السودان.. تحديات وتطلعات في مؤتمر "تقدم" التأسيسي بأديس أبابا

time reading iconدقائق القراءة - 12
صورة لرئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك والقيادي بتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية  "تقدّم" خالد عمر يوسف خلال اجتماع للهيئة القيادية للتنسيقية بأديس أبابا. 4 أبريل 2024 - Tagadom Facebook
صورة لرئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك والقيادي بتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية "تقدّم" خالد عمر يوسف خلال اجتماع للهيئة القيادية للتنسيقية بأديس أبابا. 4 أبريل 2024 - Tagadom Facebook
بورتسودان-خالد عويس

تنطلق في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الأحد، فعاليات المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية السودانية "تقدّم"، برئاسة عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السابق، لتستمر لمدة 5 أيام، بعد ترتيبات وتحضير ومشاورات دامت لنحو 7 أشهر.

وتأتي الاجتماعات وسط تباين كبير في الشارع السوداني إزاء "تقدم"، بين من يرى فيها تعبيراً عن قوى التحوّل الديمقراطي والأمل الوحيد في توحيد وفعالية الجماعات المؤمنة بأهداف ثورة ديسمبر، ومن يقول إنها جسم "إقصائي" يعمل على احتكار حل الأزمة السودانية للوصول إلى السلطة بعد وقف الحرب.

وقال بكري الجاك المتحدث باسم "تقدم" لـ"الشرق"، إن 670 شخصية ستحضر مؤتمر أديس أبابا، بمن في ذلك هيئة التحالف القيادية وقوى مدنية وسياسية ومنظمات إقليمية ودولية، لافتاً إلى أن المؤتمر سيعمل على اختيار هيكل تنظيمي دائم، وطرح رؤية متكاملة للحل السياسي وقضايا التأسيس.

وأشار الجاك إلى أن المؤتمر سيصعّد قيادات جديدة ويستكمل الهيكل التنظيمي الحالي.

وإلى جانب حمدوك ومنظمات مجتمع مدني وبعض لجان المقاومة ومنظمات نسوية، تضم هياكل "تقدّم"، قوى الحرية والتغيير التي تتألف من عدد من التنظيمات السياسية أبرزها حزب "الأمة القومي" وحزب "المؤتمر السوداني" و"التجمع الاتحادي" و"الحزب الجمهوري"، علاوة على تجمّع المهنيين "اللجنة الأولى".

وتوقع رئيس تحرير صحيفة "الجريدة" السودانية، أشرف عبد العزيز، مشاركة وفد من الحركة الشعبية- شمال التي يتزعمها عبد العزيز الحلو، والحزب "الاتحادي الأصل" بزعامة محمد الحسن الميرغني، وحزب "المؤتمر الشعبي" الذي يقوده علي الحاج، فضلاً عن قيادات من الإدارة الأهلية، وربما حركة "تحرير السودان"، بزعامة عبد الواحد النور، إن نجحت المشاورات التي تجريها "تقدم" معه.

وعصفت الحرب الدائرة منذ أكثر من عام بين الجيش والدعم السريع، بالتماسك في النسيج الاجتماعي الهش نتاج الأزمات المتراكمة منذ عقود، وقضايا طبيعة الحكم وشكل الدولة وحضور الدين والعسكر في السياسة، ما خلّف انقسامات حادة، هذا علاوة على العيوب الهيكلية في الاقتصاد، التي راكمت الفقر، وخلّفت واقعاً مريراً، زادته الحرب بؤساً. 

وفي حين تقاربت مجموعة من الحزب الاتحادي الأصل بقيادة محمد الحسن الميرغني، والمؤتمر الشعبي بقيادة علي الحاج مع رؤية "الحرية والتغيير" منذ ما قبل الاتفاق الإطاري الذي وقعته مع الجيش والدعم السريع في ديسمبر 2022، تتباعد المواقف السياسية كثيراً بين "تقدّم" و"الحرية والتغيير" من ناحية، و"الكتلة الديمقراطية" من ناحية أخرى، والأخيرة تضم كتلة أخرى من الحزب الاتحادي الأصل يتزعمها جعفر الميرغني، نائب رئيس الحزب، بالإضافة لحركتي "العدل والمساواة" بقيادة وزير المالية جبريل إبراهيم، و"تحرير السودان" بزعامة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي. 

كما يسود التنافر البالغ بين "تقدّم" وغالب التيارات الإسلامية، ولا سيما التي كانت تدعم النظام السابق، في ظل اتهامات بين الطرفين. 

علاقة فاترة بالجيش واليسار 

وتظل قوى يسارية على رأسها الحزب الشيوعي السوداني وحزب البعث العربي الاشتراكي على خلاف مع "تقدّم"، وتتهمها بعض هذه القوى بالسعي لعقد اتفاق جديد مع العسكريين يكرّس لسلطة مدنية عسكرية "بعيدة عن أهداف الثورة".

وتبدو علاقة "تقدّم" بالحكومة السودانية والقوات المسلحة فاترة بعض الشيء، في ظل غمز من طرف الحكومة تجاه هذا التحالف بالنأي عن الحياد والاصطفاف مع قوات الدعم السريع، الأمر الذي نفته مراراً قيادات القوى المدنية الديمقراطية، مؤكدة أنها مع خيارات وقف الحرب فوراً والتفاوض بشأن مستقبل البلاد السياسي. 

وقال قادة "تقدّم،" أكثر من مرة، إنهم على تواصل دائم مع الحكومة السودانية والجيش، وطلبوا لقاء رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، لكن الجيش تجاهل هذه الطلبات فيما يبدو.

"وحدة بأسس جديدة"

وشدد المتحدث باسم "التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية"، محي الدين جمعة، وهو أحد مكونات "الكتلة الديمقراطية" التي وقعت على "ميثاق القاهرة"، على التباين الكبير بين الكتلة و"تقدم" بشأن كيفية إدارة الفترة الانتقالية.

واتهم جمعة في حديث لـ"الشرق"، "تقدّم" بمحاولة إقصاء القوى السياسية واختطاف السلطة، مشيراً إلى أن "الكتلة الديمقراطية" دعت لتوسيع قاعدة المشاركة وإشراك الجميع في اتخاذ القرار السياسي وإدارة الفترة الانتقالية.

واعتبر أن الاتفاق الإطاري الذي وقعته قوى الحرية والتغيير مع قادة الجيش والدعم السريع في ديسمبر 2022 كان سبباً في تفجّر الحرب.

وأضاف جمعة لـ"الشرق"، أنه "يجب توحيد القوى السياسية المدنية وطرح رؤية مشتركة لتحقيق أهداف ثورة ديسمبر"، داعياً "تقدّم" إلى طرح رؤية لوحدة القوى السياسية على أسس جديدة غير إقصائية.

كما شدد على ضرورة نفض التحالف المدني يده عن الاتفاق السياسي مع "الميليشيا" على حد وصفه في إشارة إلى الاتفاق الذي وقعته "تقدم" مع قوات الدعم السريع في يناير الماضي.

وتابع: "إذا التزمت تقدم بهذا الخط، فسيكون هو أساس الحوار معها وبوسعنا الضغط سوياً لتكملة ما تم التوصل إليه في اتفاق جدة في الشق العسكري وابتدار منبر سياسي جديد مشترك لتقديم رؤية جديدة لتكملة الفترة الانتقالية وصولاً لانتخابات حرة ونزيهة"، هذا على الرغم من الضغوط الشعبية الداعية إلى مقاطعة أي حوار مع "تقدّم" لتحالفها مع الدعم السريع.

غير أن قادة قوى "الحرية والتغيير" و"تقدّم" لطالما اتهموا "الكتلة الديمقراطية" بدعم الحرب والنأي عن أهداف الثورة والاصطفاف مع المكوّن العسكري ودعمه في تنفيذ ما يصفونه بانقلاب 25 أكتوبر 2021، الذي تعتبره الكتلة "تصحيحاً لمسار وأخطاء الحرية والتغيير".

انقسام حاد و"تخوين"

بدوره، رأى الخبير الاستراتيجي أسامة عيدروس، في حديثه لـ "الشرق"، أن الإحساس العام لدى المراقبين هو أن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدّم" تطرح نفسها باعتبارها هي في حد ذاتها الحل لمشاكل السودان.

ولفت عيدروس إلى أن هذا الإحساس "ولّد انقساماً حاداً في الشارع السياسي السوداني حيال التنسيقية لدرجة التخوين واعتبارها مخلباً سياسياً للدعم السريع، ومن خلفه دول أجنبية، خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا للسيطرة على السودان، ويرى هذا الفريق أن التنسيقية فقدت أي وجود أو تعاطف معها من الشارع السوداني".

وتابع أن "قطاعاً من السودانيين يرى أن (تقدم) هي فرصة السودان الأخيرة لوقف الحرب والانتقال نحو الديمقراطية، ويصر هذا الفريق على الدفاع عنها باستماتة".

وينظر عيدروس بإيجابية إلى أي تحالف سياسي مدني حسب رأيه، خاصة إن مرّ بفترة تأسيسية ديمقراطية وشفافة ليكتسب المشروعية الأخلاقية أمام من يقودهم.

وأضاف أن التنسيقية "تخسر كثيراً، حال إصرارها على أنها القوة المدنية الوحيدة في الساحة، وغضّت الطرف عن القوى السياسية الأخرى، ومن بينها الإسلاميون كرصيد ومصدر قوة للتحول الديمقراطي".

لكنه رأى أن خطوات "تقدّم" تشوبها العجلة وكأنها "تود اللحاق بسوق مزايدات ما"، وظهر ذلك في اتفاقات التنسيقية أو رئيسها على الأقل، عبد الله حمدوك، مع حميدتي وعبدالواحد محمد نور وعبد العزيز الحلو، وهي الاتفاقات التي كبلت خطوات "تقدم" بإكراهات لازمة النفاذ حتى قبل أن تعقد التنسيقية مؤتمرها التأسيسي، على حد وصفه.

"السيطرة على العملية السياسية"

وهذا كلّه، إضافة إلى الصراع المحتدم بين القوى والكتل السياسية، يضع على طاولة مؤتمر أديس أبابا جملةً من التحديات لخصتها المحللة السياسية السودانية، شمائل النور، في حديثها لـ"الشرق" في أن "تقدّم" لا تقف حالياً على مسافة واحدة من طرفي الحرب، في وقت تطرح دعوات لوقف الحرب والحوار.

وأضافت النور أن تقدم منحازة للدعم السريع بشكل سافر، بغضها الطرف عما وصفته بـ"الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في كل منطقة دخلتها".

وقالت إن "بيانات تقدم وأنشطة أعضائها في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي توضح ذلك بجلاء وخاصة نقد الجيش بقسوة والتعامي عن الدعم السريع"، مشيرة إلى أن "تقدّم" "اقترفت أكبر أخطائها بالتوقيع على إعلان مع قائد الدعم السريع، في حين كان يجب أن تجتمع بالطرفين، وتوقع إعلاناً معهما سوياً، طالما أنها تطرح نفسها كوسيط لوقف الحرب، وهذا ما أفقدها الحياد اللازم للإسهام في إسكات البنادق". 

وعادة ما يعلّق قادة "تقدم" بأن التحالف يدعو لوقف الحرب، ويبذل جهوداً مع الأطراف كلها لهذه الغاية، دون الاصطفاف مع طرف، من دون أن يغفلوا اتهام عناصر النظام السابق بتغذية مناخات الحرب والكراهية والتحريض. 

