كيف تهدد تيارات "اليمين المتطرف" مستقبل الاتحاد الأوروبي؟

time reading iconدقائق القراءة - 11
مظاهرة ضد حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AFD) اليميني المتطرف في مدينة هامبورج الألمانية. 19 يناير 2024 - Reuters
مظاهرة ضد حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AFD) اليميني المتطرف في مدينة هامبورج الألمانية. 19 يناير 2024 - Reuters
لندن -بهاء جهاد

توقعت استطلاعات الرأي في أوروبا فوز التيارات السياسية من "اليمين الشعبوي" في انتخابات البرلمان الأوروبي خلال يونيو المقبل، ما يجعلها، في حال حدوثه، "مجموعات ضغط" أساسية على الحكومات، من أجل تنفيذ سياستها "المتطرفة".

وهذا الاحتمال ربما يضع على المحك مسلمات سياسية وحقوقية واقتصادية لطالما عملت في ظلها تلك الأسرة الأوروبية المكونة من 27 عضواً.

وبحسب مراقبين ومختصين، باتت الخشية من هذه اللحظة تطوف على ألسنة أحزاب اليسار والوسط. أما التعويل على أصوات المعارضين لهذه التيارات في دول التكتل، فقد يخيب لضيق الوقت قبل موعد الاستحقاق.

وتحذّر تقارير من تقدم اليمين الراديكالي (المتطرف) الذي يوصف بـ"الشعبوي" في الانتخابات الأوروبية المقبلة، وتقول إنه سيمهد نحو انتصارات جديدة لساسة هذا التيار في جميع استحقاقات الدول الأوروبية، المحلية والبرلمانية والرئاسية. 

أما إذا نجح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في العودة إلى البيت الأبيض في نوفمبر المقبل، فإن "خطر اليمين المتطرف سيتضاعف"، وفق تلك التقارير.

تحديات عديدة

بين السادس والتاسع من يونيو المقبل، سيتوجه الأوربيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب 705 نواب يمثلونهم في برلمان التكتل. وبحسب دراسة للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قد يتصدر اليمينيون نتائج هذه الانتخابات في تسع دول، منها: فرنسا، وهولندا، والنمسا، وبلجيكا، ويحلون ثانياً وثالثاً في 9 دول أخرى.

ووجدت الدراسة أن تحالف أحزاب اليمين سيفرز أكثرية تحل محل تجمع التيارات الوسطية التي تقود البرلمان الأوروبي اليوم، ما يمكنها من قيادة توجهات التكتل بمختلف مجالات الحياة 5 سنوات مقبلة، لتحقق بذلك سابقة في تاريخ السلطة التشريعية للتكتل منذ انطلاق الاستحقاق عام 1979.

ويخلق الفوز المحتمل لأحزاب اليمين المتطرف تحديات كثيرة أمام خطط دعم التكتل لأوكرانيا، ومساعيه لمواجهة تغير المناخ، وتوجهاته لاحتواء تداعيات أزمة المهاجرين واللاجئين، وغيرها كثير من الاستراتيجيات الرئيسية والعامة.

وحذّر تقرير مجلس العلاقات الخارجية، من خطر نقل اليمين الراديكالي للنظريات الانفصالية إلى داخل البرلمان الأوروبي، خاصة أن اليمينيين المتطرفين في بعض دول التكتل مثل فرنسا، يدعون إلى مراجعة شاملة لجدوى العضوية الأوروبية، ولا يمانعون قيام مشاريع "استقلال أوروبية" على غرار ما فعلته المملكة المتحدة في عام 2020.

التأثيرات المتوقعة

بلغة الأرقام، توقّع مجلس العلاقات الخارجية أن يظفر التجمع اليميني "الهوية والديمقراطية" بـ40 مقعداً إضافياً ليصل إلى 100 نائب في البرلمان، كما يمكن أن يحصد "الإصلاحيون والمحافظون" 18 مقعداً جديداً ترفع رصيدهم إلى 85 نائباً، في مقابل زيادة ضئيلة في عدد نواب اليسار، وتراجع حصص أحزاب "الخضر" و"تجديد أوروبا" و"الشعوب الأوروبية" و"الاشتراكيين الديمقراطيين" مقارنة بالبرلمان الحالي.

وبينما تثق رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا، في قدرة الأحزاب الكبرى في البرلمان على وقف صعود اليمين المتطرف، يقول أحد المشاركين في التقرير، البروفيسور سايمون هيكس، "المهمة ليست سهلة"، لافتاً، في حديث مع مجلة "بوليتيكو" الأميركية، إلى أن الناخبين يحتاجون إلى إجراءات وتطمينات لا تقدمها أحزاب اليسار والوسط.

والسؤال المتضمن بين سطور التقرير هو: ماذا يعني تحوّل مركز ثقل البرلمان الأوروبي نحو اليمين؟ والإجابة، بحسب الباحث الهولندي عيسى مكسميليان، تتلخص في 3 محاور رئيسية، الأول هو تقليص دعم أوكرانيا، والثاني التشدد في التعامل مع المهاجرين، أما الثالث فيتمثل في تهميش مواجهة تغير المناخ من أجل دفع عجلة الاقتصاد، ومساعدة الأوروبيين على تجاوز الظروف المعيشية غير المستقرة.

