تشرع المحكمة العليا الفيدرالية الأميركية، الخميس، بالنظر في قضية حصانة الرئيس السابق دونالد ترمب من الملاحقة القضائية بتهم التآمر لإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، فيما تمثل آخر فرصة له لإلغاء التهمة، بعدما قضت محكمة استئناف فيدرالية ضد طلبه في فبراير الماضي.
ومع انطلاق جلسة المرافعات الشفهية، يتم التركيز في الأوساط الأميركية عن المدة التي قد يستغرقها القضاة لإصدار القرار أكثر من طبيعة القرار بحد ذاته.
ومجرد تأخير إصدار الحكم حتى نهاية يونيو، موعد انتهاء الولاية الحالية للمحكمة العليا، قد يعتبر فوزاً بالنسبة لترمب، حتى وإن كان قرار المحكمة العليا يقضي برفض طلبه في الحصول على حصانة جنائية من التهم الموجهة إليه.
ويصب هذا السيناريو في صالح استراتيجية ترمب القانونية، التي تتمثل في تأجيل محاكمته بقضية التآمر إلى ما بعد انتخابات نوفمبر المقبل.
وكان يفترض أن تبدأ محاكمة ترمب بتهمة التدخل في انتخابات 2020 في الرابع من مارس الماضي، لكنها أُرجئت إلى أجل غير مسمى في انتظار صدور حكم المحكمة العليا بشأن مسألة الحصانة الجنائية.
وترمب متهم في هذه القضية بالتآمر ضد المؤسسات الأميركية وتقويض الحق في التصويت وعرقلة إجراء رسمي، أي الجلسة التي كان من المقرر أن يصادق خلالها الكونجرس على نتائج التصويت الرئاسي في 6 يناير 2021، علماً أن عقوبة عرقلة إجراء رسمي تصل إلى السجن 20 عاماً.
ترمب ضد الولايات المتحدة
قضية الحصانة الرئاسية، أو "ترمب ضد الولايات المتحدة"، كما تسميها المحكمة العليا الفيدرالية في وثائقها الرسمية، تعد من ضمن القضايا الانتخابية الأكثر أهمية التي تصل إلى المحكمة، منذ أن أوقفت الأخيرة إعادة فرز الأصوات في فلوريدا عام 2000، حين كان الجمهوري جورج دبليو بوش متقدماً بفارق ضئيل على الديمقراطي آل جور.
ويطالب ترمب في هذه القضية المحكمة العليا بمنحه الحصانة المطلقة من المتابعة بسبب أفعاله خلال توليه الرئاسة، على عكس قرار محكمة الاستئناف الفيدرالية التي قضت بأن الحصانة التنفيذية التي تحمي الرئيس خلال فترة توليه المنصب الرئاسي، لا تمنع الملاحقة القضائية بعد انقضاء فترة ولايته الرئاسية.
ويجادل محامو ترامب في المذكرة التي قدموها إلى المحكمة العليا بأن الرؤساء السابقين يحق لهم التمتع بالحصانة المطلقة. ويحذرون من احتمال حدوث طوفان من الملاحقات القضائية ضد الرؤساء السابقين إذا لم يكن لديهم الحق في الحصانة، ويقولون إن إدارة الرئيس لا يمكن أن تعمل بالشكل الصحيح إذا كان يشعر بالقلق بشأن الاتهامات الجنائية.
وقال المحقق الخاص المشرف على قضية التآمر لإلغاء انتخابات 2020، جاك سميث، في مذكرة مضادة أرسلها إلى المحكمة العليا، إن "الرؤساء ليسوا فوق القانون".
وجاء في المذكر أن "واضعي الدستور لم يؤيدوا أبداً الحصانة الجنائية لرئيس سابق، وجميع الرؤساء منذ التأسيس وحتى العصر الحديث يعرفون أنهم بعد ترك مناصبهم، سيواجهون مسؤولية جنائية محتملة عن الأفعال الرسمية".
ويعتمد محامو ترمب أيضاً على حجة أخرى لإلغاء المحاكمة، بناء على بند في الدستور، يُعرف باسم "بند أحكام العزل" Impeachment Judgments Clause والذي يتيح متابعة ومحاكمة وإدانة المسؤولين الفيدراليين المنتخبين وفقاً للقانون، بعد أن يتم عزلهم من من منصبهم.
ويعتبر محامو ترمب أن قضية التآمر لقلب الانتخابات يجب أن تُلغى نظراً لأنه تمت تبرئته من قبل مجلس النواب خلال محاولات عزله عندما كان رئيساً للولايات المتحدة.
