يزداد الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية المحتلة صعوبة بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ما أدى إلى تعميق ارتهانه لإسرائيل، بحسب خبراء.
ويقول المحلّل الاقتصادي الفلسطيني عادل سمارة "في المفهوم العلمي، لا يوجد اقتصاد فلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، هناك تبادل غير متكافئ، واقتصادنا ملحق بالاقتصاد الإسرائيلي وبالقوة".
ويحكم الاقتصاد الفلسطيني "بروتوكول باريس" الموقّع في أبريل 1994 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك في إطار اتفاقية أوسلو 2 أو "اتفاق المرحلة الانتقالية للضفة الغربية وقطاع غزة" الذي وقّع في 24 و28 سبتمبر 1995.
وكان من المفترض أن يكون البروتوكول سارياً لفترة انتقالية مدتها 5 سنوات في انتظار أن تتوصل المفاوضات إلى اتفاق حول "الوضع النهائي" للأراضي الفلسطينية، لكن لا يزال معمولاً به حتى الآن.
ويشير سمارة إلى الإنتاج المحدود في الأراضي الفلسطينية، وعدم قدرته على توفير فرص عمل للفلسطينيين، والاعتماد إلى حد كبير على إسرائيل لتشغيل اليد العاملة الفلسطينية، الأمر الذي توقف منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة.
وينظّم البروتوكول العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في 6 قطاعات رئيسية: الجمارك والضرائب، العمالة، الزراعة، الصناعة، السياحة، الصادرات والواردات، بشكل يعطي إسرائيل صلاحية التحكّم بالحدود الخارجية وبضرائب الاستيراد والقيمة المضافة.
وتمرّ تجارة الفلسطينيين مع دول أخرى عبر الموانئ البحرية والجوية الإسرائيلية، أو عبر المعابر الحدودية بين السلطة الفلسطينية والأردن ومصر، والتي تسيطر عليها إسرائيل أيضاً. وتستخدم العملة الإسرائيلية "الشيكل" في الأراضي الفلسطينية.
"أزمة مالية غير مسبوقة"
وغداة هجوم 7 أكتوبر، أوقفت إسرائيل تسليم السلطة الفلسطينية كامل المبلغ العائد لها من الرسوم الجمركية، متذرعة بأن المال يستخدم من أجل تمويل حركة "حماس" التي تسيطر منذ 2007 على قطاع غزة وتعتبرها إسرائيل "منظمة إرهابية".
ورفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس، احتجاجاً، تسلّم مبالغ ناقصة. وتتوسّط النرويج حالياً في المسألة. وفي فبراير، أفرجت إسرائيل عن حوالى 115 مليون دولار، لكن الأزمة لم تحلّ.
وفي الماضي، أوقفت إسرائيل أكثر من مرة، على خلفية خلافات أو توتر، هذه التحويلات التي تشكّل قرابة 60% من واردات السلطة الفلسطينية، التي تحتاج إلى هذه المبالغ لدفع رواتب موظفيها ومصاريفها، وفق مسؤولين وخبراء.
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى إن "الأوضاع الاقتصادية الفلسطينية تنذر بكارثة كبرى"، مضيفاً أن "الأزمة المالية غير مسبوقة، ووصلت إلى مستويات خطيرة، والتزامات ومديونيات الحكومة العامة وصلت إلى حوالى 7 مليارات دولار أميركي"، أي أكثر من ثلث الناتج الداخلي الصافي.
بعد اندلاع الحرب، سحبت إسرائيل، "لأسباب أمنية"، تراخيص العمل من 130 ألف فلسطيني في الضفة الغربية كانوا يعملون في إسرائيل، فلم يعد لديهم مورد رزق.
وتقدّر نسبة البطالة اليوم في الضفة الغربية المحتلة بـ 30%، بينما كانت 14% قبل الحرب.
ويصف سمارة الأمر بأنه "تبعية طوعية"، كون لا خيار للعمال الفلسطينيين إلا بالعمل داخل إسرائيل، ويقول: "في الاقتصاد الحقيقي لأي دولة، يجب أن تكون هناك مواقع إنتاج اقتصادية وصناعية وزراعية توفّر العمل لأبنائها".
"عقاب جماعي"
ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي ميخائيل ميلتشين أن "عدم السماح للعمال الفلسطينيين بالعمل في إسرائيل وعدم تسليم عائدات الضرائب الفلسطينية أو الحسم منها"، يهدف إلى "إسقاط السلطة الفلسطينية التي تعتبرها إسرائيل عدوّاً"، ويصف ذلك بـ"العقاب الجماعي للفلسطينيين".
ويقول إنه حتى 7 أكتوبر، كان حوالى ثلث موارد الضفة الغربية يأتي من أجور 193 ألف فلسطيني يعملون في إسرائيل، وفق معطيات إسرائيلية. مشيراً إلى أن نحو 8 آلاف فلسطيني فقط يعملون حالياً بشكل قانوني في إسرائيل،
ويضيف أن بعض السياسيين الإسرائيليين مثل الوزيرين بيني جانتس وجادي إيزنكوت يريدون "السماح بإدخال العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل، حتى لا ينفجر الوضع الأمني" في الضفة الغربية، ما قد يعقّد مهمة القوات الإسرائيلية التي تخوض حرباً طاحنة في غزة وتنتشر في الشمال على الجبهة مع حزب الله اللبناني.
ويرى المحلّل نصر عبد الكريم أن "نتنياهو يضغط على الفلسطينيين ويرسل رسائل للسلطة بأن مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني بأيدينا، ونستطيع أن نؤذي السلطة ونسقطها، أو نحيييها ونعزّز قوتها"، مشيراً إلى أن إضعاف السلطة "سيجعلها تقبل بتنازلات سياسية".
ويتابع: "لا تريد الحكومة الإسرائيلية سلطة فلسطينية قوية، حتى لا تلعب دوراً محورياً خصوصا بعد انتهاء الحرب".
ويتابع أن "الإسرائيليين يعتقدون أن من خلال البوابة الاقتصادية يحققون تنازلات سياسية، وبالتالي يقولون للفلسطينين تخلّوا عن الأرض وخذوا اقتصاد، لكن الأمن والاقتصاد لا يجلبان السلام"، بل "السلام هو ما يجلب الأمن والاقتصاد".