هل سيقرر بيدرو سانشيز البقاء رئيساً لوزراء إسبانيا؟ أم أنه سيستقيل ليفتح فترة جديدة من عدم الاستقرار السياسي في خامس أكبر اقتصاد بالاتحاد الأوروبي؟.. إنه الإعلان الذي تنتظره كل إسبانيا، والكثير من دول أوروبا بفارغ الصبر، وهو اللغز الذي من المنتظر حله، الاثنين، بحسب مجالة "بوليتيكو".
وفي رسالة مفاجئة على موقع إكس، الأربعاء، قال سانشيز إن الهجمات المتكررة من اليمين على عائلته جعلته يتساءل عما إذا كان تولي حكم إسبانيا يبرر تعريض أسرته للانتقاد المستمر.
وكتب سانشيز: "هل يجب أن أستمر في قيادة هذه الحكومة أم أتخلى عن هذا الشرف الأعلى؟ أحتاج بشكل عاجل إلى الإجابة على سؤال أطرحه على نفسي باستمرار: هل يستحق الأمر بالنسبة لي أن أبقى في منصبي على الرغم من الهجمات الشديدة من جانب اليمين واليمين المتطرف؟".
وأمضى سانشيز الأيام الخمسة الماضية منعزلاً، يتأمل في مستقبله. والآن ينتظر المؤيدون والمعارضون على حد سواء قراراً من شأنه أن يغير المشهد السياسي في إسبانيا بشكل جذري، وأن يؤثر بشكل كبير على توزيع الوظائف العليا في الاتحاد الأوروبي بعد انتخابات البرلمان الأوروبي المقررة في يونيو.
"ابق يا بيدرو!"
كان إعلان سانشيز مدفوعاً بأنباء تفيد بأن قاضياً في مدريد قد أطلق تحقيقاً أولياً في اتهامات بالفساد واستغلال النفوذ تركز على زوجته "بيجونيا جوميز".
بدأ التحقيق استجابة لدعوى قضائية رفعتها جماعة "مانوس ليمبياس" أو "الأيدي النظيفة"، وهي جماعة لها صلات باليمين المتطرف تستخدم المحاكم بانتظام لاستهداف الأشخاص أو الجماعات المرتبطة بقضايا تقدمية.
بحسب بوليتيكو، يبدو أن الدعوى لا أساس لها من الصحة، إذ أوصى ممثلو الادعاء، الأسبوع الماضي، برفض الدعوى، وحتى "مانوس ليمبياس" اعترفت بأن دعواها قد تكون مستندة إلى "أخبار مزيفة".
لكن يبدو أن قرار القضاء ببدء التحقيق الأولي مع جوميز على الرغم من الأدلة الواهية ضدها كان تأثيره أكثر من اللازم على سانشيز.
ويمكن فهم رد فعل رئيس الوزراء بالنظر إلى الهجمات الشخصية التي وجهت ضده وضد عائلته منذ صعوده إلى صدارة السياسة الإسبانية قبل عقد مضى.
وخلال السنوات القليلة الماضية، وصف الحزب الشعبي المنتمي ليمين الوسط سانشيز بأنه "مغتصب للسلطة ومتعاطف مع الإرهاب وخائن".
كما ساعدت المعارضة المحافظة في نشر شائعات خبيثة بأن زوجته هي في الواقع "رجل"، وأن "عائلتها من مهربي المخدرات الذين يديرون شبكة من نوادي الجنس".
ضغوطات شديدة
تم التأكيد على شدة الضغط الذي تعرض له سانشيز وعائلته من قبل وسائل الإعلام الإسبانية، الجمعة، عندما نشرت وسائل إعلام متعددة تسجيلات لاجتماع عام 2014 بين وزير الدولة للأمن آنذاك، السياسي من يمين الوسط فرانسيسكو مارتينيز ومفتش الشرطة خوسيه مانويل فيلاريخو.
ويشتبه في أن الأخير، وهو مفتش شرطة تحوم حوله شبهات، كان في قلب جهاز قوي عمل على تشويه سمعة السياسيين وكبار القضاة وحتى أعضاء النظام الملكي.
وفي ذلك التسجيل، يناقش الرجلان خططاً لـ "اغتيال سانشيز سياسياً" من خلال ملاحقة أسرة زوجته بالإيحاء بتورطها في أعمال غير مشروعة.
