قال أربعة مسؤولين إسرائيليين الاثنين، إن إسرائيل تتوقع استمرار العمليات العسكرية الشاملة في غزة لمدة من 6 إلى 8 أسابيع أخرى، فيما أكد عضو مجلس الحرب بيني جانتس، أن إسرائيل ستشن هجوماً برياً على مدينة رفح، ما لم يتم إطلاق سراح الرهائن الذين ما زالوا محتجزين لدى حركة "حماس" بحلول شهر رمضان، المقرر أن يبدأ في 11 مارس المقبل.
وأوضح المسؤولون، وهم إسرائيليان ومسؤولان آخران في المنطقة لوكالة "رويترز"، أن القادة العسكريين في إسرائيل يعتقدون أن بإمكانهم إلحاق ضرر كبير بما تبقى من قدرات حركة "حماس" خلال هذه الفترة، مما يمهد الطريق للتحول إلى مرحلة أقل كثافة من الضربات الجوية المستهدفة وعمليات القوات الخاصة.
ونقلت "بلومبرغ" عن جانتس قوله، إن الجيش سيسهل إجلاء المدنيين في غزة بالتنسيق مع الولايات المتحدة ومصر؛ لتقليل الخسائر في صفوفهم. وتتعرض إسرائيل لضغوط مكثفة، بما في ذلك بعض من أقرب حلفائها، للتراجع عن الهجوم المخطط له على رفح، أو على الأقل ضمان السماح للمدنيين بالمغادرة قبل ذلك، وإرسالهم إلى أماكن آمنة.
وفرّ أكثر من مليون فلسطيني إلى رفح في الجزء الجنوبي من غزة، مع تركيز الجيش الإسرائيلي على شمال ووسط القطاع في بداية الحرب.
وقال جانتس في خطاب ألقاه أمام زعماء اليهود الأميركيين في القدس المحتلة: "لأولئك الذين يقولون إن التكلفة باهظة، أقول بقول وضوح: حماس أمامها خيار. يُمكنها الاستسلام وإطلاق سراح المحتجزين. وبهذه الطريقة، يُمكن لسكان غزة الاحتفال بعطلة شهر رمضان المبارك".
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال في وقت سابق، إن شن هجوم بري على رفح أمر ضروري للقضاء على الكتائب المتبقية لـ"حماس"، وأن الذي يطالبون إسرائيل بالبقاء خارج المنطقة يدعونها إلى خسارة الحرب.
وتعهد جانتس بمواصلة القتال حتى تحقيق أهداف إسرائيل، والتي تشمل التخلص من التهديد الذي تشكله "حماس" و"حزب الله" اللبناني، وإعادة المحتجزين المتبقين، البالغ عددهم 130 إسرائيلياً، والقضاء على "حماس" بشكل كامل في القطاع.
وتعثرت المحادثات الرامية إلى ضمان وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين المتبقين مؤخراً بعدما رفض نتنياهو مطالب "حماس"، ووصفها بأنها "وهمية".
وقال جانتس لزعماء اليهود الأميركيين، إنه "يعارض الاعتراف بوجود دولة فلسطينية من جانب واحد، وأن هذه الخطوة ليست الحل لتحقيق الاستقرار والسلام الإقليميين".
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، قال، الجمعة، إن الجيش يخطط لعمليات في رفح تستهدف مقاتلي "حماس" ومراكز قيادة وأنفاق الحركة، لكنه لم يحدد جدولاً زمنياً للحملة. وأكد أنه يجري اتخاذ "إجراءات استثنائية" لتجنب الخسائر البشرية من المدنيين.
وأضاف في مؤتمر صحافي "كان هناك 24 كتيبة في غزة، وقمنا بتفكيك 18 منها.. الآن، رفح هي مركز الثقل التالي لحماس".
ولم تحدد الحكومة الإسرائيلية من قبل، موعداً نهائي لهجومها المخطط على المدينة التي لجأ إليها معظم النازحين الفلسطينيين البالغ عددهم 1.7 مليون نسمة.
ودفعت المخاوف على المدنيين، الحكومات الأجنبية ومنظمات الإغاثة إلى حث إسرائيل مراراً وتكراراً على عدم الدخول إلى رفح. وعلى الرغم من الضغوط الدولية المتزايدة، بما في ذلك النداء المباشر من الرئيس الأميركي جو بايدن، يصر نتنياهو على أن الحرب لا يمكن أن تكتمل دون الهجوم على رفح.
