ساهم قرار الولايات المتحدة بتعليق شحنات أسلحة إلى إسرائيل على خلفية مخاوف ترتبط بخطة اجتياح رفح، في تفاقم التوتر بين واشنطن وتل أبيب، وأعرب مسؤولون إسرائيليون عن "إحباط شديد" إزاء هذا التضييق غير المسبوق من قبل الإدارة الأميركية على المساعدات العسكرية لإسرائيل وسط تحذيّرات أميركية من وصول العلاقات إلى "نقطة انهيار".
وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في جلسة استماع بمجلس الشيوخ، الأربعاء، إن الولايات المتحدة تراجع "المساعدة الأمنية على المدى القريب... في ضوء الأحداث الجارية في رفح".
ومدينة رفح جنوب قطاع غزة، التي تقول إسرائيل إنها "آخر معقل عسكري" لحركة "حماس"، لجأ إليها أكثر من مليون فلسطيني، الكثير منهم نزحوا في السابق من أجزاء أخرى من قطاع غزة، بعد أوامر إسرائيل بالإخلاء منها.
واشنطن لم تتخذ "قراراً نهائياً"
وأضاف وزير الدفاع الأميركي: "كنا واضحين جداً... منذ البداية أنه يجب على إسرائيل ألا تشن هجوماً كبيراً على رفح دون الأخذ في الاعتبار المدنيين الموجودين في ساحة المعركة وحمايتهم".
وأبلغ أوستن اللجنة الفرعية للدفاع التابعة للجنة المخصصات في مجلس الشيوخ، أن الولايات المتحدة لم تتخذ قراراً نهائياً بشأن ما يجب فعله بشحنة الأسلحة هذه، لكنها أكدت لإسرائيل توقعاتها لعملية محتملة في رفح.
على نحو مماثل، قال مسؤول أميركي اشترط عدم الكشف عن هويته، لوكالة "رويترز"، إن القرار الأميركي اتخذ بسبب الخوف من "الاستخدام النهائي للقنابل التي تزن 2000 رطل، والأثر الذي قد تسببه في مناطق حضرية كثيفة السكان، كما رأينا في أجزاء أخرى من غزة"، مضيفاً أن الولايات المتحدة راجعت بدقة تسليم الأسلحة التي ربما تستخدم في رفح.
"إحباط شديد" في إسرائيل
في إسرائيل، أعرب مسؤولون بارزون عن "إحباط شديد" من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بسبب قرارها بتعليق شحنة أسلحة إلى إسرائيل، محذّرين من أن هذه الخطوة يمكن أن تهدد مفاوضات إطلاق سراح المحتجزين في قطاع غزة، حسب ما ذكر مصدران مطلعان لموقع "أكسيوس".
ونقل الموقع الأميركي عن مسؤولين أميركيين، قولهم إن الخطوة غير المسبوقة التي اتخذتها إدارة بايدن، والتي كان موقع "أكسيوس" أول من أشار إليها، الأحد، كانت "وسيلة للولايات المتحدة لتبدي قلقها" بشأن خطط إسرائيل لاجتياح بري محتمل لمدينة رفح.
وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في شهادته أمام مجلس الشيوخ: "سنواصل فعل ما يلزم، لضمان أن إسرائيل لديها الوسائل اللازمة للدفاع عن نفسها. ولكن مع ذلك، نقوم حالياً بمراجعة بعض شحنات المساعدة الأمنية على المدى القريب في سياق الأحداث الجارية في رفح".
مخاوف من "انهيار" العلاقات
وأشار "أكسيوس" إلى أن تعليق شحنات الأسلحة زاد من حدة التوترات بين إدارة بايدن وحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي كانت تتزايد باطراد خلال الأشهر الأخيرة، وسط تداعيات محلية وعالمية للحرب على غزة.
وتعارض إدارة بايدن أي عملية برية "واسعة النطاق" تقوم بها إسرائيل في رفح، لا تتضمن خطة ذات مصداقية لحماية المدنيين.
وقال مسؤولون أميركيون لموقع "أكسيوس"، إن البيت الأبيض يرى أن عملية رفح "محدودة" حتى الآن، ولا يعتقد أن إسرائيل تجاوزت "الخط الأحمر" للرئيس بايدن الذي ينذر بتحول في السياسة الأميركية تجاه الحرب على غزة.
لكن المسؤولين حذّروا من أنه إذا توسعت العملية أو خرجت عن نطاق السيطرة، ودخلت القوات الإسرائيلية مدينة رفح نفسها فسيكون ذلك بمثابة "نقطة انهيار" للعلاقات الأميركية الإسرائيلية.
وذكر "أكسيوس"، أن مسؤولين إسرائيليين طلبوا تفسيراً لقرار الولايات المتحدة بإيقاف شحنة أسلحة تتضمن 1800 قنبلة زنة ألفي رطل، و1700 قنبلة زنة 500 رطل.
عرقلة مفاوضات القاهرة
وأضافت المصادر أن الإسرائيليين أبلغوا الولايات المتحدة، أنهم يساورهم "قلق بالغ" من أنه مع استمرار المفاوضات في القاهرة، فإن توقيت هذه الخطوة سيهدد الجهود المبذولة لتأمين اتفاق لإطلاق سراح المحتجزين، ووقف مؤقت لإطلاق النار.
ويشعر الإسرائيليون بالقلق من أن "حماس" لن تغير مواقفها، عندما ترى مستوى الضغط الأميركي على تل أبيب.
وأبلغ مسؤولون إسرائيليون إدارة بايدن أنها بحاجة إلى الضغط على "حماس"، وليس على إسرائيل، وكرروا توقعاتهم بأن الولايات المتحدة ستواصل الوقوف مع تل أبيب، وهي تقاتل لهزيمة "حماس".
وفي الأيام الماضية، بعد أن أكدت الحكومة الإسرائيلية أن الولايات المتحدة أوقفت الشحنة مؤقتاً في سياق رفح، أعرب مسؤولون إسرائيليون عن إحباطهم العميق لنظرائهم الأميركيين، حسبما ذكرت مصادر مطلعة.
وقالت المصادر إن إسرائيل أبلغت إدارة بايدن أنها مستاءة، ليس فقط من قرار تعليق الشحنة، ولكن أيضاً من تسريب هذا القرار إلى وسائل إعلام.
"تحذير كبير ونادر"
وأشارت "بلومبرغ" في تقرير، الأربعاء، إلى أنه مع تزايد الجدل بشأن الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، أوقف موردو أسلحة، بينهم إيطاليا وإسبانيا وكندا، مبيعاتهم لإسرائيل. ومع ذلك، فإن هذا لم يكن له أهمية تذكر، بينما واصلت الولايات المتحدة إرسال الشحنات.
وتأتي نحو 70% من واردات إسرائيل العسكرية من الولايات المتحدة، التي سلمت أكثر من 200 شحنة منذ بدء الحرب في أكتوبر، ولذلك فإن قرار واشنطن بحجب نحو 3 آلاف و500 قنبلة هذا الأسبوع يعتبر بمثابة "تحذير كبير ونادراً ما يستخدم".
ونقلت "بلومبرغ" عن ماتان كاهانا، وهو نائب إسرائيلي وسطي وقائد سابق لسرب مقاتلات F-16، قوله إن "الأسلحة الأميركية، لا سيما، القنابل الدقيقة هي أساس حربنا في غزة، وفي العمليات المستقبلية".
"استقلال" صناعات الدفاع
ووفقاً لـ"بلومبرغ"، امتنع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن التعليق بشكل علني على تأخير الشحنة الأميركية، ولكنه ظل يحذر لبعض الوقت من مخاطر كامنة في اعتماد إسرائيل أكثر من اللازم على الآخرين لتلبية احتياجاتها العسكرية المتزايدة.
وقبل 3 أشهر، أصدر نتنياهو تعليماته إلى وزيري الدفاع والمالية في البلاد بإعداد خطة "لتعزيز الصناعات الدفاعية الإسرائيلية لعقود مقبلة"، مشيراً إلى أن ذلك سيتطلب "استثمارات ضخمة لضمان استقلالنا الأمني وحرية العمل".
ومن المرجح أن يشكل تطوير صناعة الأسلحة التي تشمل خطوط إنتاج محلية للذخائر الجوية التي تزودها بها الولايات المتحدة الآن "تحدياً كبيراً"، لا سيما على المدى القصير. وحتى الآن، لم يحدث الكثير، إذ قال مسؤولو وزارة المالية إنه تم تشكيل فرق ولكن بدون إطار عمل أو موعد نهائي.
وحتى مع اتخاذ قرارات سريعة ونشر استثمارات عاجلة، لا يمكن تحقيق أي شيء في الوقت المناسب للحفاظ بشكل مستقل على كثافة القصف الإسرائيلي على غزة، الذي استمر لـ7 أشهر، إلى جانب تبادل إطلاق النار شبه اليومي مع "حزب الله" في لبنان، و"المواجهة المباشرة" الشهر الماضي مع إيران.
سياسة "الابتكار الدفاعي"
وذكرت "بلومبرغ" أن سياسة المشتريات الدفاعية الإسرائيلية، وضعت في أوائل التسعينيات من قبل رئيس الوزراء الراحل إسحاق رابين، الذي قال إن الاكتفاء الذاتي يعد "سراباً"، حتى لو كانت الأسلحة المطورة محلياً تتطلب مكونات أجنبية.
وقلّص رابين التصنيع المحلي للمنتجات باهظة الثمن، وسعى إلى شراء أي شيء ممكن في الخارج، مع تركيز الصناعات الإسرائيلية على ما لم يكن متوفراً، سواء لأسباب سياسية أو عسكرية، أو غير موجود. وأُطلق على هذه السياسة اسم "سياسة الصناعات الصغيرة"، وساعدت تل أبيب على أن تصبح رائدة على مستوى العالم في مجال الابتكار الدفاعي.
وفي الوقت نفسه، أصبحت إسرائيل تعتمد بشكل كبير على دول أخرى، وعلى نحو متزايد الولايات المتحدة وألمانيا، للحصول على طائرات مقاتلة وغواصات وسفن حربية وأنظمة مدفعية جوية.
وفي نهاية عام 2023، شملت شحنات الأسلحة الرئيسية المعلقة إلى إسرائيل 61 طائرة مقاتلة من الولايات المتحدة و4 غواصات من ألمانيا.
خطة تستغرق 3 سنوات
في هذا السياق، قال رئيس قسم المشتريات بوزارة الدفاع الإسرائيلية زئيف لانداو، في مقابلة أجريت معه مؤخراً، إن هدف إسرائيل في اليوم التالي لحرب غزة هو الاستقلال، "بشكل أساسي في مجال قنابل الطائرات، التي يجري شراؤها حالياً بالكامل من الولايات المتحدة".
وأضاف أن إسرائيل تريد "آلية تحافظ مع مرور الوقت على الحد الأدنى من الطلبيات اللازمة للحفاظ على خط إنتاج يكون اقتصادياً"، متوقعاً أن يستغرق الأمر ما لا يقل عن سنتين إلى 3 سنوات من الاستعدادات.
وحدد لانداو شركة Elbit Systems، التي استحوذت على شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية السابقة، باعتبارها "الشركة الأنسب" لإنتاج القنابل الجوية.
وتابع: "نحن أيضاً بصدد اتخاذ قرار بشأن أي من المواد الخام اللازمة لإنتاج القنابل سيبدأ إنتاجها في إسرائيل".
وأردف: "في هذا المجال أيضاً، نسعى جاهدين من أجل الاستقلال. سنعطي الأولوية للمواد الخام التي سننتجها بأنفسنا، أو سنحتفظ بمخزون استراتيجي منها في إسرائيل مثل الوقود، الذي يحتفظ بمخزون احتياطي منه".
"اعتماد" على أميركا
وحتى ذلك الحين، تظل إسرائيل معتمدة على الولايات المتحدة، وخاصة في قواتها الجوية، كما يظهر تقرير صدر مؤخراً عن وزارة المالية، يذكر بالتفصيل طلبات الشراء المتوسطة والطويلة الأجل التي طرحتها إسرائيل في الأسواق المحلية والأجنبية.
ومن المقرر أن يذهب إجمالي 5.6 مليار شيكل (1.5 مليار دولار)، بنسبة 97% مما ستنفقه إسرائيل على الذخائر حتى عام 2029 إلى الجيش الأميركي، أو شركة أميركية لم يذكر اسمها.
وأشار التقرير إلى تخصيص ثلثي طلبات الأسلحة المقرر توريدها حتى عام 2027 من الجيش الأميركي وشركة أميركية لم يذكر اسمها بقيمة إجمالية تبلغ 2.1 مليار شيكل (570 مليون دولار).
وثلث الرؤوس الحربية التي طلبتها إسرائيل وسيجري توريدها هذا العام والعام المقبل، مصدرها سلاح الجو الأميركي ويبلغ مجموعها 289 مليون شيكل (نحو 78 مليون دولار).