أعلنت اليابان عن خطط جديدة لـ16 ميناءً ومطاراً ستشملها عملية تحديث واسعة لتمكينها من العمل كمراكز للطوارئ في أوقات الأزمات، وذلك في الوقت الذي تتنامى فيه ما يعتبره الغرب واليابان "تهديدات صينية في المنطقة"، وخاصة بشأن تايوان، التي تطالب بكين بالسيادة عليها.
وتدخل هذه الخطط في إطار استراتيجية الأمن القومي التي أُعلن عنها لأول مرة عام 2022، ومن بين المواقع التي ستشملها عملية التحديث، مطار ناها وميناء إيشيجاكي، اللذان يقعان بالقرب من مضيق تايوان، نقطة "الاشتعال" المحتملة في منطقة شرق آسيا.
وبالموازاة مع ذلك، تخطط طوكيو لتحديث تحالفها الأمني مع الولايات المتحدة في أكبر إجراء من نوعه منذ توقيعهما معاهدة الدفاع المشترك في عام 1960.
وكانت الحكومة اليابانية قد حددت خططاً لتطوير المطارات والموانئ في استراتيجية الأمن القومي التي نُشرت في عام 2022. وتم النظر في حوالي 30 منشأة اعتباراً من أغسطس 2023. وتم تقليص هذا العدد إلى 16 موقعاً حصلت على موافقة محلية.
وتشمل القائمة مطار كيتاكيوشو في جنوب غرب اليابان ومطار ناها في أوكيناوا، بالإضافة إلى موانئ كوشيرو في هوكايدو وإيشيجاكي في أوكيناوا، التي تقع على بعد حوالي 230 كيلومتراً شرق تايوان.
وسيتم تجهيز المرافق المختارة بمدارج أطول أو أرصفة إضافية. وفي حالة الطوارئ، يمكن لقوات الدفاع الذاتي اليابانية وخفر السواحل الياباني استخدامها كمناطق انطلاق للأفراد والإمدادات، أو لإجلاء السكان.
ويمكن أيضاً استخدام المرافق الموسعة لمساعدة السياحة المحلية وجهود الإغاثة في حالات الكوارث.
تايوان في صلب المخططات
وركزت اليابان جهود التحديث الدفاعي على المناطق القريبة من الصين، التي تعمل على تعزيز جيشها، وتايوان، التي يقول العديد من المحللين إنها يمكن أن تصبح نقطة محورية لنزاع مسلح في المستقبل القريب.
وتشمل قائمة المطارات يوناجوني، ونيو إيشيجاكي، ومياكو، وناها في محافظة أوكيناوا، بالإضافة إلى كاجوشيما وميازاكي في كيوشو، وكوتشي في شيكوكو.
ويمكن أن تكون هذه المواقع بمثابة قواعد يمكن لقوات الدفاع الذاتي اليابانية أن تنشر منها القوات، وتزودها بالوقود والغذاء في حالة الطوارئ في تايوان.
وفي مطارات أخرى، سيتم بناء مواقف سيارات وممرات وحظائر جديدة لتسهيل تشغيل طائرات قوات الدفاع الذاتي وخفر السواحل الياباني.
وتخطط الحكومة أيضاً لبناء ميناء جديد في جزيرة يوناجوني حيث يمكن لسفن الحراسة وسفن الدوريات أن ترسو. كما سيتم تجديد الأرصفة في موانئ إيشيجاكي وهيرارا وناها في أوكيناوا، وميناء كوماموتو في كوماموتو، وميناء هاكاتا في فوكوكا.
كما تم إدراج جزيرة هوكايدو القريبة من روسيا، ومحافظة فوكوي، التي تتعامل مع "السفن المشبوهة" القادمة من كوريا الشمالية، ضمن القائمة التي ستشملها التحسينات.
تحالف طوكيو - واشنطن
ونقلت صحيفة "نيكاي آسيا" اليابانية، عن الرئيس السابق لقسم الشؤون الخارجية بالحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم في اليابان، ماساهيسا ساتو، قوله إن "المقصود منه (المخطط) أيضاً السماح للجيش الأميركي بإرسال قوات في حالة الطوارئ"
ومن المتوقع أن يعلن الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء فوميو كيشيدا عن خطط لإعادة هيكلة القيادة العسكرية الأميركية في اليابان لتعزيز التخطيط العملياتي والتدريبات بين الدول، حسب ما نقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" الأميركية عن خمسة أشخاص مطلعين على الموضوع. وسيكشف الزعيمان عن الخطة عندما يستضيف بايدن كيشيدا في البيت الأبيض في 10 أبريل.
ويسعى الحليفان لتعزيز علاقاتهم الأمنية للرد على ما يعتبرونه تهديداً متزايداً من الصين، الأمر الذي يتطلب من جيوشهم التعاون والتخطيط بسلاسة أكبر، خاصة في حال تطور صراع تايوان إلى مواجهة عسكرية، وهو ما لم تستبعده بكين التي تقول إنها ستلجأ للقوة لضم الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي.