غير أن المحكمة العليا تجاهلت السؤال الثاني المتعلق بتبرئته من قبل مجلس النواب، وحددت السؤال الذي سيجيب عنه القضاة خلال هذه القضية في: "ما إذا كان الرئيس السابق يتمتع بالحصانة الرئاسية من الملاحقة الجنائية بسبب سلوك يزعم أنه ينطوي على أعمال رسمية خلال فترة ولايته في منصبه، وإذا كان الأمر كذلك، إلى أي مدى" يمكن تطبيق هذه الحصانة.
تعريف ضيق للحصانة
وبحسب تحليل للخبير القانوني في شبكة CNN نورم آيسين، فإن طريقة صياغة المحكمة العليا للسؤال باستخدام عبارتي "ما إذا" (كان يتمتع بالحصانة) و"إلى أي حد"، تلمح إلى أن المحكمة ترفض "ضمنياً مطالب ترمب بشأن الحصانة المطلقة".
غير أن "فوكس نيوز" نقلت عن خبراء في القانون القول إن طريقة صياغة المحكمة العليا لسؤالها يشير إلى أنها ستجيب بشأن ما إذا كان يمكن أبداً متابعة رئيس سابق بسبب "أفعال رسمية"، وما إذا كان الرئيس السابق يتمتع بـ"حصانة مطلقة".
ولفتت "فوكس نيوز" إلى أن استخدام المحكمة العليا عبارتي "ما إذا" و"إلى أي حد"، تشير في أعين العديد من خبراء القانون، إلى أن القضاة يستعدون لتقديم تعريف "ضيق" أو "محدود" لـ"الحصانة المطلقة" في هذه القضية.
من جهة أخرى اعتبرت "واشنطن بوست" أن صياغة السؤال أو قبول المحكمة العليا النظر في القضية لا يرسل بالضرورة أي إشارات بشأن قرارها المحتمل، مشيرةً إلى أن إجراءات قبول النظر في القضية وتأطير السؤال الذي ستجيب عنه يحتاج فقط إلى الحصول على أصوات 4 قضاة في المحكمة العليا من أصل 9.
وهذه هي المرة الأولى في التاريخ التي تضطر فيها المحكمة العليا لإبداء رأيها بشأن ما إذا كان الرؤساء السابقون يتمتعون بالحصانة المطلقة.
ولم يحدث من قبل أن واجه رئيس سابق تهماً جنائية، لذلك لم تتح للمحكمة الفرصة لتناول مسألة ما إذا كان منصب الرئيس يعني أنه يجب حمايته من الملاحقة القضائية، حتى بعد ترك منصبه.
ما القرارات المحتملة؟
لدى القضاة خيارات متعددة للبت في القضية. ومن المحتمل أن يجتمعوا على انفراد بعد وقت قصير من المرافعات الشفهية للتداول بشأن القرار وإجراء تصويت أولي عليه وفق "أسوشيتد برس".
وأمام القضاة خيار رفض مطلب ترمب بالحصانة المطلقة، ما سيعطي الضوء الأخضر لبدء إجراءات محاكمته في قضية التآمر لقلب نتائج الانتخابات لعام 2020.
كما يمكن للقضاة عكس قرار محكمة الاستئناف الفيدرالية من خلال الإعلان لأول مرة عن عدم إمكانية محاكمة الرؤساء السابقين بسبب سلوكيات تتعلق بأعمال رسمية خلال فترة وجودهم في مناصبهم. ومن شأن مثل هذا القرار أن يوقف إجراءات المحاكمة المتعلقة بالتآمر لقلب نتائج الانتخابات.
كما أن هناك خيارات أخرى أيضاً، بما في ذلك الحكم بأن الرؤساء السابقين يتمتعون بحصانة محدودة عن الملاحقة بسبب أفعالهم الرسمية، مع إمكانية الإشارة إلى أن تصرفات ترمب المتعلقة بمحاولة قلب نتائج الانتخابات تتجاوز حدود هذه الحصانة.
وهناك احتمال آخر وهو أن تعيد المحكمة العليا القضية إلى القاضية المشرفة على قضية التآمر لقلب نتائج الانتخابات، مع تكليفها بالنظر فيما ما إذا كانت الإجراءات التي يُزعم أن ترمب اتخذها للبقاء في السلطة عام 2020 تشكل "أفعالاً رسمية" تطالها الحصانة الرئاسية أم أنها "أفعال شخصية" بدوافع سياسية للبقاء في السلطة.
