري الذي يشير إلى مقتل الرئيس التشادي برصاصة طائشة خلال مواجهات عسكرية مع جماعة مسلحة قادمة من الحدود الليبية".
لكن على الرغم من هذا التكتم، إلا أن مصادر دبلوماسية أكدت لوكالة "رويترز"، أن الرئيس ديبي كان على الجبهة بالفعل.
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن ديبي تعرض مع مجموعة من الجنود لهجوم من عناصر تابعة لجبهة "التغيير والوفاق" القادمين من قواعدهم في ليبيا بعد أن دخلوا أراضيها في 11 أبريل الجاري، بهدف تخليص البلاد من حكم ديبي المستمر منذ 31 عاماً.
وفي مقابلة مع راديو "آر في" الفرنسي، قال القيادي في الجبهة محمد مهدي علي، إن ديبي شهد المعارك يومي الأحد والاثنين (18 و19 أبريل) في وسط غرب البلاد بالقرب من منطقة "نوكو إن كانيم"، لافتاً إلى أن الرئيس السابق أصيب خلال هذه المعارك يوم الأحد الماضي، ثم نُقل بالمروحية إلى العاصمة أنجامينا الواقعة على بعد 400 كيلو متر من ساحة المعارك.
من هي الأطراف الفاعلة؟
ينقسم المشهد السياسي في تشاد ما بين السلطة المدعومة من المؤسسة العسكرية التي ينتمي إليها الرئيس الراحل إدريس ديبي، والمعارضة السياسية، إضافة إلى حركات التمرد المسلحة.
وتتهم المعارضة السياسية الحكومة بالفساد، والمحسوبية، وتحمِّلها مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
أما المعارضة المسلحة، فتتمثل في مجموعة من حركات التمرد التي تسعى إلى تغيير النظام في تشاد بالقوة.
وأوضح الخبير في الشؤون الإفريقية الدكتور حمدي عبدالرحمن، أن أبرز هذه الحركات هو "اتحاد قوى المقاومة"، وهو تحالف مقره في ليبيا كان يهدف إلى العاصمة أنجامينا من أجل الإطاحة بديبي و"تشكيل حكومة انتقالية توحد كل قوى البلاد"، إلا أنه في 2019، تدخلت القوات الفرنسية وأحبطت هذا المخطط.
وأشار حمدي إلى أن هذه الحركة المتمردة تتكون بشكل أساسي من مقاتلي "الزغاوة"، أي الجماعة العرقية نفسها التي ينتمي إليها الرئيس الراحل ديبي، وكان يديرها قبل اعتقاله تيمان إرديمي ابن شقيق الرئيس الراحل.
وأضاف: "من الجماعات المتمردة التشادية الأخرى، "جبهة التغيير والوفاق في تشاد"، و"مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية" و"اتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية"، الذي انتقل إلى جنوب ليبيا بعد طرده من دارفور في غرب السودان من قبل حكومة الخرطوم في عام 2010".
لكن هذه الحركات وإن اتحدت في الهدف العام إلا أنها تختلف في تكويناتها، وتصورها لمستقبل البلاد، إذ يشير حمدي إلى أنها "منقسمة على أسس عرقية وطموحات شخصية، وعادة ما ينخرط مقاتلوها في أشكال مختلفة من الاتجار غير المشروع ويعملون أحياناً كمرتزقة للميليشيات الليبية"، على حد تعبيره.
كيف يؤثر الخارج في تشاد؟
تعد فرنسا من أهم الأطراف الخارجية الفاعلة في المشهد التشادي، إذ تتخذ باريس من العاصمة التشادية أنجامينا مركزاً لعملياتها لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل.
وأسهمت باريس في الحفاظ على حكم الرئيس الراحل إدريس ديبي، ففي فبراير 2008، أتاح الدعم الفرنسي لديبي صدَّ هجوم للمتمردين وصل إلى أبواب القصر الرئاسي، ثم في مطلع 2019، ساعدت فرنسا ديبي عبر قصف رتل من المتمردين التشاديين الذين دخلوا من ليبيا إلى شمال شرقي البلاد.
وشددت باريس في بيان للإليزيه الثلاثاء، على أهمية "الانتقال السلمي" للسلطة في تشاد، بعد وفاة ديبي، معربة عن "تمسكها الثابت باستقرار تشاد ووحدة أراضيها.
