استبدل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأحد، وزير دفاعه سيرجي شويجو، حليفه القديم، ورشح خبيراً اقتصادياً ليحل محله في أكبر تغيير في هيكل القيادة العسكرية منذ شنت موسكو حربها على أوكرانيا في فبراير 2022.
ورشح بوتين نائب رئيس الوزراء السابق أندريه بيلوسوف، وهو خبير اقتصادي شغل سابقاً منصب وزير التنمية الاقتصادية، ليحل محل شويجو، الذي سيتكلف بمجلس الأمن الروسي.
ويأتي التعديل الوزاري مع بدء بوتين فترة ولايته الرئاسية الخامسة وبعد دخول الحرب في أوكرانيا عامها الثالث، كما يأتي في الوقت الذي شنت فيه روسيا أخطر هجوم بري عبر الحدود منذ أن أعادت أوكرانيا السيطرة على منطقة خاركوف الشمالية في أواخر صيف عام 2022.
وسينتقل شويجو إلى منصب سكرتير مجلس الأمن ليخلف نيكولاي باتروشيف، أحد أقوى المسؤولين في روسيا، والذي لم يتم تعيينه على الفور في أي منصب جديد، مما أثار تكهنات بشأن إقالته، وسط تقارير عن عمله في الكواليس لإعداد نجله ديمتري لخلافة بوتين نفسه.
وقالت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إن إقالة شويجو تشير إلى "رغبة بوتين في تعيين وزير دفاع يتولى فرض رقابة مشددة على الزيادات الهائلة في الإنفاق العسكري لتمويل حرب روسيا ضد أوكرانيا، والحد من الفساد المستشري في وزارة الدفاع، والذي بدا أنه يعيق تقدم القوات الروسية في الأراضي الأوكرانية".
وكانت الصحيفة تشير هنا إلى قضية الفساد التي تورط فيها نائب شويجو، تيمور إيفانوف، والذي اعتقل نهاية أبريل الماضي، والموازنة المتضخمة للوزارة.
تغييرات في يوم عطلة؟
وشويجو هو أحد المقربين من بوتين منذ فترة طويلة، حيث شغل منصب وزير الدفاع منذ نوفمبر 2012، وكان وزيراً لحالات الطوارئ لمدة 21 عاماً من عام 1991 إلى عام 2012. وعلى مر السنين، تم التكهن بأن شويجو هو خليفة محتمل لبوتين.
وشدد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أثناء إحاطته للصحافيين بالتغييرات الأحد، على أن شويجو سيظل على تعاون وثيق مع بوتين بينما يشرف في الوقت نفسه على الخدمة الفيدرالية للتعاون العسكري الفني، التي تتولى شراء الأسلحة والصادرات العسكرية، وهي هيئة مهمة إذ تعتمد روسيا بشكل متزايد على الصين وعدة دول أخرى للحفاظ على الإنتاج العسكري في ظل قيود العقوبات الغربية وضوابط التصدير، وفق "واشنطن بوست".
وذكرت الصحيفة الأميركية أن الإعلان عن التعيين تم الأحد، الذي يصادف عطلة نهاية الأسبوع، وتمت معايرته بعناية شديدة، بحيث لا يعطي الانطباع بأن الأمر يتعلق بتغييرات جذرية وسط الحرب الطويلة في أوكرانيا.
حفظ ماء وجه الحليف القديم
ويضع التعيين الجديد شويجو، الذي تعرض لانتقادات كبيرة بسبب أداء الجيش في أوكرانيا، في منصب يعتبر رسمياً أعلى مرتبة من دوره في وزارة الدفاع، فيما يعتقد بعض المراقبين أنها خطوة من جانب بوتين تسمح لحليفه القديم بـ"حفظ ماء الوجه"، وفق "الجارديان" البريطانية.
وقالت تاتيانا ستانوفايا، مؤسسة شركة الاستشارات السياسية R.Politik، على تطبيق تليجرام، إن نقل شويجو إلى مجلس الأمن يظهر أن الهيئة أصبحت عاجزة ويتم استخدامها كـ "مستودع تخزين لشخصيات بوتين الرئيسية السابقة".
وتجسدت الحاجة إلى وزير دفاع جديد بعد فضيحة الفساد التي تورط فيها نائب وزير الدفاع السابق تيمور إيفانوف، وهو مساعد رئيسي لشويجو يواجه اتهامات بالرشوة، والصراع مع مؤسس فاجنر يفجيني بريجوجين، وهو ما أدى إلى تمرد فاشل في يونيو العام الماضي، وفق ما صرح به مستشار مقرب من الكرملين لـ"بلومبرغ".
وقال الكرملين إن ميزانية الدفاع الروسية المتضخمة تبرر تعيين خبير اقتصادي مسؤولاً، وأن بيلوسوف سيساعد في جعل الجيش الروسي "أكثر انفتاحاً على الابتكار".
"ازدراء واضح"
وتمثل التغييرات الوزارية إصلاحاً نادراً لبوتين، الذي يميل إلى تجنب التغييرات المتهورة، ويمكن أن تمثل نقطة تحول في حرب روسيا المستمرة منذ أكثر من عامين في أوكرانيا، وفق "نيويورك تايمز".