أغلبية محافظة بالمحكمة العليا
ويوجد من بين القضاة التسعة الذين سينظرون في القضية 6 قضاة محافظون، ضمنهم 3 قضاة عينهم ترمب في المحكمة العليا، وهم إيمي كوني باريت، ونيل جورساتش، وبريت كافانو. لكن القاضي كلارنس توماس، الذي عُين في المحكمة العليا قبل عقود من قبل الرئيس الأسبق جورج بوش، هو من يثير الجدل في هذه القضية.
وكانت زوجة القاضي توماس، جيني توماس، تدعو لعكس نتائج انتخابات 2020 وحضرت مسيرة لأنصار ترمب التي سبقت أعمال اقتحام الكابيتول في 6 يناير 2021. وقد أدى ذلك إلى مطالبة القاضي بالتنحي عن العديد من القضايا القضائية المتعلقة بترمب وأحداث 6 يناير.
لكن توماس تجاهل دعوات التنحي، وشارك في قرار المحكمة العليا، الذي عكس قرار ولاية كولورادو بمنع ترمب من الظهور على بطائق الاقتراع في الانتخابات، بسبب بند "عدم الأهلية".
متى قد يصدر القرار؟
لم تحدد المحكمة العليا موعداً لإعلان قرارها، غير أنها ملزمة بإعلان القرار قبل نهاية ولايتها الحالية في أواخر يونيو أو بداية يوليو، قبل حلول عطلة الصيف.
وحتى لو رفض القضاة بالمحكمة العليا حجج ترمب بأن الرؤساء السابقين يتمتعون بحماية شاملة من الملاحقة القضائية، فإن القضاة يمكنهم إنقاذه من المحاكمة في قضية التآمر لقلب نتائج الانتخابات، قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر.
وقال راندال إلياسون، المدعي العام الفيدرالي السابق الذي يدرّس حالياً في كلية الحقوق بجامعة جورج واشنطن، في تحليل على "بلومبرغ"، إن "توقيت إصدار الحكم هو العامل الأكثر أهمية".
واعتبر أنه في حال إصدار قرار المحكمة العليا في مايو المقبل قد يسمح ببدء المحاكمة في أغسطس، علماً بأن القاضية المشرفة على قضية التآمر لقلب الانتخابات صرحت في وقت سابق أنها تحتاج إلى شهرين من أجل التحضير لبدء المحاكمة.
وأضاف أنه "إذا انتظر القضاة حتى اليوم الأخير لولايتهم الحالية من أجل إعلان الحكم، فمن المرجح أن تبدأ المحاكمة في أكتوبر، فيما من غير المرجح أن تنتهي أطوار المحاكمة وصدور الحكم قبل الانتخابات العامة".
وبحسب شبكة NBC، فإن ترمب سعتبر تأخير صدور قرار المحكمة العليا حتى يونيو فوزاً، حتى وإن كان القرار يقضي برفض مطالبه بالحصانة الكاملة.
ويسعى ترمب إلى تأجيل محاكمته في قضية قلب الانتخابات لضمان عدم صدور قرار من المحكمة في القضية قبل موعد الانتخابات العامة في نوفمبر المقبل، ذلك أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن إدانته في القضية قبل موعد الانتخابات ربما تقوض فرصه للعودة إلى البيت الأبيض.
وإذا فاز ترمب في الانتخابات وأصبح رئيساً قبل إدانته من قبل المحكمة، فيمكنه أن يأمر وزارة العدل بإسقاط التهم عنه.
هل سيحضر ترمب الجلسة؟
ترمب لن يستطيع حضور جلسة المرافعات الشفهية في المحكمة العليا، نظراً لتزامنها مع محاكمته الجنائية الجارية في نيويورك، المتعلقة بالاحتيال التجاري ودفع أموال لممثلة أفلام إباحية مقابل شراء صمتها عن علاقته جنسية مفترضة معها.
ورفض القاضي الذي يترأس محاكمة نيويورك، خوان ميرشان الأسبوع الماضي طلباً من دفاع ترمب للسماح للرئيس السابق بالتغيب عن جلسة الخميس في نيويورك لحضور جلسة المرافعات الشفهية المتعلقة أمام المحكمة العليا.
وانتقد ترمب قرار القاضي خلال مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، معتبراً أنه قرار "متحيز".
وكتب في منشور على منصة "تروث سوشيال"، أنه بالإضافة إلى "منعي من حضور حفل تخرج ابني بارون من المدرسة الثانوية، فقد علمت للتو أن القاضي المتحيز للغاية لن يسمح لي بحضور المرافعة التاريخية بشأن الحصانة الرئاسية".