لفت إعلان الزعيم القبلي في إقليم دارفور بغرب السودان موسى هلال، تأييده للجيش السوداني في الحرب ضد قوات الدعم السريع التي يقودها قريبه محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي"، أنظار الجميع في البلاد وأثار تساؤلات عديدة بشأن تأثير الخطوة على الصراع المستمر في البلاد منذ أكثر من عام.
وظهر هلال الذي ينحدر من قبيلة "الرزيقات" العربية الأسبوع الماضي، عبر مقطع فيديو مفاجئ وهو يخاطب حشداً من مناصريه، قائلاً: "ليس المطلوب من المواطن الصالح أن يخرب بلاده، وليس المطلوب منه أن يقبل الغزو على وطنه".
وأضاف: "أنا مع الدولة ومع الوطن ومع مؤسسات الدولة السياسية والسيادية والمؤسسات الاقتصادية والأمنية وعلى رأسها القوات المسلحة السودانية وليس مع أي مليشيا".
وبرز اسم هلال في حرب دارفور عام 2003، والتي دارت بين الحكومة السودانية وحركات مسلحة من إقليم دارفور، ويتزعم هلال "المحاميد" وهي إحدى فروع قبيلة "الرزيقات" العربية في إقليم دارفور، فيما ينحدر قائد قوات الدعم السريع حميدتي من قبيلة "الرزيقات" الماهرية.
وأعلن هلال دعمه للحكومة في حرب دارفور عام 2003، واستنفر أبناء قبيلته، وحارب الحركات المسلحة إلى جانب الجيش، فيما أدرجته الأمم المتحدة عام 2006 على قائمة عقوبات تتعلق بتقييد السفر وتجميد الأموال، بتهم عرقلة السلام في الإقليم.
ورأى لؤي عبد الرحمن الصحافي والباحث في الشأن الدارفوري، انضمام هلال للجيش "خطوة لا تقل أهمية عن تحرير المدن الكبيرة"، لافتاً إلى أن "له احترام وتقدير داخلي كبير، خاصة وسط القبائل العربية في دارفور، ومن عدد من دول الجوار".
وأشار عبد الرحمن لـ"الشرق"، إلى أن لدى هلال "أنصار في صفوف قوات الدعم السريع، وبهذه الخطوة يمكن أن يعيدهم إلى مجلس الصحوة الذي يقوده، ويشكل دعماً للقوات المسلحة، ويؤثر بشكل مباشر في وتيرة التجنيد لدى الدعم السريع من القبائل العربية".
وأوضح أن "عدداً كبيراً من أبناء (المحاميد) يقاتلون في صفوف الدعم السريع، وبانحياز زعيمهم للجيش يقطع شرياناً رئيسياً عن هذه القوات"، متوقعاً أن يتعدى الأمر "المحاميد" ليؤثر على موقف زعماء القبائل العربية من الحرب والقتال إلى جانب الدعم السريع.
لا اتفاق في القبيلة
بيد أن قيادات في قبيلة "المحاميد" من ولاية غرب دارفور، انتقدت في مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع، تأييد شيخ القبيلة في شمال دارفور للجيش، مشيرة إلى أن أمر القبيلة يجب أن يدار عبر التشاور بين كافة منسوبيها في ولايات إقليم دارفور الخمس، مشددةً على وجوب أن يُتخذ القرار بصورة جماعية لا بطريقة فردية كما ذهب إلى ذلك هلال، معلنة مواصلتها في دعم قوات الدعم السريع.
وهو ذات الاتجاه الذي مضى إليه الباحث السوداني في شؤون إقليم دارفور، الفاضل منصور، الذي قلل من خطوة إعلان الزعيم القبلي موسى هلال تأييده للقوات المسلحة السودانية، مشيراً إلى أن "هلال لم يتحرك حتى الآن ولا يزال موجوداً رفقة قواته في قرية (مستريحه)، وحتى هذه اللحظة لم ترد قوات الدعم السريع على موقفه الأخير، لأنها تعلم جيداً أن غالبية قواته تشتت وتحولت إلى قادة متفرقين يقاتلون إلى جانب الدعم السريع منذ أبريل الماضي".