وبينما يشيد بايدن وكيشيدا بقوة التحالف الأميركي الياباني، فإن القمة ستأتي بعد أسابيع فقط من إعراب الرئيس الأميركي عن معارضته لاستحواذ مجموعة Nippon Steel اليابانية على شركة US Steel. وكان الهدف من هذا التدخل سياسياً بالأساس، ويتعلق بكسب الدعم النقابي قبل انتخابات نوفمبر، لكنه أدى جزئياً إلى إضعاف التحالف بين البلدين.
وعملت اليابان على مدى العامين الماضيين على زيادة قدراتها الأمنية بشكل كبير، وأنفقت المزيد على الدفاع، بما في ذلك خطط لشراء صواريخ توماهوك كروز الأميركية. كما يعكف الجيش الياباني على إنشاء "قيادة العمليات المشتركة" في العام المقبل لتحسين التنسيق بين فروع قوات الدفاع الذاتي اليابانية.
"مشاكل في التواصل"
لكن التنسيق بين الحليفين يواجه عراقيل، كون عمل القوات الأميركية في اليابان لم يتطور إلا قليلاً، ولم يواكب التطورات الجيو-استراتيجية في المنطقة، ولا يزال مستوى التنسيق هو نفسه مقارنة بالفترة التي لم يكن هنالك تعاون وثيق بين القوات المسلحة الأميركية واليابانية.
كما أن القوة الأميركية في اليابان لا تتمتع إلا بسلطة واستقلالية محدودتين. ويتعين على اليابان أن تتعامل بشكل أكبر مع القيادة الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في هاواي، والتي تبعد 19 ساعة عن طوكيو، أي حوالي 6200 كيلومتر.
ولطالما حثت طوكيو الولايات المتحدة على منح قائد USFJ المزيد من السلطة التشغيلية، قائلة إن هناك حاجة إلى تنسيق أوثق على الأرض.
وكان أحد العوامل المحفزة لهذا التعاون، هو زلزال وتسونامي عام 2011 عندما نفذت القوات الأميركية واليابانية عملية إنقاذ مشتركة. وبينما كان الأمر ناجحاً، قال رئيس الأركان المشتركة لقوات الدفاع الذاتي اليابانية آنذاك ريويتشي أوريكي، إنه كان من غير المناسب الاضطرار إلى التنسيق مع القيادة الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ في هاواي بدلاً من قائد القوات الأميركية المتواجدة في بلاده بالفعل.
وتقول طوكيو إن هناك حاجة ملحة لوضع ضابط أميركي أكبر على رأس قواتها في اليابان، في الوقت الذي تتولى فيه دوراً دفاعياً إقليمياً أكبر. ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن أوريكي قوله "إن هذه الخطوة ترسل إشارة استراتيجية قوية إلى الصين وكوريا الشمالية، ومن المفيد من وجهة نظر الردع أن نقول إن الولايات المتحدة ستعزز هيكل القيادة في اليابان".
ومن بين النماذج التي تدرسها إدارة بايدن، إنشاء قوة عمل عسكرية أميركية مشتركة جديدة سيتم إلحاقها بالأسطول الأميركي في المحيط الهادئ، وسيقضي قائد الأسطول وقتاً أطول في اليابان مما يفعل في الوقت الحاضر وسيكون له فريق دعم في البلاد. وبمرور الوقت، ستنتقل فرقة العمل، التي ستضم فرقاً مختلفة من الجيش الأمريكي، إلى اليابان.
"التهديد الصيني"
ويأتي هذا في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات بين الصين والغرب في منطقة بحر الصين الجنوبي.
والثلاثاء الماضي قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان إن الولايات المتحدة "لا يحق لها" التدخل في بحر الصين الجنوبي، واعتبر أن واشنطن "ليست طرفاً في مسألة بحر الصين الجنوبي، ولا يحق لها التدخل في قضايا بحرية بين الصين والفلبين".
وجاء ذلك رداً على تصريحات أخرى من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أكد فيها أن بلاده تتمسك بالتزامها الدفاع عن الفليبين في مواجهة أي هجوم مسلح في الممر المائي.
وتطالب بكين بالسيادة على بحر الصين الجنوبي بأكمله تقريباً، بما في ذلك المياه والجزر القريبة من سواحل عدد من الدول المجاورة، على الرغم من قرار قضائي دولي رأى أن لا أساس قانونيا للمطالبات الصينية.
وأعلنت الصين مطلع مارس الجاري أنها ستزيد ميزانيتها الدفاعية في العام 2024 بنسبة 7,2% لتبلغ 231 مليار دولار تقريباً، في وقت تتفاقم التوترات بشأن تايوان وبحر الصين الجنوبي.
وتشكّل زيادة الإنفاق الدفاعي الصيني مصدر قلق لتايوان، وتنظر القوى الغربية واليابان التي تتنازع مع بكين على جزر في بحر الصين الجنوبي، بعين الشك لهذه الزيادة في الإنفاق الدفاعي، فيما تؤكد الصين من جهتها قلقها حيال التعاون بين خصومها الإقليميين، والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو).