السودان.. المسيرات تنقل الحرب إلى مدن جديدة وتهدد بإطلاق "سباق تسلح"

time reading iconدقائق القراءة - 10
لقطة من مسيرة متداولة في وسائل الإعلام الموالية للجيش السوادني تظهر إحدى عملياته في العاصمة الخرطوم. - @Sudanesearmy1
لقطة من مسيرة متداولة في وسائل الإعلام الموالية للجيش السوادني تظهر إحدى عملياته في العاصمة الخرطوم. - @Sudanesearmy1
بورتسودان-خالد عويس

بدأت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023 بشكل تقليدي، باستخدام الطيران والمدفعية والأسلحة الخفيفة إلى جانب الصواريخ والمدافع المتوسطة والمجنزرات والدبابات، إلا أن الأشهر الماضية، وخاصة معركة استعادة القوات المسلحة لمقر الإذاعة والتلفزيون في أم درمان، شهدت استخداماً موسعاً للطائرات المسيّرة من قبل الطرفين.

وتتواجد الطائرات المسيرة المستخدمة في الأغراض العسكرية في السودان منذ سنوات، إذ سعت منظومة الصناعات الدفاعية المملوكة للجيش وبشراكة مع عدة دول أبرزها إيران والصين، لصناعة وتطوير طائرات مسيّرة لأغراض مدنية وعسكرية، تقول قوات الدعم السريع إن قسماً منها وقع في يدها عند سيطرتها على بعض المقار العسكرية في العاصمة السودانية الخرطوم، خلال الأشهر الأولى من الحرب.

ونقلت وسائل إعلام سودانية خلال الأشهر الماضية تقارير عن حصول الطرفين، مؤخراً، على طائرات مسيّرة جديدة، استخدمت فوراً في المعارك التي تدور في ود مدني بولاية الجزيرة وولايات دارفور، ولا سيما في أم درمان وتخوم ولاية نهر النيل شمالاً.

واتسع نطاق استخدام المسيرات لتتعدى الطائرات بدون طيار المذخرة سماء مناطق المعارك والاشتباك المباشر، إلى المدن التي لم تصلها الحرب بعد، مثل مدينة كوستي عاصمة ولاية النيل الأبيض نحو 270 كيلومتراً جنوبي العاصمة الخرطوم التي يسيطر عليها الجيش السوداني، إذ استهدفت طائرات مسيرة مجهولة، الجمعة، ميناء النقل النهري الذي يربط المدينة مع دولة جنوب السودان المجاورة.

ووفقاً لمصادر محلية استهدفت مسيرتان مجهولتان على الأقل الميناء النهري في كوستي، ولم تصدر السلطات المحلية أي بيان بشأن الحادثة كما لم يعلق الدعم السريع الذي تتواجد قواته على بعد نحو 182 كيلومتراً شمالها في ضاحية ود الزاكي التابعة لمدينة القطينة.

ومنذ ما يربو على الشهر ونصف تتعرض مدن تحت سيطرة الجيش، لاستهداف مماثل من قبل مسيرات مجهولة من دون أن يتبناها الدعم السريع أو يصدر الجيش بياناً بشأنها.

وبدأت هذه المسيرات المجهولة باستهداف إفطار رمضاني لـ"لواء البراء بن مالك" في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل شمالي البلاد في الثاني من أبريل الماضي، ثم شهدت مدن القضارف (شرق)، وشندي ومروي ودنقلا بالولاية الشمالية حوادث مماثلة.

"سباق تسلح"

ويرى خبراء عسكريون أن استخدام المسيّرات لن يحسم حرب السودان، غير أنها قادرة على قلب الطاولة لبعض الوقت، والسماح بتحقيق انتصارات على الطرف الآخر، ما أطلق ما يشبه "سباقاً للتسلّح" لامتلاك طرزٍ أكثر تطوراً من الطائرات بدون طيار بين الطرفين.

ولأن الحرب التي تدور في السودان منذ 15 أبريل 2023 تعتبر "حرب مدن" بامتياز فإن المسيرات تعد من التقنيات المهمة فيها، بحسب الأستاذ بأكاديمية نميري العسكرية، الرشيد محمد إبراهيم، الذي أشار إلى أهمية الطائرات بدون طيار في عمليات التتبع داخل المدن التي تكتظ بالبنايات العالية والتحصينات.

وقال إبراهيم لـ"الشرق"، إن  فاعلية المسيارات في الحروب تتوقف على مجموعة من العوامل أولها النوع وثانيها القدر الذي يمكنها حمله من الصواريخ، وثالثها مدى تطور تقنيتها وساعات الطيران التي كلما كانت أطول ميزت المقاتلة المسيرة عن نظيراتها، بالإضافة لجودة الكاميرا المثبتة فيها ونظام التواصل مع الأرض.

وأوضح أن قوات الدعم السريع تملك أنواعاً من المسيرات "المبرمجة" مسبقاً والتي تُستخدم في عمليات "انتحارية"، فيما يحوز الجيش مسيرات أكثر تطوراً.

ووفقاً لإبراهيم فإن كيفية توظيف المسيرات في أرض المعركة هي التي تتحكم في أثرها، مشيراً إلى أن تعقيد حركتها يتطلب غطاءً جوياً فعالاً.

 وتابع إبراهيم: "يتوقف أثر المسيرات على عدة أمور منها هل هي قادرة على إحداث أضرار فعلية وترجيح كفة جهة ما، أم أنها تُستخدم في إطار الدعاية والحرب النفسية فحسب، وهذه المسألة بدت واضحة في معارك الخرطوم والخرطوم بحري، أو أنها تمهّد لهجوم كما جرى في عطبرة ومروي والقضارف".

وأضاف أن المسيرات  تمثل عاملاً استراتيجياً مؤثراً لكنه ليس حاسماً في الحرب، لأن هناك تشكيلات عسكرية أخرى تقوم بأدوار مغايرة مهمة في أية معركة.

والأمر برمته ربما يقود لـ "سباق تسلح" بين الجيش والدعم السريع فيما يتعلق بامتلاك المسيرات واستخدامها، وهذا يعتمد على قدرة الجيش على الانفتاح على روسيا وتركيا وإيران فيما ستحاول قوات الدعم السريع الحصول على تقنيات مماثلة من حلفائها في المنطقة.

"ميزان القوة لم يتغيّر"

ولا ينكر الصحافي والمحلل السياسي المطلع عن قرب على خطط ورؤية الدعم السريع، حافظ كبير، في حديثه لـ"الشرق"، الدور المهم الذي لعبته المسيّرات في سير العمليات العسكرية مؤخراً.

وقال كبير إن هذه الطائرات استخدمت في المناطق السكنية داخل الخرطوم وأم درمان علاوة على الثكنات العسكرية الحصينة لـ "قدرتها على اختراق الحواجز في الحالات التي تسبق الاشتباك".

وأردف أن الجيش استعملها بكثافة في أم درمان بعد تراجعه في المساحات المكشوفة وفشله في التقدم في محوري ولايتي سنّار والجزيرة.

وأشار كبير إلى تقارير أكدت حصول الجيش السوداني على مسيّرات من إيران، بعد التقارب بين الحكومتين. أما الدعم السريع على حد قوله، فقد سيطر على المخزون الاستراتيجي للقوات المسلحة والذي يتبع لمنظومة الصناعات الدفاعية، وكذلك على مقر قوات الدفاع الجوي بالخرطوم، ونتيجة لذلك استولى على ترسانة من المسيرات وأنظمة الدفاع الجوي التي كان يملكها الجيش.

غير أن تقارير صحافية أشارت سابقاً لتزويد دول في المحيط الإقليمي، للدعم السريع بمسيّرات حديثة، وهو الأمر الذي نفته هذه الدول.

وقال كبير لـ "الشرق"، إن المسيّرات وحدها ليس بوسعها حسم المعركة حتى إن استهدفت مناطق حساسة أو قادة بارزين، لأن هناك أدواراً أخرى أكثر أهمية تقوم بها القوات على الأرض.