وبحسب النور، فإن "قوى الحرية والتغيير"، ما زالت تمارس ذات النهج القديم بمحاولة السيطرة على العملية السياسية بشكل تام وتوزيع الاتهامات على القوى السياسية الأخرى باعتبارها تدعم الجيش أو فلول النظام السابق، في حين أن المطلوب هو جمع كل القوى المدنية، أو على الأقل قوى الثورة.

ورأت أنه من الممكن معالجة كل هذه المشكلات في مؤتمر أديس أبابا بطرحها بشجاعة، لكنها قللت من شأن قدرة "تقدّم" على فعل ذلك، والدليل "المشكلات الداخلية حالياً في حزب الأمة القومي".

واشتعلت حرب البيانات داخل حزب الأمة القومي أكبر الأحزاب في "تقدم"، ودخلت الخلافات مرحلة الطعن في قانونية وشرعية القرارات ما يضع الحزب التاريخي في مهب ريح الانقسام.

وأعلن اجتماع لمؤسسة الرئاسة تزعمه نائب رئيس الحزب محمد عبد الله الدومة في 22 مايو رفضه مشاركة الحزب في اجتماعات تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، فيما قال رئيس الحزب المكلف فضل الله برمة ناصر إن اجتماع الدومة غير قانوني، لأنه تم بدون حضور أو تكليف الرئيس، وإن حزب الأمة القومي متمسك بمشاركته في "تقدم" وملتزم بحضور مؤتمرها التأسيسي.

"لا آليات واضحة"

وقال المحلل السياسي السوداني، محمد الأسباط لـ"الشرق"، إن "تقدم لا تمتلك آليات واضحة ولا قوة حقيقية على الأرض ولا بالضرورة قوة عسكرية لتسهم بحسم في وقف الحرب، لكن بوسعها تجاوز هذه التحديات بمزيد من العصف الذهني ودراسة وتحليل مشهد البلاد بعد عام من الحرب".

وطالب الأسباط "تقدم" بالانفتاح أكثر على القوى السياسية الأخرى لتجيب على سؤال المشاركة، وخاصة تلك القوى المؤثرة التي لم تلتحق بتقدم حتى الآن، وبينها قوى اليسار مثل الحزب الشيوعي السوداني وحزب البعث العربي الاشتراكي، إضافة للحركة الشعبية- شمال بقيادة عبد العزيز الحلو وحركة تحرير السودان بزعامة عبد الواحد النور، فضلاً عن القوى الحية على الأرض التي تمكنت بجهودها من وقف القتال في بعض المدن، مثل الفاشر التي صمدت طوال الأشهر الـ11 الماضية، إضافة إلى الضعين والمجلد، حيث فرضت على قادة الطرفين إسكات البنادق في هذه المناطق، فضلاً عن المستقلين والمبدعين والإدارة الأهلية والجماعات الصوفية.

ولفت إلى أن التنسيقية تواجه مشكلة كبيرة فيما يتعلق بالإعلام، مشيراً إلى أنها عهدت بهذا الجانب في التحالف لأشخاص لا علاقة لهم بمجال الإعلام، داعياً إياها إلى "إعادة النظر في وضع إعلامها، وإن لم تُحل المشكلة، فستكون (تقدم) قوى من دون صوت". 

وكانت "تقدّم" أجرت تغييراً في ناطقيها الرسميين الأربعة، الذين استبدلتهم قبل نحو شهرين بناطق رسمي واحد، هو بكري الجاك، الأكاديمي الذي كان مقيماً في الولايات المتحدة، بعد انتقادات طالت الأداء الإعلامي.

وخلص الأسباط إلى أن المؤتمر التأسيسي لـ"تقدم"، "لن يحدث أي تغيير يذكر حسب المعطيات الحالية".

تصنيفات

قصص قد تهمك