
أقر مجلس النواب العراقي، الأربعاء، مشروع قانون العطلات الرسمية والتي تضمنت عطلة "عيد الغدير" وهي مناسبة دينية يحتفل بها الشيعة، أثارت مؤخراً جدلاً واسعاً في البلاد بين من يعتبرها رمزية دينية مهمة، ومن يرى فيها فرضاً لسردية طائفية تثير حساسية المكونات الأخرى.
وقال رئيس مجلس النواب العراقي بالنيابة محسن المندلاوي في بيان، إن مشروع قانون "يهدف إلى إبراز المناسبات المرتبطة بحياة ومشاعر الشعب العراقي، وتنظيم العطلات الرسمية في البلاد"، مشيراً إلى أن القانون شمل جميع العطل والمناسبات والأعياد الرسمية في البلاد.
وأضاف المندلاوي أن "رئاسة مجلس النواب منحت اهتماماً خاصاً لمشروع قانون العطلات الرسمية، وحرصت على جعل يوم 18 ذي الحجة عطلة عامة، وذلك لرمزية يوم الغدير لدى غالبية العراقيين".
وأفاد عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي النائب عارف الحمامي لـ"الشرق"، بأن مجلس النواب صوّت في جلسة الأربعاء، على قانون العطلات الرسمية، ومن ضمنها عطلة عيد الغدير، بعد موافقة مجلس الوزراء على مشروع القانون وإرساله إلى البرلمان لتمريره.
وأوضح الحمامي أن القانون الجديد شمل 10 عطل رسمية بعضها ذات طابع وطني وأخرى ديني، "خاصة عطلة عيد الغدير التي تمثل أهمية كبيرة لدى غالبية الشعب العراقي نابعة من مكانتها الدينية في نفوس معظم المسلمين سواء داخل العراق أو خارجه، وخصوصاً أبناء الطائفة الشيعية".
واعتبر أن التصويت على عطلة عيد الغدير ضمن مشروع قانون العطلات الرسمية "يمثل مناسبة مهمة لتوحيد المسلمين ونبذ الفرقة والطائفية، إذ يؤيد الكثير من أبناء السُنة المعتدلين هذا الطرح، ولا يعترضه عليه إلا الأشخاص الذين يحملون العقد المذهبية والحس الطائفي الساعي للفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وهم قليلون، إذ جرى التصويت على القانون بأغلبية أعضاء مجلس النواب بكامل فقراته".
"تصويت من دون مناقشة"
وذكرت النائبة في البرلمان العراقي عن كتلة "تقدم" النيابية نهال الشمري لـ"الشرق"، أن التصويت على مشروع قانون العطلات الرسمية الذي يتضمن عطلة عيد الغدير، جاء بسبب ضغط الشارع العراقي بقيادة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لتشريعه، أكثر مما هو رغبة من النواب الشيعة داخل البرلمان العراقي.
وأضافت الشمري: "مضى الأمر بهذه الطريقة.. حاولنا رفع فقرة القانون من جدول أعمال جلسة البرلمان ليوم الأربعاء، كون مشروع القانون عُرض للتصويت دون تقديمه للمناقشة".
وأشارت إلى أن تشريع قانون في هذه المرحلة أمر غير صحيح، خاصة مع وجود أصوات طائفية ومشاكل وخلافات تحول دون مرور مثل هذه القوانين بصورة صحيحة، بالإضافة إلى أن المكون السني يفتقد حالياً لاستحقاقه في رئاسة البرلمان، ومن المفترض عدم تمرير تشريعات من هذا النوع إلا بوجود رئيس للبرلمان وفق الاستحقاق السياسي.
وتابعت الشمري: "مناسبة عيد الغدير عليها الكثير من الاختلافات الفقهية أولاً، فضلاً عن وجود شركاء في العملية السياسية من السُنة وبقية المكونات الأخرى كان يجب احترام توجههم الديني والعقائدي وعدم فرض إرادة مكون معين عليهم، والأمر الآخر أن قانون عطلة عيد الغدير سيفتح الباب أمام بقية القوميات والأديان في العراق للمطالبة بعطل خاصة بها".
