دخلت أكبر الأحزاب اليمينية المتطرفة في الاتحاد الأوروبي إلى ما وُصف بـ"النفق المظلم"، بعد تصاعد الخلافات السياسة بينها، ما يهدد بخسارة الانتخابات البرلمانية المرتقبة، رغم أن التوقعات كانت تشير إلى تحقيق اليمين الراديكالي مكاسب كبيرة.
وطُرد حزب "البديل من أجل ألمانيا"، الخميس، من التكتل اليميني داخل البرلمان الأوروبي، بعد سلسلة فضائح تورط فيها أحد نوابه البارزين، مع اقتراب الانتخابات البرلمانية الأوروبية.
ويجري التحقيق مع النائب ماكسيميليان كراه، المرشح الأبرز لحزب "البديل من أجل ألمانيا" في الانتخابات الأوروبية التي ستُجرى يومي 6 و9 يونيو، للاشتباه بإقامته صلات مشبوهة مع روسيا والصين، وأيضاً بعد أن أدلى بتعليقات قلل فيها من جرائم "قوات الأمن الخاصة النازية" (إس إس).
وقال كراه، إنه "ليس كل أعضاء منظمة قوات الأمن الخاصة النازية شبه العسكرية مجرمين".
واعتُبرت تصريحات كراه بمثابة "تبرئة لقوات الأمن الخاصة النازية"، بحسب "بلومبرغ"، التي أفادت بأن كراه يعاني بالفعل من ضغوط كبيرة بعد اعتقال مساعده في البرلمان الأوروبي، الشهر الماضي، للاشتباه في تجسسه لصالح الصين.
ويسعى حزبا "التجمع الوطني" الفرنسي و"الرابطة" الإيطالي، الشريكان مع حزب البديل ضمن تكتل "الهوية والديموقراطية" اليميني المتشدد في البرلمان الأوروبي، إلى إبعاد نفسيهما عن الحزب الألماني ونائبه ماكسيميليان كراه.
وقالت مارين لوبان، زعيمة حزب "التجمع الوطني" الفرنسي اليميني المتطرف، الأربعاء، إنها ستقطع العلاقات مع الحزب اليميني "البديل من أجل ألمانيا".
وبعد يومين، صوّت تكتل "الهوية والديموقراطية" لطرد الحزب الألماني ومشرعيه التسعة من صفوفه.
وقال التكتل في بيان "لم يعد تكتل الهوية والديموقراطية يرغب في أن يكون مرتبطا بالحوادث التي تورط فيها ماكسيميليان كراه".
وتنقسم قوى اليمين الراديكالية والشعبوية في البرلمان إلى مجموعتين، هما كتلة "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين"، وكتلة "الهوية والديموقراطية" التي تضم "التجمع الوطني" الفرنسي، و"حزب البديل من أجل ألمانيا"، و"الرابطة" الإيطالي.
انقسامات اللحظات الأخيرة
وتشير انقسامات اللحظات الأخيرة قبل الانتخابات المرتقبة، إلى إحدى المشاكل التقليدية التي عادة ما تواجهها الأحزاب اليمنية المتطرفة، والمتمثلة بأنها "لا تشكل في نهاية المطاف كتلة متماسكة"، وفقاً لـ"بلومبرغ".
ويبدوا أن الخلافات بين تلك الأحزاب أكبر من القواسم المشتركة، ما يقلل احتمالات خروج إحدى المجموعات اليمينية من المعترك الانتخابي الأوروبي بالزخم الكافي لتعزيز أجنداته المحافظة.
ودعي نحو 370 مليون شخص للإدلاء بأصواتهم في الدول الـ27 للاتحاد الأوروبي، في الانتخابات التي تنظم بين السادس من يونيو والتاسع منه، لاختيار 720 نائباً في البرلمان الأوروبي.
وقال جاكوب كيركجارد، الزميل في صندوق مارشال الألماني في بروكسل لـ"بلومبرغ"، إن "هذه كلها أحزاب قومية لا تتفق على الكثير على مستوى الاتحاد الأوروبي، باستثناء أنها تعارض التكتل إلى حد كبير"، مشيراً إلى أنها "لا تحب المهاجرين أو الاتحاد الأوروبي، ولكن ما الذي يتفقون عليه أيضاً؟ غالباً لا شيء".
ومن المتوقع أن يفوز تكتل "الهوية والديمقراطية" المتشككة في الاتحاد الأوروبي بنسبة 11.2% من الأصوات، ما يمنحه 84 مقعداً في البرلمان، مقارنة بـ59 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، وفقاً لمتوسط استطلاعات الرأي التي جمعتها Europe Elects.
وتوقع كيركجارد، أن يكون لإعلان لوبان فك الارتباط عن الحزب الألماني، "تأثير سلبي على نتائج الانتخابات"، لافتاً إلى "الناس يحبون الفائزين، والأحزاب اليمينية لا تبدو فائزة في الوقت الحالي".
وأضاف أن "الجاذبية الشعبوية للأحزاب اليمينية يمكن أن تتطور سريعاً، ولكنها أيضاً يمكن أن تختفي سريعاً مرة أخرى".
وتأمل الأحزاب اليمينية المتطرفة تكوين كتلة كبيرة بعد الانتخابات الأوروبية المقبلة، حتى يتمكنوا من تخفيف حدة القوانين المناخية الطموحة، واقتراح تدابير أكثر صرامة في ملف الهجرة.
وبينما تظهر استطلاعات الرأي أن أحزاب اليمين المتطرف ستحسن موقعها، لا يزال من المتوقع أن تبقى القوى التقليدية في البرلمان الأوروبي، وهي "حزب الشعب الأوروبي" (اليمين الوسط)، و"الاشتراكيون والديموقراطيون" ذوو الميول اليسارية، ومجموعة "تجديد أوروبا" الوسطية، في الطليعة.
وحصل حزب "الشعب الأوروبي"، وهو أكبر مجموعة سياسية في البرلمان الأوروبي، في استطلاعات الرأي على نسبة 23%، وهي نسبة تمنحه 183 مقعداً.
ومن المتوقع أن يفوز الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" (يسار الوسط)، بـ140 مقعداً، فيما يُتوقع أن تحصل مجموعة تجديد الليبرالية الوسطية على 86 مقعداً، ما سيمنح هذه الأحزاب الثلاثة أغلبية مطلقة في المجلس، ويسمح لها بعرقلة مقترحات اليمين المتطرف.
وسبق أن قال لويس أليوت، نائب رئيس حزب "التجمع الوطني" الفرنسي، إن حزبه لا يشارك "حزب (البديل من أجل ألمانيا) نفس الرؤية للعالم"، مستبعداً أن "تستمر الهيكلة الحالية للائتلافات بعد الانتخابات".
حرب أوكرانيا
وأدّى الغزو الروسي في أوكرانيا أيضاً إلى تقسيم اليمين، حيث أبدت أحزاب كثيرة بينها "البديل من أجل ألمانيا"، وحزب "فيدس" الذي يتزعمه رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، تعاطفها مع الكرملين، فيما وقف آخرون مثل لوبان ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني وراء أوكرانيا.
ويمكن أن ينعكس الصدع الذي أصاب جسد اليمين المتطرف على المصالح الداخلية للأحزاب، حيث تتطلع لوبان إلى خوض سباق انتخابات الرئاسة عام 2027 في فرنسا، والتي لن يخوضها الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون؛ بسبب حدود الولاية الرئاسية.
وذكر كيركيجارد، أن "لوبان لا تهتم في حقيقة الأمر كثيراً بالبرلمان الأوروبي، وإنما فقط بالوضع الذي يمنحها الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا".
واعتبر أن "فرصة النأي بنفسها عن الحزب اليميني الألماني، الذي يتعاطف مع وحدات الأمن الخاصة النازية، يمثل هدية سياسية قيمة".
يعني ذلك أنه حتى لو كان أداء اليمين المتطرف يتماشى مع التوقعات، فإن فشله في إيجاد أجندة مشتركة قد يعيق قدرته على المضي قدماً في بروكسل، وفق "بلومبرغ".
وقالت باسكال جوانين المديرة العامة لمؤسسة "روبير شومان": "ستحرز قوى اليمين الراديكالية والشعبوية تقدماً، لكن لن تكون موجة عارمة"، بحسب ما نقلته وكالة "فرانس برس".