وأفادت الصحيفة الأميركية أنه بعد أن اكتسبت المؤسسة العسكرية الروسية زمام المبادرة في ساحة المعركة، يحاول بوتين إظهار أن روسيا "تتمتع بالانضباط والقدرة الاقتصادية لشن حرب طويلة".
وفي حديث مع "الشرق" قال الخبير والمحلل الروسي أندريه أونتيكوف إن مؤشرات إقالة شويجو بدأت بالظهور فعلياً قبل أسابيع في أعقاب إقالة مستشاره بسبب تورطه في قضايا فساد والرشوة.
وفقًا لمقطع فيديو تم نشره على نطاق واسع في يونيو 2023، حضر بوتين وشويجو تسليم الميداليات في مستشفى عسكري، حيث ظهر الرئيس الروسي وهو يدير ظهره لوزير الدفاع في "ازدراء واضح"، وفق "الجارديان".
وفي السنوات الأخيرة، لم تعد هناك أي تعبيرات علنية عن الصداقة أو الصور التي تظهر الرجلين وهما يستحمان تحت أشعة الشمس عاريا الصدر معاً في سيبيريا النائية، ويتقاسمان إجازات الصيد ويلعبان في نفس فريق هوكي الجليد.
وقال سيرجي ماركوف، المستشار السياسي المقرب من الكرملين، إن تعيين بيلوسوف يتعلق بممارسة بوتين المزيد من السيطرة على الشؤون العسكرية مع استمرار الحرب الأوكرانية. كما أصبحت الحاجة إلى وجه جديد لتمثيل القوات المسلحة الروسية ملحة بعد فضيحة الفساد التي تورط فيها تيمور إيفانوف، وفق "تايمز".
وهي نفس الفكرة التي يدافع عنها المحلل الروسي أنتيكوف، الذي قال لـ"الشرق"، إن التغيير يدور حول تعزيز دور المجمع الصناعي العسكري باعتباره القاطرة الرئيسية للاقتصاد، مضيفاً أنه لا يتوقع أن تتغير العقيدة العسكرية في أوكرانيا مع هذا التعديل، لأن "المسؤول عن العملية العسكرية هو رئيس الأركان وليس وزير الدفاع".
لاعب جديد
وفيما تشير تقارير إلى قرب بيلوسوف من بوتين، إلا أن خبراء استخبارات غربيين يرون أنه "ليس لاعباً حقيقياً" في نظام بوتين، ومن ثم جاء اختياره لكونه "لا يشكل تهديداً"، لنظام الرئيس الذي بدأ ولايته الخامسة، الثلاثاء الماضي، في وضع ينظر إليه البعض على أنه أقوى من ذي قبل، نظراً لأنه تمكن من "إسكات معارضيه".
ولكن ألكسندر باونوف وهو دبلوماسي روسي سابق وزميل في معهد كارنيجي أوراسيا اعتبر أن تعيين شخصية اقتصادية أساسية والوزير الأهم في المجموعة الاقتصادية بحكومة بوتين على رأس وزارة الدفاع، يعني أن الرئيس الروسي يخطط للفوز بالحرب عبر الصناعة الدفاعية الروسية، وقوتها في الأسواق الدولية، والضغط على كييف تدريجياً بقوة المجمع الصناعي العسكري الروسي، وفق ما ذكر لـ"رويترز".
من هو بيلوسوف؟
أندريه بيلوسوف، هو سياسي ومستشار اقتصادي روسي، ولد في موسكو 17 مارس 1959، وتخرج عام 1981 بمرتبة الشرف من كلية الاقتصاد بجامعة موسكو الحكومية.
وعمل بين 1981 إلى عام 1986 في المعهد المركزي للاقتصاد والرياضيات التابع لأكاديمية العلوم في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، وبين 1986 إلى 2006 عمل موظفاً في معهد الاقتصاد والتنبؤ بالتقدم العلمي والتكنولوجي التابع لأكاديمية العلوم في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية (معهد التنبؤ الاقتصادي الوطني التابع للأكاديمية الروسية للعلوم).
وبين العام 2000 إلى 2006، شغل منصب مستشار مستقل لرئيس الوزراء، ومن 2006 إلى 2008، شغل منصب نائب وزير التنمية الاقتصادية والتجارة، ومن 2008 إلى 2012 – شغل منصب مدير الدائرة الحكومية للاقتصاد والمالية
وعمل بين 2012 إلى 2013 وزيراً للتنمية الاقتصادية، وبين 2013 إلى 2020 شغل منصب مساعد الرئيس، وهو يتولى منذ 21 يناير 2020 منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء.
وأدى بوتين، الثلاثاء، اليمين ليبدأ ولاية جديدة مدتها 6 سنوات في مراسم حظي خلالها بتكريم القياصرة، بعد فوزه بولاية رئاسية خامسة في الانتخابات التي أجريت على مدار 3 أيام، في الفترة من 15 إلى 17 مارس الجاري.