وأشار مكسميليان إلى أن اليمين يحشد خلف شعارات "ترثي" حال الاتحاد الأوروبي، بسبب سياسات متساهلة اتبعتها أحزاب اليسار والوسط مع اللاجئين عامة، والمسلمين على نحو خاص، فالمهاجرون، برأيهم، هم السبب الرئيسي للأزمات التي يعيشها التكتل، والتبعية لبروكسل أفقدت الدول قدرتها على إدارة هذا الملف، من وجهة نظر اليمين.

تهديد القيم الأوروبية

وثمة وجه عنيف لليمين المتطرف يهدد القيم الأوروبية، ويستدعي عملاً حكومياً لمواجهته خارج أروقة السياسة.

والدولة الأكثر وضوحاً في هذه المعركة اليوم هي ألمانيا التي أعدَّت وزيرة داخليتها نانسي فيزر، خطة من 13 بنداً لمكافحة "التطرف" اليميني، تتضمن تفكيك شبكاته، وتجفيف موارد تمويله، وسحب الأسلحة من مؤيديه.

وتقول حكومة برلين، إن كبار أعضاء حزب "البديل لأجل ألمانيا" AFD حضروا مؤخراً اجتماعاً مع "النازيين الجدد"، يناقش خططاً سرية لترحيل المهاجرين، منوهة بأن موظفين في الدولة كانوا بين المجتمعين، و"ما يجمع تيارات اليمين المتطرف يشكل أكبر تهديد للبلاد في الوقت الراهن، ولا يمكن تجاهله مهما كانت الاعتبارات".

ويلفت الصحافي المختص بالشأن الألماني، لؤي غبرة، إلى أن خطة وزيرة الداخلية وُضعت منذ ما يزيد على العام، ولكنها بقيت حبيسة الأدراج بسبب تفاهمات سياسية بين الأحزاب، إلا أن التظاهرات الكبيرة التي شهدتها البلاد مؤخراً ضد اليمين المتطرف، أعطت الحكومة الضوء الأخضر لإحياء الخطة وملاحقة اليمينيين المتطرفين.

وأشار غبرة، في حديث مع "الشرق"، إلى أن التقديرات الاستخباراتية تشير إلى أن أكثر من 38 ألف ألماني ينتمون إلى تيارات اليمين المتطرف في البلاد، منهم 14 ألفاً يصنفون كأشخاص عنيفين، مشدداً على أن جهود الحكومة لمحاصرة هؤلاء ومنعهم من ارتكاب أعمال عدائية، جاء متأخراً، كما تتحدث تقارير محلية مختصة.

انتصارات محلية

المعضلة التي تواجه الحكومات الوسطية في أوروبا حالياً، تتمثل في اتساع رقعة التأييد الشعبي لليمين المتشدد رغم عدائيته. والانتخابات المحلية والبرلمانية التي جرت في دول التكتل خلال الأعوام القليلة الماضية، تؤكد ذلك وتعزز المخاوف العامة من سيطرة الشعبويين على القرار السياسي في مؤسسات بروكسل خلال سنوات قليلة.

وفي بولندا، تصدّر حزب "القانون والعدالة" الانتخابات البرلمانية في أكتوبر الماضي بنسبة 35.38%. وفي الشهر نفسه تصدّر اليمينيون في سلوفاكيا وشكلوا الحكومة، وفاز حزب "البديل لأجل ألمانيا" نهاية العام الماضي بأول رئاسة لبلدية مدينة، وتتوقع استطلاعات الرأي، أن يتصدر انتخابات ولايتي تورينجيا وساكسونيا المقبلة.

وفي فرنسا، حصلت زعيمة حزب "التجمع الوطني" مارين لوبان على 41.8% من الأصوات في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة أمام الرئيس إيمانويل ماكرون عام 2022. وفي العام نفسه فاز حزب "فيدس" بزعامة فيكتور أوربان بانتخابات المجر. كما ترأست زعيمة حزب "إخوة إيطاليا" جورجيا ميلوني الحكومة في روما.

وحصل حزب "ديمقراطيو السويد" على 73 مقعداً في انتخابات برلمان ستوكولهم قبل عامين. أما في فنلندا، فتمكّن التحالف اليميني من الوصول للحكومة في أبريل 2023. وبعدها بأشهر حصل الحزب الشعبوي بزعامة ألبرتو نونييس فيخو، على أكبر كتلة في الانتخابات التشريعية المبكرة التي شهدتها إسبانيا خلال يوليو الماضي.

أسباب اقتصادية ودينية

ويعزو نائب الرئيس التنفيذي في مركز السياسة الأوروبية ببروكسل، جانيس إيمانويليديس، تمدد اليمين المتطرف إلى النقمة الشعبية على فشل السياسات الرسمية في معالجة أزمة اللجوء في القارة العجوز، لافتاً في تقرير صادر عن المركز، إلى أن "حضور الشعبويين سياسياً لم يتسع بين ليلة وضحاها، وإنما بني على مدار عقدين".