وأضاف بيان الإليزيه أن فرنسا "تتقدم بالتعازي إلى عائلة الرئيس ديبي والشعب التشادي برمته. فقد فقدت تشاد رئيساً سعى دونما هوادة من أجل أمن البلاد واستقرار المنطقة على مدى 30 عاماً. لقد فقدت فرنسا صديقاً شجاعاً".
ويرى الخبير في الشؤون الإفريقية حمدي حسن، أن تشاد تمثل حليفاً استراتيجياً لفرنسا، والغرب في الحرب ضد الإرهاب، وأن باريس لن تسمح بحدوث فوضى كبيرة في البلاد.
لكن الخبير في الدراسات الجيواستراتيجية والأمنية الدكتور الشرقاوي الروداني، يشير إلى أنه على الرغم من كون فرنسا حليفاً استراتيجياً لتشاد، إلا أنها ليست لديها المقدرة على مواجهة "الظاهرة الإرهابية وحالة عدم الاستقرار في المنطقة وحدها، خصوصاً في ظل المطالبات الحالية في باريس بعودة القوات الفرنسية المنتشرة في منطقة الساحل".
وإلى جانب فرنسا، تعد الولايات المتحدة من الأطراف الدولية الفاعلة في تشاد، إذ تحتفظ بحضور عسكري بسيط في البلاد، لتدريب وتجهيز القوات التشادية وبناء قدراتها، فيما يشير مسؤولون أميركيون إلى أن هناك نحو 70 جندياً أميركياً في البلاد.
كيف تطورت الأحداث؟
منذ استقلالها عام 1960 شهدت تشاد حالة كبيرة من عدم الاستقرار مع تمرد في الشمال اعتباراً من العام 1965، ثم في 1980، اندلعت حرب أهلية بين أنصار غوكوني وداي رئيس حكومة الاتحاد الوطني الانتقالي (بدعم من ليبيا) ووزير دفاعه حسين حبري الذي تولى السلطة عام 1982.
وفي عام 1990، أطاح إدريس ديبي بحبري، وبحسب لجنة تحقيق تشادية فإن القمع خلَّف 40 ألف قتيل في ظل نظام حبري الذي حكم عليه بالسجن المؤبد لارتكابه جرائم ضد الإنسانية من قبل محكمة إفريقية خاصة عام 2017.
كما أفشلت فرنسا محاولتين للإطاحة بالرئيس ديبي من قبل جماعات متمردة في عامي 2008 و2019.
وخلال الفترة الأخيرة تزايد السخط على أسلوب تعامل الرئيس الراحل ديبي مع ثروة البلاد النفطية. واضطرت الحكومة التشادية إلى خفض الإنفاق العام في السنوات الأخيرة، بسبب تراجع سعر النفط الذي يمثل سلعة التصدير الرئيسية ما أثار إضرابات عمالية، ومظاهرات عنيفة.
كما اتهمت المعارضة السياسية الحكومة بتزوير الانتخابات الأخيرة التي فاز بها ديبي بأكثر من 70% من الأصوات.
وقال يس عبد الرحمن سكين رئيس حزب الإصلاح المعارض: "حتى منتصف النهار كانت مراكز الاقتراع شبه خالية في كل البلدات تقريباً لكن المفوضية الوطنية المستقلة للانتخابات اختلقت للتو نتائج وهمية لخداع التشاديين"، مضيفاً بحسب "رويترز": "نحن لا نعترف بهذه النتيجة".
ومع تزايد الاحتقان الداخلي، نشطت حركات التمرد المسلحة التي تسعى للإطاحة بنظام ديبي، وخاضت مواجهات دامية أدت إلى مقتل المئات من المتمردين وقوات الحكومة.
وتصاعدت المواجهات بين الحكومة والحركات خلال الأسبوع الأخير خصوصاً في الوسط الغربي للبلاد، لتنتهي أخيراً بمقتل الرئيس ديبي خلال إشرافه على إحدى المعارك هناك.
وقال متحدث باسم جبهة "التغيير والوفاق" المتمردة إن مقاتليها "حرروا" الأحد الماضي، إقليم كانم الواقع على بعد نحو 220 كيلومتراً من العاصمة أنجامينا ولكن الحكومة نفت ذلك.
من هو رئيس تشاد الجديد؟
تدرج محمد نجل الرئيس إدريس ديبي، الذي عين الثلاثاء، رئيساً مؤقتاً للبلاد، في الوظائف العسكرية حتى رقاه والده إلى رتبة جنرال وهو في الثلاثين من عمره، كما عينه قائداً للحرس الجمهوري.
