تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس، بعدم إدخال إصلاح انتخابي أثار أعمال شغب عنيفة في كاليدونيا الجديدة، حيز التنفيذ، داعياً إلى منح الأطراف "بضعة أسابيع لاستئناف الحوار بغية التوصل إلى اتفاق شامل"، مشدداً على أهمية عودة الهدوء إلى الأرخبيل الفرنسي الواقع جنوب المحيط الهادئ.
وأجرى ماكرون زيارة سريعة إلى كاليدونيا الجديدة استمرت بضع ساعات، التقى خلالها الموالين والانفصاليين، قبل أن يستقل الطائرة للعودة إلى باريس التي تبعد 17 ألف كيلو متر عن الأرخبيل.
وقال ماكرون خلال مؤتمر صحافي اختتم فيه زيارته: "بعد الاستماع إلى الجميع.. تعهدت بعدم إدخال الإصلاح حيز التنفيذ اليوم.. وأن نمنح أنفسنا بضعة أسابيع للسماح بالتهدئة واستئناف الحوار بهدف التوصل إلى اتفاق شامل" بشأن المستقبل المؤسسي للأرخبيل.
وفي مطلع الأسبوع الماضي، شهدت كاليدونيا الجديدة أعمال شغب، بعد تعبئة ضد إصلاح دستوري، يهدف إلى توسيع عدد من يُسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات المحلية، ليشمل كل المولودين والمقيمين في الأرخبيل منذ ما لا يقل عن 10 سنوات.
ويرى المنادون بالاستقلال أن ذلك "سيجعل شعب كاناك الأصلي أقلية بشكل أكبر"، في المنطقة التي استعمرتها فرنسا في القرن الـ19.
استفتاء
حتى يتم اعتماد الإصلاح الانتخابي في كاليدونيا الجديدة يجب أن يحظى بموافقة البرلمان الفرنسي.
وكان ماكرون وعد بتقديم تحديث للوضع خلال شهر، في ما بدا أنه يُؤخر التصويت النهائي على الإصلاح الانتخابي، شرط استعادة النظام.
وبدا أن موقف الرئيس الفرنسي أقل تشدداً إلى حد ما بشأن هذه القضية، حين قال: "أمنيتي أيضاً هي أن يُطرح هذا الاتفاق ليصوت عليه مواطنو كاليدونيا الجديدة".
وأكد ماكرون على رغبته في "التوصل إلى وقف للأعمال العدائية، وبالتالي إزالة الحواجز، واستعادة الهدوء في الساعات المقبلة"، بهدف "رفع حالة الطوارئ واستئناف الحوار".
وتابع: "على هذا الأساس، سأكون أول من يقترح أن نأخذ المزيد من الوقت للتوصل إلى اتفاق شامل يتناسب مع الدستور".
وتسببت أعمال الشغب منذ 13 مايو الحالي بمصرع 6 أشخاص بينهم اثنان من عناصر الدرك، وبإصابة نحو 86 من عناصر الشرطة والدرك بجروح، بحسب وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، كما أدت إلى تدمير ونهب العديد من المباني والشركات.
وأثناء زيارته إلى مركز للشرطة وسط نوميا، تحدث الرئيس الفرنسي عن "حركة تمرد غير مسبوقة" لم يتوقع أحد "اندلاعها بهذا المستوى من التنظيم والعنف".
ووعد بتقديم "مساعدات طارئة" لإصلاح الأضرار "الهائلة" التي سببها مثيرو الشغب.
وأتت تصريحات ماكرون بعد سلسلة لقاءات مع القوى السياسية المحلية من موالين وانفصاليين في كاليدونيا الجديدة.
وأعلن ماكرون أن قوات الأمن المنتشرة في كاليدونيا الجديدة وعديدها حوالي 3 آلاف عنصر، ستبقى في الأرخبيل "طالما دعت الحاجة حتى خلال الألعاب الأولمبية" في باريس التي تختتم مطلع سبتمبر هذا العام.
هدوء حذر
الرئيس الفرنسي زار الأرخبيل برفقة وزراء الداخلية والجيوش وأقاليم ما وراء البحار الذين سيعملون على استئناف الحوار بين الاستقلاليين وغير الاستقلاليين.
ومنذ 12 مايو، تم إيداع 281 شخصاً السجن، وفقاً لمصدر قضائي، غالبيتهم بسبب تعديات على ممتلكات.
وميدانياً، يسود هدوء حذر، ولا تزال حالة الطوارئ سائدة، والتي تشمل "حظر التجول ليلاً والتجمعات وحمل السلاح وبيع الكحول وتطبيق تيك توك".
وفي منطقة مونترافيل الشعبية حيث غالبية السكان من شعب الكاناك الأصلي، تجولت مجموعات من الشباب بوجوه ملثمة، وحمل هؤلاء مقاليع مصنوعة من مواد مختلفة.
وشوهدت عدة حواجز وسيارات محترقة، ما أدى إلى عرقلة حركة السير على الطريق الذي يربط دومبيا شمال العاصمة في نوميا.
وفي نوميا الكبرى تم تعزيز هذه الحواجز ليلاً.
وبدأت العودة إلى الحياة الطبيعية في وسط نوميا، حيث أعادت متاجر فتح أبوابها، وسط انتشار أمني مكثف.
إلى ذلك، تعرّض الأرخبيل لهجوم إلكتروني "بقوة غير مسبوقة"، حسب ما أعلن كريستوفر جيغس عضو الحكومة الجماعية لكاليدونيا، الذي أكد أنه تم إيقاف الهجوم "قبل أن تحدث أضرار كبيرة".
وتُعتبر منطقة جنوب المحيط الهادئ التي استعمرت في القرن الـ19، منطقة استراتيجية بالنسبة لفرنسا، التي تريد تعزيز نفوذها في منطقة آسيا-المحيط الهادئ بسبب مواردها الغنية بالنيكل المعدن الضروري لصناعة السيارات الكهربائية.