ويشير إيمانويليديس، إلى أن الخشية من تغيّر المجتمعات الأوروبية ديموجرافياً ودينياً، نتيجة لازدياد أعداد المهاجرين، هي ما يستغله اليمين المتطرف في حشد الرأي العام خلف توجهاته، مشدداً على أن جماعات هذا التيار توظف جميع المشكلات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي يعيشها التكتل في سياق دعايتهم ضد اللاجئين.

وفي تقدير كاثرين ثورليفسون، الأستاذة في جامعة أوسلو، ورئيسة اللجنة النرويجية لمكافحة التطرف، زاد حضور اليمين المتطرف في دول الاتحاد الأوروبي بعد حرب روسيا في أوكرانيا، وما جلبه من مشكلات اقتصادية كبيرة للقارة العجوز. وتنوه في حديث مع شبكة Euronews إلى أن الشعبويين يطرحون حلولاً للأزمات لا يمكن تطبيقها، ولكنها تنطوي على دعوة جذابة للعودة إلى مرحلة مزدهرة قبل وقوع المشكلات.

وتقول ثورليفسون إن اليمين المتطرف بات يشكل خطراً على مستقبل أوروبا، فهي ترى "أن الشعبويين مستبدون تأتي بهم الانتخابات". ومع مرور الوقت سيتحول التكتل من الديمقراطية المفتوحة إلى "استبدادية الأكثرية" التي سوف تعرّض حقوق الأقليات للخطر، وتعبث باستقلال القضاء والتوازنات السياسية في الاتحاد الأوروبي.

توسع مستمر

ولفت تقرير نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية، إلى أن الأحزاب اليمينية المتطرفة في دول أوروبا توسعت تدريجياً حتى دخلت إلى البرلمانات المحلية، ومن ثم وسَّعت حضورها حتى باتت تشارك الأحزاب الكبرى السلطة عبر التحالف مع الفائزين بأكثرية لا تسمح لهم بتشكيل الحكومات، أما المرحلة الثالثة، فستكون بتحولهم إلى أحزاب كبرى.

وفي حديث مع الصحيفة البريطانية، قالت كاثرين فيشي، مديرة السياسات في مؤسسة "المجتمع المفتوح" في أوروبا، والخبيرة في جماعات اليمين المتطرف، إن تمدد الشعبويين في المشهد السياسي بدأ نهاية الألفية الماضية، ولكن ملاحظته والتدقيق في اتساعه لم يرق إلى المستوى المطلوب، وهو ما تسبب في تحوله إلى حراك خطير.

وتوضح الخبيرة في جماعات اليمين المتطرف، أن حزب "الحرية" النمساوي فاز بـ27% من الأصوات في انتخابات البرلمان قبل 25 عاماً ودخل الحكومة. كما أن جان ماري لوبان، زعيم الجبهة الوطنية الفرنسية، أو "التجمع الوطني" كما يسمى اليوم، وصل إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في فرنسا منافساً لجاك شيراك عام 2002.

وتلفت فيشي إلى أن معارضة الهجرة والإسلام والاتحاد الأوروبي، وحَّدت أحزاب اليمين المتطرف في القارة العجوز لسنوات طويلة، ثم ظهرت أسباب أخرى تتعلق بالحروب الثقافية، وحقوق الأقليات، ومعالجة أزمة المناخ التي تفرض الحكومات على الناس من خلالها تنازلات تحاصر اقتصادهم، وتزيد كلفة المعيشة عليهم.

دعم ترمب

ورغم تمدد اليمين المتطرف في دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن وجود الديمقراطيين وجو بايدن على رأس السلطة في أميركا، كان بمثابة حاجز أمام تمادي اليمين الراديكالي ومحاولاته التخلص من المهاجرين واللاجئين، ووقْف المساعدات الغربية لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، كما يقول تقرير لمعهد الدراسات السياسية في واشنطن.

ويلفت التقرير الذي نشرته مجلة The nation إلى أن عودة الرئيس السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض نهاية العام الجاري، حال حدوثها، يمكن أن تُمثل دعماً قوياً لليمين الراديكالي في أوروبا، وخاصة إذا ما تقدَّم الشعبويون في الانتخابات المقبلة لبرلمان الاتحاد الأوروبي، وجمعوا بين أسباب قوتهم المحلية والنفوذ في مؤسسات التكتل.

ويشدد المسؤول في معهد الدراسات السياسية جون فيفر، إلى أن التقاء توجهات الشعبويين في أوروبا مع خطط ترمب للقارة العجوز بعد فوزه المحتمل في الانتخابات المقبلة، سيزيد قدرة اليمين المتطرف على فرض أجندته السياسية في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يزيد بدوره من جاذبية هذا التيار وقدرته على الاستقطاب شعبياً.

تصنيفات

قصص قد تهمك