وفي وقت لاحق، يناقش فيلاريخو استخدام تكتيكات "القانون كسلاح"، أي إطلاق دعاوى قضائية ملفقة لمضايقة وتشويه سمعة الخصوم السياسيين، وذكر "مانوس ليمبياس" كجماعة يتعاون معها.
وتم الاستشهاد بالتسجيلات في اجتماع غلبت عليه المشاعر العاطفية لكبار مسؤولي الحزب الاشتراكي، السبت، حيث أعرب وزراء سانشيز عن دعمهم لزعيمهم وتوسلوا إليه ألا يستسلم لمن يضايقونه.
وتجمع نحو 12 ألفا و500 شخص من أنصاره خارج مقر الحزب في مدريد رددوا هتاف: "بيدرو.. من فضلك ابقّ"، لكن ما سيقرره سانشيز، الاثنين، يظل لغزاً حتى بالنسبة لدائرته المقربة.
إعلان غامض
ونقلت "بوليتيكو" عن مسؤول حكومي، طلب عدم الكشف عن هويته للتحدث بحرية عن الأمر، أن مجلس الوزراء لم يعلم برسالة سانشيز إلا عندما تم نشرها على موقع "إكس"، وأن رئيس الوزراء لم يكشف عن نواياه منذ ذلك الحين.
ويبدو أن سانشيز أمام قرار شخصي، سيتخذه بالاستشارة مع عائلته دون أي شخص آخر، لكن المراقبين يرون أن قراره يمكن أن يقود إسبانيا إلى سيناريوهات مختلفة جداً.
ويمكن لرئيس الوزراء أن يعلن أنه باق في منصبه، أو بدلاً من ذلك يمكن أن يترك القرار للبرلمان الإسباني من خلال طرح نفسه للتصويت على الثقة. ومن المرجح أن يجتاز سانشيز هذا الاختبار، ويحصل على دعم نفس النواب الـ 179 الذين أيدوا تشكيلة حكومته في نوفمبر.
ولكن إذا استقال سانشيز، فقد تواجه إسبانيا فترة طويلة من عدم اليقين السياسي. وستدخل الحكومة على الفور في وضع تصريف الأعمال، وسيتعين على الملك فيليبي السادس إجراء مشاورات مع القادة السياسيين في البرلمان لتحديد ما إذا كان هناك مرشح آخر قادر على تشكيل حكومة.
وليس لدى سانشيز خليفة واضح، ومن غير الواضح ما إذا كان هناك أي شخص داخل صفوف الاشتراكيين يمكن أن يلتف حوله عدد كاف من النواب اليساريين والانفصاليين.
دعم برلماني
وفي الوقت نفسه، على الرغم من أن زعيم الحزب الشعبي ألبرتو نونيث فيخو يسعى إلى أن يصبح رئيساً للوزراء، إلا أنه لا يتمتع بالدعم البرلماني المطلوب لتشكيل حكومة.
وإذا لم يتمكن أحد من الحصول على دعم أغلبية بسيطة من نواب البرلمان، البالغ عددهم 350 نائباً، في غضون شهرين، فسيتم حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات جديدة بعد 54 يوماً.
لذلك قد تذهب إسبانيا إلى صناديق الاقتراع في منتصف أغسطس، ومن المحتمل ألا تكون لديها حكومة جديدة حتى الخريف.
ولا يُعرف بوضوح مقدار التأثير الذي قد يمتلكه الشخص الذي سيتولى مهام تصريف الأعمال بدلاً من سانشيز- ويُفترض أن تكون نائبة رئيس الوزراء ماريا خيسوس مونتيرو - في المحادثات الحاسمة، وكيف سيؤثر انهيار حكومة اشتراكية أخرى في إيبيريا على توزيع المناصب في المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي، وذراع الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي.
وبالإضافة إلى الاضطراب الذي قد يسببه هذا السيناريو داخلياً، فإن خروج سانشيز من المنصب من المرجح أن يؤثر أيضاً على الاجتماعات الرئيسية لمجلس الاتحاد الأوروبي لاختيار قادة جدد لمؤسسات الاتحاد الأوروبي.