ووفقاً لمصدر أمني إسرائيلي ومسؤول إغاثة دولي، طلبا عدم نشر هويتهما، في تصريحات لـ"رويترز"، "يمكن فحص سكان غزة للتخلص من أي مقاتلين من حماس قبل توجههم شمالاً". وقال مصدر إسرائيلي منفصل إن إسرائيل يمكن أن تبني أيضاً رصيفاً عائما إلى الشمال من رفح لإتاحة وصول المساعدات الدولية والسفن المجهزة كمستشفيات عن طريق البحر.
ومع ذلك، قال مسؤول إسرائيلي، إنه لن يُسمح للفلسطينيين بالعودة إلى شمال غزة بشكل جماعي، مما يترك الأراضي التي تتناثر فيها الشجيرات حول رفح خيار للمخيمات المؤقتة. وقال المسؤولان في المنطقة أيضاً، وفق "رويترز"، إنه "لن يكون من الآمن نقل عدد كبير من الأشخاص إلى منطقة في شمال القطاع من دون كهرباء ولا مياه جارية، ولم يتم تطهيرها من الذخائر غير المنفجرة".
وذكر عدة مسؤولين مطلعين على المحادثات بين الحكومتين أن واشنطن متشككة في أن تكون إسرائيل جهزت استعدادات كافية لإجلاء آمن للمدنيين.
وقال آفي ميلاميد، المسؤول السابق في الاستخبارات الإسرائيلية والمفاوض في الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية في الثمانينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إن الفرصة ضئيلة في أن تستجيب حكومة نتنياهو للانتقادات الدولية، وتلغي الهجوم البري المزمع على رفح.
وأضاف لوكالة "رويترز"، أن "رفح هي آخر معقل لسيطرة حماس، ولا تزال هناك كتائب في رفح يجب على إسرائيل تفكيكها لتحقيق أهدافها في هذه الحرب".
نصر "لن يكون سهلاً"
وعلاوة على ذلك ترى "حماس" أن النصر المبين الذي وعد به نتنياهو "لن يكون سريعاً أو سهلاً".
وقال مسؤول من "حماس" يقيم في قطر لـ"رويترز" إن تقديرات الحركة تفيد بأنها فقدت 6 آلاف مقاتل خلال الحرب المستمرة منذ أربعة أشهر، أي نصف العدد الذي تقول إسرائيل إنها قتلته وهو 12 ألفاً.
وأضاف المسؤول الذي طلب عدم ذكره بالاسم، إن الحركة يمكنها مواصلة القتال، وهي مستعدة لحرب طويلة في رفح وغزة.
وقال: "نتنياهو خياراته صعبة ونحنا خياراتنا صعبة، هو يقتل وبإمكانه أن يحتل غزة، وعنده غطاء لذلك، لكن وبنفس الوقت (حماس) صامدة وتقاتل. لم يحقق أهدافه لقتل القيادة العسكرية وإبادة حماس".
وأجرى بايدن اتصالاً بنتنياهو، الخميس، وسط مخاوف بشأن عدم إحراز تقدم كبير على صعيد محادثات تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة "حماس"، واحتمال شن الجيش الإسرائيلي عملية برية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، تعارضها واشنطن.
وقال البيت الأبيض إن بايدن أثار المخاوف بشأن العملية الإسرائيلية في رفح مع نتنياهو، وجدد التأكيد على وجهة نظره بأنه "لا يجب المضي قدماً في عملية عسكرية في رفح دون خطة موثوقة يمكن تنفيذها، لضمان سلامة المدنيين في رفح".
وأدت الخطط العسكرية الإسرائيلية التي تلوح في الأفق لاجتياح مدينة رفح جنوب قطاع غزة، إلى تفاقم التوترات بين حكومة نتنياهو، وإدارة بايدن، التي تقول صحيفة "وول ستريت جورنال"، إنها أصبحت "مُحبطة" بشكل متزايد بسبب فشل محاولات كبح جماح تلك الخطط العسكرية.
وأضافت الصحيفة، في تقرير، الخميس، أن تداعيات انعدام الثقة بين بايدن ونتنياهو، اللذين تحدثا 19 مرة منذ هجوم حركة "حماس" في 7 أكتوبر الماضي، باتت أكثر وضوحاً في الأيام الأخيرة، مشيرة إلى أن بايدن يحاول منع العملية العسكرية على رفح، التي يقيم فيها الآن 1.1 مليون نازح فلسطيني، ولكن نتنياهو تعهد بالمضي قدماً في خطته، قائلاً إن إسرائيل ستشن عملية قوية في المدينة بمجرد إخلاء السكان.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين، لم تكشف هويتهم، قولهم إن الولايات المتحدة، لن تدعم، تحت أي ظرف من الظروف، أي خطة لاجتياح واسع النطاق لرفح، وأنها تفضل إجراء عمليات مستهدفة، مشيرين إلى أن إدارة بايدن طلبت من الجيش الإسرائيلي إعداد خطة ذات مصداقية تتضمن الجانب العسكري وكذلك الإنساني حال قرر تجاهل نصيحة واشنطن اجتياح المدينة.
وأصبح أكثر من 85% من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من دون مأوى. ولجأ معظم النازحين إلى رفح التي كان يقدر عدد سكانها قبل الحرب بنحو 300 ألف نسمة.
وقال عماد جودت (55 عاماً) الذي نزح في وقت مبكر من الحرب إلى هناك مع عائلته من مدينة غزة حيث كان يدير شركة للأثاث "فش أي مكان فاضي في رفح، فوق المليون ونصف بني آدم موجودين هنا، هل العالم يعرف هادا الكلام؟".
وقال الأب لخمسة أطفال، ويعيش في مدينة من الخيام بلا طعام أو ماء في رفح "أنا مسؤول عن أسرة كبيرة... عندي شعور بالعجز لأني مش عارف وين بدي أروح فيهم إذا صار اجتياح".
إيواء النازحين
وتغلق مصر حدودها مع القطاع. وتصر القاهرة على معارضتها لتهجير الفلسطينيين من غزة في إطار رفض عربي أوسع لأي تكرار لـ"النكبة" عندما أجبر 700 ألف فلسطيني، على ترك ديارهم خلال حرب عام 1948 التي صاحبت إعلان قيام إسرائيل.
وقالت ثلاثة مصادر أمنية في مصر لـ"رويترز"، طلبت عدم نشر أسمائها بسبب حساسية الأمر، إن مصر تمهد منطقة على حدود غزة يمكن استخدامها لإيواء لاجئين فلسطينيين كإجراء طارئ إذا أدى هجوم إسرائيلي على رفح إلى نزوح جماعي عبر الحدود.
إلا أن الحكومة المصرية نفت القيام بأي استعدادات من هذا القبيل، وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي، أن إسرائيل ليس لديها أي نية لإجلاء المدنيين الفلسطينيين إلى مصر.
وقال ميلاميد، المسؤول السابق في المخابرات الإسرائيلية، إن التأخير الوحيد المحتمل للهجوم الإسرائيلي على رفح يمكن أن يحدث إذا قدمت "حماس" تنازلات في المفاوضات وأطلقت سراح الرهائن الذين احتجزتهم في السابع من أكتوبر.
وأضاف: "حتى ذلك لن يؤدي إلا إلى تأخير التقدم نحو رفح ما لم يقترن بنزع السلاح في المدينة واستسلام كتائب حماس هناك".
وقال مسؤول أمني كبير في المنطقة، إن إسرائيل تعتقد أن بعض قادة حركة "حماس" والرهائن موجودون في رفح.
وفي هذا الشهر، وبعد أسابيع من المفاوضات، اقترحت حماس وقفاً لإطلاق النار لمدة أربعة أشهر ونصف الشهر يتم خلاله إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، مع سحب إسرائيل لقواتها من قطاع غزة والتوصل إلى اتفاق بشأن إنهاء الحرب.
ورفض نتنياهو العرض، ووصفه بأنه "وهمي". وانتهت جولة جديدة من المحادثات التي شملت الولايات المتحدة ومصر وإسرائيل وقطر بهدف التوصل إلى هدنة الثلاثاء الماضي، في القاهرة دون تحقيق انفراجة.
وقالت المصادر الأميركية، إن كبار المسؤولين الأميركيين يرون أن التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن المتبقين مقابل هدنة طويلة للصراع هو أفضل طريق لإفساح المجال أمام محادثات أوسع نطاقاً.
وأضافوا أنهم مع ذلك يشعرون بالقلق من أن مثل هذا الاتفاق قد لا يتحقق في الأسابيع المقبلة، وأن الحرب ستستمر حتى شهر رمضان في مارس وأبريل، مما قد يؤدي إلى تكثيف الانتقادات العالمية للحملة الإسرائيلية.