مع استمرار خسائرها الكبيرة أمام الرئيس السابق دونالد ترمب، تعهدت حاكمة ولاية ساوث كارولاينا السابقة، نيكي هيلي، بالبقاء في سباق الفوز بترشيح الحزب الجمهوري لمنافسة الرئيس الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الرئاسة 2024.
كانت هيلي، التي انتخبت حاكماً لساوث كارولاينا مرتين، تراهن على الفوز بالولاية التي تنتمي إليها، في منافسة فردية صوت فيها المستقلون وحتى الديمقراطيون. وجاءت خسارتها، السبت الماضي، مخيبة للآمال الضئيلة في إيقاف مسيرة ترمب نحو الفوز بترشيح الحزب الجمهوري.
وبعد الخسارة المدوية ورغم الضغوطات عليها للانسحاب من السباق الجمهوري، ذهبت هيلي بعد 3 أيام لجولة جديدة في ولاية ميشيجان، وخسرت هناك أيضاً، إلا أنها أعلنت بقائها في سباق الانتخابات التمهيدية حتى الثلاثاء الكبير على الأقل.
وقالت هيلي أمام حشد من الصحافيين، السبت، بعد خسارتها ولاية ساوث كارولاينا، "هذه ليست نهاية قصتنا، أعلم أن "40% ليس 50%ط، لكنني أعلم أيضاً أن 40% ليست نسبة صغيرة". ودأبت هيلي على تكرار أنها على الرغم من عدم فوزها بعد بأي ولاية في السباق، تظل "المنافس القوي الذي يهدد ترمب"، لكن بعد حصول ترمب على 60% من الأصوات، يتضح أن أقلية من الناخبين الجمهوريين يسعون إلى بديل له.
وبعد السقوط أمام ترمب في بيتها الانتخابي ساوث كارولاينا، أعلنت حملة هيلي جمع مليون دولار من التبرعات الشعبية، وهو ما يعد نقطة قوة لهيلي مكنتها من الاستمرار في السباق رغم خسائرها المتتالية. لكن بعد يوم واحد فقط من تلك الخسارة أوقفت منظمة "أميركيون من أجل الرخاء"، دعمها المالي لسفيرة واشنطن في الأمم المتحدة السابقة.
إيقاف التمويل من قبل الشبكة السياسية التابعة للملياردير ورجل الصناعات، تشارلز كوخ، اعتبره خبراء تحدثوا لـ"الشرق" ضربة قوية لحملتها؛ يمكن أن تؤثر على الجهات المانحة الأخرى أيضاً.
وفي شأن إصرارها على استكمال السباق رغم الخسائر وتزايد التحديات، قال الخبراء إن هيلي تسعى إلى هدف طويل المدى، وتراهن على "لحظة محددة" قد تنهي السباق لصالحها.
فوز مختلف
ترمب الذي يواجه 91 تهمة جنائية في أربع قضايا، فاز في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في 5 ولايات على التوالي بفضل الناخبين الإنجيليين والريفيين، لكن الفوز على هيلي في ساوث كارولاينا كان له وقع مختلف عليها.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته، ABC News و Ipsos أن غالبية الأميركيين يريدون بديلاً لمباراة العودة بين ترمب وبايدن.
ورغم فوز ترمب في ساوث كارولاينا بنسبة 60%، اعتبر الخبراء الذين تحدثوا مع "الشرق" أن النتيجة جاءت مخيبة للآمال بالنسبة للطرفين.
وقال الباحث السياسي في مركز السياسة التابع لجامعة فيرجينيا، جيه مايلز كولمان، إن ترمب فاز بالفعل في ساوث كارولاينا، لكن هامشه كان مخيباً للآمال، على الأقل مقارنة باستطلاعات الرأي".
وأضاف لـ"الشرق" أن ترمب، على الرغم من فوزه، كان ضعيفاً أمام الناخبين من ذوي الدخل المرتفع والتعليم الجامعي، "ولهذا السبب تمكنت هيلي من السيطرة على منطقة الكونجرس الأولى، وهي منطقة ساحلية ثرية بالقرب من تشارلستون، وحرمت ترمب من المطالبة بجميع المندوبين الخمسين الذين كانوا على المحك، إذ حصلت هيلي على 3 مندوبين".
واتفق الباحث السياسي ومستطلع الأراء الانتخابية زاك مكيري مع كولمان، في أن الكثير من الناخبين الجمهوريين يفضلون خياراً آخر على ترمب. وقال مكيري لـ"الشرق" إن ترمب فاز بأغلبية واضحة من أصوات الحزب الجمهوري حتى الآن، لكن حصته الإجمالية من الأصوات أقل من 60% "وهو ما يظهر الكثير من الضعف بالنسبة لرئيس سابق يحاول استعادة منصبه".
ومع ذلك، لفت مكيري إلى أن نتائج ساوث كارولاينا تنبىء بما يشبه الانتخابات التمهيدية السابقة للحزب الجمهوري، من حيث أن "ترمب يفوز بشكل واضح، ولا يوجد طريق للفوز لأي مرشح جمهوري آخر".
من جانبه، وصف أستاذ القانون والسياسة العامة ومدير استطلاع كلية الحقوق في جامعة ماركيت، تشارلز فرانكلين، انتخابات ساوث كارولاينا بأنها "فرصة ضائعة" بالنسبة لهيلي.
وقال فرانكلين في حديثه مع "الشرق" إن خسارة هيلي بنحو 21 نقطة في موطنها الأصلي الذي تولت فيها منصب الحاكم لولايتين، أمر تعيس لها"، مضيفاً "كانت هذه فرصتها لإظهار قوة غير متوقعة، وإظهار كونها بديلاً قوياً لترمب".
انتكاسة "التمويل"
وفي الوقت الذي وصفت فيه الباحثة السياسية، مادلين كونواي، تأثير انسحاب منظمة "أميركيون من أجل الرخاء" من تمويل حملة هيلي بالـ"ضئيل"، وأوضحت لـ"الشرق" أن هيلي تجمع الأموال بشكل جيد من الجهات المانحة الأخرى في هذه المرحلة؛ اعتبر كولمان أن ذلك الانسحاب يمثل ضربة لحملتها "وقد يكون ذلك أيضاً بمثابة إشارة بعدم الثقة قد تنتقل إلى الجهات المانحة الكبرى الأخرى أيضاً".
ولفت كولمان إلى أنه بعد انسحاب مرشحين آخرين، مثل حاكم فلوريدا رون ديسانتيس من سباق 2024، من المنطقي أن تعتقد هيلي أن هذه فرصتها، ربما الوحيدة، للفوز بالترشيح، خاصة مع تواتر أنباء أن المنسحبين "يفكرون بالفعل في انتخابات 2028".
وأضاف كولمان أن هيلي أيضاً تراهن على بقائها في السباق رغم خسائرها المتتالية، مضيفاً: "ربما يعاني ترمب، بسبب تقدمه في السن من مشكلة صحية ما، أو أن يتم رفض الترشيح بطريقة أو بأخرى بسبب تحديات قانونية، فهي ترى أن هذه هي أفضل لحظة لها".
لكن كونواي، ذكرت أن هدف هيلي من البقاء في السباق هو محاولتها ترسيخ نفسها كلاعب قوي في السياسة الجمهورية في الحاضر والمستقبل، موضحاً: "هي تعلم أنها غير قادرة على التغلب على ترمب، أعتقد أن هذا يعكس شعورها بأن مصالحها طويلة المدى يتم تقديمها بشكل أفضل من خلال الاستمرار في بناء ملفها الشخصي حتى في ظل الجهد الخاسر".
من جانبه، وصف فرانكلين منظمة "أميركيون من أجل الرخاء" بأنها مجموعة ذات تنظيم عميق، وليس بهم أصدقاء لترمب، وكان دعمهم ضروري جداً لهيلي، "لكنهم أوقفوا الدعم، وهو ما قد يشكل انتكاسة كبيرة لحملتها في الفترة المقبلة".
وأشار فرانكلين إلى أن جمع التبرعات كان قوياً بما يكفي لمواصلة الحملة حتى الثلاثاء الكبير، متابعاً: "لكن من غير المرجح أن تظل مواردها المالية قوية".
وتوقع فرانكلين أن هيلي ستعلق حملتها بعد الثلاثاء الكبير، مضيفاً: "بحلول ذلك الوقت، سيكون لدى ترمب حصة كبيرة من المندوبين، ومن المؤكد أن أموالها لن تدعم مواصلة حملتها غير المجدية".
الثلاثاء الكبير وبطاقة الترشيح
وتتجه الأنظار إلى الثلاثاء الكبير في 5 مارس المقبل، الذي ستصوت فيه 16 ولاية جنوبية. ويتوقع الخبراء، أن يتم الإعلان عن المرشح الجمهوري بحلول نهاية الشهر القادم.
في المقابل، يستعجل الرئيس السابق حسم الانتخابات التمهيدية في أسرع وقت ممكن، وهو ما دفع مستشاره كريس لاسيفيتا إلى انتقاد اقتراح أحد أعضاء اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري بأن يبقى الحزب محايداً حتى يحصل المرشح على عدد كافٍ من المندوبين ليكون المرشح.
وقال لاسيفيتا، في المؤتمر الصحافي بعد فوز ترمب في ساوث كارولاينا: "لقد انتهت الانتخابات التمهيدية وتقع على عاتق اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري وحدها مسؤولية هزيمة جو بايدن واستعادة البيت الأبيض. الجهود المبذولة لتأخير ذلك تساعد بايدن في تدمير أمتنا".
ورجح خبراء أنه بحلول نهاية مارس، سيكون ترمب قد فاز بالعدد الكافي من المندوبين لكي يطلق عليه لقب "المرشح المفترض".
وقال فرانكلين "بعد الثلاثاء الكبير في 5 مارس سيحصل ترمب على ترشيح الحزب الجمهوري، أعتقد أنه سيكون أمراً لا يمكن إنكاره"، متابعاً: "من الممكن أن تحقق هيلي أداءً جيداً في عدد قليل من الولايات، مثل فيرمونت، لكنني لست متأكداً من أنها ستفوز بأي ولاية. ومن المؤكد أنها لن تحصل على حصة كبيرة من المندوبين".
ورجحت كونواي أن يفوز ترمب بجميع الانتخابات التمهيدية في الثلاثاء الكبير، ويعزز قبضته على ترشيح الحزب الجمهوري.
فيما ذكر كولمان، أن هيلي ربما تستطيع اختيار ولاية صغيرة، مثل ماساتشوستس أو فيرمونت، "ومع ذلك، كما كان الحال في ولاية كارولينا الجنوبية، ربما لا يزال هناك تصويت احتجاجي ملحوظ، ولكن ليس بالأغلبية، ضد ترمب في الضواحي والمناطق الأكثر ثراءً".
وقال كولمان إنه من المرجح أن يواصل ترمب سلسلة انتصاراته، موضحاً أن العديد من الولايات التي سيجرى فيها التصويت الأسبوع المقبل تقع في الجنوب، والتي ينبغي أن تؤيد ترمب بقوة.