ولفت منصور في حديث لـ"الشرق"، إلى أن "كل المؤشرات تشير إلى أن استخبارات الجيش السوداني تعمل جاهدة لاستغلال هذه المتغيرات، وإحداث حرب أهلية في إقليم دارفور وهذا ما اتوقعه".
وسبق للزعيم القبلي موسى هلال أن قاتل إلى جانب الجيش السوداني في إقليم دارفور بقوات عشائرية أطلق عليها لقب "الجنجويد" منذ 2003، لكن هلال والحكومة وقتها نفوا أن تكون قواته ذات طابع قبلي عنصري ضد المكون غير العربي في المنطقة.
وفي عام 2008 عين الرئيس السابق عمر البشير، موسى هلال مستشاراً بوزارة الحكم الاتحادي التي كانت تُعنى بقضايا الولايات، ودافع عن تعيينه الذي رُفض وقتها داخلياً وخارجياً جراء السمعة السيئة التي لحقت بالقوات المعروفة على نطاق واسع في البلاد بـ"الجنجويد".
وعقب ذلك، كوّن هلال عام 2014 مجلس "الصحوة الثوري" كحركة سياسية تهدف لإقامة "مصالحات قبلية ونشاط سياسي في الإقليم المستعر"، على حد قوله حينها.
واستمر احتفاظ هلال بمنصبه في وزارة الحكم الاتحادي، إلا أن خلافاً خرج إلى السطح مع والي شمال دارفور حينها محمد يوسف كِبر، إلى جانب توجيهه نقداً للحكومة المركزية، ودعوته إلى اجراء إصلاحات جوهرية، ليخرج من الخرطوم مغاضباً إلى إقليم دارفور، حيث قال في تصريحات سابقة، إن خروجه كان لـ"إجراء مصالحات قبلية، ودعمه النسيج القبلي في الإقليم".
"غريم حميدتي"
وظهر اسم محمد حمدان دقلو "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع، قريب وغريم هلال، وهو من "الماهرية" إحدى فروع قبيلة "الرزيقات"، مع إعلان البشير، تشكيل قواته الوليدة حينها.
وبعد تشكيل القوات، بات حميدتي لاعباً جديداً في حرب دارفور، لكن صعوده جاء على حساب هلال الذي كان يقود حينها قوات حرس الحدود.
واعتبرت حكومة البشير نقد هلال لها ومطالبته بإصلاحات في هيكل الحكم "تمرداً ناعماً"، لتعمل على نزع سلاح قواته عبر حملة عسكرية لجمع السلاح في إقليم دارفور عام 2017، وأوكلت المهمة لقوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي.
وقال زعيم قبلي رفض الكشف عن هويته لـ"الشرق"، إن حميدتي "قدم هلال قرباناً للحكومة، وإثباتاً للولاء دون أن يراعي في ذلك رابط القبيلة".
وعقب معركة لم تستمر طويلاً، اعتقلت قوات الدعم السريع موسى هلال ومجموعة من أبناءه ومقاتلي القبيلة، وأتت بهم إلى العاصمة الخرطوم مقيدين في مشهد لم يؤلف وقتها لهلال الذي كان يصور لوقت طويل من قبل الإعلام الحكومي الرسمي على أنه زعيم مهاب الجانب.
كما دونت قوات الدعم السريع بلاغات في مواجهة هلال ومعاونيه، وصلت عقوبات بعضها إلى الإعدام، بتهمة تقويض النظام الدستوري، ونشر الفوضى.
وقضى هلال 3 أعوام في السجن دون أن يصدر أي حكم قضائي بشأنه، ليخرج بعدها في 2021 من السجن عقب الاطاحة بحكومة الرئيس السابق عمر البشير.