وشارك محمد إدريس ديبي في قيادة القوات التشادية المشاركة مع القوات الفرنسية في العديد من المعارك ضد الحركات المسلحة في منطقة الساحل الإفريقي.
وقالت الصحافية التشادية تماضر حسين، إن محمد يعتبر ابن المؤسسة العسكرية، كما ينظر إليه باعتباره شخصية توافقية في البلاد، على حد تعبيرها.
هل يستطيع نجل الرئيس السيطرة على البلاد؟
ينذر مقتل الرئيس ديبي باختلال المؤسسة العسكرية في تشاد التي يعتبرها الغرب، خصوصاً فرنسا القوة الاستعمارية السابقة، شريكاً أساسياً في الحرب ضد المسلحين بمنطقة الساحل.
وقال ناثانيال باول مؤلف كتاب "تاريخ التدخل العسكري الفرنسي في تشاد"، إن وفاة ديبي قد تؤدي إلى إثارة حالة من عدم التيقن الشديد في البلاد، بسبب انقسام الجيش داخلياً وانتشار المعارضين في داخل البلاد.
وأضاف باول، بحسب "رويترز": "لكن الإسراع بإعلان تشكيل مجلس عسكري وتنصيب ابنه محمد رئيساً للدولة يشير إلى استمرار النظام".
وتابع: "يهدف ذلك على الأرجح لتجنب أي محاولة للانقلاب من داخل المؤسسة الأمنية وطمأنة الشركاء الدوليين لتشاد، خاصة فرنسا وكذلك الولايات المتحدة، إلى أنه ما زال بإمكانهم الاعتماد على أنجامينا وعلى إسهامها المستمر في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل".
وذكر الباحث في العلوم السياسية عبدالفتاح نعوم لـ"الشرق"، أن تداعيات مقتل الرئيس إدريس ديبي على جيش البلاد ستأخذ سيناريوهين: الأول سيناريو الحفاظ على وحدة الجيش، وهذا السيناريو قوي، لأن ديبي نجح منذ وصوله إلى الحكم عام 1990 بانقلاب عسكري في تحصين نفسه والمؤسسة العسكرية من الانقلابات العسكرية، طيلة 30 عاماً.
وأضاف نعوم أن السيناريو الثاني، يتعلق بالتشظي أو بروز انشقاقات لبعض المجموعات، وهذا يتوقف على مدى تمكن المعارضة من هز المكونات الاجتماعية والديمغرافية التي يرتهن لها الجيش باعتباره يعكس التنوع الديمغرافي في البلاد.
وتمكن الجيش التشادي بحسب نعوم، من "أن يلفت انتباه الغرب لحساسية ودقة الوضع الأمني على المستوى الإقليمي، والتنبيه إلى أن تفككه سيفتح حتماً شهية التنظيمات الإرهابية التي تعج بها منطقة غرب إفريقيا والساحل".
ولفت نعوم إلى أن هذا التكتيك سيكون كافياً للجيش التشادي كي يستقطب المزيد من الدعم الدولي، ويقود عملية سياسية تعطي مكاناً للمعارضة، وتعيد ثقة التشاديين إليه كصمام أمان للبلاد في وجه التهديدات الإرهابية، وكضمانة إقليمية ودولية.
فيما يشير الخبير في الشأن الإفريقي حمدي حسن إلى أن الجيش التشادي على الرغم من سمعته، إلا أن الدعوات المتكررة لفرنسا من أجل تقديم الدعم تظهر أنه يعاني نقاط ضعف.
وتعهد الجيش التشادي الثلاثاء، بتنظيم انتخابات "حرة وديمقراطية" بعد انتهاء "فترة انتقالية" مدتها 18 شهراً بقيادة مجلس عسكري يرأسه نجل الرئيس إدريس ديبي.
لكن المتمردين الذين يشنون منذ 9 أيام هجوماً على النظام التشادي، توعدوا بالوصول إلى أنجامينا رافضين "رفضاً قاطعاً" تشكيل المجلس العسكري الانتقالي برئاسة نجل إدريس ديبي.
وقال الناطق باسم جبهة التغيير والوفاق (فاكت) كينغابي أوغوزيمي: "تشاد لا يحكمها نظام ملكي. يجب ألا يكون هناك انتقال للسلطة من الأب إلى الابن".
وأضاف أوغوزيمي بحسب وكالة الصحافة الفرنسية: "قواتنا في طريقها إلى أنجامينا، لكننا سنترك ما بين 15 إلى 28 ساعة لأبناء ديبي لكي يدفنوا والدهم وفق العادات".
اقرأ أيضاً: