حمل الهجوم الإيراني على إسرائيل، في طيّاته عدّة رسائل موجّهة بالأساس إلى الولايات المتحدة وحليفتها في المنطقة إسرائيل؛ وهي أن "الإيرانيين أكثر جنوناً مما تظنون، ومستعدّون لتحمل عواقب الحرب إذا لزم الأمر، وفق ما نقلته "فاينانشيال تايمز" عن مصدر مطلع على خطط النظام الإيراني.
وبعد ساعات من إطلاق وابل من المسيرات والصواريخ ضد إسرائيل ليل السبت الأحد، أعلن قادة الجيش الإيراني أن "المهمة أُنجزت"، بعد أن نفذوا "تغييراً في التكتيكات" يهدف إلى "استعادة قدرتهم على الردع".
وقال مصدر وصفته "فاينانشال تايمز" بأنه "مطلع على خطط النظام الإيراني إن "الهدف من الهجوم هو إرسال رسالة ردع وإشارة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل بأنه طفح الكيل".
كما أرادت طهران أن يكون هذا الهجوم رسالة استعراض للقوة، "إذا تم إرسالها بشكل واضح"، لتخرج إلى العلن "حرب الظل طويلة الأمد التي تخوضها إيران ضد إسرائيل"، وفق صحيفة "فاينانشال تايمز".
وفقاً للجيش الإسرائيلي، فإن جميع الطائرات المسيّرة البالغ عددها 170 طائرة لم تتمكن من شق طريقها إلى المجال الجوي الإسرائيلي، وتم إسقاط 25 من إجمالي 30 صاروخ كروز قبل عبورها الحدود الإسرائيلية، كما تمكنت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية من تدمير معظم الصواريخ الباليستية البالغ عددها 120 صاروخاً.
ومع ذلك، أشادت طهران بنجاح عمليتها باعتبارها "رد فعل محسوب" لاستعادة قوة الردع الإيرانية وتعزيز صورتها بين الوكلاء الإقليميين والموالين المحليين.
واعتبر المسؤولون الإيرانيون أن هذه الضربة أيضاً دليل على قدرة طهران على الرد على أية تهديدات، وجهوزيتها لاتخاذ إجراءات حاسمة إذا ما تعرضت لاستفزاز.
"مقامرة سياسية"
واعتبرت "فاينانشال تايمز" أن قرار شن هجوم مباشر على إسرائيل كان بمثابة "مقامرة سياسية كبيرة" من قبل المرشد علي خامنئي، الذي يتبع تقليدياً سياسة "الصبر الاستراتيجي" في الرد على أعدائه، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل.
ويعني ذلك، وفق الصحيفة البريطانية، أن صانع القرار النهائي في طهران سعى إلى "تجنّب الدخول في صراع مباشر"، حتى بعدما اتهمت طهران إسرائيل باغتيال علماء نوويين إيرانيين ومسؤولين أمنيين داخل البلاد، واعتمد، بدلاً من ذلك، على "الحرب غير المتكافئة واستخدام الوكلاء الإقليميين"، مثل "حزب الله" وبعض الميليشيات في العراق وسوريا، على حد وصف الصحيفة.
وفي هذا السياق، قال أحمد داستمالشيان، سفير إيران السابق لدى لبنان، لـ"فاينانشال تايمز" إن الهجوم على إسرائيل "فتح فصلاً جديداً في سياسة إيران الدّفاعية"، مشيراً إلى أنه يمثل "نقلة نوعية من الصبر الاستراتيجي إلى الدفاع متعدد المستويات".
وشنت إسرائيل سلسلة من الضربات ضد أهداف إيرانية في سوريا منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة التي أشعلت فتيل موجة من الأعمال العدائية الإقليمية شاركت فيها جماعات مسلحة مدعومة من إيران.