وربط القيادي في حزب الأمة القومي عبد الرحمن الغالي بين موقف موسى هلال الأخير بإعلان انحيازه للجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع، وخلافاته السياسية مع قائدها حميدتي، واصفاً هذا الاختلاف بأنه "أمر حميد"، إذ أن الاصطفاف هنا ذو طبيعة سياسية وليست إثنية، مثلما أن "القوى القريبة من الدعم السريع تضم طيفاً إثنياً مختلفاً عن معظم مكوناته ما يعني أيضاً أن الاصطفاف سياسي فهو يضم مكونات من الوسط ومن القبائل غير العربية".
وأضاف الغالي في تدوينة على فيسبوك، أن الحديث الأخير الذي ألقاه هلال وأعلن فيه انحيازه للجيش "يلقي بأضواء مهمة على الحراك في دارفور وعلى المستقبل السياسي للبلاد"، مشيراً إلى أن هلال "أعلن انحيازه للدولة السودانية ومؤسساتها المدنية والعسكرية في حرب يرى أنها تستهدف الدول حيث يشارك فيها مرتزقة من دول عددها".
وتابع القيادي بحزب الأمة: "التوجه القومي في حديث موسى هلال وهو زعيم قبلي هو توجه حميد"، لافتاً إلى أن "الوعي بالبعد الأجنبي للصراع يسهم في إجهاض السيناريوهات الأجنبية الخبيثة ويعزز من فرص الوحدة الوطنية".
"خطوة متهورة"
ومضى الصحافي والناشط الحقوقي السوداني محي الدين زكريا في ذات الاتجاه مشيراً إلى أن هلال يمثل "أحد الرموز الأهلية التقليدية للقبائل العربية ويحظى بشعبية كبيرة"، ليستدرك مشيراً إلى أنه "إذا أعلن مجلس (الصحوة الثوري) وقوفه رسمياً مع الجيش، والدخول إلى أرض المعركة، فسيعتبر هذا قراراً متهوراً، وذلك لعدة أسباب منها أن أبناء هلال يقاتلون حالياً في صفوف قوات الدعم السريع".
وقال زكريا لـ"الشرق"، إن هلال وقع في فبراير الماضي، بوصفه رئيساً لما يعرف بمجلس (الصحوة الثوري) اتفاقاً لوقف العدائيات مع قوات الدعم السريع بحضور قادة بارزين من القوتين.
وأوضح أن أبرز ما نصت عليه الاتفاقية هو "عدم الإضرار بمصالح الآخر"، و"السماح لمجلس الصحوة بفتح معسكرات لقوات هلال بوصفها حركة مسلحة لم توقع اتفاق سلام مع الحكومة"، بحسب زكريا.
واعتبر الناشط الحقوقي السوداني، أن "ما حدث مؤخراً بإعلان هلال وقوفه مع مؤسسات الدولة يشير إلى مواقفه السابقة بانحيازه للجيش"، لكنه أضاف: "لم يعلن هلال الحرب على قوات الدعم السريع، وهذا يؤكد أنه مازال محتفظاً ببنود اتفاق وقف العدائيات".
أشار زكريا إلى أن " قوات هلال في مجلس (الصحوة الثوري)، ليست كما كانت في الماضي، فقد تعرضت لعدة انقسامات وانشطارات، وأغلب قواته انضمت إلى الدعم السريع".
ورأى أن "الآلة الإعلامية المساندة للجيش، شنت حملة استهداف واسعة لكافة المكونات العربية في دارفور، والتي أصبح أبناؤها هدفاً للمستنفرين التابعين للقوات المسلحة، لذلك أغلب العرب بمن فيهم (المحاميد)، يعتقدون أن هذه الحرب مصيرية وحرب بقاء بالنسبة لهم، وأن تضامنهم مع الدعم السريع واجب أهلي".
ولفت إلى أن "كثير من أبناء (المحاميد) تناسوا خلافاتهم السابقة مع قيادة الدعم السريع، وأصبحوا قادة بارزين في الميدان"، مضيفاً: "إذا انضم موسى هلال فعلياً للجيش فهذا لا يؤثر كثيراً في مجريات الحرب في الميدان، ولا يمكن أن يحقق أي إضافة فعلية، لاسيما وأن أبناء (المحاميد) في الدعم السريع أكثر من أبناء أي قبيلة أخرى".