استقال الوزير الأول في إدنبرة حمزة يوسف بعد أن فقد أكثريته البرلمانية، على خلفية انهيار تحالف حزبه القومي الاسكتلندي مع حزب الخضر، مستبقاً دعوة لسحب الثقة منه تقدم بها "العمال"، وأخرى لسحب الثقة من حكومته ككل، جاءت من "المحافظين"، كان من المقرر التصويت عليهما في البرلمان هذا الأسبوع.
ويوسف هو أول مسلم يقود حكومة أوروبية، وبقي في منصبه 13 شهراً فقط. ولعل أبرز قراراته هو الذي أوصله إلى الاستقالة؛ فالتراجع عن خطط خفض الانبعاثات الكربونية في بلاده بنسبة 75% بحلول 2030، أفقده ائتلافه الحكومي، ووضع حزبه في موقف محرج، كما يمكن أن يدفع اسكتلندا بأكملها نحو إجراء انتخابات نيابية مبكرة.
ويجب أن يختار نواب وأعضاء "القومي الاسكتلندي" خليفة لحمزة يوسف خلال 28 يوماً، وإن نجح الأمر تبدأ رحلة القائد الجديد في البحث عن ائتلاف يسمح له بتشكيل حكومة، وإكمال ولاية الحزب، حتى موعد الانتخابات العامة المتوقعة قبل نهاية العام الجاري. أما إن فشل في مسعاه، فالاستحقاق سيُستدعى مبكراً.
استقالة متوقعة
استقالة يوسف كانت متوقعة منذ انهيار تحالفه مع حزب الخضر الاسكتلندي في الثامن عشر من أبريل الماضي. وقد ازدادت هذه النتيجة واقعية بعد أن رفض التحالف مع حزب "ألبا" الذي يمتلك نائباً واحداً في برلمان إدنبرة. وكان "ألبا" آخر أوراق الوزير الأول لتجاوز الأزمة، ولكنه تخلى عنها لأسباب تتعلق بنشأة الحزب وأهدافه الانفصالية.
و"ألبا" حزب سياسي قومي مؤيد لاستقلال اسكتلندا ويمكن القول إنه انشق من الحزب القومي الاسكتلندي، وتأسس في فبراير 2021 بقيادة الوزير الأول والزعيم الأسبق للقومي الاسكتلندي أليكس سالموند، ثم انضم له اثنان من نواب الحزب في العام نفسه، وانشق ثالث في 2023. كذلك انضم العديد من "القوميين الاسكتلنديين" السابقين إلى "ألبا".
ويمتلك "القومي الاسكتلندي" أكثرية مكونة من 63 نائباً من أصل 129 في برلمان إدنبرة. ولو تحالف يوسف مع ممثلة "ألبا" آش ريجان، لكانت أكثريته البرلمانية بلغت 64 نائباً. وفي هذه الحالة تتساوى أصوات الائتلاف الحكومي وتجمع المعارضة، ويسمح القانون لرئيس الوزراء بالإدلاء بصوته ليرجح الكفة باتجاه كتلة من الاثنتين.
فضَّل يوسف، وحزبه تجنب الائتلاف مع "ألبا" لما ينطوي عليه من أبعاد قد تضر بمستقبل "القومي الاسكتلندي" على المديين القصير والمتوسط. ولم يعد أمام الوزير الأول إلا الاستقالة، والاستمرار في مهامه إلى حين اختيار الزعيم الـ14 للحزب منذ تأسيسه قبل 90 عاماً، والرئيس السابع للحكومة الاسكتلندية منذ تأسيس برلمان إدنبرة عام 1999.
مشكلات ودوافع
مؤسس حزب "ألبا" أليكس سالموند قال لهيئة الإذاعة البريطانية إن يوسف اتصل بحزبه، وأراد إبرام صفقة معه، ولكنه تراجع عن الأمر لاحقاً في خطوة وصفها سالموند بـ"الخاطئة".
الواقع يقول إنها كانت الفرصة اليتيمة أمام الوزير الأول للبقاء على الكرسي، ومن وقف في طريقها أراد أن ينتهي عهد يوسف الذي استمر 397 يوماً فقط.
كانت ولاية يوسف محدودة زمنية، ولكنها ليست الأقصر في تاريخ الحكومة الاسكتلندية؛ فقد شهدت البلاد حكومة عمالية استمرت 377 يوماً بقيادة هنري ماكليش بين 27 أكتوبر 2000 و8 نوفمبر 2001. أما أطول الحكومات في إدنبرة فكانت من نصيب "القومي الاسكتلندي" بزعامة نيكولا ستيرجن من نوفمبر 2014 إلى مارس 2023.
ويوسف ورث السلطة عن ستيرجن التي لا زالت تخضع لتحقيقات في اتهامات بالاختلاس لزوجها بيتر موريل، الرئيس التنفيذي السابق لـ"القومي الاسكتلندي".
وقد غرق خلفها (يوسف) طيلة ولايته في خلافات مع الحكومة البريطانية، بدأت بقانون "التحول الجنسي" الذي رفضه برلمان لندن العام الماضي، ولم تنته عند موقفه من حرب غزة.
الوزير الأول في إدنبرة أيَّد منذ أشهر وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وقاد حزبه مبادرتين لدفع البرلمان البريطاني باتجاه تبني دعوة رسمية لوقف تلك الحرب بشكل دائم وفوري. لكن هذه السياسة اصطدمت بشدة مع توجهات حزب المحافظين الحاكم في لندن، وتعارض أيضاً، إلى حد كبير، سياسة حزب العمال المعارض بقيادة كير ستارمر.
"هوس الاستقلال"
وزير الشؤون الاسكتلندية في حكومة لندن أليستر جاك، قال إن يوسف انغمس في "هوس" الاستقلال عن بريطانيا، وتجاهل حاجات الاسكتلنديين اليومية، مشيراً، في حديث نقلته صحيفة "الجارديان"، إلى أن الحزب القومي الاسكتلندي بات يعيش "تدهوراً" ولا يخشى "المحافظون" إجراء انتخابات مبكرة في اسكتلندا "للتخلص من تلك الفوضى".
زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر أشار أيضاً إلى أن "القومي الاسكتلندي" لم يجلب إلا "الفوضى" لاسكتلندا. وقال في بيان رسمي إنه "يشعر باليأس حيال الأوضاع في الشمال"، ومن الأفضل برأيه "إجراء انتخابات عامة مبكرة، يختار فيها الاسكتلنديون من خلال صناديق الاقتراع، من يمثل تطلعاتهم وأحلامهم في المرحلة المقبلة".
وفي تقدير الصحافي المختص في الشأن الاسكتلندي جارث روز، فإن اتفاق "العمال" و"المحافظين" على ضرورة إجراء انتخابات عامة مبكرة في اسكتلندا لا يعني بالضرورة ضمان أي من الحزبين لفوز ساحق على الحزب القومي الاسكتلندي. ولكنها فرصة ثمينة لاستغلال تردي أوضاع ذلك الحزب، وتوسيع رقعة حضورهما في برلمان إدنبرة.
ويلفت روز في حديث مع "الشرق" إلى أن الاستقلال عن بريطانيا لم يتحول إلى أمر هامشي بالنسبة للاسكتلنديين، ولكنه لم يعد أولوية ملحة بالنسبة لفئات في المجتمع، تراقب ما يدور حول العالم ككل، وفي القارة الأوروبية على وجه خاص. خاصة وأن الهموم الاقتصادية تشغل بال الناس كثيراً، وتريد من الحكومة في إدنبرة معالجتها.
انتخابات ومرشحون
إجراء انتخابات مبكرة في اسكتلندا هو احتمال لن يقارب الواقع، إلا بعد فشل الحكومة المقبلة للحزب القومي الاسكتلندي في الفوز بثقة برلمان إدنبرة. صحيح أن طلبات سحب الثقة من حكومة الحزب التي تقدم بها "العمال" و"المحافظون" لا زالت فاعلة، ولم يوقفها أو يسحبها أي من الحزبين بعد استقالة يوسف، ولكن الأمر لن يكون هيناً.
يقول زعيم حزب العمال الاسكتلندي أنس سروار، إن معارضته لم تكن لشخص حمزة يوسف وإنما للحزب القومي الاسكتلندي، الذي عبث بالدولة وفرض عليها حكومات فاشلة وفوضوية على مدار 17 عاماً. ويلفت في حديث مع إذاعة "إل بي سي"، إلى أنه يسجل ليوسف موقفه المدافع عن غزة، والمطالب بإنهاء الحرب الإسرائيلية عليها.
وأعلن حزب الخضر الاسكتلندي، الذي فض تحالفه مع يوسف ودفعه نحو الاستقالة، أنه منفتح على التفاوض مع الزعيم الجديد لـ"القومي الاسكتلندي".
وحتى الآن، لم تصدر قائمة المرشحين لخلافة الوزير الأول الحالي، رسمياً، ولكن 4 أسماء رئيسية تدور حولها التكهنات، وانقسم أعضاء الحزب بينها منذ اللحظة التالية لاستقالة حمزة يوسف.
وهناك نقاش واسع يدور الآن في أروقة الحزب القومي الاسكتلندي، بشأن وزيرة التعليم جيني جيلروث، ووزير الصحة نيل جراي، بالإضافة إلى جون سويني، النائب السابق للوزيرة الأولى نيكولا ستيرجن طوال عقد تقريباً. والأخير سياسي مخضرم، ولا يبدو أن أحداً يعارض اختياره، بما في ذلك وزيرتي الصحة والتعليم المرشحتين للمنصب.
يقول تقرير لصحيفة "ذا هيرالد" "إن سويني يستمتع بوقته مع العائلة بعيداً عن السياسة منذ وصول يوسف إلى السلطة، ولكن حاجة الحزب له سوف تعيده إلى الساحة". كما لفت التقرير إلى أن الاحتمال الوحيد للمنافسة أمام سويني ربما تكون من نصيب كيت فورس، التي احتلت المرتبة الثانية في السباق على زعامة الحزب العام الماضي.
يشير التقرير إلى أن أنصار كيت حائرون بينها وبين سويني الذي ينتمي إلى "الحرس القديم"، ولكن أياً كان الفائز بزعامة الحزب هذه المرة سيواجه تحدياً حقيقياً في توحيد صفوفه قبل الانتخابات العامة المقبلة. "هي مهمة ليست سهلة، وربما تكون مستحيلة، ولكن البداية الصحيحة لها تكون عبر الالتفاف حول القائد الجديد للحزب القومي الاسكتلندي".