ومنذ 7 أكتوبر، سقط 18 من أفراد الحرس الثوري على الأقل في سوريا، فيما قتلت الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان أكثر من 250 مقاتلا من حزب الله. وطوال هذه الفترة، أكد المسؤولون الإيرانيون مراراً وتكراراً أن طهران تريد تجنب اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقاً أو دخول في صراع مباشر ضد إسرائيل.
ومع ذلك، تعتقد طهران أن الضربة الإسرائيلية ضد قنصليتها في دمشق قد تجاوزت الخطوط الحمراء، وشعرت بالقلق من أن عدم الرد لن يؤدي إلا إلى "تشجيع المزيد من التهديدات الإسرائيلية وتصوير إيران على أنها ضعيفة"، وفقاً لما نقلته فاينانشال تايمز عن المصدر المطلع على خطط النظام.
"هجوم محدود"
ووصف المسؤولون الإيرانيون الهجوم بأنه "محدود"، حيث استهدف وابل الطائرات المسيرة والصواريخ قاعدة جوية ومركز استخباراتي، قالوا إن إسرائيل استخدمتهما في هجومها على القنصلية في دمشق في الأول من أبريل.
وقال حامد رضا تراجي، وهو سياسي إيراني محافظ، لـ "فاينانشال تايمز": "صحيح أن إسرائيل اعترضت عدداً كبيراً من طائرات الكاميكازي المسيرة (الانتحارية)، ولكن بإطلاق وابل من الطائرات بدون طيار كانت إيران تستهدف اكتساح نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي متعدد الطبقات، حتى تتمكن صواريخها من اختراقه"، مشيراً إلى أن طهران تمكنت من "ضرب قاعدة عسكرية رئيسية بـ7 صواريخ".
وقال الجيش الإسرائيلي إن الهجوم تسبب في إلحاق أضرار طفيفة بالقاعدة الجوية، ولم يتم الإفادة عن سقوط ضحايا خلال القصف الليلي، رغم إصابة طفل بجروح خطيرة إثر سقوط شظايا عقب عمليات الاعتراض، وفق "فاينانشال تايمز".
وقال اللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري، إن هجوم إيران "كان من الممكن أن يكون أكبر من ذلك بكثير، ولكننا اقتصرنا فقط على استهداف المنشآت التي استخدمها النظام الإسرائيلي في الهجوم على القنصلية".
من جانبه، قال حسين أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني، إن طهران منحت "أصدقاءنا" في المنطقة تحذيراً قبل 72 ساعة من شن الهجوم.
وأضاف أن طهران بعثت برسالة إلى واشنطن، الأحد، تفيد بأن "العملية ستكون محدودة بهدف الدفاع المشروع ومعاقبة إسرائيل"، ما يشير إلى رغبة طهران في تجنب أي تصعيد مع الولايات المتحدة.
وأعرب الإيرانيون الذين عمدوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي عن وجهات نظر متباينة، ما يعكس حالة الاستقطاب التي تشهدها البلاد، حيث دافع البعض عن الهجوم مشيرين إلى أنه أحيا شعورهم بالاعتزاز الوطني، وصب العقاب على إسرائيل، فيما اعتقد آخرون أنه من الخطأ جر البلاد إلى حافة حرب شاملة، وأعربوا عن قلقهم بشأن الرد الإسرائيلي المتوقع.
ورغم مخاطر الرد الإسرائيلي على طهران، بدا المسؤولون الإيرانيون، ظاهرياً على الأقل، واثقين من أن إسرائيل لن ترد بشكل مباشر ضد إيران، مراهنين على أن مقامرة خامنئي ستؤتي ثمارها.
في هذا الإطار قال داستمالشيان لـ"فاينانشال تايمز": "لقد كان هذا عملاً عقابياً وانتهى"، محذّراً من أنه "إذا ارتكب الإسرائيليون خطأ آخر، فسوف ترد إيران على نطاق أوسع بكثير"، قبل أن يردف: "ولكننا لا نعتقد أن الأميركيين والأطراف الأخرى لديهم أية مصلحة في توسيع دائرة الصراع".