ورأت النائبة عن كتلة "تقدم" أن إثارة موضوع عطلة "عيد الغدير" من قبل التيار الصدري، يأتي بمثابة دعاية انتخابية مبكرة باعتبار أن التيار مقبل على العودة إلى العملية السياسية والانتخابات البرلمانية.
تصاعد الخلافات
ومنذ أدرج مجلس النواب العراقي مقترح القانون على جدول أعمال جلسته لغرض قراءته قراءة أولى، احتدم خلاف سياسي بين الأحزاب العراقية بشأن عطلة "عيد الغدير"، بين مؤيد يرى رمزية دينية مهمة للمناسبة يجب وضعها في خانة العُطل الرسمية، ورافض للقانون معتبراً إياه فرض سردية طائفية تثير حساسية المكونات الأخرى.
القصة بدأت حينما دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في 19 من أبريل، مجلس النواب العراقي لتشريع قانون يجعل من "عيد الغدير" عطلة رسمية في العراق، معتبراً في كلمة متلفزة له أن "العيد درء الطائفية وتفعيل للتعايش السلمي".
وعلى منصة "إكس" قال الصدر: "بأمر من الشعب العراقي والأغلبية الوطنية المعتدلة بكل طوائفها، يجب على مجلس النواب العراقي تشريع قانون يجعل من الثامن عشر من شهر ذي الحجة (عيد الغدير) الأغر عطلة رسمية عامة لكل العراقيين بغض النظر عن انتمائهم وعقيدتهم".

الدعوة وجدت تجاوباً من قبل عدد من أعضاء مجلس النواب، إذ جرى جمع تواقيع أكثر من 100 نائب، ورفع طلب إلى رئيس البرلمان الذي أعلن تسلمه الطلب، لكن ما لبث الأمر أن أثار جدلاً سياسياً وسط سيل من الاعتراضات بشأنه.
المرجعية الدينية السنية في العراق متمثلةً بالمجمع الفقهي العراقي، شددت في بيان في وقت سابق خلال الشهر الجاري، على ضرورة ابتعاد البرلمان عن تشريع أي قانون يغذي "الانقسام المجتمعي"، و"يهدد الهوية الوطنية والقيم الأصيلة".
من جهته، أعرب "الحزب الإسلامي العراقي" عن معارضته لمقترح اعتماد "عيد الغدير" عطلة رسمية في البلاد، لافتاً إلى أن "هذه مناسبة لها خصوصيتها لدى مكون دون آخر، وستعيد إنتاج دوامة الفعل ورد الفعل بما لا يخدم المصلحة الوطنية العليا".
أما حزب "السيادة" بزعامة خميس الخنجر، فاقترح ترك مسألة عطلة "عيد الغدير" إلى مجالس المحافظات لتقرير ذلك، معرباً في بيان عن مخاوفه "من تحول النظام السياسي تدريجياً إلى نظام دولة ثيوقراطية دينية بسبب هذه القوانين".
ويمنح القانون العراقي الحكومات المحلية صلاحية إعلان أي يوم عطلة، لكنها تقتصر على أهالي المحافظة نفسها دون غيرها لمختلف الأسباب، وخلال السنوات السابقة كانت محافظات جنوب ووسط العراق، تحتفل بعيد الغدير، وتمنح الدوائر الحكومية في المحافظة عطلة رسمية، دون شمولها باقي مدن البلاد.
وسبق أن صوّت مجلس الوزراء العراقي، في يوليو، على اعتبار "عيد الغدير" من كل عام عطلة رسمية، غير أن ذلك يعتبر قراراً حكومياً وليس برلمانياً، من المحتمل انتهائه بانتهاء المدة الزمنية لحكومة محمد شياع السوداني، أما تشريع القانون داخل مجلس النواب، فإنه يكون بشكل دائم، ولا تنتهي بانتهاء حكومة معنية، بحسب ما ذكره قانونيون.