ورأى أن ميزان القوة لم يتغيّر كثيراً بعد استخدام الجيش للمسيرات، إذ ما زالت قوات الدعم السريع تتمتع بأفضلية في المساحات المكشوفة حيث يسهل استخدام كثافة النيران واعتماد الحركة السريعة، غير أن التحدي يكمن في المقار المحصنة داخل المدن، وفقاً لكبير.

ونفى مصدر رفيع في الجيش السودان في وقت سابق لـ"الشرق"، حصول قواته على مسيّرات من إيران بشكل مباشر، لافتاً إلى سهولة شراء على مثل هذه الأسلحة من الأسواق العالمية. لكنه امتنع عن ذكر نوع أو عدد المسيرات التي استوردها الجيش، فيما أشارت تقارير إلى أنها من نوع "مهاجر 6".

غير أن مصادر إيرانية لمَّحت إلى تزويد الجيش السوداني بمسيرات من طرازي "مهاجر" و"أبابيل" بحسب وكالة "رويترز" للأنباء، التي أضافت في تقرير نشر في مطلع أبريل الماضي، أن سكاناً محليين في الخرطوم أخبروا مراسليها بأن الجيش استخدم في بداية الحرب مسيّرات قديمة لم تحقق نجاحاً يذكر في التصدي لقوات الدعم السريع، ولم يبدأ باستخدام مسيّرات حديثة إلا بعد مرور نحو 9 أشهر من الحرب.

وخلص تقرير الوكالة إلى أن استخدام نوع حديث من المسيّرات سمح للجيش بتحقيق انتصارات في أم درمان بداية من فبراير الماضي.

ولفت تقرير الوكالة إلى أن صوراً التقطتها أقمار اصطناعية أظهرت مسيّرة من نوع "مهاجر 6" على مدرج في قاعدة وادي سيدنا العسكرية، شمالي أم درمان، في يناير الماضي.

"رسائل عبر المسيرات"

ونشرت مواقع إعلامية مقربة من الجيش السوداني مقاطع فيديو أثناء وبعد معركة السيطرة على مقر الإذاعة والتلفزيون بأم درمان في 12 مارس الماضي، لطائرات مسيرة تستهدف تجمعات لقوات الدعم السريع، وتصيب أهدافها بدقة، ليلاً ونهاراً.

واعتبر وزير الإعلام السوداني السابق فيصل محمد صالح، أن القدرات الفنية للجيش تتفوق على الدعم السريع في استخدام مثل هذه الطائرات، وخاصة عندما يتعلق بإطلاقها وتوجيهها، و "ربما يشمل ذلك أيضاً أنواعها وقدراتها".

وقال صالح لـ "الشرق"، إن الضربة التي وجهتها قوات الدعم السريع لتجمع للواء البراء بن مالك في مدينة عطبرة شمالي البلاد، في شهر رمضان، كانت الأولى من نوعها بهذا الحجم وهذه الدقة في الإصابة، غير أن بقية مسيرات الدعم السريع تم التصدي لها في مواقع أخرى.

وأضاف صالح أن الدعم السريع أراد أن يبعث برسالة عبر هجومه بالمسيرات على عطبرة وغيرها من المدن التي تقع تحت سيطرة الجيش، مفادها أن بإمكانه الوصول إلى أي مكان في السودان، لافتاً إلى أن هذه المسيرات التي أطلقت على عطبرة ومروي في الشمال والقضارف في الشرق أثارت قدراً من الجدل الداخلي والشكوك بين الجيش ولواء البراء بن مالك، وهي مجموعة قتالية تصفها تقارير بأنها تتبع النظام السابق، إذ رأى البعض أن المسيرات أُطلقت من مسافة قريبة لأن المناطق المستهدفة تبدو بعيدة عن مناطق نفوذ الدعم السريع.

والخلاصة كما قدمها صالح هي أن استخدام الدعم السريع للمسيرات، يخلق نوعاً من التوازن العسكري مع القوات المسلحة وهذا ما يدفع في اتجاهين، إما التفاوض أو إحساس طرف من الطرفين بامتلاكه قدرات تفوق الطرف الآخر وبالتالي التعنت والإصرار على مواصلة الحرب.

تصنيفات

قصص قد تهمك