اختتمت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدّم" في السودان، الخميس، مؤتمرها التأسيسي الذي انعقد في العاصمة الإثيوبية، بحضور أكثر من 600 ممثل للتنظيمات المدنية والحركات المسلحة، معلنة عن "رؤية سياسية" لإنهاء الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسط تجاذبات بين مؤيد ومعارض بشأن هذه الرؤية.
وقال رئيس "تقدّم"، عبد الله حمدوك، الخميس، إنه يرفض ما وصفه بـ"محاولات وصم تقدم بالاصطفاف مع طرف من طرفي الحرب الدائرة"، معاهداً الشعب السوداني بالبحث بكل الطرق عن سبيل لوقف الحرب، لافتاً إلى أنه لن يستجيب لخطابات التخوين والابتزاز.
ودعا حمدوك، في كلمته أمام الجلسة الختامية للمؤتمر الذي احتضنته أديس أبابا، على مدى أربعة أيام، طرفي الحرب إلى وقف القتال فوراً، مشدداً على النأي التام عن دعم أية جهة، والسعي لوقف الحرب.
وأشار حمدوك الذي اختارته الهيئة القيادية الجديدة في "تقدم" رئيساً لها، على أن تختار نائبين له في وقت لاحق، إلى أن المؤتمر التأسيسي الذي عقدته التنسيقية بحضور أكثر من 600 شخص نجح في تحقيق أهدافه.
واندلعت الاشتباكات بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع في منتصف أبريل العام الماضي، إثر خلافات حول خطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش.
البيان الختامي.. تشديد على السلام
وذكرت "تقدم"، في بيانها الختامي، أن المناقشات التي شملت القضايا الإنسانية وأوضاع النازحين واللاجئين، ومحاربة خطابات الكراهية، إضافة إلى سبل تفادي الحرب الأهلية الشاملة، ووقف القتال الدائر، خلصت لـ"رؤية سياسية" لإنهاء الحرب.
ووفقاً للبيان، فإن المؤتمر أجاز رؤية سياسية لـ"إيقاف وإنهاء الحرب وتأسيس الدولة واستكمال الثورة"، وترتكز على الأسس التالية، وهي وقف وإنهاء الحرب، وإعادة الأمن والاستقرار وعودة النازحين، ووحدة السودان شعباً وأرضاً.
بالإضافة إلى إقامة دولة مدنية ديمقراطية تقف على مسافة واحدة من الأديان، والهويات، والثقافات، وتعترف بالتنوع وتعبر عن جميع مكوناتها دون تمييز، وإقرار أن المواطنة المتساوية هي أساس الحقوق والواجبات، والاعتراف بالتنوع التاريخي والمعاصر.
كما نصت الرؤية على تأسيس وبناء منظومة عسكرية وأمنية احترافية ذات عقيدة قتالية وطنية، إنشاء نظام حكم فيدرالي حقيقي عماده الاعتراف بالحق الأصيل لجميع الأقاليم في إدارة شؤونها ومواردها عبر مجالسها التشريعية وسلطاتها الإقليمية.
وناشدت "تقدم" في بيانها الختامي، أيضاً، المجتمع الدولي بالضغط على طرفي الحرب للعودة إلى المفاوضات وفتح مسارات إنسانية. وأضافت أن الأولوية القصوى والملحة هي الوقف الفوري غير المشروط للقتال.
كما أدانت التنسيقية في بيانها ما وصفته بـ"الانتهاكات الفظيعة" التي ارتكبها الجيش وقوات الدعم السريع والجماعات المسلحة المتحالفة معهما.
وأدان أيضاً المؤتمر "استخدام الغذاء كسلاح"، داعياً طرفي الصراع للعودة إلى التفاوض وإقرار آليات لحماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية.
"الشعبية" لا تتمسك بالعلمانية!
عمار أمون الأمين العام للحركة الشعبية شمال بقيادة الحلو، قال في حديث لـ"الشرق"، إن الحركة لا تتمسك بمصطلح "العلمانية" حال كان "مثيراً للحساسيات"، لكنه شدد على مصطلح "فصل الدين عن الدولة".
وأضاف أن "فصل الدين عن الدولة" يجب أن يكون ضمن مبادئ فوق دستورية للدولة السودانية، مشيراً إلى تعويل حركته على "تقدّم" لتكون منصة تأسيس جديدة "شريطة القطع مع السودان القديم".
وحضرت الحركة الشعبية المؤتمر بصفة مراقب إلى جانب الحزب الاتحادي الأصل "الجناح الذي يقوده محمد الحسن الميرغني"، والمؤتمر الشعبي الذي أكد لـ"الشرق" قبول حزبه برؤية "تقدّم" كبداية.
وأشار إلى أنه من الطبيعي استثناء المؤتمر الوطني في الفترة الانتقالية للظلال التي تحيط به نتيجة ما حدث خلال الـ30 عاماً الماضية.
وقال إنه يجب استثناء المؤتمر الوطني من الفترة الانتقالية، حتى تتم العدالة الانتقالية ومحاسبة المتهمين بجرائم أو تبرئتهم. لكنه أكد أن "الحركة الإسلامية" تختلف عن المؤتمر الوطني، ونرفض استثناءها خلال الفترة الانتقالية. وأضاف أن مستقبل السودان يجب أن "يهندس ويخطط عبر برلمان منتخب".
ورداً على جدل "علمانية الدولة"، قال نائب الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي محمد بدر الدين، لـ"الشرق"، إن المسائل الخلافية يجب أن تترك لبرلمان منتخب.
ولفت بدر الدين إلى أن "حزبه لا يعادي الجيش"، مضيفاً: "نحن أول من رفض تفكيكه ونادى بإصلاحه"، مشدداً على أن الجيش هو العظم الفقري للدولة السودانية، ولا يمكن المساس به ولم ألمس في قادة "تقدّم" أي عداء للقوات المسلحة.
انتقادات من داخل "الأمة القومي"
وفي بورتسودان وصف قادة في حزب الأمة القومي، وهو أحد مكونات تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، "تقدّم"، التنسيقية بالإقصائية، داعين الإدارات الأهلية والمجتمع المدني لتكوين جبهة عريضة لمناهضة الحرب.
وقال القيادي في حزب الأمة القومي، البشرى عبد الحميد، إنه من الضروري أن تذهب الأطراف إلى جدة للتفاوض بشأن كيفية وقف الحرب، رافضاً بشكل قاطع توقيع حمدوك على اتفاق وصفه بـ"المنفرد" مع رئيس الحركة الشعبية شمال، عبد العزيز الحلوـ والذي "ينص على علمانية الدولة وحق تقرير المصير"، وهو أمر مرفوض، وفق تعبيره.
غير أنه أشار إلى القادة الذين عقدوا مؤتمراً صحافياً انتقدوا فيه تقدم، لا ينوون قيادة انشقاق داخل الحزب، لكنهم سيعملون على تعديل قرارات رئيسه المكلف، فضل الله برمة ناصر.
وعصفت الحرب الدائرة منذ أكثر من عام بين الجيش والدعم السريع، بالتماسك في النسيج الاجتماعي الهش نتاج الأزمات المتراكمة منذ عقود، وقضايا طبيعة الحكم وشكل الدولة وحضور الدين والعسكر في السياسة، ما خلّف انقسامات حادة، هذا علاوة على العيوب الهيكلية في الاقتصاد، التي راكمت الفقر، وخلّفت واقعاً مريراً، زادته الحرب بؤساً.