الصين تخطب ود حلفاء أميركا الآسيويين في محادثات تجارية نادرة

time reading iconدقائق القراءة - 8
أعمال الدورة التاسعة للقمة الثلاثية بين كوريا الجنوبية واليابان والصين، سول، 27 مايو 2024 - Reuters
أعمال الدورة التاسعة للقمة الثلاثية بين كوريا الجنوبية واليابان والصين، سول، 27 مايو 2024 - Reuters
دبي -الشرق

أجرت الصين محادثات تجارية نادرة مع قادة اليابان وكوريا الجنوبية، حلفاء الولايات المتحدة الآسيويين، في خطوة تستهدف منها بكين تعزيز "عالم متعدد الأقطاب دون تمييز اقتصادي"، وفق تقرير نشرته، الاثنين، صحيفة "وول ستريت جورنال".

وأشاد رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانج، خلال زيارة استغرقت يومين إلى سول، بمزايا "تنسيق العلاقات الاقتصادية" بين الدول الآسيوية الثلاث، في الوقت الذي تحركت فيه واشنطن لرفع الرسوم الجمركية على المركبات الكهربائية الصينية، وتقويض طموحات بكين في مجال التكنولوجيا الفائقة

وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينج حمل "رسالة مماثلة" خلال رحلته الأخيرة إلى أوروبا. 

وقال لي تشيانج، في مؤتمر صحافي مشترك، الاثنين: "يجب أن نزيل الشكوك، وننهي سوء التفاهم من خلال الحوار الصادق، وأن ندعم العلاقات الثنائية بروح الاستقلال الاستراتيجي، وأن نعزز العالم متعدد الأقطاب، وأن نعارض المواجهة والانقسامات بين الكتل". 

ورغم جميع مبادرات التعاون، إلا أن اليابان وكوريا الجنوبية، على غرار أوروبا، لا تزالان "تواجهان العديد من القيود" فيما يتعلق بمسألة التقارب الاقتصادي مع الصين، حتى لو أثارت الرسوم الجمركية الأميركية الأخيرة "بعض الآلام المشتركة" بين الجيران الشرق آسيويين.

وفي بيان مشترك، تعهد القادة الثلاث بعقد اجتماعات ثلاثية منتظمة، والتعاون في مجال التجارة وجهود الطاقة النظيفة. وأكدوا أيضاً على ضرورة تعزيز التبادلات الشعبية من خلال السياحة والتعليم.

أكبر شريك تجاري

ورغم دعوات الصين المتكررة إلى تجنب سياسة الحماية، لم تتوصل الدول الثلاث إلى أي مبادرات ملموسة لتحقيق هذه الغاية. ولكنهم اتفقوا على "مواصلة الاتصالات بشأن ضوابط التصدير". 

وتُصنف الصين كأكبر شريك تجاري لليابان وكوريا الجنوبية، إذ ترتبط مصائرهم الاقتصادية جميعاً ببعضها البعض في جميع المجالات، بداية من أشباه الموصلات، ووصولاً إلى المركبات الكهربائية.

ولكن في السنوات الأخيرة، وصلت سول وطوكيو إلى مستويات غير مسبوقة في علاقاتهما الأمنية والسياسية مع واشنطن. ويأتي رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا والرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول ضمن قادة قلائل في العالم أجروا "زيارة دولة" إلى واشنطن خلال فترة رئاسة جو بايدن. 

ويعد الاجتماع الثلاثي الذ عُقد الاثنين، الأول من نوعه بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية منذ ديسمبر 2019. 

وكان الشاغل الرئيسي للصين هو تثبيط كوريا الجنوبية واليابان عن فرض مزيدٍ من القيود على صادراتهما إليها، في خضم التنافس التجاري المستعر بين واشنطن وبكين. 

ورغم أن استئناف المحادثات رفيعة المستوى يمثل "تقدماً"، إلا أن الصين ستظل تواجه "قيوداً" تكبل محاولاتها لإقناع حلفاء الولايات المتحدة بإقامة علاقات تجارية أكثر قوة مع بكين، وفقاً لمحللين. 

وقال جيريمي تشان، كبير المحللين في مجموعة أوراسيا، وهي شركة استشارات في مجال المخاطر السياسية، لـ"وول ستريت جورنال"، إن "الصين تأمل استخدام القمة الثلاثية لمنع اثنين من شركائها الإقليميين السابقين من الانجراف بعيداً في الفلك الأميركي".

الرسوم الجمركية

وطبَّقت الولايات المتحدة، مؤخراً، رسوماً جمركية بلغت 18 مليار دولار على منتجات صينية من قبيل بطاريات السيارات الكهربائية، وأشباه الموصلات. 

وتماشياً مع التقاليد، تم تكليف لي تشيانج، المسؤول عن الإدارة اليومية للاقتصاد الصيني، ليحل محل شي، لتعزيز رسالة بكين فيما يتعلق برغبتها في التركيز على التجارة بدلاً من القضايا الأمنية. 

وأكد زعماء الصين وكوريا واليابان في اجتماعهم الثلاثي أنهم سيعملون على "تسريع وتيرة مفاوضات" أول اتفاقية تجارة حرة ثلاثية، والتي توقفت منذ عام 2019. 

ولفتت الصحيفة إلى أنه "حتى في خضم التفاصيل الدبلوماسية الدقيقة المتعلقة بالتعاون والشراكة، طفت الخلافات العميقة في الشؤون العسكرية والأمنية بين الدول الثلاث على السطح".  

ففي بيانين منفصلين، دعا يون وكيشيدا كوريا الشمالية إلى "الامتناع عن إطلاق قمر اصطناعي عسكري" كانت بيونج يانج أبلغت به طوكيو مسبقاً قبيل ساعات من القمة الثلاثية. 

ويمثل هذا الاختبار "انتهاكاً" لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ولم يعلق لي تشيانج على خطط كوريا الشمالية، ولكنه حث "الأطراف المعنية" على ضبط النفس. 

وبعد ساعات من مغادرة لي تشيانج وكيشيدا سول، في وقت متأخر من مساء الاثنين، أطلقت كوريا الشمالية قمراً اصطناعياً من مينائها الفضائي الرئيسي على الساحل الغربي للبلاد، وفقاً لما أعلنته وسائل الإعلام الرسمية في بيونج يانج. 

وأضافت وسائل الإعلام نفسها أنه يبدو أن محرك الصاروخ المطور حديثاً قد "تعطل" خلال المرحلة الأولى من إطلاق القمر الاصطناعي. ورصد الجيش الكوري الجنوبي "شظايا صاروخ محطم" فوق المياه الكورية الشمالية.

الصين وتايوان

وبالإضافة إلى ذلك، نقل كيشيدا خلال اجتماع ثنائي مع لي تشيانج، الأحد، أن اليابان تراقب عن كثب "التطورات ذات الصلة"، بما في ذلك "الأنشطة العسكرية"، عبر مضيق تايوان، والتي وصفها بأنها "بالغة الأهمية" للمجتمع الدولي. 

وقبل ذلك بأيام، بدأت الصين تدريبات قتالية واسعة النطاق حول تايوان. وقال لي تشيانج إن تايوان "في صميم اهتمامات ومصالح الصين"، حسبما أفادت وكالة الأنباء الصينية الرسمية "شينخوا".

وقال تونجفي كيم، أستاذ أبحاث الجغرافيا السياسية الآسيوية في كلية بروكسل للحكم، لـ"وول ستريت جورنال"، إن اليابان وكوريا الجنوبية "لا يمكنهما الانحياز بوضوح" إلى الصين ضد الرسوم الجمركية الأميركية لأن ذلك "قد يضر بعلاقاتهما السياسية مع واشنطن"، قبل أن يلفت إلى أن الدول الثلاث "تُظهر بشكل غير مباشر أن السياسات الأحادية التي تنتهجها واشنطن يمكن أن تدفع بحلفائها إلى التقارب مع بكين". 

وأضاف كيم أن "اعتماد الحلفاء على الحماية العسكرية الأميركية من شأنه أن يحد من استقلاليتهما في المجال الاقتصادي، ولكن واشنطن لا يمكن أن تتوقع أن يمتثل الحلفاء لمطالبها امتثالا أعمى".  

وحذرت الصين مراراً من توسع "الناتو" في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إذ يخطط الحلف لإنشاء مكتب اتصال في طوكيو، ودعا اليابان وكوريا الجنوبية، وهما شريكان من خارج "الناتو"، إلى حضور مؤتمرات القمة. والأحد، حذر لي تشيانج سول من تسييس القضايا التجارية والاقتصادية. 

وتُعد اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية "أحد مجالات التعاون المحتملة"، وفقاً لـ"وول ستريت جورنال"، التي أشارت إلى أن المحادثات "بدأت في 2012، ولكنها توقفت في السنوات الأخيرة".

واعتبرت ويندي كاتلر، نائبة رئيس معهد Asia Society Policy Institute، أن الجهود السابقة للتوصل إلى اتفاق "تعثرت"، وأن عقد اتفاقات تتجاوز الالتزامات البسيطة "يُعد أكثر تعقيداً في البيئة الحالية". 

وأضافت أن "الولايات المتحدة ستعول على أن حليفيها لن يُقدما على تقويض أجندة أمنهما الاقتصادي القوية مع واشنطن من خلال تبني مطالبات الصين في مجال التكنولوجيا على وجه الخصوص". 

ولكن حتى في الوقت الذي تعمل فيه واشنطن على بناء علاقات سياسية أقوى مع طوكيو وسول، إلا أن المشروعات التجارية في كل من كوريا الجنوبية واليابان تتقاسم أرضية مشتركة مع الصين من حيث إنها ستخسر جميعاً بسبب الرسوم الجمركية الأميركية المرتفعة، وقيود الاستثمار الصارمة. 

وفي اجتماع مساء الأحد مع رئيس شركة سامسونج، لي جاي يونج، شجَّع رئيس الوزراء الصيني الشركات الكورية الجنوبية، بما فيها الشركة العملاقة في مجال التكنولوجيا، على "توسيع نطاق استثماراتها" في الصين.

سامسونج بين بكين وواشنطن

ويواجه عملاق التكنولوجيا الكوري صعوبات في التعامل مع ضوابط التصدير الأميركية لمنع بكين من الوصول إلى الرقائق المتقدمة. 

وقال يوريزومي واتانابي، الدبلوماسي الياباني السابق ورئيس جامعة فوجي النسائية، إن اليابان حريصة على الحفاظ على سلاسل التوريد التقليدية مع الصين، رغم أنها تشارك الولايات المتحدة مخاوفها بشأن توريد الرقائق المتقدمة إلى بكين، وستتطلع إلى تأمين المكونات الصينية "بطريقة لا تستفز واشنطن". 

من جانبها، قالت باتريشيا كيم، خبيرة السياسة الخارجية الصينية بمعهد بروكينجز، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن العاصمة، إن الأطراف الثلاث "تبدو راضية" عن استخدام اجتماعها للإشارة إلى استئناف الاتصالات المنتظمة من خلال الالتزام بالتعاون بشأن التحديات المشتركة.

وأضافت كيم أنه "لا أحد تراوده أوهام بأن خطوط الانحياز في شمال شرق آسيا سيُعاد رسمها خلال هذه القمة، أو في أي وقت قريب".

تصنيفات

قصص قد تهمك